آبائياتأبحاث

صلوات السواعي في الثلاثة قرون الأولى (2)

صلوات السواعي في الثلاثة قرون الأولى (2)

صلوات السواعي في الثلاثة قرون الأولى (2)
صلوات السواعي في الثلاثة قرون الأولى (2)

صلوات السواعي في الثلاثة قرون الأولى (2)

إقرأ أيضاً: صلوات السواعي في الثلاثة قرون الأولي (1)

(4) القديس كبريانوس الشهيد (+ 285م)

في مقالة القديس كبريانوس عن ”الصلاة الربانيَّة“ (الفصول 34- 36)، كُتِبَ حوالي سنة 250ميلادية، يؤكِّد شهادة ترتليان بخصوص نظام الصلاة في كنيسة شمال أفريقيا في القرن الثالث الميلادي:

[والآن ففي الاحتفال بالصَّلاة نجد أن الثلاثة فتية مع دانيال، هؤلاء الأقوياء في الإيمان والمنتصرين في الأسرار كانوا يراعون الصَّلاة في أوقات الثالثة والسادسة والتاسعة([1]) رمزاً لسر الثالوث … وإذ قد تحدَّدت هذه السَّاعات بمفهوم روحي منذ زمن بعيد فقد مارسها الأتقياء عابدو الرب كساعات أساسيَّة وإلزاميَّة. فالروح القدس حلَّ على التلاميذ في الساعة الثالثة (أعمال 15:2) … وكذلك بطرس صعد إلى السطح في الساعة السادسة، وتعلَّم برؤيا وسمع أيضاً صوت الله (أعمال9:10) … والرَّب أيضاً صُلب من الساعة السادسة إلى الساعة التاسعة …

ولكن لنا نحن أيها الإخوة الأحباء قد زيدت أوقات الصَّلاة فيما بين ساعات الصَّلاة التي روعيت في القديم، وكذلك الأسرار. فالإنسان يجب أن يصلي في الصَّباح لأن قيامة الرب ينبغي أن يُحتفل بها في صلاة الصباح… وكذلك عندما تغيب الشَّمس ويميل النهار يجب أن نصلي…

ونحن الذين في المسيح دائماً أي في النور لا نوقف عمل الصَّلاة حتى في الليل، هذا هو معنى ما كانت تفعله حنة التي كانت دائماً تصلي وتحفظ سهر الليل…].

وهكذا استخدم القديس كبريانوس – مثلما فعل العلاَّمة ترتليان – ما مارسه دانيال النبي، مع نصوص أخرى من العهد القديم، بالإضافة إلى النصوص التقليديَّة في سفر الأعمال، ليثبت عادة الصَّلاة في السَّاعات الثالثة والسادسة والتاسعة تشبّهاً بالثالوث.

أما في السَّاعتين السَّادسة والتاسعة على وجه الخصوص فقد أضاف لمعناهما آلام السيِّد المسيح، وهو ما ذكره أيضاً ترتليان، ولكن بطريقة غير مباشرة في الفصل العاشر في مقاله عن الصوم.

إن المفهوم الأهم هو الشعور الداخلي العميق لمعنى النور والقيامة في صلاتي الصباح والمساء. ففي كنيسة شمال أفريقيا في بداية القرن الثالث لم يكن هناك سهر ليلي Vigil أو صلاة ليليَّة Nocturn فيما عدا ليلة عيد الفصح.

ولكن عندما يأتي منتصف القرن الثالث الميلادي تقابلنا أول إشارة عن خدمة ليليَّة جماعيَّة. فالقديس كبريانوس يشير في الفصل 29 في مقالة له بعنوان ” Dominica Oratione “ إلى الصَّلاة الليليَّة، ويتَّضح من الفصل 36 أنها صلاة مشتركة يصليها المؤمنون معاً في الكنيسة.

