أبحاث

القراءة الإنجيلية للعهد القديم (2) الإنجيليون والعهد القديم

القراءة الإنجيلية للعهد القديم (2) الإنجيليون والعهد القديم [1]

القراءة الإنجيلية للعهد القديم (2) الإنجيليون والعهد القديم
القراءة الإنجيلية للعهد القديم (2) الإنجيليون والعهد القديم

القراءة الإنجيلية للعهد القديم (2) الإنجيليون والعهد القديم

د. جورج عوض إبراهيم

القراءة الإنجيلية للعهد القديم (1) الإنجيليون والعهد القديم

الرسول بولس: التربية وغاية الناموس

لقد فَهِم الرسول بولس بعمق واتساع تفسير العهد القديم على أساس أن المسيح هو مركزه. وبهذا التفسير يمكن للمؤمن أن يتعرف على القيمة الدائمة للكتاب لدى الكنيسة، وأن يقبل الأسس التفسيرية للاهوت المسيحى. إن الجهاد الأعظم لدى بولس يتمثل في المناداة بأن التفسير من خلال المسيح “الأصل”، برَّهن على أن التفسير الرابوني لا فائدة منه.

لقد كان بولس هو الأكثر من مناسب لعمله هذا، إذ كان هو نفسه، قبل رجوعه، غيورًا على الناموس: ” من جهة الناموس فريسى، من جهة البر الذي في الناموس بلا لوم ” (في6:3 وانظر غلا14:1)، وكان معروفًا بأنه فريسى متعصب للتفسير الرابونى للعهد القديم (أع3:22). تعلّم القوانين التفسيرية الخاصة بالرابونيين من غمالائيل معلم الناموس الأول فى إسرائيل والتي أخذ يطبقها كمسيحى ـ كما سنرى فيما بعد.

لكن فى الحقيقة، اعتبر بولس أن هذا “المكسب” هو خسارة من أجل المسيح ” ومن أجل ” معرفة المسيح الفائقة ” (في7:3ـ8)، كان ينبغي أن يحدث له هذا الحدث العظيم عند أبواب دمشق، حيث نقله يسوع المسيح، القائم من الأموات، من الناموس (الذي كان مركزًا لحياته) وقاده إلى الفهم الجديد للناموس وإلى إعادة النظر جذريًا في تقاليد الآباء.

 

أ ـ إن الرسول بولس شارك الاعتقاد الرابوني بالمبدأ: أن العهد القديم في مجموعه هو إعلان لإرادة الله المطلقة والأزلية، وبهذا المفهوم يدعوه “ناموس”[2].

ولأجل هذا السبب لا يفرق بولس بين الوصايا الناموسية الخاصة بالسلوك الأخلاقي وبين الوصايا التعبدية من ناحية فاعليتها. كل الناموس هو مقدس وروحي وصالح، وهو وصية البر والصلاح (رو12:7، 14، 16)، وكل مَن يحفظه يتبرر ويحيا (غلا12:3: ” ولكن الناموس ليس من الإيمان بل الإنسان الذي يفعلها سيحيا بها“)، (رو13:2: ” لأن ليس الذين يسمعون الناموس هم أبرار عند الله بل الذين يعملون بالناموس هم يبررون“).

ومثل أي فريسى أصيل، هكذا كان بولس يؤمن أن الناموس أُعطى “للحياة” (رو10:7). أيضًا شارك بولس الفكر الرابونى في التقدير العظيم للعهد القديم وذلك من استخدامه لصياغات رابونية معروفة مثل “مكتوب” و”يقول الكتاب”. ومن حديثه عن الامتيازات التاريخية والخلاصية لاخوته من بنى إسرائيل، مثل الاختيار، والتبنى، والعهود، والاشتراع، والعبادة والنبوات (رو3:9ـ5)، كما أنه لم يتردد في أن يدعو إسرائيل ” وإذا كانت الباكورة مقدسة فكذلك العجين.

