أبحاث

مسألة التأويل في الأرثوذكسية الشرقية

مسألة التأويل في الأرثوذكسية الشرقية

مسألة التأويل في الأرثوذكسية الشرقية

مسألة التأويل في الأرثوذكسية الشرقية
مسألة التأويل في الأرثوذكسية الشرقية

لطالما اعترف العلماء الأرثوذكسيون بأهميّة مسألة التأويل في أبعادها المختلفة: التفسيرية، اللاهوتيّة والمسكونيّة[1]. فيما سعى المفكّرون الأرثوذكس نحو شرح التأويل الأرثوذكسي، تعاطى نتاجهم الأدبي بصورة أولية مع مظاهر عامة المسالة. لقد كتبوا جميعاً، بصورة افتراضية، من ضمن الأمانة للتقليد. بالنسبة إليهم، ليس لمسألة التأويل الإلحاحيّة ذاتها كما عند الغربيّين، لأن الأرثوذكس لا يفترضون مسبقاً إشكاليات الإصلاح ولا إشكاليّات التنوير.

بالطبع، تأثّر المسيحيّون في كل مكان، بمن فيهم الأرثوذكس، بميزات التنوير عبر العلم والتربية والتكنولوجيا والعلمانية. لكن المفكرين الأرثوذكس يحسّون أنّ لديهم أدوات نظرية وتطبيقيّة للسيطرة على الحضارة المعاصرة طالما أنّهم لا يذعنون للافتراضات المسبقة والثنائيات المسبقة والثنائيات الخاطئة التي في الإشكاليات الغربيّة.

هم يدركون أن المسألة الملحّة في التأويل بالنسبة إليهم هي على مستوى الحياة وليست على مستوى المبادئ النظريّة التي تحتاج، مع ذلك، إلى إيضاح. شعارهم هو الممارسة القويمة التي تتضمّن رؤية واسعة من التجدد بحسب الأصول الكنسية واللاهوتية الأرثوذكسيّة، بما فيها إعطاء الصوت الكامل لشهادة الكتاب المقدّس عبر العلم السليم.

مع ذلك، لا تتمّ الشهادة الأرثوذكسية الحيّة بمعزل عن الجهود لصياغة علم تفسير واضح في العبارات العامّة والخاصة. بالنسبة إلى الأرثوذكس، أسس جورج فلوروفسكي الإطار الواسع للمناقشة بتحديد خُلُق ethos الكنيسة الأرثوذكسيّة مستعملاً تركيبة آبائية جديدة neopatristic… هي اليوم مهمّة اللاهوت الأرثوذكسي وهدفه[2]. بحسب فلوروفسكي، تضمّ التركيبة الآبائية الجديدة بعدين لا يمكن فصلهما: لاهوتيّ وروحيّ.

أحد البعدين هو عقائدي مؤسّس على الأسرار الخريستولوجيّة الثالوثية المفهومة والمحتَفَل بها على أنها حقيقة خلاصيّة. أما البعد الآخر فهو روحيّ مثبّت على استعادة “فكر الآباء”، الذي هو رؤية بصيرة خلاقة متأصّلة في الإيمان والخليقة الجديدة ضمن حياة الكنيسة جسد المسيح. هذان البعدان لا ينفصلان لأن الحقيقة المطلّقة ليست مبدأ مجراً بل هي شخص، أي المسيح. ممارسة اللاهوت يجب أن تتمّ، بحسب القديس غريغوريوس اللاهوتيّ، على طريقة الرسل، وليس على طريقة أرسطو[3].

كتب فلوروفسكي: “بمعزل عن الحياة في المسيح، لا يحمل اللاهوت أيّ قناعة، وإذا فُصل عن حياة الإيمان، ينحط اللاهوت بسهولة إلى جدليات فارغة، إلى حشو فارغ[4]. لقد جسد فلوروفسكي هذه الرؤية الآبائية الجديدة في إخلاصة للتقليد كما في اتباعه العلمي للحقيقة.

حول المواضيع الكتابية، قدم فلوروفسكي رؤى ديناميكية للكتاب والإعلان والوحي والتقليد والكنيسة بمفتاح آبائي[5]. على مستوى اللاهوت الكبير، مساهماته كلاسيكية. لقد شدد على سلطة الكتاب كإعلان فيما يشير إلى سلطة التقليد على أنه “أساس التأويل” بالنسبة إليه، لا “يضيف” التقليد شيئاً إلى الكتاب إنما يكشف معناه الحقيقي ويفعله. التقليد، كتقليد حي، يعمل كمبدأ في التأويل لا فقط عبر القانون المعياري للإيمان، أي حمل العقائد المتوارثة، بل أيضاً عبر تفعيل رسالة الكتاب الخلاصية في التعليم والوعظ ومجمل حياة الكنيسة العبادية، “حياة مستمرة من الحقيقة والحق”. إنه يستعير Ellen Flessman-van-Leen مؤكداّ:

“الكتاب بدون تفسير ليس كتاباً بالمطلق. إنه يصبح حياً لحظة استعماله وتفسيره. التفسير الحقيقي للكتاب هو الوعظ في الكنيسة، إنه التقليد”[6].

ومع ذلك، لا يتورط فلوروفسكي في المناقشة العصرية لمسألة التأويل ولا يظهر بنفسه كيف أن ممارسة اللاهوت بحسب فكر الآباء تقدر على معالجة المسائل الجديدة بشكل خلاق والوصول إلى أجوبة متجددة. لا يناقش نقدياً مسائل من نوع تأثير التنوير على اللاهوت المعاصر أو طبيعة الدراسات التاريخية[7]. كما أنه قليلاً ما يأخذ مسائل محدّدة مثل مقارنة أدوار ومقاربات الكتاب الأدبية – اللغوية، الرمزية والمجازية وصحّتها.

ما هو بالتحديد دور الكتاب وسلطته على التقليد وبأي وسائل تُطبّق؟ ما هي العلاقة بين التفسير الوعظيّ والتفسير النقدي للإنجيل؟ ماذا عن سوء التفسير وسوء التطبيق في التقليد الوعظيّ الشعبيّ؟ وكيف نستطيع أن نتعامل مع الأمور المعاصرة، مثل الجنس والجنسانيّة، بطريقة أرثوذكسيّة أصيلة؟ لقد ترك فلوروفسكي هذه التحديات للآخرين المتأصلين في المبدأ الآبائي القائل بالعلاقة الإيجابية بين التقليد والكتاب، والذين حاولوا أن يدفعوا إلى الأمام مناقشة التأويل مع مزيد من التفاصيل.

من المناسب أن نراجع على ضوء هذه الاعتبارات جهود عدد من علماء الأرثوذكس المعاصرين في اليونان والولايات المتحدة. هدفنا إيجابيّ وهو تطوير موقف منظّم للتأويل الأرثوذكسي عبر نقد بنّاء ومناقشة متفاعلة، كلاهما دليل على البحث العلميّ الناضج[8].

قبل حوالي عشرين عاماً، بانايوتيس أندريابولوس Panagiotis Andreapoulos، أستاذ في جامعة أثينا، قام بقفزة جريئة إلى فكر التأويل الحديث عبر عمله الضخم والمميّز مسألة “يسوع التاريخيّ ” في فكر علم تفسير العهد الجديد المعاصر على ضوء لاهوت كيرلّس الإسكندري[9]. مع الأخذ في اعتبار السمة التقليدية للدراسات اللاهوتيّة اليونانيّة، هذا كان غزواً نادراً للإشكاليات البولتمانيّة.

