آبائيات

الابن البكر (مفهوم prwtotokoV) والميلاد البتولى لكلمة الله

الابن البكر (مفهوم prwtotokoV) و الميلاد البتولى لكلمة الله  

الابن البكر (مفهوم prwtotokoV) و الميلاد البتولى لكلمة الله  

الابن البكر (مفهوم prwtotokoV) و الميلاد البتولى لكلمة الله  
الابن البكر (مفهوم prwtotokoV) و الميلاد البتولى لكلمة الله  

الابن ” البكر ” (مفهوم prwtotokoV) و الميلاد البتولى لكلمة الله للقديس كيرلس الأسكندرى *

 

          يقول القديس لوقا البشير إن مريم كانت مخطوبة ليوسف ، لكى يبين أن الحَمْل حدث وهى مخطوبة فقط (راجع لو5:2) ، وأن ولادة عمانوئيل كانت معجزيه، ولم تكن بحسب قوانين الطبيعة . لأن العذراء القديسة لم تحمل من زرع إنسان . والسؤال هو لماذا حدث هذا ؟ .

 

          المسيح ، الذى هو باكورة الجميع ، وهو آدم الثانى حسب الكتب ، قد وُلد من الروح لكى ينقل هذه النعمة (نعمة الولادة الروحية) إلينا نحن أيضًا . فنحن أيضًا قد أعد لنا أن لا نحمل فيما بعد اسم أبناء البشر بل بالأحرى نولد من الله و ذلك بحصولنا على الميلاد الجديد من الروح الذى تم فى المسيح نفسه أولاً ، لكى يكون هو ” متقدمًا بين الجميع ” (كو15:1) كما يعلن بولس الحكيم جدًا. إن فرصة الإحصاء كانت سببًا مناسبًا جدًا لكى تذهب العذراء إلى بيت لحم لكى نرى نبوة أخرى تتحقق.

لأنه مكتوب : ” وأنت يا بيت لحم أفراته وأنت صغيرة أن تكونى بين ألوف يهوذا، فمنك يخرج لى الذى يكون متسلطًا على إسرائيل” (ميخا2:5) ولكن أولئك الذين يجادلون ويقولون ، إن كان هو قد جاء فى الجسد فتكون العذراء قد فسدت (diefqartai) ، وإن لم تكن قد فسدت فإنه يكون قد جاء بطريقة خيالية فقط (kata fantasian) . هؤلاء نقول لهم إن النبى يعلن ” أن الرب إله إسرائيل قد دخل وخرج ، والباب يظل مغلقًا ” (حز2:44) وأيضًا إن كان الكلمة قد صار جسدًا بدون تزاوج جسدى ، إذ أنه حُمل به بدون زرع بشر ، فإنه إذن وُلد دون أن تُمس عذراويتها .

 

” وبينما هما هناك تمت أيامها لتلد ، فولدت ابنها البكر وقمطته وأضجعته فى المزود” (لو 6:2،7) :

 

            ما هو معنى بكرها ؟ إن معنى البكر(prwtotokoV) هنا ليس أنه الأول بين إخوة عديدين، بل هو ابنها الأول والوحيد ، فإن هذا المعنى هو من بين المعانى التى تفسر بها كلمة ” البكر ” . لأن الكتاب المقدس أحيانًا يسمى الوحيد بالأول كما هو مكتوب ” أنا الله، أنا الأول وليس هناك آخر معى ” (إش6:44سبعينية) .

          فلكى يتضح أن العذراء لم تلـد مجرد إنسان(yiloV anqrwpoV) ، لذلك أضيفت كلـمة

” البكر ” ، وحيث إنها ظلت عذراء فلم يكن لها ابن آخر إلاّ ذلك هو من الله الآب، والذى بخصوصه . أعلن الله الآب أيضًا بصوت داود ” أنا أيضًا أجعله بكرًا ، أعلى من ملوك الأرض ” (مز27:89) .

          ويقول عنه بولس الكلى الحكمة أيضًا : ” متى أُدخل البكر إلى العالم يقول ، ولتسجد له كل ملائكة الله ” (عب6:1) . فكيف إذًا دخل إلى العالم ؟ لأنه منفصل عن العالم ، ليس من جهة المكان بقدر ما هو من جهة الطبيعة . فإنه يختلف عن سكان العالم فى الطبيعة ، ولكن دخل إلى العالم بأن صار إنسانًا ، وبذلك صار جزءًا من العالم بالتجسد.