وإن كان الأصل مقدسًا فكذلك الأغصان” (رو16:11)، بل إن إسرائيل، فى نظره، كان له الحق في الإنجيل الجديد (رو16:1). وبولس “كمسيحى” عندما كان يقف ضد التفسير الرابونى للناموس كان يصّر على أنه لا يُبطل بذلك الناموس ولكن يثبته (رو31:3). ففى اعترافه أمام الوالى فيلكس قال مؤكدًا إيمانه بالناموس والأنبياء: ” هكذا أعبد إله آبائى مؤمنًا بكل ما هو مكتوب في الناموس والأنبياء ” (أع14:24).

ويؤكد بولس بالطريقة التي يفسر بها العهد القديم على تربيته الفريسية. كما نتعرف في رسائله على أمثلة كثيرة للتفسير الرابونى، على سبيل المثال القانون الأول لـ هليل Cillšl (من الأعظم إلى الأصغر والعكس): (2كو11:3): ” لأنه إن كان الزائل في مجدِِ فبالأولى كثيرًا يكون الدائم في مجد”، (رو24:3): ” لأنه إن كنت أنت قد قُطعت من الزيتونة البرية حسب الطبيعة وطُعمت بخلاف الطبيعة في زيتونة جيدة فكم، بالحرى يُطعمهم هؤلاء الذين هم حسب الطبيعة في زيتونتهم الخاصة”.

والقانون الثانى: (التناسب بين نصين متقاربين) (رو3:4ـ8). ” لأنه ماذا يقول الكتاب: فآمن إبراهيم بالله فحسب له برًا. أما الذي يعمل فلا تحسب له الأجرة على سبيل نعمة بل على سبيل دين. وأما الذي لا يعمل ولكن يؤمن بالذي يبرر الفاجر فإيمانه يحسب له برًا. كما يقول داود أيضًا في تطويب الإنسان الذي يحسب له الله بر بدون أعمال. طوبى للذين غُفرت آثامهم وسُترت خطاياهم…”، وأيضًا نجد التفسير اليونانى (الهلليني) الحرفى في (غلا16:3): ” وأما المواعيد فقيلت في إبراهيم ونسله. لا يقول وفي الأنسال كأنه عن كثيرين بل كأنه عن واحد وفي نسلك الذي هو المسيح”، والتفسير الهللينى الرمزى في (1كو9:9): ” فإنه مكتوب في ناموس موسى لا تكم ثورًا دارسًا.

ألعل الله تهمه الثيران. أم يقول مطلقًا من أجلنا..”. كما نجد التأثر بطريقة تفسير مجموعة وادي قمران Péser[3] في (رو6:10) ” وأما البر الذى بالإيمان فيقول هكذا لا تقل في قلبك مَن يصعد إلى السماء أي ليحدر المسيح..”. يُضاف إلى كل هذا إن بولس الرسول عادةً كان يستخدم الترجمة السبعينية وبدون أن يتقيد بالدقة الحرفية، وبالأخص عندما كان يستشهد بنصوص من الأنبياء، والمزامير وأسفار موسى الخمسة ومن أسفار الحكمة.

وهذه الاستشهادات الكثيرة من العهد القديم نجدها على الأخص في رسائله الأربعة الكبيرة: رومية وغلاطية والرسالة الأولى والثانية إلى أهل كورنثوس، كما نجد إشارات مباشرة وغير مباشرة من العهد القديم في بقية الرسائل. وفي حالات كثيرة كان بولس يُكيف الشكل اللغوي للاستشهادات الكتابية لخدمة الهدف من استخدامها (على سبيل المثال أنظر رو17:1، 10:3، 1كو19:1، 31، غلا16:3.. الخ).

 

ب ـ يوضح الرسول بولس موقفه من العهد القديم بالتفسير الجديد له.

