أبحاثروحيات

حياة المسيح فينا – الصليب والمعمودية والامتلاء من الروح القدس

حياة المسيح فينا - الصليب والمعمودية والامتلاء من الروح القدس 

حياة المسيح فينا – الصليب والمعمودية والامتلاء من الروح القدس 

حياة المسيح فينا - الصليب والمعمودية والامتلاء من الروح القدس
حياة المسيح فينا – الصليب والمعمودية والامتلاء من الروح القدس

حياة المسيح فينا – الصليب والمعمودية والامتلاء من الروح القدس 

الصليب والمعمودية:

” الله بيّن محبته لنا لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا ” (رو8:5).

إن موت المسيح على الصليب يمثل بالنسبة لنا أمران فى غاية الأهمية لخلاصنا:

الأمر الأول: هو أنه حمل عنا خطايانا فى جسده إذ مات بسببها، وهذا يكشف لنا عمق محبة الله لنفوسنا لأنه أرسل ابنه ليصير إنسانًا وينوب عنا فى حمل لعنة الخطية ودينونتها على الصليب. الله لم يشفق على ابنه بل بذله لأجلنا أجمعين (رو32:8) وكل هذا لكى نعرف نحن البشر أن الله يحبنا ويريدنا ويريد خلاصنا وحياتنا لنحيا معه وفيه إلى الأبد ” هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية ” (يو16:3).

الله يعلن محبته للإنسان من على صليب المسيح وينادى كل إنسان لكى يقبل المحبة المعلنة فى موت المسيح، ويأتى ويقبل المسيح فاديًا لنفسه ويؤمن بعمل الله لأجله ومحبته له كما تظهر فى صليب المسيح. إن الله يدعو كل إنسان للمصالحة، ” لأن الله كان فى المسيح مصالحًا العالم لنفسه غير حاسب لهم خطاياهم ” (2كو19:5). والمسيح الفادى المصلوب ينادى الإنسان، ينادى قلوب كل البشر ” تصالحوا مع الله “، إذ هو بصليبه وسيط المصالحة. وبدون قبول نداء المسيح الذى يرسله بالروح القدس العامل والناطق فى الكنيسة فإن الإنسان لا ينال الحياة والغفران والخلاص.

الأمر الثانى: إنه بصلب المسيح قد تم صلب طبيعتنا القديمة أى إنساننا العتيق ” عالمين هذا إن إنساننا العتيق قد صُلب معه ليبطل جسد الخطية كى لا نعود نُستعبد أيضًا للخطية ” (رو6:6) ففى الصليب تنتهى الخليقة الأولى. فى الصليب ينتهى الإنسان الأول وليس فقط ننال غفرانًا لخطايانا. فى الصليب قد تم صلبنا مع المسيح ومن قبر المسيح ظهرت حياة جديدة وخليقة جديدة، ظهرت بقيامة المسيح من الأموات. وهذا هو الأساس الذى عليه تقوم المعمودية: إننا فى المعمودية ندفن مع المسيح للموت أى يدفن إنساننا العتيق لكى نخرج من المياه مشتركين فى قيامة المسيح لنسلك فى الحياة الجديدة التى ظهرت أولاً فى قيامة المسيح نفسه رأس الخليقة الجديدة ” فدُفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما أُقيم المسيح من الأموات هكذا نسلك نحن أيضًا فى جدة الحياة ” (رو4:6).