بعد مراجعة الفكر التأويليّ عند شلايرماخر، ديلثي، هايدجر وغادامر، تابع أندريابولوس التأويل عند بولتمان وتلاميذه المتعلق بمناقشتهم للبحث الجديد عن يسوع الناريخيّ. بموازاة ذلك، قدّم فكر كيرلّس الإسكندري الخريستولوجيّ. رغم وضوح المعالم في وصفه الاثنين، إلا أن عمله المقارن لم يكن وافياً لأنه لم يطلع بشكل كاف في مسألة أطرهما المتباينة وافتراضاتهما الإبيستيمولوجيّة المختلفة. لقد انتهى متحيّراً في كيفيّة توصّل البولتمانيّين إلى هذه الاستنتاجات المسيحانيّة غير المقبولة، مع الأخذ في الاعتبار مبدأ البروتستانت “الكتاب وحده”[10].

لا يبدو أنه استوعب أن الإشكاليات البولتمانيّة كانت محددة بشكل حاسم بالتراث التنويريّ والأزمنة الناتجة من سلطة الكتاب في البروتستانتية. بافتراضه أنّ الإنسان المعاصر بحاجة إلى شيء على شكل التأويل البولتماني لمجابهة مسائل العصرية الحقيقية، لم يميّز أندريابولوس أرضية الفكر البولتمانيّ الفلسفية ولا قيمته العابرة، كما فعل المفكرون الغربيّون.

رغم جهوده اللافتة للنظر والمستحقة الثناء والتي بذلها في مصارعة المفكرين التأويليين المعاصرين، فهو مثال عن الصعوبات التي تواجه محاولات الأرثوذكس للاطلاع على قضايا مهمّة في لاهوت الغرب التعددي بدون الانتباه المناسب للأمور الإبيستيمولوجيّة الأوسع.

سابا أغوريدس، أستاذ دراسات كتابية في تسالونيكي وفي أثينا لسنوات عديدة، ومفكر متحفز بين المفكرين اليونان المعاصرين، عالج مسألة التأويل من زوايا مختلفة في أعماله العديدة[11]. ما يحتل المرتبة الوسطى في فكره التفسيري هو عمل مطوّل عنوانه “تفسير النصوص المقدسة”[12] إنجازه كان طرح مسألة التأويل على ضوء الحياة المعاصرة.

ويقدم اكتشافات فيها تحد وبلاغة في مواضيع الكنيسة والمجتمع، الكتاب والتقليد، الإعلان والتاريخ، الدراسات الكتابية الآبائية والمعاصرة، اللاهوت والروحانية، الليتورجيا والبحث الكتابي، وكلها بأسلوب عميق ونبويّ.

ومع هذا، فإن إنجاز البروفسور أغوريدس التفسيري مبهم. رغم ملاحظاته العميقة، يحتاج عمله إلى وضوح أكثر تكامليّة وشمولاً في الفكر. هو يوافق على أنّ المشكلة التفسيرية “المعذِّبة سببها” المسافة بين الفكرين الكتابي والمعاصر، لكن يبدو أنّه لا يعرف مدى فاعلية أوجه التنوير السلبيّة على مفهوميّة هذه المشكلة مع أنه يرفض التنوير بشكل عابر في مكان آخر[13]. لكونه التزام البحث التاريخيّ، هو يميّز عن حق التفسير والشروحات، ويقدّر كثيراً حرية البحث.

علاوة على ذلك، يجد أن عالم العبادة يعبّر عن جوهر الكتاب المقدس من دون أن يظهر العلاقة الإبيستيمولوجيّة بين الليتورجيا والدراسات النقدية[14]. هو يؤكد أن التقليد يحمل الحقيقة المعلنة ويضمنها، لكنّه يهمل مناقشة علاقة التوافق التي بين التقليد والكتاب نظراً لسلطة الكتاب في التقليد والمؤيدة له[15].

هو يتمسك بأن الحقيقة اللاهوتية الأساسية تُكشف على المستويين الاختباري والجماعي أكثر منها على المستوى الفكري، لكنه لا يقيم وزناً لوظيفة قانون الإيمان وحسّ الكنيسة العقائدية ولا يبدو أنه استوعب أن مفهومه الخاص لمسألة التأويل يتغذى جزئياً بمنظار عقلاني[16].

بالجوهر، هو يقول، على عكس رأي الآخرين، إن الجواب الأرثوذكسي الحاسم على مسالة التأويل هو في تركيبة ملتبِسة من الرؤية الأخروية في الليتورجيا ومفهوم التاريخ العالميّ الذي حكى عنه Pannenverg، لكن من دون محاول ردم الهوة الإبيستيمولوجيّة بين شلكيّات فكرهما التسبيحيّ والفلسفي[17].

ما يبدو أنّه يميز جهود الأستاذ أغوريدس هو تركيبة متلازمة من العظمة والإحباط. فيما هو يضطلع بمواضيع واسعة وملائمة، لا يحدّد الأوجه المهمّة والنقاط الحاسمة في مسألة التأويل يجب السعي نحو صياغة أوضح للتأويل الأرثوذكسي عبر مناقشة أكثر دقّة في تمييز مستويات التأويل المختلفة وعناصر هذا العلم: الإيمان والعقل، الكتاب والتقليد، الكنيسة والحضارة المعاصرة، بتعابير محددة.

الأب جون براك (Breck)، باحث كتابيّ أميركي أرثوذكسي، كرس عددا من أعماله لمناقشة التأويل. نشر مقالتين في 1976 و1983 وكتابه The Power of the Word in the Worship ظهر في 1986[18]. وقد لخص فكره لاحقاً في محاضرة ألقاها أمام حضور مسيحيّ مختلط[19]. هدف الأب براك الأساس هو إيجاد طريقة أرثوذكسية بين المقاربتين الأصوليّة والتاريخيّة. هو أيضاً يميّز بشكل صحيح بين المستويّين التفسيري والشرحي ويستوعب أن مشكلة التأويل الأولى تقع على المستوى التفسيريّ.

بالنسبة إليه، المنهجي التاريخية – النقدية هي بحد ذاتها حيادية، وهكذا هو يمنح كل الوزن للدراسة العلمية الدقيقة بهدف اكتشاف رسالة الكتاب وجعلها معاصرة “الأرض الحقيقية للإيمان والحياة الأرثوذكسيين”[20]. مع هذا، لا الدارسات التاريخية النقدية ولا مقاربات التأويل الغربية أثبتت ملاءمتها مهمّة حمل قوة كلمة الله. جواب التأويل الحاسم، بحسب البروفسور براك، موجود في تعليم الآباء حول الثايوريا، أي فعل تقبّل، أو الرؤية الروحية، لوجود الله المخلص والعمل الذي تشهد له كلمة الكتاب ويتفعّل بأسمى شكل في عبادة الكنيسة[21].