وهنا يمكننا أن نتعرف على المساهمة “الثورية” و”الثمينة” لبولس في تشكيل التفسير الكتابى المسيحى. إن تفسير بولس للناموس وبالتالى للعهد القديم يُظهر ـ شكليًا ـ جدلية غريبة ومتناقضة، تنبع طبيعيًا من رؤيته الخريستولوجية له. فبينما التقليد الرابونى يتطابق “تقريبًا” مع تعاليم العهد القديم، أي يأتي وفقًا للوصايا الأخلاقية والتعبدية لأسفار موسى الخمسة، والتي بالتطبيق الأمين لهما يصلون ـ بحسب تعاليمه ـ إلى “التبرير” الشخصي.

نجد أن بولس على العكس يفهم الناموس من جهة الإيجابية والسلبية فقط داخل نور إنجيل المسيح، ويسعى إلى التنقية الجذرية لمفهوم الناموس من سوء الفهم الرابونى، (راجع رو21:3ـ22): ” وأما الآن فقد ظهر بر الله بدون الناموس مشهودًا له من الناموس والأنبياء. بر الله بالإيمان بيسوع المسيح إلى كل وعلى كل الذين يؤمنون. لأنه لا فرق“. أي يمكن للناموس ـ بحسب بولس ـ فقط في تطلعه الأصيل “للحياة” أن يخدم الإنجيل وهذا التطلع ـ في حقيقته ـ هو بر الله الجديد بواسطة يسوع المسيح.

إن القيمة الإيجابية للعهد القديم تتمثل، بلا شك، في تطلعه النبوي. إن “الكتب المقدسة” تشهد لإنجيل الله فيما يتعلق بيسوع المسيح، الذي سبق وأنبأ عن نفسه بواسطة أنبياؤه (رو1:1 وما بعده). والإنجيل المسيحي هو بمثابة إعلان ” السر الذي كان مكتومًا في الأزمنة الأزلية ” (رو25:16) والذي كان مدونًا في الكتب النبوية (رو25:16، راجع 1كو17:2، أف5:3، كو26:2). بناء على ذلك فإن العهد القديم هو كتاب وعود وتهيئة لشعب الله لكي يقبل الإنجيل، في ملء الأزمنة، أي في العهد الجديد. لقد استخدم بولس الرسول شخصيات كثيرة وحوادث عديدة من العهد القديم كنماذج وأمثلة نبوية لعصر الملء.

فآدم مثلاً هو “مثال للعتيد”، الذي هو آدم الثاني (رو22:5ـ13، 1كو22:15، 45، 49). وابرآم هو أب “لكل المؤمنين” (رو11:4، غلا7:3) والمسيحيون هم من “نسل إبراهيم” (غلا29:3). أيضًا رواية التكوين عن امرأتى ابرآم وولديه الاثنين لها مفهومًا نماذجي نبوي: (غلا28:4ـ31): ” وأما نحن أيها الأخوة نظير اسحق أولاد الموعد. ولكن لما كان حينئذِِ الذي وُلد حسب الجسد يضطهد الذي حسب الروح هكذا الآن أيضًا.

لكن ماذا يقول الكتاب أطرد الجارية وابنها لأنه لا يرث ابن الجارية مع ابن الحرة. إذًا أيها الأخوة لسنا أولاد جارية. بل أولاد الحرة“. أيضًا حوادث البرية والتي حدثت مع إسرائيل بعد الخروج، وعبور البحر الأحمر، وعمود السحاب، والمن، وخروج المياه من الصخر، كل هذه الحوادث ” حدثت مثالاً ” (1كو1:10ـ4، 11). وفق هذا المثال، فإن المؤمنين الذين يحيون الملء في المسيح ينتمون إلى العصر الأخروي وبناء على ذلك فلهؤلاء ” قد انتهت أواخر الدهور” (1كو11:10). ولذا لم يتردد بولس الرسول، أن يدعو المؤمنين في هذا الإطار ” إسرائيل الله” (غلا16:6). وأن يعتبر التقيد بإرث العهد القديم رابطة لا تنحل (رو1:11 وما بعده، أف12:2).