ونقرأ في القصة التي كتبها الشمَّاس بونتيوس Pontius عن استشهاد القدِّيس كبريانوس، أن مؤمني قرطاجنة اجتمعوا معاً طوال الليل في الليلة التي سبقت تذكار يوم استشهاده ليحتفلوا معاً بعيد استشهاد أسقفهم. ولم تصبح الخدمة الليليَّة خدمة كنسيَّة ثابتة في كل الشَّرق إلاَّ في غضون القرن السَّادس، لأن القديس يوحنا ذهبي الفم (347- 407م) كان يحث الشعب على المجئ إلى الكنيسة للاشتراك في صلاة الليل فقوبل بمعارضة من الإكليروس في ذلك الأمر.

ولكن في سنة 528م أصدر الإمبراطور جستنيان الأول قراراً يُلزم كل الإكليروس في الشَّرق بإدخال خدمة صلاة الليل إلى جانب خدمتي الصباح والمساء، وهذا لا يعني أنه لم يكن هناك سهر ليلي في الكنائس في الشَّرق قبل ذلك الوقت، لكنه كان سهر غير يومي قاصر على الاحتفال بالأعياد الكبرى وأعياد الشهداء والقدِّيسين.

أما في كنيسة مصر، فتُظهر لنا بعض المصادر المصريَّة المبكِّرة – ولاسيَّما عند العلاَّمة أوريجانوس المصري – وجود أربعة أوقات للصَّلاة في الصباح والظهر والمساء والليل. في حين أن مصادر شمال أفريقيا تشير إلى ساعات صلاة في الصباح والثالثة والسادسة والتاسعة والأغابي والمساء والليل. ويضيف التقليد الرسولي إلى تقليد شمال أفريقيا ساعة صلاة أخرى تكون عند صياح الديك.

ويمكننا أن نوجز ما ذكرناه في أنه باستثناء السَّهر الليلي الذي أشار إليه العلاَّمة ترتليان في بعض المناسبات، فإن ساعتي الصَّلاة التي كان يجتمع فيهما المسيحيون بانتظام على مدار أيام الأسبوع كانتا صلاة الصَّباح وما يصاحبها من تعليم في الكتب المقدَّسة، وصلاة المساء وما يصاحبها من أغابي أو عشاء محبة.

 

(5) التقليد الرسولي (كُتب قبل سنة 235م)

يُعتبر كتاب ”التقليد الرسولي“ أهم مصدر ليتورجي في القرن الثالث الميلادي، كتبه هيبوليتس حوالي سنة 215م. ويعالج الفصل (1:31، 2) والفصل (1:35- 14) موضوع الصلاة عند الاستيقاظ من النوم، وتعليم الموعوظين في الصباح الباكر في الكنيسة.

فعن الصلاة عند الاستيقاظ من النوم نقرأ في التَّقليد الرسولي:

”عندما يستيقظ المؤمنون وينهضون، فمن قبل أن يشتغلوا بأي عمل يغسلون أيديهم ويصلّون للرب، وبعد ذلك يلتفتون لأعمالهم“ (1:31).

وفي الفصل (1:35) يقول أيضاً:

”كل مؤمن ومؤمنة حين قيامهم من النوم باكراً، من قبل أن يباشروا أي عمل، فليغسلوا أيديهم ويصلّوا لله، وهكذا يمضون إلى أعمالهم“.

ثم يتحدَّث التقليد الرسولي بعد ذلك في الفصل (1:36- 14) عن ساعات الصلاة الأخرى على مدى اليوم فيقول:

”1- وإذا كنتَ في بيتك، فصلِّ في الساعة الثالثة وسبِّح الله. وإن كنت في موضع آخر ويحضر ذلك الوقت، فصلِّ في قلبك إلى الله.

2- لأن في تلك الساعة نُظِر المسيح وهو يسمَّر على الخشبة. ولأجل هذا، ففي العتيقة يأمر الناموس أن يُقدَّم خبز التَّقدمة دائماً في الساعة الثالثة مثالاً لجسد ودم المسيح. وذُبِحَ الخروف الصامت الذي هو مثال الخروف الكامل، لأن المسيح هو الراعي، وهو أيضاً الخبز الذي نزل من السماء.