كما في حالة الأستاذ أغوريدس، يمكن طرح الأسئلة المشابهة حول فكر الأب براك التفسيري. فهو أيضاً يأخذ على عاتقه فكرة غير كافية عن الهوة التي بين الفكرين الكتابيّ والمعاصر، وهكذا هو يتكلم على الحاجة إلى ترجمة رسالة الكتاب بشكل ذي معنى إلى “الفكر المعاصر وإلى عالم من الشك الفطري”[22]. لكنه ليس واضحاً بالكلية كيف أن الدراسة العلمية تستطيع بهذا الشكل أن تتخذ مهمة العصرنة، أي حمل معنى الكتاب وقوته بشكل قادر إلى القراء المعاصرين.

على أساس أي مقومات وبأي أشكال سوف نسعى إلى الملاءمة مع العصريّة. لا يأخذ الأب براك في الحسبان فشل المسيحية الليبرالية بسبب تكيّفها مع الحضارة المعاصرة ولا المشاكل الإبيستيمولوجية التي طرحها التنوير كما ناقشها على نحو واسع الباحثون الإنجيليون (Evangelical)، على سبيل المثال[23].

نموذجه المقارن لجسر التأويل بين الكتاب والإنسان المعاصر: العظة عند البروتستانت، وسلطة البابا عند الكاثوليك والروح القدس عند الأرثوذكس، هو نموذج عمومي جداً[24]. لا يتغاضى فقط عن التعددية التأويلية عند الكاثوليك والبروتستانت، بل أيضاً عن أن كل المسيحيين يقدرون الروح القدس والعظة وأشكال التفسير الصادرة عن سلطة[25].

يركز الأب براك بشكل رئيس على الثايوريا بحسب الآباء، التي هي بالفعل مرساة قيمة في التأويل لكنها أحادية الطرف. في فهمه الثايوريا، فيما يرفض المجاز، يبرر البروفسور براك دارسة الرموز بدون أي إشارة مهمة إلى تفاسير رمزية سطحية في التقليد. كما أنه يربط عن حق الثايوريا بالبعد الليتورجي الذي يناقشه مطولاً في كتابه. الصعوبة هي أن الثايوريا هي بشك أساس رؤية روحية، كما ينتهي هو نفسه مؤكداً، وليست طريقة تفسيرية.

وكفعل تلق وحي، تؤثر الثايوريا نوعياً على مقاربة كل شيء بما فيه الكتاب، لكنها لا تستطيع أن تبتلع المهمة الاستطرادية في التعاطي مع ما عبر عنها فلوروفسكي “المحيطات الفكرية” للحقيقة المسيحية. في قراءة آباء الكنيسة، لا يقدم براك فرقاً مهماُ بشكل كاف بين الثايوريا كطريقة تفسيرية والثايوريا كمفهوم موحى به، وهي تمييز مقارن في اللاهوت الاستطرادي والمستيكي أو بين التفكير اللاهوتي والتعبير التمجيدي.

بالطبع، أثناسيوس وياسيليوس وأخوه غريغوريوسن مع أنهم عملوا في رؤية روحية غامرة، فقد فسروا الكتاب بتعابير عقلانية قرينية ونحوية، بخاصة في مجادلاتهم المتجولة مع الهراطقة. رغم أن البعدين لا ينفصلان، فهما يتضمنان عمليات تفسيرية متمايزة لا يستطيع أحدهما أن يختزل الآخر.

كنتيجة، ينبغي ألا تعتم العبارة التقنية على حقيقة أن الثايوريا كرؤية روحية ليست سوى أفق الإيمان الحي، أي الالتزام والانفتاح الروحي، الذي يقبض على قوة الكلمة الكتابية التي تغيّر وتخلص والتي أطلقها الروح القدس، سواء عبر عظات أو قراءات شخصيّة أو الاحتفال الجماعي في العبادة[26].

كل المسيحيين، أرثوذكس وكاثوليك وبروتستانت، يؤكدون هذه الحقيقة. رغم فقدان الغنى الليتورجي عند الكثير من البروتستانت، ليس صحيحاً أن التشديد على العظة، أي الإنجيل وعرضه، يحول الكلمة إلى “ظاهرة محض كلامية”[27]. كل المسيحيين التقليديين يتمسكون بالتعليم حول الاستنارة الداخلية بالروح. الكل يغذي البعدين الكلامي والتأملي ويسعى إلى توازن صحيح بينهما. من الجانب الأرثوذكسيّ، الملء الإفخارستي بدون شرح الحقيقة الكتابية ممكن أن يتمزق بممارسات طقسية.

الإيمان، الصلاة، الانتباه لكلمة الإنجيل، سواء مقروءة أو مسموعة أو موعوظة، كما العبادة الجماعية والعيش المسيحي الملتزم، هذه كلها تشكل روحياً العالم المتقبل الذي فيه يحول الروح القدس الكلمة الكتابية إلى كلمة حية لكل المسيحيين.

فلنسلم كلياً أن آباء الكنيسة، على مثال نظرية الإنجيليين، طوروا تفاسير رمزية ومجازية مختلفة من منظار رؤية موحى بها. ولكن من المنظار عينه، هم أيضً قدّموا كمّاً من التفاسير المباشرة مطبّقة على الإيمان والممارسة. أغلب هذه، كما في تعليقات الذهبي الفم الوعظيّة، أُعطيت بدون إشارة إلى الثايوريا أو الرؤيا الإفخارستية، التي قد تكون افترضت مسبقاً، لكنها لم تُستحضر علناً ولم تكن ضروريّة لفهم تعليم الكتاب وتطبيقه.

علاوة على هذا، في محيط التربية اليونانية العالية اللغوية والفلسفية، مال الآباء الكبادوكيون نحو التفسير النصي واللغوي المتأني، بخاصة فيما يتعلق بالمناظرات العقائدية التي تضع مسألة الدقة القياسية (syllogistic) والترابط المنطقي في الواجهة[28]. إذاً، منظار الثايوريا، سواء علناً أو ضمنياً، أدى إلى فيض من التفاسير الأدبية – اللغوية، الرمزية، والمجازية بين آباء الكنيسة.

إذا كانت الرمزيّة والمجازيّة تنطلقان من منظار نظري، لماذا نَبذُ الأولى واتخاذ العناء لتبرير الأخيرة؟ هل هما، كطريقتين، مختلقتان فعلاً إلى درجة تثبيت واحدة ورفض الأخرى؟ أيضاً، لماذا إعمال التفاسير المتعدّدة المباشرة والتعليمية التي هي لا مجازيّة ولا رمزيّة؟

لماذا، بهدف الوضوح، لا نميّز بين الأدبي، المجازي والرمزي من التفاسير ونسميها بأسمائها الحقيقية كممثلة لمقاربات منهجية مختلفة، ونترك الثايوريا في مهمتّها الروحيّة والمستيكيّة الخاصّة في ملاءمة قوة الله المتعالية، التي لها وزنها بحدّ ذاتها؟ إن حقيقة كون الثايوريا الأنطاكية قد مالت نحو أخذ النص الكتابيّ والتاريخ بشكل أكثر جديّة من الثايوريا الإسكندرية، هي حقيقة لا تحول وحدها التفسير الرمزي على تفسير تاريخي – نقدي، كما أنها لا تجعل التفاسير الرمزيّة بلا معنى.

كلا المجازيّة والرمزية تتخطيّان مستوى التفسير النصيّ – اللغوي ويجب تقديرهما على مستوى التأويل بسبب أهدافهما وعملهما. فيما الاثنتان قد تقودان إلى المبالغات، إلا أن لكل منهما جدارتها لكن ليس كتفسير تاريخيّ – نقديّ.

