أبحاث

الكتاب المقدس هو كتاب الكتب ( 2 ) قداسة البابا شنودة الثالث

الكتاب المقدس هو كتاب الكتب ( 2 ) قداسة البابا شنودة الثالث

الكتاب المقدس هو كتاب الكتب ( 2 ) قداسة البابا شنودة الثالث

الكتاب المقدس هو كتاب الكتب ( 2 )
الكتاب المقدس هو كتاب الكتب ( 2 )

الكتاب المقدس هو كتاب الكتب ( 2 ) [1] 

قداسة البابا شنودة الثالث

بابا الأسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية

 

ثالثًا: تأثير الكتاب المقدس

مركزه فى بيتك وتداريب خاصة به من الآيات الواضحة جدًا عن تأثير كلمة الله، هى قوله تبارك اسمه: ” هكذا تكون كلمتى التى تخرج من فمى. لا ترجع إلىّ فارغة، بل تعمل ما سررت به، وتنجح فيما أرسلتها له” (إش11:55). نعم، إن كلمة الله لا ترجع فارغة. إن لها قوتها، ولها تأثيرها. والذين اختبروا قوة الكلمة فى حياتهم، يستطيعوا أن ينقلوا هذه القوة إلى غيرهم أيضًا.. إن القديس بولس الرسول فى شرحه لقوة الكلمة وتأثيرها يقول: ” كلمة الله حية وفعالة وأمضى من سيف ذى حدين، خارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل، ومميزة أفكار القلب ونياته” (عب12:4).

ولعل إنسان يقول: إذًا لماذا أقرأ ولا أتأثر؟!

يقينًا أن العيب هو فيك أنت، وليس فى الكلمة، إن كلمة الله مثل سيف ذى حدين. بالنسبة إلى اللحم يقطعه، ولكنه لا يقطع الصخر. لذلك قال الرب فى سفر حزقيال النبى: ” وأنزع قلب الحجر من لحمكم، وأعطيكم قلب لحم” (حز26:36). فما هو نوع قلبك الذى يستقبل كلمة الله. أهو قلب حجر أو قلب صخر؟ إن عذراء النشيد سمعت صوت الرب يناديها: ” افتحى لى يا أختى يا حبيبتى، يا حمامتى، يا كاملتى، فإن رأسى قد امتلأ من الطل وقصصى من ندى الليل” (نش2:5). ومع ذلك لم تفتح، واعتذرت بأعذار!

إن كلمة الله حية وفعالة. ولكنها تعمل أكثر فى الذين يفتحون قلوبهم لها، ويريدون أن تعمل فيهم. ولذلك لأن كلمة الله إن لم تعمل فيك اليوم، فقد تعمل بعد حين.. ولا ترجع فارغة.

ستظل راسخة فى عقلك الباطن. وفى وقت ما، حينما يصبح قلبك مهيئًا لها، وحينما تكون الظروف المناسبة، تجد الكلمة قد خرجت من ذاكرتك، ولصقت بقلبك، وأخذت تعمل عملها.

وكأن عدم استجابتك الأولى كانت تصرفًا مؤقتًا، أو فترة أو لحظة فتور، تستيقظ بعدها إلى نفسك. مثل عذراء النشيد التى اعتذرت أولاً عن فتح باب قلبها. ثم عادت تقول: ” حبيبى مد يده من الكوة، أنت عليه أحشائى… نفسى خرجت عندما أدبر..” (نش5: 6،4). ليست كل بذرة تلقى على الأرض، تخرج ثمرًا فى نفس الوقت. ربما بعد أيام أو شهور..

لذلك اختزن كلام الله فى قلبك وفى ذهنك، وسيعطى ثمره فى الحين الحسن. وبخاصة إذا كنت تتعهده بالاهتمام، وتلهج فيه النهار والليل، وتحفظه من الموانع التى تعوق عمله، سواء أكانت موانع داخلية أو خارجية.. ربما بذرة فى الأرض ولم تصل إليها المياه، فظلت كما هى، والحياة فيها ولكنها كامنة. ثم وصلتها المياه بعد أيام، فبدأت هذه الحياة تظهر وتنشط على وجه الأرض. لذلك ما أجمل قول الكتاب: ” ارم خبزك على وجه المياه، فإنك تجده بعد أيام كثيرة” (جا1:11).

