أبحاث

صلب المسيح حقيقة مؤكدة تاريخياً ومسيحياً ووثائقياً – القمص عبد المسيح بسيط

صلب المسيح حقيقة مؤكدة تاريخياً ومسيحياً ووثائقياً – القمص عبد المسيح بسيط

المحتوى

صلب المسيح حقيقة مؤكدة تاريخياً ومسيحياً ووثائقياً - القمص عبد المسيح
صلب المسيح حقيقة مؤكدة تاريخياً ومسيحياً ووثائقياً – القمص عبد المسيح

إن حقيقة صلب المسيح كحادثة تاريخية بمغزاها التاريخي والعقيدي واللاهوتي تشكل ثلث الإنجيل بأوجهه الأربعة وبقية أسفار العهد الجديد، بل وتكررت كلمة صليب عن المسيح ومرادفاتها ؛ الصليب وصلب ويصلب وصلبوا وصلبوه ومصلوب والمصلوب أكثر من ثمانين مرة، وكانت عقيدة صلب المسيح وفدائه للبشرية هي محور وجوهر وقلب الإنجيل المبشر به للعالم كله.

كما شهد لها، إلى جانب التاريخ المسيحي، التاريخ اليهودي والروماني واليوناني والسوري، ولدينا الوثائق التاريخية التي سجلت ذلك.

يتكلم أصحاب نظرية الشبه ونقاد الكتاب المقدس بصفة عامة عن الكتاب المقدس وعقائده وكأنها خرجت من زاوية مغمورة في مكان مغمور وفي زمن شبه مجهول !!!!! ويتجاهلون حقيقة أن أحداث الإنجيل تمت وسط عشرات الآلاف بل وملايين البشر، وأن الجماهير الغفيرة كانت تحيط بالمسيح دائماً “ حتى كان بعضهم يدوس بعضا ” (لو1:12)، كما يقول القديس لوقا، كما أن أحداث صلب المسيح لم تتم سرا ولا في زاوية، بل تمت في أورشليم وفي عيد الفصح اليهودي الذي كان يحضره، بحسب تقدير المؤرخ والكاهن اليهودي يوسيفوس، حوالي 2 مليون ونصف يهودي من جميع بلاد الإمبراطورية الرومانية.

ومن ثم كان الناس، سواء في فلسطين أو سوريا، منذ الأيام الأولى لكرازة الرسل يعرفون هذه الأحداث جيداً. لذا فعندما وقف القديس بولس الرسول يحاكم أمام الملك هيرودس أغريباس قال له ” لأنه من جهة هذه الأمور عالم الملك الذي أكلمه جهارا إذ أنا لست اصدق أن يخفى عليه شيء من ذلك. لأن هذا لم يفعل في زاوية ” (أع26:26) .

 

1 – صلب المسيح وقيامته هما قلب الإيمان المسيحي وجوهر رسالة المسيحية:

يقول الكتاب المقدس في أول قانون إيمان مكتوب في الكنيسة صدر يوم الخمسين لقيامة السيد المسيح ودونه القديس بولس الرسول بالروح القدس في رسالته الأولى إلى كورنثوس والتي يُجمع العلماء والنقاد على أنها كُتب حوالي سنة 55م أي بعد خمسة وعشرين سنة من القيامة والتي تشهد على إيمان الكنيسة في فجرها الباكر حيث تسلم القديس بولس نفسه هذا الإيمان في السنة الثالثة للقيامة ” وأعرفكم أيها الأخوة بالإنجيل الذي بشرتكم به وقبلتموه وفيه تقُومون وبه أيضا تخلصُون أن كنتم تذكرون أي كلام بشرتكم به إلا إذا كنتم قد آمنتم عبثاً.

فأنني سلمت إليكم في الأول ما قبلته أنا أيضا أن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكُتب (أي أسفار العهد القديم). وأنه دُفن وأنه قام في اليوم الثالث حسب الكتب. وأنه ظهر لصفا (بطرس) ثم للأثنى عشر. وبعد ذلك ظهر دفعة واحدة لأكثر من خمس مئة أخ أكثرهم باق إلى الآن (سنة 55م) ولكن بعضهم قد رقدوا. وبعد ذلك ظهر ليعقوب ثم للرسل أجمعين. وآخر الكل كأنه للسّقِط ظهر لي أنا ” (1كو1:15-8).

فالصلب والقيامة هما أساس الإيمان المسيحي وجوهر رسالة المسيحية ودعوتها لأنها قامت على هذا الأساس. وقد سجل لنا العهد الجديد في كل أسفاره وكذلك التقليد وكتابات أباء الكنيسة في القرون الثلاثة الأولى وقوانين الأباء الرسل أحداث وتفاصيل الصلب والقيامة ومغزاها بالنسبة للإيمان المسيحي، بل وكانت أول عظة بعد حلول الروح القدس هي عن الصلب والقيامة، بل وكان أول ما كتب في الإنجيل بأوجهه الأربعة، بإجماع العلماء، هي أحداث الصلب والقيامة.

ويتلخص هذا الإيمان فيما جاء في قانون مجمع نيقية المُنعقد سنة 325م ” وصلب عنا على عهد بيلاطس البنطي، وتألم وقبر، وقام من الأموات في اليوم الثالث كما في الكتب، وصعد إلى السموات “.