3- صلِّ أيضاً كذلك في السَّاعة السَّادسة، لأنه في تلك السَّاعة لماَّ عُلِّق المسيح على خشبة الصليب، انقسم ذلك اليوم، وحدثت ظلمة عظيمة. فليصلَّ إذاً في تلك الساعة صلاة قوية، متشبهين فيها بصوت من صلّى، وصيّر كل الخليقة مظلمة لليهود غير المؤمنين.

4- ليصنعوا أيضاً صلاة عظيمة وتسبحة عظيمة في السَّاعة التاسعة، لتعرف أنت أن نفوس الأبرار يباركون الرب الإله الحق، هذا الذي ذَكَرَ قديسيه، وأرسل لهم ابنه الذي هو كلمته لينير عليهم.

5- لأنه في تلك الساعة طُعن المسيح في جنبه بحربة، فخرج دم وماء. وأنار بقية ذلك اليوم إلى المساء. لأجل هذا عندما بدأ أن ينام، ابتدأ يوم آخر، فأعطى بذلك مثال القيامة.

6- صلّ أيضاً قبل أن تريح  جسدك بمضجعك.

7- وفي نصف الليل انهض، اغسل يديك بماء، وصلِّ وإن كانت لك زوجة فصلّيا معاً.

8- وإن كانت لم تصر بعد مؤمنة، فانفرد وصلِّ وحدك، وارجع إلى موضعك مرة أخرى.

9- أنت المرتبط بالزيجة لا تكسل عن الصلاة، فإنكما لستما نجسيَن. لأن الذين قد اصطبغوا، لا يحتاجون أن يستحمّوا مرة أخرى لأنهم أطهار.

10- فإذا نفخت في يديك وترشم ذاتك باللّعاب الذي يخرج من فمك، فإنك تكون كلك طاهراً إلى رجليك، لأن هذه هي عطيَّة الروح القدس. وقطرات ماء المعموديَّة التي تصعد من الينبوع الذي هو قلب المؤمن تطهِّر الذي يؤمن.

11- فمن الضروري أن يُصلىَّ في تلك السَّاعة، لأن الشيوخ الذين سلَّموا إلينا التقليد، علَّمونا هكذا: إنه في تلك السَّاعة، كل خليقة تهدأ لتسبِّح الرب، النجوم والكواكب تقف، والمياه تقف في تلك اللحظة، كل قوات الملائكة تخدم الله وتسبحه مع نفوس الأبرار.

12- فلأجل هذا يجب على المؤمنين أن يصلّوا في تلك السَّاعة. وللشهادة على هذا، أن الرَّب أيضاً قال: هوذا صراخ صار في نصف الليل، ها هوذا العريس قد جاء، اخرجوا للقائه. وكرر قائلاً: احترزوا إذاً لأنكم لا تعرفون في أية ساعة يأتي ابن الإنسان.

13- وإذا صاح الديك، قم وصلِّ كذلك، لأنه في تلك الساعة عند صياح الديك، جحد أولاد إسرائيل المسيح، هذا الذي قد عرفناه نحن بالإيمان، مترقبين يومياً على رجاء؛ ظهور النور الأبدي  في قيامة الموتى.

14- كل هذا، إذا فعلتموه يا كل المؤمنين وتذكرتموه، وعلّمتموه لبعضكم البعض، وتعلِّمون الموعوظين أن يفعلوه، فإنكم لا تُجرّبون، ولا تسقطون أبداً إذ تذكرون المسيح كل حين “.

يتَّضح من نص ”التقليد الرسولي“ السابق ذكره مباشرة، أن صلوات السواعي اليومية تحوي سبع ساعات هي:

– عند الاستيقاظ.

– الثالثة والسادسة والتاسعة.