قد يمكن توضيح أحجية التأويل في أطروحة الأب براك بتمييز بُعدين إبيستيمولوجيين على المستوى التفسيريّ: الأول منطقيّ بالدرجة الأولى وحاسم، والثاني تأمليّ وحدسيّ. في دعمه للثايوريا كفهم للحقيقة الإلهية الموحى بها من الروح القدس، وفي تأييده التفسير النظري على أنه المثاليّ للمفسّرين اليوم، ينظر الأب براك إلى هدف الليتورجيا وعملها فيكتب: “كما يشترك اليهود بالخروج من كل فصح، كذلك يشترك المسيحيّون باللحظات الحاسمة من حياة المسيح وبشارته”[29]، أي في عبادة الكنيسة.

مع هذا، فالعبادة هي عالم خصوصي وليست تقويماً عقلياً للحقيقة التي في تقاليد الجماعة المقدسة. فالعبادة بطبيعتها الخاصّة هي مستوى من التأمل التفسيريّ تقوم عليه كل جماعة دينية بالاحتفال بنصوصها المقدّسة وبتخليدها مع ما تدّخر فيها من خبرة مع الله. وقد تنتج منها تفاسير “نظرية أرثوذكسية أو كاثوليكية أو بروتستانتية أو يهودية.

وهما كانت العبادة مهمّة بهدفها وعملها، إلا أنه لا تستطيع أن تحل محل اللاهوت النقدي، أي محل المقاربة المنطقة للحقيقة كفيض تمّ إثباته في المناظرات العقائدية التي كانت بالدرجة الأولى استئنافات قياسيّة أكثر منها نظرية في تفسير النصوص الكتابيّة من قِبَل الآباء والهراطقة. كما أن أحداً لا يستطيع أن يشير إلى احتكام الآباء إلى سلطة التقليد الليتورجي لشرح العقيدة لأنّ هذا الشرح تمّ على مستوى اللاهوت المنطقيّ.

إذاً، في اتّباع آباء الكنيسة، يجد المرء صعوبة في المصادقة على دراسة الكتاب النقديّة وفي إرساء تفسيره على إدراك روحي أحادي الجانب باستطاعة كل إنسان أن يدعيه. بالطبع، يجب عدم التقليل من أهميّة الإدراك الروحيّ كصيغة حاسمة من الخصوصيّة الشخصية والجماعيّة للحقيقة الخلاصيّة وقوة كلمة الله. لكنّ هذه الخصوصيّة، إن لم تكن زلّة إلى الذاتانيّة المرفوضة، يجب أن ترتبط بشدة وتؤسَّس على “الأطر الفكرية” للشهادة الكتابية لبعض المنهجيات التب تتضمن عملية قياسيّة مركزة استناداً إلى التوافق الآبائي بين الإيمان والعقل.

لا يمكن اعتبار أيّا من الطرائق، سواء أكانت الأدبية أم المجازيّة أم الرمزيّة أم غيرها من الطرائق المعاصرة، مطلقة، كما لا يمكن رفض أياّ منها، كونها جميعاً، من حيث المبدأ، تسعى إلى توصّل عمليّ إلى المعنى المفاهيميّ للنصوص الكتابية. ينبغي بالأحرى تقويم كلّ منها على أساس هدفها وجدارتها. السؤال الحاسم ليس التلقي الروحي فقط بل أيضاً الحقيقة اللاهوتية.

من هذا المنظار، العوامل الحاسمة في التأويل هي ما أدركه آباء الكنيسة منذ زمن طويل: ادّعاءات الكتاب الحقيقيّة التي، عند تفنيدها، يجب تفسيرها بشكل موثوق بحسب التوافق العقائدي في الكنيسة. الغريب هو أنّ لا الأستاذ أغوريدس ولا الأب الأستاذ برك اختار أن يناقش بشكل تقديّ ارتباط العقائد بالتأويل[30]. علاوة على ذلك، الإشارة الأرخميديّة في التأويل هي بالتحديد البحث عن الحقيقة، الحقيقة اللاهوتية المعيارية، التي تعمل في آن واحد كإطار توحيديّ ومعيار مطلق للطرائق كافّة ومختلف التفسيرات المتنوعة.

هذا السعي إلى الحقيقة المعيارية هو اضطلاع بأكثر أسئلة التأويل حدّة. وفيه نجد التأمّلي والمنطقي، النسكيّ والعقلي، الإيمان والعقل متلازمة نقدياً. على أي أساس يستطيع التقليد الحي والخلاق أن يواجه بشكل أصيل ظروفاً جديدة ومعرفة جديدة؟ هذا للقول بأيّ ميازين نستطيع كشف ما هو معياريّ في الإيمان والممارسة وتحديده، ليس فقط في الماضي البعيد، إنما أيضاً في الحاضر المليء بالتحديات والمفتوح على أمور جديدة تطرأ؟

موقف الأب يوحنا رومانيدس في التأويل، وهو الأخير في هذه المراجعة، يجيب جزئياً عن الأسئلة الأخيرة التي يمكن طرحها إذا استطاع المرء الإشارة إلى سلطة حيّة تجمع ذاتها النسكيّ والمنطقيّ، النظريّ والعمليّ، وبهذا تعمل كمقياس معياريّ وكشف لا يخطئ للحقيقة المسيحيّة في الحاضر الدائم التغير والمستقبل المجهول. هذا هو تماماً موفق الأب رومانيدس التفسيريّ وهو يبني علماً كاملاً لاهوتياً وكتابياً على أساس نموذج القديس المواهبيّ (charismatic)[31]. في المقاطع التالية تلخيص لموقفه هذا.

بالنسبة إلى البروفسور رومانيدس، القديسون بامتيازهم الأنبياء والرسل أي أولئك الذين كانت لهم خبرات مباشرة مع الله بحلة مستمرّة وديناميكيّة من التمجيد الذي يسميّه آباء الكنيسة ثايوريا أو تمجيداً بالنعمة. فخبرات الأنبياء والرسل الإلهية السامية كانت فوق المفاهيم التأملية والصور، وكانت تمنح أصحابها معرفة مباشرة عن الله وتؤهلهم لقيادة الآخرين نحو الله بشكل لا يخطئ عبر كلمات وصور تحمل المفاهيم التي تناسب مستوى فهم المستمعين.

هذا التقليد حول رؤية الله والمشاركة في المجد الإلهي هو تقليد حيّ في المسيحيّة الشرقية، ويُفترض أنه مستمر في عدد محدود من القديسين المعروفين أو المجهولين، أيّ أنه عنصره مستمرّة تشكل أعلى إعلان عن الله ومعرفة له. إحدى النقاط التي تأسر الاهتمام عند الأب رومانيدس هي أن المعنى الحقيقي لمبدأ “الكتاب وحده (sola scriptura)” هي لا شيء غير التمجيد بالنعمة جامعاً وحدة الخبرة المباشرة وهويتها ومعرفة الله عند الأنبياء والرسل والقديسين.

هذه الخبرة الموحدة هي “المفتاح لفكّ أسرار الكتاب… التي بدونها يبقى الكتاب سراً مخبئاً حتى لعلماء الكتاب[32]، من الأرثوذكسيين وغيرهم. بالنسبة إلى رومانيدس، وحده القديّس الحقيقي، أي ذاك الذي تخطى مرحلة التطهّر وبلغ مرحلتي الاستنارة والكمال، يستطيع تفسير الإعلان الكتابيّ بشكل لا يخطئ على مستوى الكلمات والمفاهيم بفعل تمتّعه “بالنوع ذاته من المعرفة” التي كانت للأنبياء والرسل أنفسهم.