 

2 – موقف التلاميذ والرسل قبل القيامة وبعدها:

قدم معظم التلاميذ والرسل حياتهم ثمناً لدعوتهم في المسكونة كلها بأن المسيح صلب ومات وقام من الموت وصعد إلى السماء، وذهبوا إلى السماء شهوداً وشهداء، ولكن هؤلاء التلاميذ والرسل لم يكونوا قبل القيامة بهذا الحماس وهذه القوة، كما لم يكونوا على حافة الإيمان وينتظرون من يحركهم حتى يقوموا بدعوتهم وإنما العكس تماماً، فقد كانوا متشككين ويائسين وخائفين وفاقدي الأمل وضعفاء وقد تركوا السيد عند القبض عليه ” كلهم هربوا ” (مت56:26)، ولم يدخل معه المحكمة إلا يوحنا لأنه ” كان معروفاً عند رئيس الكهنة ” (مت58:26)، أما بطرس فقد تبعه عن بُعد وأنكره عندما أنكشف أمره.

وعند صلبه وموته ودفنه لم يظهر أحد منهم علانية سوى يوحنا والنساء (يو25:18)، وكانوا في حزن شديد وغم واكتئاب وقد فقدوا الرجاء في قيامته برغم أنه كرر أمامهم، ولهم خاصة، مرات عديدة أنه سيقوم من الموت في اليوم الثالث وأغلقوا على أنفسهم الأبواب خوفاً من اليهود لئلا يفعلوا بهم نفس ما فعلوه بسيدهم وتشتت البعض وعاد البعض إلى قراهم وتحقق فيهم ما سبق وأنبأهم به السيد ” الحق الحق أقول لكم أنكم ستبكون وتنوحون والعالم يفرح.

أنتم ستحزنون ولكن حزنكم يتحول إلى فرح. المرأة وهي تلد تحزن لأن ساعتها قد جاءت. ولكن متى ولدت الطفل لا تعود تذكر الشدة لسبب الفرح لأنه قد ولد إنسان في العالم. فأنتم كذلك عندكم الآن حزن. ولكن سأراكم أيضا فتفرح قلوبكم ولا ينزع أحد فرحكم منكم ” (يو20:16)، كما وعدهم.

وكان السيد أيضا قد سبق ووعدهم انه بعد قيامته سيظهر لهم وحدهم ” بعد قليل لا يراني العالم… أما أنتم فترونني. إني أنا حي فأنتم ستحيون ” (يو9:14).

وبعد أن قام السيد وظهر لهم وحدهم حسب وعده الصادق لهم وتوالى ظهوره لهم مرات عديدة تحولوا إلى النقيض تماماً، فتحول حزنهم إلى فرح، ونسوا بعد القيامة الشدة التي عاشوها قبلها وامتلئوا بالفرح الذي لم ينزع منهم إلى الأبد.

وبعد حلول الروح القدس عليهم، حسب وعد معلمهم لهم (1)، يوم الخمسين عندما حل الروح القدس عليهم وتحولوا إلى شجعان أقوياء ووقفوا أمام العالم كله وليس في أيديهم سوى الإنجيل وانتصروا على هذا العالم بقواته الروحية الشريرة والمادية، فقد حول مجد القيامة وقوتها هؤلاء الحزانى الضعفاء إلى أعظم منتصرين وقادهم السيد ” في موكب نصرته ” (2كو 14:2)، وشحنهم الروح القدس بطاقة روحية وكان معهم في كل مكان وزمان كما زودهم السيد بالآيات والمعجزات التي برهنت على صحة إيمانهم.

 

3 – مواجهة الرسل للعالم بحقيقة الصلب والقيامة:

وقف القديس بطرس الرسول مع التلاميذ والرسل جميعاً، بعد أن حل عليهم الروح القدس في يوم الخمسين ونادوا في قلب أورشليم، التي صلب فيها المسيح منذ سبعة أسابيع فقط، أمام الآلاف الغفيرة من اليهود وقال: ” أيها الرجال اليهود والساكنون في أورشليم أجمعون… أسمعوا هذه الأقوال: يسوع الناصري رجل قد تبرهن لكم من قبل الله بقوات وعجائب وآيات صنعها الله بيده في وسطكم كما أنتم أيضا تعلمون.

هذا أخذتموه مسلماً بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق وبأيدي آثمة صلبتمُوه وقتلتمُوه. الذي أقامه الله ناقضاً أوجاع الموت إذ لم يكن ممكناً أن يُمسك منهُ. لأن داود يقول فيه… لأنك لن تترك نفسي في الهاوية ولا تدع قدوسك يرى فساداً… فإذا كان نبياً وعلم أن الله حلف له بقسم أنه من ثمرة صلبه يقيم المسيح حسب الجسد ليجلس على كرسيه سبق فرأى وتكلم عن قيامة المسيح أنهُ لم تترك نفسه في الهاوية ولا رأى جسده فساداً. فيسوع هذا أقامه الله ونحن جميعاً شهوداً لذلك ” (أع 14:2، 22-25).

وفي نفس الأسبوع صعد القديسان بطرس ويوحنا إلى الهيكل عند صلاة الساعة التاسعة (الثالثة ظهراً) وشفيا الأعرج من بطن أمه فأندهش الناس لذلك فقال لهم القديس بطرس ” إله آبائنا مجد فتاه يسوع الذي أسلمتوه أنتم وأنكرتموه أمام وجه بيلاطس وهو حاكم بإطلاقه، ولكن أنتم أنكرتم القدوس البار وطلبتم أن يُوهب لكم رجل قاتل. ورئيس الحياة قتلتموه الذي أقامه الله من الأموات ونحن شهوداً لذلك ” (أع 13:3-15).

ولما قُبض عليهما وحوكما أمام رؤساء الكهنة والكتبة والشيوخ ” امتلأ بطرس من الروح القدس وقال لهم يا رؤساء الشعب وشيوخ إسرائيل… فليكن معلوماً عند جميعكم وجميع شعب إسرائيل أنه باسم يسوع المسيح الناصري الذي صلبتموه أنتم الذي أقامه من الأموات. بذلك وقف هذا صحيحاً أمامكم ” (أع 10:4).