إن التقدير الإيجابى للناموس يرجع إلى أنه يحتوى في داخله على البذور الأولى للنقد الجذرى للتفسير الرابونى له. الناموس بحسب تطلعه النبوى هو “مؤدبنا إلى المسيح” (غلا24:3)، أى هو خادم الله الذي يحفظ ويحمى الشعب في فترة العمر الطفولى. ولكن أثناء الزمن الذى يكون فيه الشعب الوارث قاصرًا وتحت أوصياء ووكلاء فإنه لا يفرق شيئًا عن العبد (غلا1:4ـ2). هذا يعنى، أن الناموس لا يحتوى فى ذاته على الملء ولا هو في حد ذاته له قيمة مطلقة بدون ملء المسيح. الاختلاف الجذرى بين إسرائيل القديم وإسرائيل الجديد يتمثل في أن الأول يُوصف على أنه وعد وتطلع، بينما الثانى هو الملء والإيمان.

لأجل هذا السبب كل إرث العهد القديم ينبغى أن لا يخلق تبرير وراثى بل أن يُقدر كوعد، طالما هو يرمى إلى أو يهدف إلى الملء العتيد. ونتيجة لذلك فالأبناء الحقيقيون لابرآم هم “نسل الموعد” أي أبناء الموعد وليس أبناء الجسد (غلا28:4،31). إن العهد القديم، في هذا الإطار، هو ” كلمة الموعد” (رو6:9) التي تهدف إلى الإيمان، أي إلى التطلع الحىّ للملء العتيد. ومن هنا تتضح القيمة المزدوجة للعهد القديم، فهو من جهة هو مربيًا لإسرائيل ومهيئًا له للملء، ومن جهة أخرى هو نفسه يتكامل ويكتمل بمجىء المسيا الذي يبدأ به مرحلة جديدة تمامًا.

 

ج ـ إن انتقاد بولس الرسول ـ جذريًا ـ للتفسير الرابوني للناموس يُلخص في نص (رو4:10): ” لأن غاية الناموس هي المسيح للبر لكل مَن يؤمن.

إن كلمة غاية أو هدف الناموس وردت في الأصل اليوناني بكلمة “نهاية” Tšloj وبذلك تعنى أن دور الناموس قد توقف. ويكون بولس الرسول بهذا المفهوم قد أبطل اعتقاد الرابونيين في أن التطبيق الكامل للناموس يخلق علاقة صحيحة مع الله، ذلك الاعتقاد الذي يستند على التبرير على سبيل الأجرة. والذي غيّر الناموس إلى عمل للبر وأبطل طبيعته ككلمة وعد تخص التبرير بحسب النعمة وليس بالأعمال. إن مشكلة اليهود أنهم أساءوا تفسير العهد القديم تمامًا وبدلاً من انتظار البر “بالإيمان” بدأوا ينادون “بالبر بالناموس” أي البر على سبيل الأجرة بأعمال الناموس (رو30:9ـ32).

هذا وإن التفسير الخاطئ لإرادة الله يرجع ـ في الأصل ـ إلى قساوة القلب وعدم انفتاح البصيرة، وبكلام آخر إلى التعصب الأعمى لحرف الناموس الذي يُميت. ولذلك فإن اليهودي بقدر ما يدرس الناموس ويطبقه بدقة في حياته بقدر ما يبقى في الواقع ” بعيدًا عن الله ” لأنه يضع أثناء القراءة برقعًا على وجهه وقلبه، وهذا البرقع بدوره يحجب الروح والحياة (انظر 2كو14:3ـ17). ومن الطبيعي أن الغيرة على تفسير الناموس وتطبيقه لابد أن تجلب لليهودي ضميرًا متشدّدًا منفردًا وتبريرًا للذات تجاه الله.

