ختن يسوع ، ختان المسيح للقديس كيرلس الأسكندرى
ختن يسوع ، ختان المسيح للقديس كيرلس الأسكندرى [1]
” ولما تمت ثمانية أيام ليختتنوا الصبى سُمى يسوع كما تسمى من الملاك قبل أن حُبِلَ به فى البطن” (لو21:2)
الجمع الذى اجتمع هنا كثير جدًا، والسامعون شغوفون ـ فنحن نرى الكنيسة ممتلئة ـ ولكن المعلّم فقير. ومع ذلك فالذى يعطى الإنسان فمًا ولسانًا، سوف ينعم علينا بأفكار صالحة. إذ يقول الرب نفسه فى مكان ما ” افغر فاك وأنا أملأه” (مز10:81) حيث إنكم جميعًا قد اجتمعتم معًا باهتمام فى مناسبة هذا العيد المُبهج الذى للرب، لذلك فلنحتفل بالعيد بمشاعر البهجة وبأنوار ساطعة، ولنشغل أنفسنا بالتفكير فيما تحقق فى هذا اليوم بطريقة إلهية، جامعين لأنفسنا من كل ناحية ما يثبتنا فى الإيمان والتقوى.
منذ فترة وجيزة رأينا عمانوئيل مضطجعًا فى المزود وملفوفًا بشكل بشرى فى الأقماط، ولكنه مُجِدَ كإله بتسابيح جمهور الملائكة القديسين، لأنهم بشروا الرعاة بميلاده إذ أن الله الآب قد منح لسكان السماء الامتياز الخاص بأن يكونوا أول من يبشر به. اليوم أيضًا نراه مطيعًا لقوانين موسى، أو بالأحرى قد رأيناه الذى هو المشرِّع يخضع لقوانينه التى شرّعها. والسبب فى هذا يعلمنا إياه بولس الحكيم جدًا بقوله: ” لما كنا قاصرين كنا مستعبدين تحت أركان العالم، ولكن حين جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة، مولودًا تحت الناموس ليفتدى الذين تحت الناموس” (غل3:4ـ5).
لذلك، فالمسيح افتدى من لعنة الناموس أولئك الذين بوجودهم تحت الناموس كانوا عاجزين عن تتميم قوانينه. وبأى طريقة افتداهم؟ بتتميم الناموس أو بعبارة أخرى: إنه لكى يكفر عن ذنب معصية آدم، فقد اظهر نفسه مطيعًا وخاضعًا من كل الوجوه لله الآب عوضًا عنه، لأنه مكتوب: ” كما بمعصية الإنسان الواحد جعل الكثيرون خطاة هكذا أيضًا بإطاعة الواحد سيجعل الكثيرون أبرارًا” (رو9:5). لذلك فقد أحنى عنقه للناموس مشتركًا معنا. لأن هذا ما استلزمته خطة الخلاص.
لأنه هكذا يليق به أن يكمل كل بر. لأنه إذ قد اتخذ صورة عبد، وقد حُسب بين أولئك الخاضعين للنير بسبب طبيعته البشرية، بل إنه مرة دفع نصف الشاقل للذين يجمعون الجزية، رغم أنه حر بالطبيعة. وكابن لم يكن مفروضًا عليه أن يدفع ضريبة. لذلك حينما تراه يحفظ الناموس، فلا تتعثر، ولا تضع الحر بين العبيد، بل بالحرى تأمل فى عمق تدبير الخلاص.
لذلك فعند وصول اليوم الثامن، الذى جرت العادة أن يتم فيه الختان فى الجسد بحسب أمر الناموس، نجده يُسّمى باسم يسوع الذى تفسيره يشير إلى خلاص الشعب. لأنه هكذا أراد الله الآب أن يسمى ابنه، حينما يولد من امراة. لأنه عندئذٍ صار خلاص الشعب بنوع خاص، وليس خلاص واحد فقط، بل كثيرين، وبالحرى كل الشعب بل والعالم كله. إذن فقد أخذ اسمه فى نفس الوقت الذى ختن فيه.
ولكن تعالوا ودعونا نفتش ونرى، ما هو اللغز، وما هى الأسرار التى يقودنا إليها هذا الحادث. لقد قال بولس المبارك ” ليس الختان شيئًا، وليست الغرلة شيئًا” (1كو19:7). وربما يعترض البعض على هذا قائلين هل أمر إله الكل بواسطة موسى الحكيم ـ بشئ لكى يحفظ برغم أنه لا قيمة له، بل ويصحب الأمر بهذا الشئ عقاب على الذين يخالفون هذا الأمر؟ أقول نعم لأنه فيما يخص طبيعة ذلك الشئ الذى يتم فى الجسد فهو ليس شيئًا، ومع ذلك فهو يحمل مثالاً جميلاً للسر، أو بالحرى يحتوى على المعنى الخفى لإظهار الحق لأن المسيح قام من بين الأموات فى اليوم الثامن[2] وأعطانا الختان الروحى.