وبعد سجن بطرس الرسول وإخراج الملاك له من السحن وقف الرسل ثانيه أمام رؤساء الكهنة وقالوا لهم ” قد ملأتم أورشليم بتعليمكم وتريدون أن تجلبوا علينا دم هذا الإنسان ” فقال لهم الرسل ” إله آبائنا أقام يسوع الذي أنتم قتلتموه معلقين إياه على خشبه. هذا رفعه الله بيمينه… ونحن شهود له بهذه الأمور والروح القدس أيضاً ” (أع 30:5-32).

وكذلك وقف القديس أستفانوس وهو يحاكم أمام السنهدرين وقال لهم ” أي الأنبياء لم يضطهده آباؤكم وقد قتلوا الذين سبقوا فانبأوا بمجيء البار الذي أنتم الآن صرتم مسلميه وقاتليه ” (أع 52:7).

 وكانت نتيجة هذه العظات وغيرها هي انضمام آلاف اليهود بما فيهم كهنه ورؤساء كهنة وغيرهم من رجال الدين إلى المسيحية، ثم حدوث اضطهاد عظيم على الكنيسة في أورشليم وتشتت المؤمنون، عدا الرسل، إلى خارجها. وفي كل الحالات لم يجرؤ اليهود على مواجهه الرسل بأي شئ يمكن أن يناقض إيمانهم سوى القتل والاضطهاد، الذي صار بركة للكنيسة. كما أن إيمان الآلاف منهم بالمسيح بحقيقة قيامته نتيجة لكرازة الرسل والآيات التي أجراها الله على أيديهم (أع 12:5)، لهو أكبر دليل على صحة كل حرف تكلموا به.

وعندما بشر القديس بطرس الرسول أول جماعه من الأمم في قيصرية بفلسطين وعلى رأسهم القائد الروماني كرنيليوس، قال لهم ” أنتم تعلمون الأمر الذي صار في كل اليهودية مبتدأً من الجليل بعد المعمودية التي كرز بها يوحنا. يسوع الذي من الناصرة… الذي أيضاً قتلوه معلقين إياه على خشبه. هذا أقامه الله في اليوم الثالث وأعطى أن يصير ظاهراً ليس لجميع الشعب بل لشهود سبق الله فأنتخبهم. لنا نحن الذين أكلنا وشربنا معه بعد قيامته من الأموات” (أع37:10-41).

فقد بشر الرسل أناس من اليهود والأمم يعرفون كل ما جرى وحدث للرب يسوع المسيح من صلب وموت ودفن، أما القيامة وظهوراتها فقد خص الله بها الشهود الذين سبق فأختارهم والذين سبق فوعدهم ” بعد قليل لا يراني العالم أيضاً وأما أنتم فترونني ” (يو19:14)، وكان على هؤلاء الشهود أن يشهدوا بما سمعوا ورأوا للعالم أجمع ” وتكونون لي شهوداً في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض ” (أع8:1). وفي مواقفهم لم يجرؤ أحد أن يناقض أو يكذب حرف مما قالوه لأنه كان معلوماً عند الجميع.

وبعد تحول القديس بولس إلى المسيحية وقف في مجمع اليهود في إنطاكية بيسيدية وقال لهم ” أيها الرجال الأخوة من جنس بنى إبراهيم والذين بينكم يتقون الله إليكم أرسلت كلمه الخلاص. لأن الساكنين في أورشليم ورؤساءهم لم يعرفوا هذا.

وأقوال الأنبياء التي تقرأ كل سبت تمموها إذا حكموا عليه. ومع أنهم لم يجدوا عله واحدة للموت طلبوا من بيلاطس أن يقُتل. ولما تمموا كل ما كُتب عنه أنزلوه عن الخشبة ووضعوه في قبر. ولكن الله أقامه من الأموات. وظهر أياماً كثيرة للذين صعدوا معه من الجليل إلى أورشليم الذين هم شهود عند الشعب ” (أع 26:13-31). وقال للملك هيرودس أغريباس ومجمع الحاضرين معه ” أنا لا أقول شيئاً غير ما تكلم الأنبياء وموسى أنه عتيد أن يكون إن يؤلم المسيح يكن هو أول قيامه الأموات ” (أع22:26و23).

وهكذا واجه تلاميذ المسيح ورسله اليهود بحقيقة قيامه المسيح الذي صلبوه، كما واجهوهم باللوم لصلبهم له برغم أن ذلك تم بإرادة الله ومشورته الأزلية وعلمه السابق، كما واجهوا العالم الوثني وقدموا له المسيح المصلوب برغم عثره الصليب بالنسبة له ” نحن نكرز بالمسيح مصلوباً لليهود عثره ولليونانيين جهالة ” (1كو23:1)

وواجهوا الجميع بالقيامة، قيامة الرب من الأموات، ولم يكن للعالم دليل ضدهم فاليهود يعترفون بأنهم صلبوا المسيح واليونانيون والرومان ينظرون إليه باعتباره الذي صلبه اليهود، أما القيامة فلم يستطع العالم إنكار حقيقتها خاصة وأن الذين نادوا بها أيدهم الله بالبراهين والآيات والعجائب والمعجزات التي أثبتت صحة دعواهم وكرازاتهم ولم يكن أمام العالم سوى قبول هذه الحقائق والإيمان بالمسيحية أو اضطهاد رسل المسيح حتى الدم.