– قبل الإيواء إلى الفراش.

– في منتصف الليل.

– عند صياح الديك.

وجدير بالملاحظة أنه إذا كانت الترجمة القبطيَّة الصعيديَّة للتَّقليد الرسولي هي التَّرجمة التي نقلت مباشرة عن النص اليوناني الذي يعود إلى القرن الثالث الميلادي، فإنها تُعتبر بذلك أقدم مصدر لدينا يشرح صلوات السواعي طبقاً لرواية الآلام التي ذكرها القديس مرقس البشير Markan passion account وهذا يُظهر لنا كيف حاز كتاب ”التقليد الرسولي“ مكانة رفيعة في كنيسة مصر حتى تسمى باسم ”الترتيب الكنسي المصري“. في حين أننا نجد في أقدم ترجمة لاتينيَّة للتقليد الرسولي في وثائق مكتبة فيرونا Verona أن السَّاعة التاسعة تُفسَّر على أنها ساعة موت يسوع، وهي في ذلك لا تعتمد على تسلسل الأحداث كما ذكرها القدِّيس مرقس البشير([2])، حيث تكون بذلك قد أغفلت ما صاحب ساعتي الثالثة والسادسة من آلام. إلاَّ أن النص اللاتيني يحوي تفسيراً فصحياً لساعتي المساء والصباح، فغروب الشَّمس وشروقها تمثل موت الرَّب يسوع وقيامته. وساعات الليل تحوي نظرة اسخاتولوجية (أخروية) في انتظار المجئ الثاني وقيامة الأموات.

من كل ما سبق نخلص إلى أن صلوات السَّواعي في مصر بحسب الطقس القديم جداً هي: الصباح والظهر والمساء والليل، ولكنها عند العلاَّمة ترتليان كما في كتاب التقليد الرسولي هي: الصباح والثالثة والسادسة والتاسعة والمساء والليل. أي أن صلاة الظهر في الطَّقس المصري المبكِّر قد أصبحت هي صلوات الثالثة والسادسة والتاسعة.

بالإضافة إلى ظهور بداية تقليد الاجتماعات العامة في الكنيسة في الصَّباح لتعليم الموعوظين وفي المساء لإقامة الأغابي.

 

فعن الاجتماعات العامة في الصباح للتعليم

نقرأ في الفصل (2:31) من كتاب التَّقليد الرسولي:

”وإن كان ثَمَّ كلام وعظ فليختاروه لهم، ويمضوا يسمعون كلام الله الذي يثبّت النفس، ويسرعون بالذهاب إلى الكنيسة الموضع الذي فيه يزهر الروح“.

وفي الفصل (2:35- 4) نقرأ:

”2- لكن إن كان هناك تعليم عن كلمة الله، فليختر كل واحد لنفسه أن يمضي إليه، حاسباً هذا في قلبه، أن الذي يسمعه هو الله يتكلَّم بفم الذي يعلِّم.  لأنه بعد أن يصلّي في الكنيسة يكون قادراً أن يبتعد  عن كل شرور ذلك اليوم. ليحسب التقي أنها خسارة عظيمة إذا لم يمض إلى الموضع الذي يعلّمون فيه، ولاسيما إن كان يعرف أن يقرأ.

3-  إذا جاء المعلِّم، فلا يتأخر واحد منكم عن المضيِّ إلى الكنيسة، الموضع الذي فيه التعليم، حينئذ سيعطىَ المتكلم أن يقول ما هو ربح لكل واحد، وتسمع ما لم تكن تظنه، وتربح بما يعطيه لك الروح القدس بواسطة الذي يعلِّم. وهكذا يكون إيمانك ثابتاً بما تسمعه، ويُقال لك أيضاً هناك ما يجب عليك أن تفعله في بيتك. لأجل هذا فليسرع كل واحد في الذهاب إلى الكنيسة، الموضع الذي يفيض فيه الروح.