ولهذا لا تيأس فى الخدمة، إن لم تلاحظ للكلمة ثمرًا سريعًا.. بل اصبر وانتظر الرب، ولا تتضجر فليست كل النفوس من نوعية واحدة. وليست كلها سريعة الاستجابة. وليست كل الظروف الخارجية مواتية… هناك من يسمع الكلمة فيتأثر بسرعة. وهناك من يحتاج بعدها إلى شرح وإقناع، وإلى متابعة وحل الإشكالات التى  تعترضه فى التنفيذ.. وهناك من يأخذ الكلمة للمعرفة وليس للحياة.

يتناولها بعقله لا بروحه، ليوسع بها مداركه، لا ليطهر بها قلبه.. وهذا هو الفرق بين العالم والعابد.. فالعالم يقرأ الكتاب ويدرسه، ويشرحه ويفسره، كما كان يفعل الكتبة والفريسيون، وهم جلوس على كرسى موسى (مت2:23). ويعلمون ولا يعملون. أما العابد فيشبه داود النبى الذى كان يقول: ” خبأت كلامك فى قلبى، لكى لا أخطئ إليك” (مز11:119). وهذا كان هدفه من كلام الله.

 

عمل الكتاب فيك

إن استجبت لكتاب الله، وتركت كلمته تعمل فيك، فماذا تراه سيكون عمل الكلمة الإلهية فيك؟ إن النتائج كثيرة بلا شك، فلنحاول أن نتتبعها..

1ـ إنها تجمع العقل من الطياشة وتشغله بالإلهيات.. لو تركت فكرك على سجيته، فلست تدرى فى أى موضوع يطيش. ولكن القراءة عمومًا تجمع العقل من تشتته، وتركزه فى موضوع القراءة. أما قراءة الكتاب بالذات، فإنها تهدى الفكر إلى ميناء سليم. والخشوع فى القراءة يعطى تركيزًا أكثر بسبب توقيرك لكلمة الله. ويكون لهذا التركيز تأثيره الروحى.

2ـ قراءة الكتاب تمنحك فهمًا واستنارة ومعرفة.. لذلك يقول المرتل فى المزمور: ” سراج لرجلى كلامك ونور لسبيلى” (مز105:119). ويقول أيضًا: ” وصية الرب مضيئة تنير العينين عن بعد” (مز19). لهذا نحن نوقد الشموع ونحملها أثناء قراءة الإنجيل، متذكرين هذه الاستنارة، أما عن الفهم فيقول المرتل: ” شهادات الرب صادقة، تصير الجاهل حكيمًا” (مز19). بل يقول أيضًا : “ أكثر من جميع الذين يعلموننى فهمت، لأن شهادتك هى درسى. أكثر من الشيوخ فهمت، لأنى طلبت وصاياك” (مز99:119). بهذا الفهم يتعلم الإنسان طرق الرب، ويعرف كيف يسلك، ويقتنى موهبة الإفراز والحكمة. وبخاصة لو اهتم بمعرفة كيف قديسو الكتاب يسلكون، وكيف كانوا يتعاملون مع الله ومع الناس. وأخذ من تصرفاتهم أمثلة لحياته يقتدى بها (عب13:7).

3ـ بل قراءة الكتاب ترشده أيضًا إلى العقيدة السليمة.. وذلك إذا قرأ بفهم وإفراز وتحت إرشاد. وكل عقيدة حفظ لها آية أو بضع آيات. وصارت آيات الكتاب تحفظه من البدع والهرطقات، ومن كل تعليم خاطئ. وهذا ما كان يفعله آباء الكنيسة الكبار أبطال الإيمان. إذ كانوا يقاومون البدع عن طريق فهمهم للكتاب، ومحصول الحفظ العجيب لآياته فى ذهنهم.

4ـ الكتاب أيضًا يرشد القارئ إلى حياة التوبة وإلى النمو الروحى.. فى ضوء وصاياه، يمكن أن يصل إلى محاسبة النفس بطريقة سليمة، فيكتشف ضعفاته وخطاياه. وعرف أن المطلوب منه لي فقط هو التوبة عن الخطية، بل بالأكثر حياة القداسة والكمال حسب قول الرسول: ”  نظير القدوس الذى دعاكم، كونوا أنتم أيضًا قديسين فى كل سيرة. لأنه مكتوب كونوا قديسين لأنى أنا قدوس” (1بط16:15، لا44:11). ويقول الرب أيضًا: ” فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذى فى السموات هو كامل” (مت48:5). ويشرح الكتاب تفاصيل حياة التوبة والقداسة والكمال، ويقدم لنا مثلاً. ومن الناحية العكسية يقول: ” تضلون إذ لا تعرفون الكتب” (مت29:22).