فعلى الصليب لم يحمل المسيح عنا خطايانا فقط ـ هذا الحمل الذى هو أساس الغفران ـ بل كان المسيح يحمل فى جسده كل البشرية ولذلك لما صُلب ومات صُلبنا نحن فيه ومعه رغم أننا لم نكن قد وجدنا كأفراد بعد. وهذا ما يعلنه لنا الإنجيل، إننا نرى فى الصليب فاديًا يقدم لنا الغفران مجانًا بسفك دمه عن كل البشر. ولكننا أيضًأ نرى فيه طبيعتنا وذواتنا محكوم عليها بالصلب والموت. فحينما مات المسيح على الصليب مت أنا معه. وكل من يؤمن بموت الرب يسوع وقيامته ينبغى ايضًا أن يؤمن أنه قد مات بموت المسيح أو مات معه. وهذه هى الحقيقة التى تعلن عنها الكنيسة فى المعمودية. فى المعمودية يشترك كل واحد شخصيًا فى موت المسيح وقيامته. وفى المعمودية ننال هذه الإمكانية بفعل الروح القدس أى إمكانية الموت مع المسيح فعلاً. موت إنساننا العتيق ثم قيامتنا مع المسيح، أو قيامة المسيح فينا أو ظهور حياة المسيح فينا عن طريق موت الإنسان العتيق. وحياة المسيح فينا التى ننال إمكانيتها وبذرتها بالمعمودية هى قوة الحياة الجديدة التى نسلك بها كأولاد الله فى هذا العالم. وبدون هذه القوة قوة حياة المسيح الغالبة للخطية والموت لا نستطيع أن نعيش فى القداسة وجدة الحياة.

هذا الإيمان بالصليب والمعمودية ضرورة أساسية حتى نعيش حياة النصرة، حياة القداسة التى هى الحياة والسلوك حسب الروح.

هذا الإيمان وهذه الثقة تأتى أولاً من المعرفة، ” عالمين هذا إن إنساننا العتيق قد صُلب معه ليبطل جسد الخطية كى لا نعود أيضًا نُستعبد للخطية ” وهنا نجد أن الرسول بولس يتكلم عن معرفة نعرفها أو نعلمها عن صلب إنساننا العتيق مع المسيح على الصليب وعن دفننا معه بالمعمودية للموت ” أم تجهلون إننا كل من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته فدفنا معه بالمعمودية للموت… ” (رو3:6ـ6).

وهذه المعرفة تقدمها الكنيسة لكل مُعمّد أو لكل موعوظ يرغب فى الدخول إلى ملكوت الله وهذا ماتزال الكنيسة تمارسه فى طقس جحد الشيطان والاعتراف بالمسيح إذ يعلن الموعوظ (أو الأشبين فى حالة الطفل) انفصاله عن مملكة الشيطان. مملكة الظلمة والخطية وذلك ناحية الغرب، ثم يتجه ناحية الشرق ويعلن قبوله للمسيح واعترافه به إلهًا ومخلصًا وبأعماله المخلصة التى تعطى الحياة للإنسان ويتعهد بطاعة وصايا المخلص. كل هذا يعرفه الموعوظ ويتعهد به جهرًا أمام الكنيسة قبل أن يُدفن مع المسيح فى مياه المعمودية ليقوم مع المسيح فى حياة جديدة هى حياة المسيح القائم من الأموات. هذه المعرفة هامة جدًا إذ هى قبول خبر الإنجيل والإيمان به كما قال الرب نفسه ” إكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها من آمن واعتمد خلص ومن لم يؤمن يدن ” (مر16:16).

ولذلك ففى حالتنا نحن الذين اعتمدنا أطفالاً ننال هذه المعرفة بواسطة سماع كلمة التعليم والوعظ فى الكنيسة أو قراءة الإنجيل لتصل إلى قلوبنا هذه المعرفة التى نستطيع بها، إن صدقناها وآمنا بعمل المسيح لأجلنا، وآمنا بالحياة التى أعطاها لنا الروح القدس فى المعمودية، أن نتيقن بعد ذلك تمامًا أننا قد متنا ودفنا مع المسيح ونستطيع اعتمادًا على ما فعله المسيح لأجلنا بصلبه وقيامته، ثم على ما فعله فينا بالمعمودية بقوة روحه القدوس أن نعيش ونتصرف بعد ذلك حاسبين أنفسنا ” أمواتًا عن الخطية ولكن أحياء لله بالمسيح يسوع ربنا ” (رو11:6).

وهنا يلزم أن نوضح إن هذه المعرفة ليست معرفة عقلية نظرية ولكنها اعلان روح الله القدوس لقلوبنا لكى يستطيع كل منا أن يرى نفسه مصلوبًا مع المسيح حقيقة ومدفونًا معه ثم يرى المسيح حيًا فى داخله ” مع المسيح صُلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فىَّ ” (غل20:2).