4- وإن كان يوماً ليس فيه تعليم، فليأخذ كل واحد كتاباً مقدساً في بيته، ويقرأ فيه كفاف ما يظن أنه نافع له“.

وواضح هنا أن اجتماع الصَّباح هو اجتماع تعليمي وليس خدمة صلاة باكر matin.

أما عن إقامة الأغابي في المساء

فيشير إليها التقليد الرسولي (الترتيب الكنسي المصري) في الفصلين (25، 26) حيث كانت تحوي طقس إيقاد سراج المساء. وهو ما أشار إليه العلاَّمة ترتليان إشارة بعيدة حينما ألمح إلى صلاة  تقال لتبريك مصباح المساء([3]). فطقس إقامة الأغابي هو طقس شرقي قديم غاب في التقليد الغربي. فالفصل الخامس والعشرون لا وجود له في الوثائق اللاتينية Verona Latin fragments لكتاب ”التقليد الرسولي“، في حين أنه وُجد في التَّرجمة الإثيوبية له، وهي التَّرجمة التي اعتمدت على ترجمة عربيَّة سابقة لها تعود إلى حوالي سنة 1295م. مما يوضِّح أن تقليد إقامة الأغابي في المساء هو تقليد قديم ظل معمولاً به في كنيسة مصر قرون طويلة.

فعن هذه الأغابي يقول الفصل (3:35، 4) من التقليد الرسولي:

”3- لأنه يحدث أن واحداً يريد أن يُحضر تقدمة إلى الكنيسة ولا يقدر الأسقف أن يرفض، فإذا كسر الخبز فإنه يذوق منه في كل مرة، ويأكل مع المؤمنين الآخرين الذين معه.

4- ويتناولون من يد الأسقف جزءًا من الخبز من قبل أن يكسر كل واحد الذي قدَّامه، لأن هذا هو خبز بركة وليس إفخارستيَّا مثال جسد الرب“.

ويشرح الفصل السادس والعشرون من كتاب ”التَّقليد الرسولي“ نظام هذه الأغابي المسائيَّة، وآداب حضورها، وكيفية تتميمها بوقار وتأدب، وتوزيع الأنصبة على الفقراء والأرامل … الخ. ثم يتحدَّث نفس الفصل (16:26- 32) عن طقس إيقاد سراج المساء بحضور الأسقف فيقول في ذلك:

”16- عندما يأتي المساء، يكون الأسقف هناك، وليحضر الشماس السراج.

17- ويقف الأسقف في وسط المؤمنين، وقبل أن يشكر يقول: الرب معكم.

18- ويقول الشعب أيضاً: ومع روحك.

19- ويقول الأسقف: فلنشكر الرب.

20- ويقول الشعب: مستحق ومستوجب، له العظمة والرفعة مع المجد.

21- وهو لا يقول: ارفعوا قلوبكم، لأنها تقال في القربان.

22- ويصلي هكذا قائلاً: نشكرك يا الله بابنك يسوع المسيح ربنا، لأنك أنرتنا بإظهار النور الذي لا يفنى.

23- قد أنهينا طول النهار وأتينا إلى بداية الليل. وقد شبعنا بنور النهار الذي خلقته لمرضاتنا. والآن إذ نحن لا نفتقر بنعمتك نوراً مسائياً، نقدسك ونمجدك.

24- بابنك الوحيد ربنا يسوع المسيح، الذي به لك معه المجد والقدرة والكرامة مع الروح القدس، الآن وكل أوان وإلى أبد الدهور.

25- ويقولون كلهم: آمين.

26- وعندما ينهضون بعد العشاء، يصلي الأطفال والعذارى، ويرتلون المزامير.

27- وبعد ذلك يمسك الشماس كأس التقدمة الممزوج، ويقول مزموراً من مزامير التهليل.

28- وبعد ذلك يقول القسيس واحداً من مثل هذه المزامير. ثم يقدم الأسقف الكأس ويقول مزمور هلليلويا مناسباً للكأس.