اقتراح البروفسور رومانيدس يدعى بقوّة مفاهيم نظريّة وتطبيقات عمليّة تتكل على بعضها البعض[33]، أي أنه يدعو إلى وحدة بين النسكي والعمليّ. فعلى المستوى العملي، ممكن أن نجد قديسين غير معلنين بلغوا الثايوريا، وهم متحرّرون كليّاً من عبوديّة الخطيئة والشيطان ومحبّة الذات، وهم في مجد الله والمحبّة غير الأنانيّة شهود معصومون يعلّمون الطرائق التي تؤدي إلى الله.

إنهم لاهوتيّون بالمعنى الكلاسيكي للكلمة، أي عارفون موثوقون لله ومتحدثون باسمه، لا بالعقل التأمليّ بل بالخبرة المباشرة معه على طريقة الأنبياء والرسل. هؤلاء الأشخاص، هم وحدهم، الذين تطهّروا من أهوائهم الفاسدة وبلغوا على الأقل الاستنارة وكشف الأرواح، أن لم يكن التمجيد الفعليّ، هم المرشدون الحقيقيون في التفسير الكتابيّ. كل الآخرين هم مجرد “لاهوتيين بالاسم”، ومحتَمَل أنهم دجالون ومنحرفون عن الحقيقة بدرجات مختلفة. بحسب هذا اللاهوت المؤسّس على الثايوريا، يترافق التعلّم مع التطبيق.

على الطالب أن يلازم معلماً قد اختبر الاستنارة. أمّا المعلّم، كأب روحيّ، يستطيع أن يقود الطالب لكنّه لا يستطيع أن يفعّل فيه الثايوريا، التي هي عطية من الروح القدس وحده. ورغم ذلك، كل هذا يعني أنّ:

اللاهوتيّ الأرثوذكسي والأب الروحي هما واحد. لا يستطيع الرجل أن يكون لاهوتياً بدون أن يكون أباّ روحياً ولا يستطيع أن يكون أباً روحياً إن لم يكن لاهوتياً[34].

من الجانب النظريّ، يقدم الأب رومانيدس ملاحظات على القدر ذاته من الأهمية. إنّه يطرح مسألة الافتراضات المسبقة التي في ممارسة اللاهوت. بحسب الأب يوحنا، المقاربة الأوغسطينية للكتاب المقدّس واللاهوت انحرفت عن النموذج الكتابيّ والآبائي القائم على الخبرة وفقدت الرؤية حتى في التمييز الحاسم بين الخالق والمخلوق.

لقد افترضت بطريقة أفلاطونية وجود نماذج أولى أو عوالم غير مخلوقة، وبهذا افترضت مسبقاً وجود تشابه حقيقي وتناظر وظيفي بين مراتب الكائنات المخلوقة وغير المخلوقة، وكأن الاثنين ينتميان إلى نظام واحد من الحقيقة، يمكن اختراقه بالعقل البشريّ. يذكر الأب رومانيدس أنه، بحسب تعليم أوغسطين، يبلغ الله ما يريد إلى الإنجيليين في لحظات محدّدة من الوحي وبشكل لا يخطئ وفي كلمات تحمل مفاهيم وصوراً لم يفهمها الكتّاب بالضرورة.

في هذا المنظار الأوغسطينيّ، تماهي الكتاب المقدس مع أشكال مخلوقة مع الإعلان الإلهي إذا اعتُبر، خطأ، أن كلمات الكتاب المقدس بحد ذاتها هي الاعلان. تالياً، الفكر البشري الذي طالما امتحن عالم الحقائق الإلهية الثابتة، يستطيع أن يكتسب تدريجياً معرفة أعلى للنماذج الأولى الأبدية، بما فيها سر الثالوث القدوس، وهي معرفة قد تكون أعلى من تلك التي بلغها الأنبياء والرسل أنفسهم.

هذه الإبيستيمولوجيا الأوغسطينية هي البنية الأساسية التي تهلك كل الفكر التأمليّ الغربي، الذي تصدع بالضرورة في العصور الحديثة، حيث الإسمانية الفلسفية والدارسة العلمية لتدفق كل الأمور “أضعفت فكرة الحقائق الثابتة غير المتغيرة العزيزة على الأنظمة الفلسفية واللاهوتية في الغرب. بتعابير أخرى، يستطيع المرء أن يشرح لماذا انهار الإيمان بالحقيقة المطلقة والقانون والقيم الأخلاقية كمعايير للفكر والتصرف في الحضارة الغربية بشكل شامل[35].

هنا تلخيص البروفسور رومانيدس لموقفه في التأويل:

لا يستطيع التأمل الجدلي مطلقاً أن يكون مصدراً للتعليم الموثوق كما لو أن الكنيسة، عبر بابا أو مجامع أو علماء كتاب بروتستانت، تستطيع أن تحول البحث إلى عقيدة.

سلطة الحقيقة المسيحية ليست كلمات الكتاب المقدس المكتوبة بحد ذاتها، التي لا تستطيع من ذاتها أن تعبر عن الله أو أن تنقل مفهوماً ملائماً عنه، بل بالأحرى هذه السلطة هي الرسول والنبي والقديس الذي تمجد بالمسيح واتحد في خبرة المجد هذه بكل أصدقاء الله من كل العصور.

إذاً، الكتاب المقدّس وكتابات الآباء وقرارات المجامع ليست وحياً بل حول الوحي. فالوحي ذاته هو فرق الكلمات والمفاهيم، مع أنه يلهم هؤلاء المشاركين في المجد الإلهي للتعبير بدقة وبدون خطأ عن ما لا يمكن وصفه بالكلمات والمفاهيم.

بالنسبة إلى الآباء، الموثوقية ليست الكتاب وحده، بل الكتاب يضاف إليه المتمجّدون. فالكتاب ككتاب ليس بحدّ ذاته ملهَماً ولا معصوماً. إنّه ملهّم ومعصوم ضمن شركة القديسين الذين اختبروا المجد الإلهي الموصوف ولكن غير المنقول فيه. بالنسبة إلى الذين خارج تقليد الثايوريا الحي، الكتاب المقدس هو كتاب لا تُحل أسراره[36].

فكر البروفسور رومانيدس التفسيري واضح المعالم في تركيزه الكتابي على خبرة الله المباشرة التي هي قلب الإعلان الكتابيّ، كما في حنكته الفلسفيّة التي هي تحرّرٌ في الفكر من الإبيستيمولوجيا الأفلاطونية. ما يخص الأخيرة، التأكيد على وجوب السعي إلى الحقيقة في عبارات شخصية وعلائقية أكثر منها في نماذج أولى مجردة وأزلية، هي في الوقت ذاته إراحة من القلق على طريق فلسفي مسدود وفتح آفاق جديدة في السعي إلى الحقيقة المُعاشة.

ما يتعلّق بالأول، إعلاء شأن خبرة الله المباشرة هو تضمين جوهر شهادة الكتاب المقدس كما هو جوهر التجوال البشري المشترك. لا يوجد شيء أكثر عمقاً وإلحاحاً بالنسبة إلى كل كائن بشري من اكتساب خصوصيات مع الله الحي.