 

4 – التلاميذ شهود إثبات الصلب وخلفاؤهم والسند المتصل لهم:

تسلم التلاميذ ورسله الرسالة من الرب يسوع المسيح، وكان لهؤلاء التلاميذ والرسل خلفاء وتلاميذ، أسمتهم الكنيسة بالآباء الرسوليين، ومن هؤلاء من كان تلميذاً للقديس بطرس مثل أغناطيوس أسقف إنطاكية، وبوليكاربوس أسقف سميرنا بآسيا الصغرى والذي كان تلميذا للقديس يوحنا الرسول تلميذ المسيح، واكليمندس الروماني تلميذ القديس بولس وغيرهم. هؤلاء استلموا منهم الإنجيل الشفوي قبل أن يكتب، مع بقية المؤمنين، ثم الإنجيل المكتوب، ثم سلموه بدورهم لخلفائهم هم أيضا، مع بقية الجماعة والكنيسة المسيحية.

كانت هناك دائما سلسلة متواصلة من الشهود. فمثلا كان القديس يوحنا تلميذا للمسيح وكان من ضمن تلاميذ يوحنا القديس بوليكاربوس ومن تلاميذ القديس بوليكاربوس القديس أريناؤس أسقف ليون بفرنسا، وبالتالي ما يقوله الواحد هو ما نقله عن الآخر، فقد نقل بوليكاربوس عن يوحنا ونقل أريناؤس عن بوليكاربوس وبالتي ما كتبه أريناؤس هو شهادة القديس يوحنا المنقولة عبر بوليكاربوس، وهكذا.

وهؤلاء سلموه بدورهم لمن بعدهم حتى جاءت المجامع الكنسية سواء المحلية والتالي بدأت في نهاية القرن الثاني الميلادي، أو المسكونية التي بدأت بمجمع نيقية سنة 325م. وقد واجه هؤلاء العالم كله بحقيقة الصلب والقيامة، وكان العالم جميعه ينظر إليهم كأتباع المصلوب الذي صلبه اليهود ولكنهم واجهوه بحقيقة قيامته وانتصاره على الموت وصعوده إلى السماء وجلوسه عن يمين العظمة في السماء. وهذه بعض فقرات مما كتبوه:

 

(1) اكليمندس الروماني (30 100م):

تلميذ الرسل وأسقف روما: يقول في رسالته: ” لنركز أنظارنا على دم المسيح متحققين كم هو ثمين لدى أبيه، إذ سفكه لأجل خلاصنا، وقدم نعمه التوبة للعالم كله “. ” لنكرم الرب يسوع المسيح الذي قدم دمه لأجلنا “. ” وقد صار الرب يسوع المسيح باكورة القائمين من الموت “. ” وبعدما تسلم الرسل أوامرهم واقتنعوا بقيامه ربنا يسوع المسيح تماماً، وتأكدوا من كلمه الله، ذهبوا في ثقة الروح القدس للكرازة “.

 

(2) أغناطيوس الأنطاكي ( 30 107م) تلميذ بطرس الرسول وأسقف كنيسة إنطاكية:

يقول في رسالته إلى أفسس ” أن روحي هي ضحية الصليب، والصليب هو عثره لغير المؤمنين، أما لنا نحن فهو خلاص وحياه أبديه ” (أف 1:18).

ويقول في رسالته إلى ترالس ” يسوع المسيح… تألم حقاً على عهد بيلاطس البنطى، وصلب حقاً ومات حقاً أمام السمائيين والأرضيين ومن تحت الأرض قام حقاً من الأموات ” (1:9،2).

وقال في رسالته إلى سميرنا ” أنا أؤمن أنه بعد القيامة كان ما يزال له جسد، وأؤمن أنه هكذا الآن، ومثال ذلك، عندما جاء للذين كانوا مع بطرس قال لهم ” جسونى وانظروا أنى لست روحاً بدون جسد ” وفي الحال لمسوه وأمنوا أنه كان روحاً وجسداً… وبعد قيامته أكل وشرب معهم… ” (ف2).

 

(3) بوليكاربوس (65-155م) تلميذ القديس يوحنا الرسول:

يقول في رسالته إلى فيلبى: ” يسوع المسيح سيدنا الذي تحمل الموت من أجلنا وأقامه الله حالاً رباطات الجحيم ” (2:1). ” أمنوا بمن أقام سيدنا يسوع المسيح من بين الأموات وأعطاه مجداً ” (1:2). ” فلنلتصق دائماً برجائنا وعريس عدالتنا يسوع المسيح الذي حمل خطايانا في جسده على الخشبة (الصليب) ” (1:7).

 

(4) رسالة برنابا المكتوبة سنة 100م وقد جاء فيها:

” أن السيد قد أحتمل تسليم جسده إلى الفساد. كان المقصود هو تنقيتنا وغفران خطايانا الذي تم بنضح دمه ” (1:5). ” يا أخوتي إذا كان السيد قد أحتمل أن يتألم من أجل نفوسنا وهو رب المسكونة… فكيف قبل أن يتألم على أيدي الناس؟ ولكي يعطل الموت ويبرهن على القيامة من الأموات ظهر بالجسد وأحتمل الآلام ” (5:5). ” أنه هو الذي أراد أن يتألم هكذا، وكان عليه أن يتألم على الصليب ” (12:5).

وأيضا ” قد تألم ليحيينا بجراحه، فلنؤمن أن أبن الله لم يتألم إلا لأجلنا وقد سقى الخل والمر أره عندما صلب ” (2:7،3). ” لذلك نعيد اليوم الثامن بفرح. اليوم الذي قام فيه المسيح من الأموات وظهر وصعد إلى السماء ” (9:15).

 

(5) يوستينوس الشهيد (100-165م):

يقول في حواره مع تريفو اليهودي ” لأنه حقاً بقى المسيح على الشجرة (الصليب) حتى المساء تقريباً ودفنوه في المساء وفي اليوم الثالث قام ثانيه “(2).