5ـ وقراءة الكتب تمنح العقل والإرادة لونًا من الاستحياء، إذا تعرض الإنسان لإغراء الخطية. إذ كيف فكره الذى تقدس بكلام الله وبالجو الروحى أثناء قراءته، ثم يعود ويتدنس بفكر الخطية!!

6ـ وفى محاربات الشيطان، يستطيع الإنسان أن يرد على الخطية بالوصية. وذلك حسبما شرح القديس مار أوغريس فى كتابه عن حروب الأفكار.. فإذا ضع وقتك فى الثرثرة والكلام الكثير، تذكر قول الكتاب: ” إن كثرة الكلام لا تخلو من معصية” (أم19:10). وقول المرتل: “ ضع يارب حافظًا لفمى وبابًا حصينًا لشفتى” (مز3:141).

          وإذا حوربت بالغضب تذكر قول الرسول: “ ليكن كل إنسان مسرعًا إلى الاستماع، مبطئًا فى الكلام، مبطئًا فى الغضب. لأن غضب الإنسان لا يصنع بر الله” (يع1: 20و19). وأيضًا قول الكتاب: ” لا تصطحب غضوبًا، ومع صاحب سخط لا تجئ” (أم24:22).

وإذا حوربت بالنظر الشهوانى، تذكر قول الرب: ” كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها، قد زنى بها فى قلبه” (مت28:5). وتذكر أيضًا قول أيوب الصديق: ” عهدًا قطعت لعينى، فكيف أتطلع فى عذراء” (أى1:31).

وهكذا كانت آية الكتاب ثابتة فى ذهنك وفى قلبك، تستطيع أن تسترجعهما، وترد بها على كل حرب روحية يحاربك بها العدو… مجرد تذكر الوصية يخجلك، ويرد قلبك عن ارتكاب الخطية. وغالبًا الشخص الذى يخطئ يكون وقتنذاك فى حالة نسيان لوصايا الله. محبة الخطية قد خدرته…

7ـ كلام الكتاب أيضًا يعزيك فى ضيقاتك، ويقويك كلما ضعفت.. وكثيرًا ما كان داود النبى يقول فى مزاميره للرب: ” وعلى كلامك توكلت” (مز81:119). ويقول له أيضًا: ” اذكر لعبدك كلامك الذى جعلتنى عليه أتكل، هذا الذى عزانى فى مذلتى” (مز119).. وكلما كان يتعرض لهجمات الأعداء كان يقول: ” لولا أن الرب كان معنا حين قام الناس علينا، لابتلعونا ونحن أحياء.. نجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين. الفخ انكسر ونحن نجونا. عوننا من عند الرب الذى صنع السماء والأرض” (مز123). ما أكثر كلام الكتاب عن الرجاء… الذى يقرأه ويحفظه يستريح قلبه ويجد سلامًا: ” فرحين فى الرجاء” (رو12:12).. إن وعود الله فى كتابه المقدس، تعطى النفس اطمئنانًا عجيباً، مثل قوله : ” ها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر” (مت20:28). وقوله: ” وأما أنتم، فحتى شعور رؤوسكم محصاة. فلا تخافوا” (مت10: 30 و31). وقوله: ” أنا معك لا يقع بك أحد ليؤذيك” (أع10:18).. وما أكثر الآيات ليتك تجمعها وتحفظها.. ويعوزنى الوقت إن تكلمت، ولا تكفى الصفحات.

8ـ فالكتاب فيه كل شئ، لكل أحد، فى كل حالة.. أيًا كانت الظروف، أيًا كانت حالتك النفسية، فسوف تجد فى الكتاب رسالة لك تريحك. تجد فيه كل ما يلزمك، وما يناسبك. يكفى مثلاً كتاب (المزامير) فيه كل ألوان المشاعر والصلوات. وسفر الأمثال فيه كل ألوان المشاعر والصلوات. والنصائح. وكل سفر يحوى لك رسالة معينة إن أحسنت انتقائها وفهمها..

 

استخدامك للكتاب

1ـ يمكنك أن تستخدمه أولاً كمادة للصلاة: فبالإضافة إلى صلاتك قبل القراءة وبعدها، فإن قراءة الكتاب تشعل فيك مشاعر معينة تجد نفسك محتاجًا أن تحولها إلى صلاة. وكذلك فإن قراءة سفر كالمزامير مثلاً يعلمك كيف تصلى، ومنه تعرف أسلوب التخاطب مع الله. ونفس الوضع فى قراءتك لصلوات رجال الله فى الكتاب، مثلاً صلاة دانيال النبى (دا9). وصلاة عزرا (عز9)، وأيضًا صلاة نحميا (نح1) وصلاة سليمان (1مل8)، وصلاة يونان فى بطن الحوت (يون2). وتسبحة العذراء (لو1). وباقى التسابيح والصوات التى فى الكتاب.