ورغم أنه هو الابن الوحيد من جهة ألوهيته (QeikwV) ، إلاّ أنه لكونه صار أخًا لنا ، فقد أصبح له اسم ” البكر ” ، ولكى يصير هو الباكورة لتبنى البشرية ، فإنه يمكن أن يجعلنا أيضًا أبناء الله .

          لذلك لاحظوا ، أنه يدعى البكر من جهة التدبير (peri thV oikonomiaV) . لأنه من جهة ألوهيته هو الابن الوحيد. وأيضًا فإنه الابن الوحيد من جهة كونه كلمة الآب الذى ليس له إخوة بالطبيعة ولا يوجد أى كائن مشترك معه . لأن ابن الله المساوى للآب ، هو واحد ووحيد (eiV gar kai monoV o omoousioV tw patri UioV tou Qeou)، ولكنه يصير بكرًا بتنازله إلى مستوى المخلوقات .

 

          لذلك حينما يدعى الابن الوحيد ، فإنه يدعى هكذا دون أن يكون هناك سبب آخر لكونه الابن الوحيد إذ هو الإله الوحيد الجنس الذى فى حضن الآب (يو18:1) ولكن حينما تدعوه الكتب الإلهية ” بالبكر ” فإنها تضيف حالاً علة السبب الذى من أجله حمل هذا اللقب فتقول الكتب ” البكر بين إخوة كثيرين ” (رو29:8) ، وأيضًا ” البكر من الأموات ” (كو18:1) ، ففى المرة الأولى دُعىَّ ” بكرًا بين إخوة كثيرين ” بسبب أنه صار مثلنا فى كل شئ ما عدا الخطية . وفى المرة الثانية دُعىَّ ” البكر من الأموات ” لأنه هو الأول الذى أقام جسده إلى حالة عدم الفساد.

 

          وأيضًا هو كان دائمًا منذ الأزل الابن الوحـيد بالطبـيعة (kata fusin) ، لكـونه الوحيد

المولود من الآب، إله من إله ، وحيد من وحيد ، إله أشرق من إله ، نور من نور ، ولكنه هو “البكر ” لأجلنا نحن حتى عندما يدعى بكرًا للمخلوقات فإن كل من يشابهه يخلص بواسطته. فإن كان هو بالضرورة يصير ” البكر ” فبالتأكيد لابد أن يكون هناك أولئك الذين يكون هو بكرًا لهم.

ولكن إن كان ـ كما يقول يونوميوس ( Eunomios ) إنه يدعى بكر الله المولود الأول بالنسبة لكثيرين ، وإنه هو أيضًا بكر العذراء ، ففى هذه الحالة إذًا يلزم أن يصير هو الأول قبل طفل بعده بالنسبة لها . ولكن إن كان يدعى بكر مريم باعتباره ابنها الوحيد و ليس هناك من يأتون بعده ، إذًا فهو أيضًا بكر الله لا كالأول بين كثيرين ، بل هو المولود الواحد الوحيد .

 

          وبالإضافة إلى ذلك إن كان الأول يعترف به أنه علة الثانى ، فإن الله هو الأول ، وحينئذ فالابن هو علة أولئك الذين نالوا لقب الأبناء ، لأنهم بواسطته قد حصلوا على هذه التسمية لذلك وهو علة وجود الأبناء الذين أتوا بعده فإنه يدعى البكر بحق. لا لأنه هو أولهم ، بل لكونه العلة الأولى لحصولهم على لقب التبنى.


وكما أن الآب يُدعى الأول لأنه يقول ” أنا الأول وأنا بعد هذه الأشياء ” (إش4:41) ، وهو بالتأكيد لا يريدنا أن نعتبره أنه مشابه فى الطبيعة لأولئك الذين يأتون بعده ، هكذا أيضًا فرغم أن الابن يدعى بكر الخليقة ، أو البكر قبل كل الخليقة ، فهذا ليس معناه أنه واحد من الأشياء المخلوقة ، بل كما أن الآب قال ” أنا الأول ” لكى يوضح أنه أصل كل الأشياء فبنفس المعنى يُدعى الابن أيضًا بكر الخليقة . ” فإن كل الأشياء خُلقت به ” (يو3:1) . فكخالق وصانع للعالم ، هو بداية كل الأشياء المخلوقة وأصلها .

ــــــــــــــــــــ

* عن كتاب تفسير إنجيل لوقا (الجزء الأول) للقديس كيرلس الأسكندرى،  ترجمة الدكتور نصحى عبدالشهيد مايو 1990م. إصدار مركز دراسات الآباء ـ القاهرة .

الابن البكر (مفهوم prwtotokoV) و الميلاد البتولى لكلمة الله