وقال في كتابه على القيامة ” لماذا قام (المسيح) في الجسد الذي تألم به إلا لكي يبين قيامه الجسد؟ وتأكيداً لهذا، فعندما لم يعرف تلاميذه أن كان قد قام بالجسد حقاً وكانوا ينظرون إليه بشك قال لهم: ” أليس لكم إيمان حتى الآن، انظروا أنى أنا، وسمح لهم أن يجسوه ويروا آثار المسامير في يديه، وعندما اقتنعوا تماماً أنه هو نفسه وفي الجسد سألوه أن يأكل معهم كي ما يكونوا أكثر يقيناً، أنه قام في جسده الحقيقي؟ فأكل شهد عسل وسمكاً “(3).

 

(6) ايريناؤس (120 220) أسقف ليون بفرنسا:

هذا القديس كتب فصولاً طويلة شرح فيها آلام السيد المسيح وصلبه وموته ودفنه وقيامته نكتفي منها بهذه الفقرة: ” وكما قام المسيح بجوهر الجسد وكشف لتلاميذه أثار المسامير والفتحة في جنبه… فقد قام بقوته هو”(4).

 

4 – التقليد المسيحي وحقيقة الصلب والقيامة:

التقليد المسيحي هو تعليم رسل السيد المسيح الذي تسلموه من السيد نفسه وسلموه لخلفائهم وتلاميذهم، وقد مارسوه عملياً من خلال شعائرهم وصلواتهم وأصومهم واحتفالاتهم ” وتحفظون التعاليم التي سلمتها إليكم ” (1كو 11:2)، ” فأثبتوا إذاً أيها الأخوة وتمسكوا بالتعاليم التي تعلمتموها سواء بالكلام أم برسالتنا” (2 تس 15:2)، ” فكيف ننجو نحن أن أهملنا خلاصاً هذا مقداره قد أبتدأ الرب بالتكلم به ثم تثبت لنا من الذين سمعوا شاهداً الله معهم بآيات وعجائب وقوات متنوعة ومواهب الروح القدس حسب إرادته ” (عب 2:2-4).

 

(1) القداس الإلهي:

والذي يتركز جوهره حول موت المسيح مصلوباً ودفنه وقيامته من الأموات وصعوده. وقد مُورست صلوات القداس منذ فجر الكنيسة على أيدي الرسل، حيث بدأ بعد حلول الروح القدس مباشرة ” كانوا يواظبن على تعليم الرسل والشركة وكسر الخبز والصلوات ” (أع42:2).

يقول القديس بولس الرسول لأهل كورنثوس ” كأس البركة التي نباركها أليست هي شركه دم المسيح. الخبز الذي نكسره أليس هو شركه جسد المسيح ” (1كو16:10)، ” لأنني تسلمت من الرب ما سلمتكم أيضا أن الرب يسوع في الليلة التي أسلم فيها أخذ خبزاً شكر فكسر وقال (خذوا كلوا) هذا هو جسدي المكسور لأجلكم. اصنعوا هذا لذكرى. كذلك الكأس أيضاً بعدما تعشوا قائلاً هذه الكأس هي العهد الجديد بدمى. اصنعوا هذا كل ما شربتم لذكرى. فأنكم كلما أكلتم هذا الخبز وشربتم هذه الكأس تخبرون بموت الرب إلى أن يجئ ” (1كو23:11،26).

ومن أقدم القداسات التي استخدمتها الكنيسة، قداس القديس يعقوب، قداس كنيسة أورشليم، وقداس القديس مرقس، قداس كنيسة الإسكندري واللذان استخدمهما الرسولان قبل استشهادهما في القرن الأول الميلادي.

 

أ – قداس القديس يعقوب، وتوجد منه أجزاء من مخطوطة ترجع للقرن الثالث جاء فيه ” وعند تقديم حياته بإرادته للموت على الصليب… أخذ خبزاً على يديه… وقال خذوا كلوا، هذا هو جسدي المكسور لأجلكم يعطى لمغفرة الخطايا… وهكذا أيضاً بعد العشاء أخذ الكأس… وقال لنا أشربوا منها كلكم، هذا هو دمى الذي للعهد الجديد، المسفوك لأجلكم ولأجل كثيرين يعطى لمغفرة الخطايا… هذا اصنعوه لذكرى، لأن كل مره تأكلون هذا الخبز وتشربون هذه الكأس تبشرون بموت الرب وتعترفون بقيامته إلى أن يجئ… تذكروا، إذاً، آلام تقديم حياته وصليبه المنقذ وموته ودفنه وقيامته من الموت في اليوم الثالث وصعوده إلى السموات “(5).

ب – قداس القديس مرقس، والذي تفرع منه قداسات القديس باسيليوس والقديس كيرلس والقديس أغريغوريوس، وقداس كل الرسل أو القداس الأثيوبي، وهذا القداس، قداس القديس مرقس تطور عنه قداس القديس كيرلس، وجاء في هذه القداس ” لأن كل مره تأكلون من هذا الخبز وتشربون من هذه الكأس تبشرون بموتى وتعترفون بقيامتي وصعودي إلى أن أجيء… أيها السيد والرب القدير ملك السماء، عندما نبشر بموت أبنك الوحيد ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح ونعترف بقيامته المباركة من الموت في اليوم الثالث “(6).