إننا كثيرًا ما نسعى ونحاول أن ندخل أنفسنا فى المسيح كأننا لم نوجد فيه مع إن الله قد وضعنا فى المسيح وضمنا إلى جسده بالمعمودية والإيمان كما يقول الرسول بولس ” لأننا جميعًا بروح واحد اعتمدنا إلى جسد واحد ” (1كو13:12) أى نحن دخلنا فى جسد المسيح وأصبحنا فيه بالمعمودية وهذا هو معنى “اعتمدنا إلى جسد واحد”، ونحتاج أن نؤمن حقًا ونكتشف أننا موجودون فى المسيح حتى نطمئن ونثق بقوة الحياة الجديدة التى دخلت فينا. وبقوة هذه الحياة ـ حياة المسيح ـ نحسب بالإيمان أنفسنا أمواتًا عن الخطية فنعيش بقوة المسيح غالبين الخطية، أو بالأحرى حياة المسيح فينا هى التى تغلب الخطية، والمسيح نفسه هو الذى يجاهد فينا ومعنا لنكمل القداسة.

لذلك نحتاج أن نصلى إلى الله من كل قلوبنا طالبين أن يكشف لقلوبنا هذا الحق: أى موتنا مع المسيح وقيامتنا معه، أن نصلى من أجل نوال الاستنارة بالروح القدس. كما يقول الرسول لأهل أفسس بعد ان آمنوا بالمسيح وختموا بالروح القدس (أف13:1)، يقول: “لكى يعطيكم الله روح الحكمة والاعلان فى معرفته مستنيرة عيون أذهانكم لتعلموا ما هو رجاء دعوتكم.. وما هى عظمة قدرته الفائقة نحونا نحن المؤمنين حسب عمل شدة قوته الذى عمله فى المسيح إذ أقامه من الأموات..” فهنا يصلى الرسول لأجلهم ـ وليتنا نصلى معه من أجل نفوسنا لأجل نوال روح الاعلان لتستنير عيوننا الداخلية ـ أى قلوبنا ـ فنعرف لماذا دعانا المسيح لنؤمن به ولنعتمد باسمه ولنكتشف عظمة قدرة الله الفائقة والمتجهة إلينا لتعمل فينا العمل الذى تم وكمل بقيامة المسيح. ولذلك يكمل الرسول قائلاً “ونحن أموات بالخطايا أحيانا مع المسيح وأقامنا معه.. بالنعمة أنتم مخلصون..” (أف17:1ـ20،أف5:2ـ8). هذا العمل الإلهى هو عمل الله فينا وليس لنا أى استحقاق فيه ونحن نقبله بالإيمان فى المعمودية. إذ ينقل إلينا الروح القدس قوة قيامة المسيح بالدفن مع المسيح والقيامة معه فى المعمودية.

لهذا يقول الرسول فى رسالته إلى تيطس ” ولكن حين ظهر لطف الله مخلصنا وإحسانه لا بأعمال فى بر عملناها نحن بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثانى (أى بحميم المعمودية) وتجديد الروح القدس الذى سكبه بغنى علينا بيسوع المسيح مخلصنا ” (تى4:3ـ6) فالعطية المعطاة لنا من الله فى المعمودية هى نعمة مجانية من لطف الله وإحسانه الذى ظهر بمجيئ المسيح وصلبه وقيامته وإنسكاب الروح القدس بغنى. وبقوة هذه العطية الموهوبة لنا فى المسيح بالمعمودية نستطيع أن نعيش الحياة الجديدة سالكين فى القداسة والأعمال الصالحة التى خُلقنا فى المسيح لكى نسلك فيها (أف10:2).

هذا هو الحق الذى نصلى إلى الله لكى يكشفه لقلوبنا ولقلوب الجميع حتى نعيش به وبقوته غالبين الخطية والموت بقوة الروح القدس الذى أسكنه المسيح فى قلوبنا، لكى يخبرنا بكل ما للمسيح، لكى يتمجد المسيح فى حياتنا ” ذاك (الروح القدس) يمجدنى لأنه يأخذ مما لى ويخبركم ” (يو4:16).

حياة المسيح فينا – الصليب والمعمودية والامتلاء من الروح القدس