لأنه أوصى الرسل قائلاً: ” اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس“. ونحن نؤكد أن الختان الروحى يتم بصورة رئيسية فى وقت المعمودية المقدسة حينما يجعلنا المسيح مشتركين فى الروح القدس. وقد كان يشوع القديم الذى جاء بعد موسى مثالاً أيضًا لهذا. لأنه قاد بنى إسرائيل أولاً عبر الأردن، وبعد ذلك مباشرة ختنهم بسكاكين من صوان. هكذا نحن حينما نعبر الأردن فإن المسيح يختننا بقوة الروح القدس، ليس لتطهير الجسد بل بالحرى لقطع النجاسة التى فى نفوسنا.
لذلك ختن المسيح فى اليوم الثامن وأخذ اسمه كما قلت، لأنه حينئذٍ خلّصنا بواسطته وفيه كما هو مكتوب ” وفيه ختنتم ختانًا غير مصنوع بيد بخلع جسم خطايا البشرية بختان المسيح مدفونين معه فى المعمودية التى فيها أُقمتم أيضًا معه” (كو11:2) لذلك فإن موته كان من أجلنا. وهكذا أيضًا كانت قيامته وكان ختانه. لأنه قد مات حتى أننا نحن الذين متنا معه فى موته لأجل الخطية، لا نعود نحيا للخطية.
ولهذا السبب قيل: ” إن كنا قد متنا معه فسنحيا أيضًا معه” (2تى11:2). وقد قيل أنه قد مات لأجل الخطية ليس لأنه قد اخطأ، ” لأنه لم يفعل خطية ولا وُجد فى فمه غش” (1بط22:2). بل بسبب خطيتنا. لذلك فكما متنا معه حينما مات، هكذا أيضًا نقوم معه (بقيامته).
وأيضًا، حينما كان الابن حاضرًا بيننا، فرغم أنه هو بالطبيعة الله ورب الكل، فإنه لا يحتقر حالتنا بسبب ذلك، بل يخضع نفسه معنا لنفس الناموس، رغم أنه كإله كان هو نفسه مشرِّع الناموس. وقد ختن ـ مثل اليهود ـ فى سن ثمانية أيام لكى يبرهن على خروجه من نفس أصلهم. وذلك لكى لا ينكروه. لأن المسيح كان هو من نسل داود المنتظر، وقدم لهم البرهان على هذه العلاقة. ولكن إن كان رغم ختانه يقولون عنه ” وأما هذا الإنسان فلا نعلم من أين هو” (يو29:9). فربما كان يصير لهم بعض العذر فى إنكارهم لو لم يكن قد ختن فى الجسد وحفظ الناموس.
ولكن بعد ختانه أبطل طقس الختان بمجئ ما كان يرمز له وأعنى به، المعمودية. ولهذا السبب فإننا لم نعد نُختتن. لأنه يبدو لى أن الختان قد حقق ثلاثة أغراض: فأولاً: إنه أفرز نسل إبراهيم بنوع من العلاقة والختم، وميزهم عن بقي الشعوب. وثانيًا، أنه كان يشير مقدمًا إلى نعمة وفاعلية المعمودية الإلهية، لأنه كما كان فى القديم، يُحسب المختون ضمن شعب الله بواسطة ذلك الختم، هكذا أيضًا فإن من يعتمد يُدرج ضمن عائلة الله بالتبنى، إذ قد تصور فى نفسه المسيح الختم.
وثالثًا، أنه رمز للمؤمنين حينما يتأسسون فى النعمة، حينما يقطعون ويميتون شغب اللذات الجسدية والشهوات بسكين الإيمان الحاد وبأعمال النُسك، وهم لا يقطعون الجسد، بل ينقون القلب ويصيرون مختونين بالروح القدس وليس بالحرف، الذى (الختان) مدحه ليس من الناس بل من فوق كما يشهد بولس الإلهى (انظر رو29:2).
[1] عن عظة 3، تفسير إنجيل لوقا، القديس كيرلس الأسكندرى، الجزء الأول، ترجمة د. نصحى عبد الشهيد، إصدار مركز دراسات الآباء، القاهرة 1990 ص39 ـ 43.
[2] يقصد باليوم الثامن أنه الأحد الذى بعد سبعة أيام الأسبوع أى بعد السبت الذى كان فيه جسد الرب فى القبر.
انجيل توما الأبوكريفي لماذا لا نثق به؟ – ترجمة مريم سليمان
المذيع محمود داود يُعلن إيمانه بالمسيح
المذيع محمود داود يُعلن إيمانه في الكتاب المقدس
القديسة مريم العذراء – دراسة في الكتاب المقدس
هذا ليس حقيقي – هل يمكن ان يكون شيء حقيقي لك و ليس حقيقي لي؟ | ترجمة: ريمون جورج