 

(2) يوم الأحد:

قدست الكنيسة منذ فجرها يوم الأحد تذكاراً لقيامه السيد المسيح فيه من الموت، وكانت تدعوه اليوم الأول من الأسبوع ” وفي أول الأسبوع (الأحد) إذ كان التلاميذ مجتمعين ليكسروا خبزاً ” (أع 7:20)، ويوم الرب ” كنت في الروح في يوم الرب ” (رؤ4:1)، وجاء في رسالة برنابا (9:15) ” لذلك نُعيد اليوم الثامن بفرح. اليوم الذي قام فيه المسيح من الأموات “، ويقول القديس يوستينوس الشهيد في بداية القرن الثاني ”

وفي اليوم المسمى يوم الشمس (الأحد) يجتمع معاً كل الذين يعيشون في المدن والريف وتقرأ مذكرات الرسل (الأناجيل) أو كتابات الأنبياء… الأحد هو اليوم الذي نجتمع فيه جميعاً لأنه اليوم الأول الذي غير الله فيه الظلمة والمادة وعمل العالم وفي نفس اليوم قام يسوع المسيح مخلصنا من الموت لأنه صُلب في اليوم الذي قبل السبت وفي اليوم الذي بعد السبت، الذي هو يوم الأحد ظهر لرسله وتلاميذه وعلمهم هذه الأمور التي سملناها لكم أيضاً لفائدتكم “(7).

 

(3) عيد القيامة:

كانت القيامة هي محور التعليم المسيحي وجوهره وقد احتفلت الكنيسة بعيد القيامة مُنذ بدايتها ويذكر العلامة أوريجانس في نهاية القرن الثاني في رده على كلسس كيف أن الكنيسة تحتفل بأيام معينه وهى الأحد من كل أسبوع ويسميه ” يوم الرب ” والاستعداد والفصح الذي هو عيد القيامة ويقول أن المسيحي الكامل ” لا يتوقف أبداً عن حفظ عيد البصخه (الفصح) لأن The Pascha الفصح، تعنى العبور، وهذا العبور هو قيامتنا مع المسيح، قمنا مع المسيح ” و ” ورفعنا وأجلسنا معه في السمائيات “(8).

 

(4) صوم الأربعاء والجمعة:

صامت الكنيسة منذ أيامها الأولى الأربعاء والجمعة لأن الأربعاء تمت في المؤامرة علي السيد المسيح عندما وعد يهوذا رؤساء الكهنة أن يسلمه لهم مقابل ثلاثين من الفضة (مت14:26،15)، ويوم الجمعة لأنه اليوم الذي صلب فيه السيد المسيح ومات ودفن. وقد جاء في الدسقولية المكتوبة قبل سنة 100م: ” أما أنتم فصوموا الأربعاء والجمعة ” (الدسقولية ف8).

وجاء في كتاب قوانين الرسل القديسين والذي يرجع لعصر الرسل وكتب قبل القرن الثالث ؛ ” أمرنا (الرب) أن نصوم في اليوم الرابع (الأربعاء) والسادس (الجمعة) من الأسبوع، الرابع بسبب خيانته فيه والأخير بسبب آلامه “(9)، ” صوموا… في اليوم الرابع من الأسبوع ويوم الاستعداد (الجمعة) لأنه في اليوم الرابع انقضى الحكم ضد الرب، فقد وعد يهوذا بخيانته الرب لأجل المال، وفي يوم الاستعداد لأنه في ذلك اليوم عانى الرب موت الصليب في عهد بيلاطس البنطي “(10).

 

(5) علامة الصليب:

كان الصليب قبل صلب المسيح عليه علامة خزي وعار، وبعد قيامته صارت علامة مجد وفخر ” نحن نكرز بالمسيح مصلوباً لليهود عثرة ولليونانيين جهالة. أما المدعوين يهوداً ويونانيين فبالمسيح قوة الله وحكمة الله ” (كو23:1،24)، ” أما من جهتي فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح “، ومن ثم صارت علامة الصليب مصدر فخر لجميع المؤمنين، وكانوا يرسمونه على منازلهم ومقابرهم وكنائسهم، ويرى البعض في قوله: ” أنتم الذين أمام عيونكم قد رسُم يسوع المسيح بينكم مصلوباً ” (غل 14:6)، رسم للصليب.

وكان المؤمنون يطردون الأرواح النجسة برسم علامة الصليب، وقد جاء في مخطوطة ترجع للقرن الأول أكتشفها علماء الآثار وتوجد الآن في المكتبة الأهلية بقاعة الرسامات بباريس، ما نصه ” يا صليب طهرني. أطردك أيها الشيطان. بحيث لا تبرح مقرك أبداً. أفعل ذلك باسم سيدي الحي (أي المسيح) “(11).

 

5 – المجامع المسكونية:

كان المسيحيون منذ البدء عندما يختلفون في أمر عقيدة ما يجتمعون في مجامع مكانية، أي في دولة واحدة، عندما يكون هذا الأمر موجود في هذه الدولة فقط، ويجتمعون في مجامع مسكونية، أي عالمية، تضم ممثلين عن المسيحيين من رجال الدين في كل بلاد العالم المسيحي، لكي يناقشوا هذه العقيدة، وكان على رأس هذه المجامع المسكونية مجمع نيقية سنة 325م، ومجمع القسطنطينية سنة 381م، ومجمع أفسس سنة 431م، ومجمع خلقيدونية سنة 451م، والتي ناقشت مواضيع خاصة بشخص المسيح من جهة لاهوته وتجسده.

ولكن موضوع صلب المسيح فلم يختلف عليه أحد ولم يناقش في أي مجمع، سواء كان مكانياً أو مسكونياً، وكان أمراً متفقاً عليه ولا خلاف حوله، بل وقد وضع مجمع نيقية خلاصة الإيمان المسيحي في هذا الأمر وهو قوله ” تجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء تأنس، وصلب عنا على عهد بيلاطس البنطي، تألم وقبر وقام من بين الأموات في اليوم الثالث وصعد إلى السموات وجلس عن يمين أبيه “. وهذه الصيغة كانت مقبولة في كل المجامع المكانية والمسكونية، بل ويرددها المسيحيون في كل مكان في العالم مهما كانت طوائفهم.