2ـ ويمكن أن يكون الكتاب مادة للتأمل: بأن تتخذ حادثًَا معينًا فى الأسفار التاريخية مجالاً للتأمل، أو إحدى المعجزات، أو مثلاً، أو آية. وتخلط بكل ذلك قلبك وفكرك، وتسجل تأملاتك.

3ـ أو تتخذ وصايا الكتاب مجالاً للتداريب الروحية: بما يناسب مستواك واحتياجك الروحى، لكى تنمو فى حياة الفضيلة. وستجد شرحًا طويلاً لهذا فى مقالنا عن التداريب الروحية.

4ـ أو تتخذ من قراءة الكتاب مجالاً للتوبة: فإن قرأت مثلاً قول الرب: ” إن قدمت قربانك إلى المذبح، وهناك تذكرت أن لأخيك شيئًا عليك، اترك هناك قربانك قدام المذبح، واذهب أولاً اصطلح مع أخيك” (مت25: 24،23)، تجد فى داخلك دافعًا قويًا أن تذهب لتصالح من أسأت إليهم. وإن قرأت آيات عن النذر (جا5: 5،4).. تجد أنك ملزم أن توفى للرب نذورك التى تأخرت فى دفعها.

5ـ يمكن أن تتخذ كثيرًا من الآيات مجالاً للحفظ.

 

تدرايب لحفظ الكتاب

1ـ احفظوا بعضًا من الفصول الأساسية الهامة فى الكتاب: ومن أمثلة ذلك العظة على الجبل، دستور المسيحية (مت5ـ8) وفصل المحبة (1كو13)، و الوصايا الجميلة فى (رو12)، وصلاة المسيح الطويلة قبل ذهابه إلى جثسيمانى (يو17) وبعض أحاديث المسيح مع تلاميذه (يو14ـ17).

2ـ دربوا أنفسكم وأولادكم على حفظ آيات على الحروف الأبجدية: آيات تبدأ بحروف أسمائكم، أو أسماء القديسين، أو الصفات الفاضلة، أو آيات كلمة مناسبة مثل كنيسة، كهنوت..

3ـ يمكن حفظ آيات ترد فيها كلمات معينة: كأن تقول للولد: قل آيات خاصة بالحجرة (كرسى ـ فراش ـ أرض ـ مصباح ـ باب ـ نور) أو آيات عن أعضاء جسمه (وجه ـ عين ـ شفتان ـ رجل ـ يد..).

4ـ يمكن أيضًا حفظ آيات موضوعية: آيات عن الفرح، العزاء، الوداعة.. آيات لمحاربة بعض أفكار. آيات لتشجيع يائس، أو لنصح خاطئ، أو للشكر..

5ـ يمكن التدرب على استخدام آيات أثناء الحديث مع الناس: لتكن لغة الكتاب حاضرة فى فمك تستخدمها فى كلامك وأحاديثك وقصصك. وبهذا لا تخطئ كثيرًا كما أنك تكون قدوة. كذلك فى كل موقف، فى كل مشكلة، حاول أن تتذكر آية..

6ـ يمكن أيضًا عمل نوتة للآيات المختارة: اكتب فيها الآيات التى تؤثر فيك، والتى تمثل خطة عمل، ثم احفظها. أريد أن أعمل لكم مسابقة فى الحفظ، أو أن نخرج لكم كتيبات تساعد على حفظ الآيات فى شتى الموضوعات..

 

الكتاب فى بيتك

وهنا أضع أمامك قول الرب فى سفر التثنية: ” لتكن هذه الكلمات التى أن أوصيك بها اليوم على قلبك، وقصها على أولادك. وتكلم بها حين تجلس فى بيتك، وحين تمشى فى الطريق، وحين تنام وحين تقوم.. واكتبها على قوائم أبواب بيتك وعلى أبوابك” (تث6:6ـ9).

 

فما مدى تنفيذك لهذه الوصايا؟

أ ـ هل هناك آيات مبروزة ومعلقة على جدران بيتك، تحفظها أنت وزوجتك وأولادك.

ب ـ هل تعلم أولادك ما فى الكتاب حسب قوله: ” وقصها على أولادك“، أم تعتمد على مدارس الأحد، وتخلى نفسك من المسئولية؟! ويدرك الأبناء أن والديهم لا يحدثونهم أبدًا عن كلمة الله!!