بالواقع، يتداخل المنظاران، الشخصي – الاختباري والإسمانيّ – الفلسفي، بطريق تأسر الاهتمام عند الأب رومانيدس، طريقة تدويّ صحيحة وتعطي فكرة وحدة قويّة جذابة. إنها بالتأكيد شهادة قيّمة لآباء الكنيسة العظماء، الذين كانوا أصحاب حنكة فلسفية في عصورهم، وتدريجياً أداروا ظهرهم لأفلاطون وبتأن تبعوا طريقة الكتاب في معرفة الله. ليس أقل فضائل الأب رومانيدس تذكير العلماء المعاصرين باستمرارية اللاهوت الكتابي والآبائي الأساسية وبوحدته.

في جهوده لطرد الشبح الأفلاطوني الذي يوجّه دائماً الأشخاص إلى الاتكال على الحقائق المجردة أكثر من الاتكال على الله الحي نفسه، لقد بيّن ما هو لبّ الفكر الآبائي أي المحتوى والرؤية الروحيين. طريقة الآباء هي طريقة الكتاب المقدس. بإمكاننا أن نضيف أن الإخلاص للكتاب كان تماماً القوة التي تحركت ودفعت آفاق الأفلاطونية إلى الخلف في فكر المفكرين المسيحيين القدامى، وهي طريقة تفكير مثيرة للاهتمام حول كيف أن “موسى تخطى أفلاطون”، أي كيف فتح علم الوجود (ontology) الأفلاطوني الطريق للشخصانية الكتابية[37].

في أي حال، طرح رومانيدس في التأويل مثقل بالأحادية من جهة طريقته الخاصة، بسبب بعض الادعاءات الصارمة أكثر من اللازم والتي تؤثر على قيمة فكره وقدرته على الإقناع. على المستوى الفلسفي، مع ترك مسألة التفسير الأوغسطيني للخبراء في هذا المجال، إن نوعاً من الاسمانية يجب تلطيفه باعتبار أن “الكلمات والصور الحاملة المفاهيم” تحمل نوعاً من استقرار المعنى.

في رفض فكرة النماذج الأولى والكونيات الخالدة، يجب الأخذ في الاعتبار النظرة الكتابية والآبائية بأن في الكتاب المقدس تعاليم واضحة وملزمة حول الله وطرائقه المتاحة للجميع. ليس بالضرورة أن يتبنى المرء ما ورائيات أفلاطون حول الحقيقة الثابتة ليؤكد أن الكتاب، على مستوى تبادل الكلمات والصور، يحتوي على نظرات ثابته وأسس وحقائق تتعلق بأمور كالله والأوثان، النعمة والإرادية الحرة، المحبة والكراهية، الصدق والكذب، الغفران والثأر، العدالة والاستغلال، العطاء والأنانية، والرجاء واليأس.

ليس ضرورياً أن يمضي المرء بعيداً في قراءته كتابات آباء الكنيسة اللاهوتية والعملية، كباسيليوس والذهبي الفم، حتى يرى الموثوقية الكبيرة الي يعزونها إلى الحرف والمعنى الجلي للكتاب المقدس كمصدر للتعليم عن الله وإرادته، مؤمن للجميع. لقد اتكل هؤلاء الآباء بشدة على وضوح المعنى وثباته في النص الكتابي واستخرجوه بالتفسير الحرفي واعتبروا أن أي قارئ قادر على المتابعة بدون أي تقنيات باطنية.

إن الادعاء بأن “الكتاب غير ملهم” هو وقوف في وجه كل التقليد الآبائي واقتطاع من قاعدة شهادة الكتاب لتعاطي الله مع كل الشعوب. الظهور بمظهر الادعاء بأن المعنى الثابت والأكيد على مستوى الكلمات والصور لا يمكن بلوغه بالفهم البشري العادي هو اجتثاث للتواصل البشري والبحث العلمي كما والرجاء بحوار ذي معنى ومصالحة ممكنة بين المتنازعين، الأرثوذكسيين والهراطقة على السواء. نحن لا نقول إن معنى الكلمات والصور الكامل المتاح للجميع هو كل شيء، لكنه جزء أساس من الحقيقة التي عن الله ومنه، والتي جميعنا مدعون للسعي إليها.

الصعوبة المركزيّة في طرح رومانيدس هي التركيز المفرط على القديس المواهبي الذي يبدو فوق الكتاب والمجامع وحتى فوق الكنيسة. نحن لا نتساءل حول تقليد الآباء الروحيين الغني والقيم في المسيحيّة الشرقيّة[38].

كما أننا لا نتساءل حول الدور الأساس للصور الكتابية الرئيسة وللقديسين العظماء في مجمل حياة شعب الله. نحن نتساءل حول اقتصاريّة النموذج المواهبي الذي يبدو أنه يرفع القديس إلى رمز لاهوتي مُغالى فيه. قد يُجرب المرء بمقارنة التباس القديس المثالي المطالب بالكثير بغموض تشديد البروتستانت على كلمة الله التي ينسبون إليها رفعة مماثلة.

ولكن من هم هؤلاء القديسون المتمتعون بالخبرة الإلهية ذاتها والقادرون على الاتصال بدون خطأ بينهم ومع الآخرين، وغير المباركين بالثايوريا؟ بعد خبرة تجلي يسوع، يوحنا ويعقوب لم يترفعا عن التطلع إلى كرامات خاصة في المجيء الثاني الذي كانا ينتظرانه ولكن بشك أرضي (مرقص 10: 35). بغض النظر عن مكانتهما غير القابلة للمناقشة، كان بين الرسولين بطرس وبولس اختلاف لافت للنظر حول أمر مهم في حياة الكنيسة، ما أدى ببولس إلى مواجهة بطرس علناً (غلاطية 2: 11-14)[39].

كما أن كتاب الأعمال يشير إلى مشاجرة بين بولس وبرنابا حول عدم استقرار يوحنا مرقص ما سبب افتراقهما في العمل البشاري (أعمال 15: 36-41). إذا كانت هذه النزاعات جرت بين الرسل، فلن يحس المرء بالحرج إذا سرد عدداً من الأمثلة بين آباء الكنيسة. بالواقع، أغلب الهراطقة ممكن وصفهم بالرموز المواهبية.

ما هو الدليل الذي يقدمه رومانيدس لهذا النموذج المشار إليه أعلاه في التأويل؟ يتمثّل في ثلاثة اسنادات من القديس غريغوريوس اللاهوتيّ حول استحالة فهم الله وضرورة التطهر الروحي في السعي إلى معرفة سر الله[40]. إنه يشير إلى الفعل (يلاحظ، يفهم، أو يمتلك…) المستَعمل في إنجيل يوحنا للكلام على رؤية المسيح أو معرفته. أخذ الأب رومانيدس حرية ترجمة هذا الفعل كاسم: “لينظروا مجدي” (يوحنا 17: 24). تالياً هو يبث فيه المعنى الآبائي التقني.

لكن استعمال الاسم ليس محصوراً في انجيل يوحنا بل في مرة أخرى في العهد الجديد وبفارق دقيق مختلف (لوقا 23: 49)، بشكل يصعب اعتباره دليلاً على فهم تقني عميق للثايوريا. بالواقع، يقدم الإنجيل الرابع فيضاً من العبارات المعرفية وكلها مطبقة بدون تمييز على علاقات المسيح بالجميع، مؤمنين وغير مؤمنين على السواء.