ولم تكن هذه الصيغة هي الأولى في تاريخ الكنيسة فقد سبقها عدة صيغ، تسمي بصيغ المعمودية، كان يقولها الشخص الذي ينضم إلى المسيحية عند عماده، وفيما يلي بعض نماذج لها:

  • جاء في قانون إيمان الرسل (القرن الأول): ” تألم في عهد بيلاطس البنطي، وصُلب (ومات) ودُفن ؛ (ونزل إلى الجحيم)، وفي اليوم الثالث قام من الأموات “
  • وجاء في قانون إيمان القديس إيريناؤس بلاد الغال، فرنسا حاليا، (عام 170م): ” الذي صار جسداً (من العذراء) لأجل خلاصنا ؛ وآلامه (في عهد بيلاطس البنطي)، وقيامته من الأموات “.
  • وجاء في قانون إيمان العلامة ترتليان، من شمال أفريقيا (200م): ” ثُبّت على الصليب (في عهد بيلاطس البنطي)، مات ودُفن ؛ قام في اليوم الثالث “.
  • وجاء في قانون العلامة أوريجانوس، من الإسكندرية (230م): ” تألم حقا، ومات، قام من الأموات “.
  • وجاء في قانون إيمان لوقيانوس، أو لوسيان (مُعلم أريوس)، إنطاكية (300م): ” الذي تألم من أجلنا، وقام من أجلنا في اليوم الثالث “.
  • وجاء في قانون إيمان يوسابيوس، أسقف قيصرية (325م): ” الذي من أجل خلاصنا صار جسدا بين البشر ؛ وتألم، وقام في اليوم الثالث “.
  • بل وجاء في إقرار الإيمان الذي قدمه أريوس في مجمع نيقية: ” نؤمن بإله واحد، الآب القدير ؛ وبالرب يسوع المسيح ابنه، المولود منه قبل كل الدهور، الله الكلمة الذي به صنع كل شيء، ما في السموات وما على الأرض. الذي من نزل وصار متجسدا ؛ وتألم، وقام ثانية “(12).

وهكذا كان المؤمنون بالمسيحية في كل أنحاء العالم مؤمنون بصلب المسيح ولم يشذ عن ذلك سوى مجموعة من الأفراد الذين خلطوا بين فكرهم الغنوسي الدوسيتي الوثني السابق وبين المسيحية وقد انتهت بدعتهم وهرطقتهم مع نهاية القرن الثاني ولم يبق منهم سوى مجرد أفراد يظهرون بين الحين والآخر ويردون نفس القول لنفس السبب !!!!

وحتى هؤلاء فقد آمنوا بصلب المسيح ودونوا في كتبهم التي أسموها أناجيل نفس تفصيلات أحداث الصلب كما وردت في الأناجيل القانونية، كما بينا، مع إضافة عبارات تشير لفكرهم القائل بأن المسيح لاهوت فقط وأنه ظهر كشبح وخيال لذا فقد كان صلبه بالنسبة لهم مجرد شبح وخيال !!!!

 

6 – التاريخ العام لا يعرف إلا المسيح المصلوب:

(1) التلمود اليهودي:

ويقر اليهود في تلمودهم بأنهم قتلوا المسيح وصلبوه فقد جاء في نسخته التي نشرت في أمستردام عام 1943، ص 42 قوله ” لقد صُلب يسوع قبل الفصح بيوم واحد. وقبل تنفيذ الحكم فيه، ولمدة أربعين يوماً خرج مناد ينادي: إن (يسوع) سيُقتل لأنه مارس السحر وأغرى إسرائيل على الارتداد، فعلى من يشاء الدفاع عنه لمصلحته والاستعطاف من أجله أن يتقدم. وإذ لم يتقدم (أحد) للدفاع من أجله في مساء (ليلة) الفصح.

وهل يجرؤ أحد عن الدفاع عنه؟ ألم يكن مفسداً؟ وقد قيل في الأنبياء إن شخصاً مثل هذا: ” لا تَسْمَعْ لَهُ وَلا تُشْفِقْ عَيْنُكَ عَلَيْهِ وَلا تَرِقَّ لَهُ وَلا تَسْتُرْهُ، بَلْ قَتْلاً تَقْتُلُهُ ” (تث8:13و9)(13).

وقال يوحنا بن زكا تلميذ هليل المعلم الشهير في كتابه سيرة يسوع الناصري ” إن الملك وحاخامات اليهود قد حكموا على يسوع بالموت لأنه جدف حين ادعى أنه ابن الله… وأنه الله “. ثم قال بعد ذلك: ” ولما كان المسيح في طريقه إلى الموت كان اليهود يصرخون أمامه: فلتهلك كل أعدائك يا رب ” (عوض سمعان ” قضية الغفران ” ص 108 ونقولا يعقوب غبريال ” مباحث المجتهدين ” ط 6 ص 76.).

وقال الحاخام اليهودي جوزيف كلاونز الذي عاش في القرن التاسع عشر في كتابه يسوع الناصري بعد فحص الإشارات إلى يسوع في التلمود معترفا دون محاباة قائلا ” لم ينكر شيئاً في الأناجيل !! فقد جري تحريفها (في التلمود) فقط إلى مصدر لوم واستهزاء “(14).