29- وعندما يرتل المزامير، يقولون كلهم: هلليلويا أى نسبح الله العلي نمجد ونسبِّح ذاك الذي أسَّس العالم بكلمة واحدة.

30- وهكذا عندما يكتمل المزمور يشكر الأسقف على الخبز، ويعطي منه كسرة لجميع المؤمنين“.

 

الخلاصة

نخلص إلى أن وثائق الثلاثة قرون الأولى للمسيحيَّة متباينة فيما بينها فيما يختص بصلوات السَّواعي، مما يجعل من الصعب محاولة التوفيق بينها، ووضعها كلها تحت نظام واحد. فعند المصريين نجد النظام الرباعي لصلوات السَّواعي، في الصباح والظهر والمساء والليل، وهو النظام الوثيق الصلة بالتقليد اليهودي، وممارسة الأسينيين. بالإضافة إلى أن المصادر المصريَّة تشير أيضاً إلى صلاة تُقال قبل الأكل، وتركِّز عموماً على ضرورة الصلاة الدائمة، حتى يمكننا القول أن أوقات الصلوات التي ذُكرت ربما كانت طريقة أخرى للتعبير عن هذه الصلاة الدائمة كقول العامة من المسيحيين أن نصلي الصبح والظهر والليل، أو بمعنى آخر أن نصلي دائماً.

أما في شمال أفريقيا، وكذلك في ”التقليد الرسولي“ الذي نال مكانة واضحة بين المصريين، نجد أنفسنا قريبين لساعات متتابعة مكتملة صارت فيما بعد هي ممارسة القرن الرابع الميلادي.

ويمكننا هنا أن نجمل النظام اليومي للصلاة في الكنيسة في القرن الثالث الميلادي على النحو التالي:

– صلاة بعد الاستيقاظ من النوم مباشرة.

– تعليم صباحي في الكنيسة من الكتب المقدَّسة.

– صلوات الساعات الثالثة والسادسة والتاسعة.

– أغابي مسائيَّة.

– صلاة قبل الإيواء إلى الفراش للنوم.

– صلاة في منتصف الليل.

– صلاة عند صياح الديك.

ولا يوجد مصدر واحد يقدِّم لنا فقط صلاتي الصباح والمساء كساعات للصلاة في الكنيسة في عصرها المبكر، ولذلك لا ينبغي الاهتمام كثيراً بتسمية ترتليان لها ”ساعات إلزامية – Legitimae “.

فما هي إذاً محتويات هذه الصلوات؟ ومن أي نوع هي؟ وما هو شكلها وبنيتها؟ وما هي عناصرها؟ وماذا كانوا يفعلون في اجتماعات الصلاة؟ الواقع أننا لا نعرف الإجابة على هذه التساؤلات على وجه الدِّقة، ولكن التاريخ لا يبخل علينا ببعض الإشارات.

فيوسابيوس القيصري (260- 340م) في مؤلفه ”تاريخ الكنيسة (10:30:7)“ يحكي لنا عن المشاكل التي نشأت في الكنيسة في القرن الثالث الميلادي بسبب تأليف الهراطقة لألحان شعبية. ونحن نعلم أن هذا الأمر قد أثار رد فعل مقابل عند المؤمنين فقاموا بتأليف ألحان خاصة ليست كتابية أو مختصة بالمزامير، وذلك لأنه من المعروف أنه في خلال القرنين الثاني والثالث للميلاد كانت الألحان مستخدمة في الليتورجيا على نطاق واسع، ولكن كألحان مرتبطة بترتيل المزامير الكتابية والتسابيح الكتابية فقط.

وترتليان يخبرنا أن الصلوات المسيحيَّة اليوميَّة كانت تُرتل إما على انفراد أو في شركة مع الآخرين، وكانت تُستخدم فيها ألحان ومزامير كتابيَّة.