فيما يتعلق بخطبتي غريغوريوس، فالهدف منهما هو: إذا تطهرنا كما ينبغي، “فلنتفلسف ضمن حدودنا”[41] لأن “الطبيعة الإليه لا تُفهم بالعقل البشري”[42]. يتكلم غريغوريوس على الاستعمال الحسن للعقل مكملاً بالإيمان[43]. إن احتكامه إلى المعرفة المستيكية هو ضد المذهب العقلي الأريوسي والأقنومي. وليس ضد الاستعمال العادي للعقل في اكتساب معرفة كتابية عن الله مُتاحة للجميع.

غريغوريوس نفسه يستعمل كثيراً العقل والبلاغة المكتسبين من تربيته الإغريقية الكلاسيكية، على الأقل في استعماله الإغريقي للتمجيد الذي يملؤه بشكل أكيد من المعنى الكتاب. كل هذا ليس بأي طريقة للقول إن البعد الاختباري والمستيكي غير مهم في الإنجيل الرابع أو في غريغوريوس. على العكس، نحن نؤكد الأهمية في كليهما.

في أي حال، إنه للإشارة إلى أنه لا الإنجيل الرابع ولا غريغوريوس، في مجمل شهادتهما، يرفعان المؤمن المواهبي أو القديس كمعيار معصوم لمعرفة الله والمعرفة عن الله فوق الكتاب وفوق الكنيسة. إن كامل شهادة الكتاب والآباء لا تدعم هذا النموذج المطلق كمعيار في التأويل.

في التأويل الكتابي واللاهوتي، لا يمكننا الاكتفاء بطرح يفترض ظاهرياً أن الشخص المواهبي الموثوق هو فوق النقد، ما يشكل موقفاً معرضاً للاتهام بالاعتباطية والذاتانية. الشخص المواهبي مهم في التقليد اليهودي – المسيحي لكن لا يمكن فصله عن شعب الله أي عالم الجماعة المؤمنة التي تشكل شخصيتها المشتركة نقطة السلطة المسيطرة. التوجيه الرسولي هو: “لا تصدقوا كل روح بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم” (1يوحنا 4: 1).

من بين آباء الكنيسة، القديس سمعان اللاهوتي الحديث يدعو، كما لم يفعل أي قديس أرثوذكسي آخر، الحكمة المعصومة وحتى الطهارة من الخطيئة، عند الذي يحمل مجد الله، وهو اعتبر نفسه واحداً منهم. مع هذا، رغم حدة عباراته عن عمى الآخرين جميعاً، يدعو مستمعيه الذين لم يمسكون بعد بمجد المسيح القائم، ليحكموا بأنفسهم على صحة كلماته. أحد الأمثلة على ما يكتب: “هذه هي برأيي حقيقة الأمر، وهذا هو تدبير الله لنا… أنتم، من جهتكم، يجب أن تمتحنوا ما نقول”[44].

تقليد الجماعة وحياة الكنيسة هما المعيار النهائي لامتحان الادعاءات المواهبية. خبرة الله ملك الكنيسة جمعاء وليست فقط لمجموعة نخبوية، ما قد يذكرنا بالغنوصية. للمعرفة المستيكية الشخصية قيمتها لكنها لا تستطيع وحدها أن تطغى على معرفة الله المتاحة للجميع أو تمتصها.

وإلا لا يتجرد المؤمنون فقط من دورهم كحُماة للإيمان، بل الكنيسة أيضاً سوف تُقطع من التواصل مع العالم الذي هي مسؤولة عن تعليمه الإنجيل بشكل هادف. في الواقع، في التأويل، الحاجة هي إلى نموذج يأخذ باعتباره توازناً أكبر بين الإيمان والعقل، المعرفة المستيكية والبحث العلمي، إيمان الفرد وإيمان الجماعة، الكنيسة والثقافة، وهذا كله بحسب شهادة آباء الكنيسة.

 

[1] See the diverse bibliography in Chapter Two, notes 51 through 54. From an Ecumenical perspective, largely centered on the work of the World Council of Churches, sample contributions include Metropolitan Chrysostomos Konstantinidis, “The Significanse of the Eastern and Western Traditions within Christendom,” Orthodoxy: A Faith ans Order Dialogue, (Geneva: WCC, 1960), pp. 62-72; Nikos A. Missions, “The Unity of Scripture and Tradition:

An Eastern Orthodox Contribution to the prolegomena of Hermeneutlcs,’ GOTR 11 (2, 1965-1966), pp. 183-208; and Ion Bria, The Sense of Ecumenical Tiwition (Geneva: WCC Publications, 1991). A Standard for the ecumenical discussion is The Bible: Its Authority and Interpretation in the Ecumenical Movement, ed. Ellen Flesseman-van Leer (Geneva: World Council of Churches, 1980).

[2] G. Florovsky, “The Ethos of the Orthodox Church, “in Orthodoxy: A Faith and Order Dialogue, pp. 45ff.

[3] Cited by Florovsky, ibid, p.41.

[4] Ibid.

[5] The relevant articles on these subjects have been conveniently collected in his book Bible, Church, Tradition: An Eastern Orthodox view.

[6] G. Florovsky, “The Function of Tradition in the Ancient Church, “GOTK9 (Winter, 1963-1964), pp. 187-188, and reprinted in Bible, Church, Tradition.

[7] Even Florovky’s articles “The Predicament of the Church Historian,” in Religion and Culture, ed. W. Leibrecht (New York: Harper & Row, 1959), pp. 140-166, and “The Patterns of Historical Interpretation, “ATR 50 (2, 1968), pp. 144-145, are written in a grand theological perspective rather than a truly critical one, as for example by Van A Harvey, The Historian & the Believer (New York: MacMillan, 1966).

[8] Orthodox theological scholars have tacitly shown ectreme sensitivity about constructive mutual criticism. Although they quote one another in oblique or supportive ways, each usually presents his or her own ideas of other Orthodox authors. But advancement in Orthodox scholarship cannot occur without honest, interactive discussion on the basis of mutual respect and the putting aside of personal attacks and recriminations.

[9] (Athens: Maurogeorges, 1975). A fervent believer and inspiring teacher, Andriopoulos died at a young age, a great loss to Orthodox biblical studies.

[10] Ibid., pp. 405-408.

[11] FornBibliographical entry into his works, see Chapter Two, notes 52 through 54.

[12] ## (Athens, 1979). See also his forthright and stimulating article on biblical studies in modern Greece mentioned and commented on in Chapter Two, note 53.

[13] Ibid., pp. 8-9, 16, 57-58,328.

[14] Ibid., pp. 45,61ff., 71-72,339,342,349,360.

[15] Ibid., pp. 318ff. and 326ff.

[16] Ibid., pp. 8-9, 57-58, 67, 323-327. In his passionate concern for the hermeneutical question and pastoral care, he expects that scholars, students, and Lay people alike must bear the same hermeneutical burden without qualification, pp. 14-15, 315-316, as if all must experience the gap or distance between Bible and modern thought before they can derive any value from Scripture.

[17] Ibid., pp. 16,71-72, 302,310-315.