ج ـ هل تستخدم لغة الكتاب فى أحاديثك المنزلية، حسب الوصية ” وتكلم بها حين تجلس فى بيتك” (تث7:6).

د ـ هل تقرأ الكتاب يوميًا مع أفراد أسرتك؟ وهل لكم اجتماع عائلى حول الكتاب؟.

هـ هل تقيم لأولادك مسابقات فى حفظ الآيات، وهل تدربهم على ذلك؟.. إنى أسأل قبل أن يسألكم الله فى ذلك.

 

رابعًا: خطورة استخدام ”الآية الواحدة”!

    فى موضوع الخلاص أيها الأخوة ـ كما فى أى موضوع آخر ـ احترسوا جدًا من خطورة استخدام آية واحدة فى الكتاب المقدس. إن الكتاب المقدس ليس هو مجرد آية أو آيات، وإنما هو روح معينة تتمشى فى الكتاب كله.

الشخص الجاهل يضع أمامه آية واحدة، أو أجزاء من الآية، فاصلاً إياها عن ظروفها وملابستها وعن المعنى العام كله، أما الباحث الحكيم، الذى يتوَّخى الحق، فهو يجمع كل النصوص التى تتعلق بموضوع بحثه، ويرى على أى شئ تدل..

آمن بالرب يسوع فتخلص أنت وأهل بيتك” (أع31:16).

هذه الآية يتخذها البعض على الخلاص بالإيمان فقط!! لأن فيها يقول بولس الرسول لسجان فيلبى: ” آمن.. فتخلص..” (أع31:16). وينسى الذين يستخدمون الآية عدة أمور هى: لمن قيلت؟. وتكملة الآية؟. وماذا حدث بعدها؟. والآيات الأخرى المتعلقة بالموضوع.

1ـ أولاً: قيلت هذه الآية لرجل أممى، غير مؤمن، مهما فعل من أعمال صالحة فلن تجديه شيئًا دون الإيمان بالمسيح!! لذلك كان لابد من إرشاده إلى الخطوة الأولى، التى بدونها لا يمكن أن ينال شيئًا من الخلاص. فإذا خطا هذه الخطوة، يمكن إرشاده إلى ما يتلوها من خطوات.. لم يكن مناسبًا أن يكلم الرسولان هذا السجان عن أهمية الأعمال الصالحة، لأنها بالنسبة إليه لا يمكن أن تفيده وهو غير مؤمن.. والوضع السليم أن يتدرجا معًا خطوة خطوة، حتى يصل.

2ـ والخطوة الأولى فى الكتاب المقدس للدلالة على العمل كله الذى يبدأ بتلك الخطوة. مثال ذلك يقول سمعان الشيخ عندما حمل الطفل بين ذراعيه: ” الآن يا رب تطلق عبدك حسب قولك بسلام، لأن عينى قد أبصرتا خلاصك..” (لو28:2ـ31) بينما أن سمعان الشيخ لم يبصر خلاص الرب الذى لم يتم إلا بدم المسيح على الصليب عندما دفع الرب ثمن الخطيئة بموته عنا!! ولكن سمعان أبصر فقط تجسد الرب وميلاده، ولما كان تجسد الرب هو الخطوة التنفيذية الأولى التى تؤدى إلى الخلاص، لذلك قال سمعان الشيخ فى ثقة: ” لأن عينىّ قد أبصرتا خلاصك” (لو30:2). وبهذا الأسلوب تقريبًا تحدث بولس وسيلا مع سجان فيلبى، ليس عن أن إيمانه فقط هو الذى سيخلصه ويخلص أهل بيته، وإنما هو على الخطوة الأولى التى تؤدى إلى كل ذلك.

ولعله بهذا الأسلوب أيضًا، لما وعد زكا بأن يرد كل ما سلبه من الناس أربعة أضعاف، قال له الرب: ” اليوم حصل خلاص لأهل بيته، وإنما على أنه الخطوة الأولى التى تؤدى إلى كل ذلك. ولعله بهذا الأسلوب أيضًا، لما وعد زكا بأن يرد كل ما سلبه أربعة أضعاف، قال له الرب: ” اليوم حصل خلاص لهذا البيت” (لو9:19).. أى أن توبة زكا هى الخطوة الأولى التى تؤدى إلى خلاص هذه البيت.

3ـ وأكبر دليل على أن المقصود بهذا الخلاص هو الخطوة الأولى المؤدية إليه، هو قول الرسول لهذا السجان: ” فتخلص أنت وأهل بيتك” (أع31:16).