 

(2) تقرير بيلاطس البنطي:

وهذا التقرير ذكره القديس يوستينوس الشهيد عام 150م في أثناء دفاعه الأول حيث أكد أن صلب المسيح يثبته تقرير بيلاطس، كما يلمح في نفس الدفاع إلى طائفة من العجائب وأعمال الشفاء، ثم يقول: ” إنه حقاً قد. صنع هذه ويمكنك التأكد منها من تقرير بيلاطس ” وأشار ترتليان أيضاً إلى نفس هذا التقرير(15).

(3) التاريخ الروماني:

ويشهد التاريخ الروماني لصحة الحادثة بحسب ما يذكر كورنيليوس تاسيتوس (55-125م)، وهو مؤلف روماني عاصر ستة أباطرة ولُقب بمؤرخ روما العظيم. وقال عنه ف. ف بروس F.F.Bruce أنه، تاسيتوس، كان، بحكم علاقته بالحكومة الرومانية، مطلعاً على تقارير حكام أقاليم الإمبراطورية وسجلات الدولة الرسمية. وقد أشار إلى المسيح في كتابيه ” الحوليات والتواريخ ” ثلاث مرات أهمها قوله في الحوليات الجزء الثالث ” لكي يتخلص نيرون من التهمة (أي حرق روما) ألصق هذه الجريمة بطبقة مكروهة معروفة باسم المسيحيّين، ونكَّل بها أشد تنكيل.

فالمسيح الذي اشتق المسيحيون منه اسمهم، كان قد تعرض لأقصى عقاب في عهد طيباريوس على يد أحد ولاتنا المدعو بيلاطس البنطي. وقد راجت خرافة من أشد الخرافات إيذاء، وإن كانت قد شُكمت لفترة قصيرة، ولكنها عادت فشاعت ليس فقط في اليهودية المصدر الأول لكل شر، بل انتشرت أيضاً في روما التي أصبحت بؤرة لكل الأشياء الخبيثة والمخزية التي شرعت ترد إليها من جميع أقطار العالم “(16).

واضح أن الخرافة أو الإشاعة التي ألمح إليها هي قيامة المسيح من الأموات.

 

(4) التاريخ اليوناني:

وكذلك أيضا شهادة التاريخ اليوناني حيث يقول لوسيان اليوناني: والذي كان أحد مؤرخو اليونان البارزين في مطلع القرن الثاني الميلادي. وقد علق في مقال نقدي ساخر على المسيحيين والمسيح. وإذ كان ينتمي إلى المذهب الأبيقوري فقد عجز عن استيعاب طبيعة الإيمان المسيحي واستعداد المسيحيين للاستشهاد في سبيل عقيدتهم، وحسبهم شعباً مخدوعاً يتعلق بأوهام عالم ما بعد الموت بدلاً من التمتع بمباهج العالم الحاضر وملذاته وأبرز ما قاله ” إن المسيحيين، كما تعلم، ما زالوا إلى هذا اليوم يعبدون رجلاً – وهو شخصية متميزة، استنّ لهم طقوسهم الجديدة وصُلب من أجلها… ومنذ اللحظة التي اهتدوا فيها (إلى المسيحية) وأنكروا آلهة اليونان وعبدوا الحكيم المصلوب، استقرّ في عرفهم أنهم أخوة “(17).

 

(5) الرواقي مارا السوري (73 – 160):

كتب في رسالة له لابنه سيرابيون، كتبها من السجن، عن يسوع باعتباره ملك حكيم كسقراط وفيثاغورس قائلاً ” أية فائدة جناها اليهود من قتل ملكهم الحكيم لم يمت هذا الملك الحكيم إلى الأبد لأنه عاش من خلال تعاليمه التي علم بها “، ولكن الله أنتقم له ” بتدميرهم وتشتيتهم في كل مكان “(18).

مع ملاحظة أن هؤلاء، باستثناء اليهود وبيلاطس، قد كتبوا من منطلق معرفتهم عقيدة المسيحيين في صلب المسيح عن طريق المسيحيين أنفسهم، أي أنه كان هناك إجماع عند المسيحيين، سواء في سوريا وما حولها واليونان وبقية الإمبراطورية الرومانية، على صلب المسيح وهذا ما عرفه هؤلاء المؤرخون منهم. أما تقرير بيلاطس فهو يكتب كشاهد عيان وكذلك اليهود.

(1) (يو16:14، 17، 26، 15، 16، 7؛ لو 49:24؛ أع 4:1، 1:2-4).

(2) Dialogue. Ch. 97.

(3) On Resurrection. Ch. 9.

(4) Against Her. B. 5:7.

(5) Ante Nicene Fathers Vol, 1.

(6) Ante Nicene Fathers Vol, 1.

(7) First Apology Ch. 67.

(8) Origen Against C.

(9) Constitution of the H. Ap. B 5:3.

(10) Ibid 7:2.

(11) مجلة الهلال العدد العاشر السنة العاشرة.

(12) Socrates Church History 1:26.

(13) Josh McDowell & Bill Wilson. He Walked Among Us p. 64.

(14) W.T. Bib. Is The Bible The Word of God? p. 65.

(15) The Verdict of History, p. 100 & He Walked Among Us p. 53,54.

(16) Tacitus, Annals, 15, 44 & The Verdict of History, p. 100 & He Walked Among Us p. 53,54.

(17) Ibid,

(18) He Walked Among Us p. 54.

انجيل توما الأبوكريفي لماذا لا نثق به؟ – ترجمة مريم سليمان

مختصر تاريخ ظهور النور المقدس

هل أخطأ الكتاب المقدس في ذِكر موت راحيل أم يوسف؟! علماء الإسلام يُجيبون أحمد سبيع ويكشفون جهله!

صلب المسيح حقيقة مؤكدة تاريخياً ومسيحياً ووثائقياً – القمص عبد المسيح بسيط