إن البحث في الناموس للتبرير على سبيل الأجرة يعنى ـ جوهريًا ـ الجهل بتبرير الله ومخالفة لإرادته: ” لأنهم إذ كانوا يجهلون بر الله ويطلبون أن يثبتوا بر أنفسهم لم يخضعوا لبر الله” (رو3:10). ويؤكد بولس على أن ” فعل ذلك ليس بالإيمان بل بأعمال الناموس”. والنتيجة التي نصل إليها في النهاية هي أن الناموس بسبب سوء فهمه ـ من قِبل اليهود ـ تغير إلى قوة للخطية، أي صار لعنة (غلا1.:3،13)، وقد زيد بسبب التعديات (غلا19:3)، وصار يجلب غضب الله ويقود إلى الموت (1كو56:15). لقد توقف عن خدمة البر بالإيمان أي عن الحياة والحرية وخاصم هكذا إرادة الله المحررة.

هذا بالتأكيد لا يعنى، أن الناموس في حد ذاته هو خطية (رو7:7)، الإنسان بالناموس حصل فقط على “معرفة الخطية” (رو20:3)، والخطية وهى متخذة فرصة بالوصية أنشأت فيّ كل شهوة كما قال بولس الرسول (رو7:7ـ13). بهذه الطريقة الناموس ـ في ذاته ـ هو روحي وصالح، وأيضًا حاملاً للخطية ومظهرًا لشهوة الجسد. وهكذا ظهر الانقسام في الإنسان، فبينما في أعماقه يشتهى الصلاح، إلاّ أنه في الواقع يجد نفسه مُجبر على ناموس الشهوة.

وهنا تكمن أيضًا المشاركة الإيجابية للناموس في إطار العهد القديم، فبينما هو من جهة يجعل الإنسان يعي مأساته الدرامية، إلاّ أنه من الجهة الأخرى يعده لقبول الناموس الروحي الجديد والحرية الجديدة. إن المأساوية التي جلبها الناموس القديم قد تجسدت في الصرخة التي أطلقها بولس الرسول ” ويحي أنا الإنسان الشقي مَن ينقذني من جسد هذا الموت؟ ” (رو24:7).

 

د ـ إن الرسول بولس يُعطى من خبرته الشخصية إجابة مباشرة على السؤال الوجودي المؤثر السابق قائلاً: ” أشكر الله بيسوع المسيح ربنا (رو25:7).

فالمسيح بالصلب والقيامة حقق مطلب الناموس، والذي كان من المستحيل على إنسان أن يتممه، أي موت الخطية، واشترانا هكذا من لعنة الناموس إذ ” صار لعنة من أجلنا” (غلا13:3). لقد حرّر المسيح الإنسان جذريًا من ناموس الخطية والموت، ودشن ناموس روح الحياة الجديد (رو2:8). وهذا يعنى، من جهة فهم الناموس أنه أبطل قوة الحرف الميت والعبودية له ووهب للمؤمن حرية الناموس والنعمة. لقد حدَّد بولس موقفه من الناموس عمومًا بالتجديد في المسيح عندما قال: ” الأشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديدًا ” (2كو17:5).

أى أنه ينبغى أن يُفهم على أساس “غايته” أو “نهايته”، أى على أساس الحرية في المسيح. إن العهد القديم لا يجب النظر إليه كناموس، لكن كإرادة الله المحررة في الحاضر، ولا يجب فصله عن العهد الجديد بل يجب ضمه إلى إنجيل المسيح الجديد. كلما قرأ اليهودى الناموس، بدون إيمان، فإن حجاب ثقيل يُغطى عقله وقلبه. لكن عندما يؤمن بالمسيح، عندئذٍ فقط سيسقط البرقع عن عينيه وينفتح عقله (2كو11:3 وفيما بعد).