إذ كيف يمكن أن يخلص أهل بيته لمجرد إيمانه؟! هل إيمان إنسان يخلص شخصًا آخر؟! ولكن الوضع السليم هو أن إيمان هذا الشخص هو مجرد الخطوة الأولى التى ستقوده إلى هذا الخلاص، عندما يعتمد باسم يسوع المسيح، وأيضًا سيقنع أسرته بالإيمان ويكون فاتحة خير للأسرة، وهكذا يخلص هو وأهل بيته..

4ـ ولذلك نرى أن هذه الآية كان لها تكملة، إذ يقول الكتاب: إن بولس وسيلا ” كلماه وجميع من فى بيته بكلمة الرب.. واعتمد فى الحال هو والذين له أجمعون” (أع 16: 32،33).

5ـ ونحن إذا أخذنا هذه الآية: ” آمن بالرب يسوع فتخلص أنت وأهل بيتك” (أع31:16)، إنما يجب أن نضع إلى جوارها آيات أخرى لنكمل فهم الموضوع، وسأذكر لكم مثالاً بسيطًا له دلالته القوية: تقدم شاب إلى السيد المسيح ليسأله: ” أى صلاح أعمل لتكون لى الحياة الأبدية؟” (مت16:19)، فلم يقل له المسيح : “آمن فتخلص”، وإنما قال له: ” إن أردت أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا” (مت17:19).

هل نجرؤ نحن ونقول أن مجرد حفظ الوصايا كاف للخلاص، بدون إيمان، وبدون معمودية، وبدون أسرار؟!! كلا إننا لا يمكن أن نخطئ إلى أنفسنا ولا إلى الناس ولا إلى الإيمان ذاته، باستخدام الآية الواحدة…

فى هذا المثال أيضًا نجد أن الشاب عندما قال عن الوصايا: ” هذه حفظتها منذ حداثتى، فماذا يعوزنى بعد؟” (مت20:19) حينئذ قال له ربنا يسوع : ” إن أردت أن تكون كاملاً، فاذهب وبع أملاكك وأعط الفقراء فيكون لك كنز فى السماء وتعال واتبعنى” (مت21:19). هنا أيضًا لم يحدثه السيد المسيح عن الإيمان. ولا عن النعمة… فهل نستخدم نحن هذا المثال لنقلل من قيمة الإيمان،  إذ لم يرد له ذكر فى حديثه عن نوال الحياة الأبدية؟!.

كلا، حاشا لنا أن نفعل هذا ونستخدم الآية الواحدة، فلكل مجال.. الكلام اللائق به. وفى هذا المثال كلم الرب الغنى بما يناسب حالته، وربما يعالج أمراضه الداخلية الأصلية.. نتناول آية أخرى من التى يستخدمها البروتستانت ومن يجرى فى مجراهم…

فإذا قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله” (رو1:5).

يأتيك إنسان من الذين يهتمون بالآية الواحدة، ويقول لك: هوذا أمامك آية صريحة تقول: إن تبررنا بالإيمان فلا داعى أن تجادل أو تفتح فمك! ها تنكر الآية أو تعارض كلام الله!..

لا يا أخى، نحن لا ننكر الآية، ولا نعارض كلام الله. ولكننا نضع جوار هذه الآية أخرى من نفس رسالة بولس إلى اهل رومية، ونرى ماذا يمكن أن نفهمه من الآية. يقول الرسول: ” لأن ليس الذين يسمعون الناموس هم أبرار عند الله، بل الذين يعملون بالناموس هم يبررون” (رو13:2).

هنا كلام عن تبرير من يعمل بالناموس، هل نسمح لأنفسنا أن نخطئ ونستخدم الآية الواحدة، ونقول إن الأعمال وحدها هى التى تخلص، معتمدين على قول الرسول: “ بل الذين يعملون بالناموس هم يبررون“؟! كلا، بل نحن نضع الآيتين معًا (رو13:2، رو1:5). ونخرج بتعليم صحيح يتفق مع كلام الله، وهو أن عمل الإيمان فى التبرير لا ينكر أهمية الأعمال، ولزوم الأعمال للتبرير لا ينكر قيمة الإيمان…

هذه الآية التى تقول: ” إذ قد تبررنا بالإيمان” (رو1:5)، نضع إلى جوارها آية أخرى هى ” ترون إذًا أنه بالأعمال يتبرر الإنسان، لا بالإيمان وحده. كذلك راحاب الزانية أيضًا، أما تبررت بالأعمال، إذ قبلت الرسل وأخرجتهما فى طريق آخر” (يع2: 25،24).