وكتاب ”التقليد الرسولي“ يوضِّح بالاتفاق مع العلاَّمة ترتليان أن المزامير كانت تُرتل أحياناً بطريقة الأداء الفردي مع المرد الجماعي responsorially . هذا بالإضافة إلى وصفهما للأغابي المسائيَّة التي حوت طقس إيقاد سراج المساء، وكانت تُرتل فيها الأبصلموديَّة (أي المزامير) إلى جانب مجموعة صلوات أخرى. أما الصَّلاة الصباحيَّة في الكنيسة كما أوردها التقليد الرسولي فهي من أجل دراسة الكتب المقدَّسة والتعليم.

هذا هو ما صار فيما بعد شرحاً مسيحياً لأسلوب ونظام الصلوات ومعناها العقيدي أو الإيماني، على الأقل في الاستخدام الكاتدرائي. فخدمة المساء والصباح كرقاد ونهوض تذكِّر الكنيسة بقيامة يسوع وعبوره من الموت إلى الحياة، وممارسة الاتجاه للشرق في الصلاة حسب شهادة العلاَّمة كليمندس الإسكندري (150- 215م)، والعلاَّمة أوريجانوس المصري (185- 254م) والعلاَّمة ترتليان (160- 225م)، كانت أيضاً رمزاً للمسيح شمس البر ونور العالم، جنباً إلى جنب مع انتظار المجئ الثاني للرب، لأنه كما أن النور يأتي من الشَّرق ويضئ إلى أقصى الغرب هكذا يكون مجئ ابن الإنسان (متى 27:24). ونور سراج المساء في صلاة المساء يرمز إلى المسيح نور العالم، وصلوات السَّواعي هي تذكار لآلام الرب حسب رواية البشير القديس مرقس.

أما صلاة الليل فهي ذات سمة اسخاتولوجيَّة كسهر العذارى انتظاراً لقدوم العريس، وتسبيح الملائكة الذي لا ينقطع، والذي سيكون نصيبنا نحن أيضاً.

والسؤال الآن: هل كان المسيحيون يمارسون هذه الصلوات على إنفراد أم في اجتماعات عامة أو شئ بين الاثنين؟ لا نستطيع الإجابة بوضوح، لاسيَّما في هذه الفترة المبكِّرة من تاريخ الكنيسة، ولكننا نعلم أن المسيحيين كانوا يصلون، وكانوا يهتمون بالصلاة، لا في شكلها ولكن في جوهرها، وما كانت تعنيه. أما العمل الجماعي فهو الأغابي أو وليمة المحبة التي كانت تعقب الإفخارستيَّا. إذاً فالإفخارستيَّا والأغابي هما العملان الجماعيَّان الأساسيان والواضحان في حياة الكنيسة الأولى([4]).

[1] إن تقسيم ساعات النهار إلى اثنتي عشرة ساعة هو تقسيم مألوف، كما نقرأ عنه في الأناجيل المقدسة في مثل الفعلة والكرم (متى 3:20- 5)، وكذلك في النصوص الآبائية. وإن تقسيم الليل إلى أربعة أهزعة نظام يعرفه العالم القديم (انظر: مرقس 48:6، 35:13).

فمن الطبيعي أن تُقسَّم ساعات النهار الاثنتي عشرة إلى ثلاثة أوقات هي الساعات الثالثة والسادسة والتاسعة لينقسم اليوم إلى أربعة أقسام، ويقول دوجمور Dugmore إن هذه السَّاعات أصبحت هي ساعات الصَّلاة في المسيحيَّة ببساطة، لأنها تقسيم عادي للنهار استُخدم كتذكار دائم للوصية التي تدعونا أن نصلي كل حين صباحاً وظهراً ومساءً كما نقول في أحاديثنا العادية حتى اليوم.

 Cf. Dugmore, The Influence of the Synagogue, p. 66.

[2] انظر أيضاً: متى 45:27- 46، لوقا 44:23.

[3] In his Apology 39.

[4] Robert Taft, op. cit., p. 24- 29