لأجل هذا السبب يرفع الرسول بولس الناموس، والأوامر الأخلاقية والقانونية والتعبدية إلى مستوى روحى عظيم. ويرى أن الرموز والظلال والأمثلة تتوقف وتترك موقعها عندما تكتمل الأمور العتيدة. فالختان اليهودى الذي هو حسب الجسد قد أُبطل (غلا7:5، 15:6، 1كو19:7) وحل مكانه ” ختان القلب الذى هو حسب الروح” (رو29:2) أي ” ختان المسيح ” (كو11:2).

إن جسد المؤمن صار هيكل جديد للروح (1كو16:3) والجماعة المسيحية صارت ” هيكل الله” (2كو16:6). وبدلاً من الناموس القديم أصبح للمؤمن ” ناموس المسيح” (1كو21:9). وبدلاً من ذبيحة الفصح اليهودي، تأسست العبادة العقلية والذبيحة الحية لأعضاء الجسد (رو1:12)، وبدلاً من خدمة الحرف حلّ الحديث عن خدمة الروح (2كو6:3ـ8) …الخ. كما أن الحجاب الذي كان بين اليهود والأمم ـ والذي أقامه الناموس ـ سقط تمامًا، إذ أن المسيح أبطل ” ناموس الوصايا في فرائض” وصنع من الاثنين إنسانًا جديدًا ” صانعًا سلامًا” (أف14:2 وما يليه).

فإن ” كنوز الحكمة والمعرفة” (كو13:2) لم تعد تُوجد بعد في العهد القديم، لقد تجسدت هذه كلها في شخص المسيح. إن كل الناموس يُلخص في وصية المحبة للقريب (غلا14:5). لكن، في إطار التجديد، لا يمكن السلوك مرة أخرى في ناموس الوصايا، وفي عبودية الحرف. لذلك رفض بولس التشريع الناموسي وتعليمه الفريسي واعتبرهما نفاية (في7:3)، ولم يتوانى في كشف تردد بطرس، عندما تجنب مخالطة المسيحيين من الأمم خائفًا من الذين هم من الختان (غلا6:2 وما يليه)، كما أنه في المجمع الرسولي لم يتراجع أمام المسيحيين اليهود في رفض مطالبة المسيحيين الأمم حفظ الختان (غلا6:21 وما يليه).

ومثل المسيح سيده كرز، بنفس الحسم القاطع، بأنه ” قد تبطلتم عن المسيح أيها الذين تتبررون بالناموس. سقطتم من النعمة ” (غلا4:5). إن ألقاب وامتيازات شعب إسرائيل التي تحدث عنها بفخر في (رو4:9ـ5، 16:11ـ24) تحولت ـ عنده ـ إلى شعب المسيا، الشعب الجديد، شعب الإيمان بحسب الوعد. إن نظام العهد القديم كله قد أُخذ وجُدد داخل عهد النعمة والإيمان والروح.

يتبع: القراءة الإنجيلية للعهد القديم (3) الإنجيليون والعهد القديم – د. جورج عوض إبراهيم

1 هذه سلسلة من المحاضرات أُعطيت في كورس الدراسات الآبائية الذي ينظمه المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية منذ عام 2002م في مادة الآباء والكتاب المقدس.

2 “الناموس” هو أولاً الخمس كتب للوصايا الأخلاقية والقانونية والتعبدية.. الخ. وثانيًا: الكتب النبوية وأيضًا كتاب المزامير (راجع رو19:3، 31:21، 1كو21:14، 34 ..الخ).

3 Péser : هي المجموعة التي تبنت الفهم الأخروي لأحداث وتعاليم الكتاب في محاولة لتطبيق هذه المفاهيم على حياتهم الواقعية (كما سبق أن شرحنا من قبل).

القراءة الإنجيلية للعهد القديم (2) الإنجيليون والعهد القديم [1]