+ نأخذ آية أخرى

..وأما الذى لا يعمل، ولكن يؤمن بالذى يبرر الفاجر، فإيمانه يحسب له برًا” (رو5:4)

فهل تعنى هذه الآية إن الله يبرر الفاجر إذا ثبت فى فجوره دون عمل التوبة؟! حاشا. إذًا لكى نفهم هذه الآية نضع أمامها آيات أخرى توضحها. ولنبدأ بآية من نفس رسالة رومية حيث يقول الرسول: ” لأن غضب الله مُعلن من السماء على جميع فجور الناس وإثمهم” (رو18:1).

نضيف إليها آية أخرى من الرسالة الثانية لبطرس الرسول: ” وإذ رمد مدينتى سدوم وعمورة، حكم عليهما بالانقلاب، واضعًا عبرة لعتيدين أن يفجروا” (2بط6:2). وهكذا أظهر لنا الرسول أن الفاجر يشترك فى مصير سدوم وعمورة.

وهذا أيضًا يشرحه معلمنا يهوذا الرسول فيقول: ” وتنبأ عن هؤلاء أيضًا أخنوخ السابع من آدم” (يه14:1)، قائلاً: ” هوذا قد جاء الرب فى ربوات قديسيه ليصنع دينونة على الجميع، ويعاقب، على جميع أعمال فجورهم التى فجروا بها” (يه14و15).

لا يمكن أن نفهم إذن من الآية التى قالها بولس الرسول أن يكفى للفاجر أن يؤمن فقط لكى يخلص، مع بقائه فى فجوره. فإن بولس نفسه أنذرنا فى صراحة تامة قائلاً: ” لا تضلوا. لا زناة، ولا عبدة أوثان، ولا فاسقون، ولا مأبونون، ولا مضاجعو ذكور.. يرثون ملكوت الله” (1كو6: 10،9).

أما عبارة “لا يعمل” فلعل المقصود بها هنا أعمال الناموس الطقسية، كالختان بالذات كما يظهر من باقى النص (رو6:5ـ12).

لا يصح مطلقًا أيها الأحباء أن نصير بطريقة الآية الواحدة، فهى طريقة خاطئة وخطرة وغير أرثوذكسية.

إن أتاك أحد فى يوم من الأيام بآية من الآيات، مهما كانت صريحة وواضحة، فقل له: أن لا تنفعنى الآية الواحدة. لنضع أمامنا جميع النصوص التى تتعلق بهذا الموضوع، ثم نتفاهم معًا. احترسوا من أن تخدعكم الآية الواحدة، فربما لها مناسبة معينة، وربما لها تكملة، وهذه التكملة هى التى توضح معناها. وسأضرب لكم لذلك بعض الأمثلة:

 

آيات، تكملتها توضحها:

يقول بولس الرسول فى رسالته إلى أفسس ” لأنكم بالنعمة مخلصون، بالإيمان. وذلك ليس منكم، هو عطية من الله. ليس من أعمال كى لا يفتخر أحد” (أف9:2).

هذه الآية تبدو صريحة لكن تمهل قليلاً واقرأ الآية التى بعدها مباشرة (أف10:2)، يقول: ” لأننا نحن عمله مخلوقين فى المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدها لكى نسلك فيها“. إذن لا يليق أن نخطف آية ونجرى قائلين فى خفة: إن الموضوع قد انتهى

+ لنأخذ مثالاً آخر. يقول بولس الرسول: ” فإن كان بالنعمة، فليس بعد الأعمال، وإلا فليست النعمة بعد نعمة” (رو6:11).

ما أجمل أن نتروى قليلاً ونتابع ما يقوله الرسول بولس فى نفس الإصحاح، حيث يستطرد: “.. أنت بإيمان ثبت. لا تستكبر بل خف. لأنه إن كان الله لم يشفق على الأغصان الطبيعية، فلعله لا يشفق علينا أيضًا. فهوذا لطف الله وصرامته، أما الصرامة فعلى الذين سقطوا. وأما اللطف فلك، إن ثبت فى اللطف، وإلا فأنت أيضًا ستقطع” (رو10:11ـ22).

ما معنى هذا الكلام؟.. معناه أنك نلت خلاصًا بدم المسيح، ولكن يجب أن تثبت فيه، وإلا أنك ستفقده إذا لم تعمل أعمالاً تليق بالتوبة. لأن الغصن الذى يقطع من الشجرة يهلك ويموت.