[18] The two articles are “Theoria and Orthodox Henneneurics,” SVTQ^IO (4, 1976), pp. 95-219 and “Exegesis and Interpretation: Orthodox Reflections on the ‘Hermeneutic Problem,'” SVTQ 27(2, 1983), pp. 75-92. These are essentially reproduced in his book, published bu St. Vladimir’s Seminary Press in Crestwood, New York, which includes Substantive additions on patristic exegesis and rich sections on Scripture as “Living Word” in liturgical Celebration, creedal confessions, and iconography.

[19] John Breck, “Orthodoxy and the Bible Today,” in The Legacy of St. Vladimir, ed. John Breck and others, pp. 141-157.

[20] John Breck, “Theoria and Orthodox Hermeneutics,” pp. 195-196; “Exegesis and Interpretation, “pp. 75-76; The Power of the Word, pp. 25-28.

[21] John Breck, “Theoria and Orthodox Hermeneutics,” pp. 196, 211, 217-219″ Exegesis and interpretation,”pp. 78-84; 90-92; The Power of the Word, pp. 9-10, 28-36,44-47, 109-113.

[22] John Breck, “Ecegesis and Interpretation,” p. 76; The power of the Word, p.28.

[23] For example C. H. Pinnock, The Scripture principle; D. G. Blocsch, Holy Scripture: Revelation; Inspiration & Interpretation; M. A. Noll, Between Faith and Criticism; and many others in Scripture and Truth, ed. D. A. Carson and J. D. Woodbridge.

[24] John Breck, “Exegesis and Interpretation,” pp. 80-84; The Power of the Word, pp. 31-36.

[25] For Example, M. A. Noll, Between Faith and Criticism, pp. 151 and 205, finds forms of a Protestant magisterium among Evangelicals based on the priesthood of all believers and in the pronouncements of exalted Evangelical leaders.

[26] In a differenc chapter of his book, pp. 117-122, Father Breck himself includes an inspiring section on faith but apparently does not see its affinity to the patristic ##

[27] John Breck, The Power of the Word, pp. 32 and 35. Fathe Breck himself, p. 31, defines the classic Protestant position as “charismatic,” that is, anchored on the principle of the personal illumination by the Holy Spirit, Which is to be applied o he ongregation s well as the preacher during the sermon.

[28] For Example, Gregory of Nyssa, prior to the controversy with Eunomios and his followers, practiced mostly allegorical exegesis. But the controversy led him to a much more precise and contextual approach to the biblical text on the basis of a more sophisticated understanding of epistemology and the philosophy of language.

So Mariette Canevet, Gregore de Nysse et l’hermeneutique biblique: Etude des rapports entre le langage et la conaissance de Dieu (Paris: Etudes Augustiniennes, 1983). I owe this reference to my colleague Nicholas Constas.

[29] The emphasis is Father Breck’s in The Power of the Word, p. 104. CF. pp. 110-113.

[30] In Part II of his Power of the Word, Father Breck includes lengthy chapters on creedal formulations on the New Testament and the liturgical tradition but oddly does not raise the question of the hermeneutical role of doctrine, that is, the quest for normative truth. Thus, Part I on “Interpreting the Word” and Part II “Living the Word” seem essentially unconnected> Father Breck’s connection of course is ## as the only hermeneutical key.

The erroneous impression remains that the “living word” occurs only in worship and not other areas of ministry, for example, biblical teaching, which is part of theology’s burden for the world. In his later article “Orthodoxy and the Bible Today,” pp. 149-150, Father Breck does include and incipient discussion of how doctrinal formulations should “determine hermeneutic presuppositions,” an issue that needs far greater attention.

[31] A Comprehensive statement of his position may be found in his lengthy article Critical Examination of the Applications of Theology,” in Proces Verbaux du deuxieme congress de Theologie Orthodoxe, ed.  Savas Ahouridis (Athens, 1978), pp. 413-441. Father Romanides many years ago was my first theology professor at Holy Gross Greek Orthodox School of Theology, and he opened my eyes to exciting heological nsights and to the necessity of paying close attention to “presuppositions.

To him I owe my foundational theological thinking, albeit qualified by critical historical scholarship of the Bible and the Church fathers. Father Romanides is now retired but still active in Greece and abroad.

[32] Ibid., p. 423 and more broadly pp. 421-426.

[33] Father Romanides time and again confidently parallels his theological and hermeneutical approach to the ecpermental method of the hard and soft sciences, involving both interdependent theorizing and actual testing by observable and measurable standards, pp. 413, 423, 432, and 436-437.

[34] Ibid., p. 433. See also pp. 432-433.

[35] Ibid., p. 413, 416, 418-421.

[36] Ibid., p. 427 and 432.

[37] J. Pelikan, The Christian Tradition 2: The Spirit of Eastern Christendom (600-1700) (Chicago: University of Chicago Press, 1974), p. 33, Writes that, according to the Eastern fathers, “Theology was ont a Science of divine ontology but of divine revelation.

“The patristic emphasis on faith and Scripture, rather than on reason and philosophical speculation – while viewing the two perspectives as complementary and mutually supportive, not antithetical – is more fully laid out by Pelican in his Christianity and Classical Culture.

In contemporary Orthodox theology, biblical and partristic personalism as contrasted to Greek philosophica; ontology is the touchstone of the work of John D. Zizioulas, Being as Communion (Crestwood: St. Vladimir’s Seminary Press, 1985) and Christos Yannarars, The Freedom of Morality, trans. Elizabeth Briere (Crestwood: St. Vladimir’s Seminary Press, 1984).

[38] See Kallistos Ware, “The Spiritual Father in Orthodox Christianity, “CC Summer/Fall, 1974), pp. 296-312, and Irenee Hausherr, S. J., Spirtual Direction in the Early Christian East (Kalamazoo: Cistercian Publication, 1990), with a foreword by Kallistos Ware.

Douglas Burton-Chrisrie, The Word in the Desert, ends his study on the ancient monastic use of Scripture by underscoring the significance of persons who lived Scripture and were “Christ-bearers” and “mediators of God to Humanity.” His ending sentence reads: “The ultimate expression of the desert hermeneutic was a person [his emphasis], one who embodied the sacred texts and who drew others out of themselves into a world of infinite possibilities,” p.300.

[39] One can understand but not accept the interpretation of some Church fathers, going back to Origen, that peter and paul simulated the conflict in order to teach a lesson to Jewish and Gentiles Christians. But, on the premise of the dignity and unfailing agreement between apostles, would not thes Christians also be offended even by a simulated conflict, just as later Christians were apparently offended who took the disagreement as real?

[40] Theological Orations, 1.2; 2.3, and 2.14.

[41] Theological Oration, 1.5.

[42] 7W., 211.

[43] See Fullness to reasoning: The Five Theological Orations of Gregor of Nazianzen by Frederick W. Norris who lifts up the following Gregorian citation, p.v: “When we abandon faith to take the power of reason as our shield when we use philosophical enquiry to destroy the credibility of the Spirit, the reason gives way in the face of the vastness of realities… Give way it must… [being] the frail organ of human understanding.

What happens then? The frailty of our reasoning looks like a frailty in our creed. Thus it is that as Paul too Judges smartness of argument is revealed as a nullifying if die Cross. Faith, in fact, is what gives fullness to our reasoning” (Oration 29.21).

[44] C. J. deCatanzaro, trans., Symeon the New Theologian: Discourses, p. 354.

مسألة التأويل في الأرثوذكسية الشرقية