+ مثال آخر، يقول بولس الرسول: “ فأين الافتخار؟.. قد انتفى، بأى ناموس، أبناموس الأعمال؟.. كلا بل بناموس الإيمان. إننا نحسب أن الإنسان يتبرر بالإيمان دون أعمال الناموس” (رو3: 28،27).

إذا قرأنا آية مثل هذه، فلا يصح أن نتسرع، بل نتابع القراءة لنرى ماذا يقول الرسول بعدها.. إنه يستطرد قائلاً بعد هذه الآية مباشرة: ” أفنبطل الناموس بالإيمان حاشا، بل نثبت الناموس” (رو31:3).

+ مثال آخر، يقول بولس الرسول: ” ولكن حين ظهر لطف مخلصنا الله وإحسانه، لا بأعمال فى بر عملناها نحن، بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد وتجديد الروح القدس..” (تى4:3ـ6).

لاحظوا أن هذه الآية بالذات تتحدث عن الخلاص بالمعمودية، وعمل الروح القدس. أما من جهة الأعمال، فإننا إذا أكملنا ما يقوله الرسول نجده يستطرد مباشرة: “صادقة هى الكلمة، وأريد أن تقرر هذه الأمور لكى يهتم الذين آمنوا بالله أن يمارسوا أعمالاً حسنة. فإن هذه الأمور هى الحسنة والنافعة للناس” (تى8:3).

إننى أيها الأخوة الأحباء لست أناقش موضوع الإيمان والأعمال، إنما أريد فقط أن أوجه الاهتمام إلى هذه القاعدة وحدها وهى خطورة استخدام الآية الواحدة. ونحن أنفسنا، لا نسمح لذواتنا بتاتًا أن نستخدم هذه الطريقة الخطرة الضارة.

إننا لا نستغل “الآية الواحدة لصالحنا”. فمثلاً إن وجدنا يوحنا الرسول يقول: “ إن علمتم أنه بار هو، فاعلموا أن كل من يصنع البر مولود منه” (1يو29:2). إن قرأنا مثل هذه الآية، فلا يمكن أن نقول إن الولادة الجديدة تتفوق على الأعمال وحدها، وإنما مع هذه الآية نذكر الإيمان والمعمودية وأسرار الكنيسة التى لم تتضمنها الآية مطلقًا من حيث اللفظ.

والمثل أيضًا إذا قرأنا ليوحنا الرسول قوله: ” نحن نعلم أننا قد انتقلنا من الموت إلى الحياة، لأننا نحب الأخوة” (1يو14:3).

فلا يمكن أن نتخذ هذه الآية دليلاً على أن المحبة وحدها كافية تخليص الإنسان، ونقله من الموت إلى الحياة!!.

وكذلك بنفس الأسلوب لا يمكن أن نستعمل الآية التى تقول: ” الله محبة. ومن يثبت فى المحبة يثبت فى الله والله فيه” (1يو16:4).

وبنفس الأسلوب لا يمكن أن نستغل أية آية من الآيات التى تتحدث عن الأعمال وأهميتها، مثل قول اليد المسيح للشاب الغنى: ” إن أردت أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا” (مت17:19).

هل مجرد حفظ الوصايا وحده يكفى، بدون إيمان وبدون معمودية؟! كلا، أما الآية فتفهم بمعنى آخر يتفق مع الملابسات التى أحاطت بها.

وهكذا أيها الأحباء علينا أن نتذكر باستمرار ـ فى تعرفنا على الإيمان السليم ـ تلك الآية الجميلة التى تقول: ” لا الحرف بل الروح. لأن الحرف يقتل، ولكن الروح يحيى” (2كو6:3).

فلنبحث إذن عن مفهوم الخلاص مقتدين روح الكتاب، لا بحرفة، محاولين أن نجمع فى صعيد واحد النصوص المتعددة التى تتناول الموضوع. لنطرق موضوعنا من جميع نواحيه، لا من زاوية واحدة فقط، ولا فى ملابسة معينة فقط.

ونصيحتى لكم أن تبعدوا عن قراءة الكتب الغريبة، التى تبعدكم عن الإيمان السليم، ونصيحتى أيضًا أن تبحثوا الموضوع فى تواضع كثير، لأن الاعتداد بالذات، فى الأمور اللاهوتية، قاد كثيرين إلى الهرطقة.

[1] عن كتاب مؤتمر تثبيت العقيدة السابع، إصدار اللجنة المجمعية للإيمان والتعليم والتشريع، الفيوم 2004م.

الكتاب المقدس هو كتاب الكتب ( 2 ) قداسة البابا شنودة الثالث