آبائياتأبحاث

اثيناغوراس الفيلسوف وقانونية العهد الجديد (177م)

اثيناغوراس الفيلسوف وقانونية العهد الجديد (177م)

اثيناغوراس الفيلسوف وقانونية العهد الجديد (177م)

اثيناغوراس الفيلسوف وقانونية العهد الجديد (177م)
اثيناغوراس الفيلسوف وقانونية العهد الجديد (177م)

اثيناغوراس الفيلسوف وقانونية العهد الجديد (177م)

يعتبر اثيناغوراس[1] الذي كان وثنياً وأعتنق المسيحية فيلسوفاً كبيراً ومن أبرع الفلاسفة المسيحيين والمدافعين عن المسيحية في القرن الثاني، ومن ثم فقد وُصف في أقدم الوثائق لأعماله بالفيلسوف المسيحي، وكان يرأس أحد كراسى الأكاديمية ” الموزيم Museum ” بالإسكندرية, وقد ارسل حوالي سنة 177م دفاعه عن المسيحيين للإمبراطور مركوس أوريليوس أنطونيوس (120 – 180م) وابنه شريكه فى الحكم كومودوس، اللذين شنا اضطهادا شديدا على المسيحية سنة 166م، وقد برهن فيه على وحي الروح القدس في كتابة الأنبياء لأسفارهم بالروح القدس.

كان اثيناغوراس، قبل تحوله للمسيحية، مهتما بشدة بالبحث فى أمور المسيحية كغيره من الفلاسفة الأفلاطونيين وكان يأمل أن يكتشف ما تصور أنه أخطاء، مثله مثل الكثيرين الذين فعلوا ذلك وفشلوا في ذلك، بل وتحولوا إلى المسيحية، وبدلاً من أن يعمل بحث ضد الإيمان المسيحي جذبه الروح القدس وآمن هو نفسه بالمسيحية وصار من أعظم فلاسفتها والمدافعين عنها، وكان أول فيلسوف مسيحي يصير عميداً لمدرسة الإسكندرية اللاهوتية. وقد كتب كتاب هو ” الدفاع (أو الشفاعة = إبريسفيا) عن المسيحيين “، ومقالة عن ” قيامة الموتى “.

وفي دفاعه يكشف لنا عن تأكيده لوحي أسفار الكتاب المقدس بعهديه التي كتبها الأنبياء والرسل بوحي الروح القدس، وقارن بين وحي الشعراء الذين كانوا يبحثون عن معرفة الله من خلال اجتهاداتهم وتخميناتهم وأفكارهم، والأنبياء الذين عرفوا الله بوحي الروح القدس: ” لأن الشعراء والفلاسفة, فى تفكيرهم فى هذا الموضوع وموضوعات أخرى, كان يقودهم الحدس والتخمين, وكان تقدمهم محكوما ًبقابليتهم لتلقى الالهام النابع من اللـه, فى ذاته وبوجدانه, محاولين اكتشاف الحقيقة, ولكن لم تكن لهم القدرة الكاملة على ادراكه, لأنهم ظنوا أنفسهم قادرين ان يتلقوا المعرفة عن اللـه لا من اللـه ذاته بل من أنفسهم, لذلك فقد توصل كل منهم الى اعتقاده فيما يخص اللـه والمادة والشكل والعالم, وأخذوا فى الاعتبار آراء البشر.

أما نحن: فقد كان لنا من الأنبياء شهود لما نعرف وما نؤمن به, أولئك الرجال الذين نطقوا فيما يختص باللـه, والأشياء التى من اللـه يرشدهم روح اللـه, وانتم أيضاً ستعرفون, وانتم المتفوقون على الجميع فى الذكاء والتقوى للـه الحق, أنه سيكون من غير المعقول ان لا نؤمن بالروح الذى من اللـه, والذى حرك افواه الأنبياء, كما تتحرك الآلات الموسيقية [2].

” أصوات الأنبياء كتبت ما نحن بصدده, ويخيل إلى أنكم أنتم أيضا ًبما لكم من حماس عظيم للمعرفة … لا يمكن أن تجهلوا ما كتبه موسى أو اشعياء وارميا وسائر الأنبياء … هؤلاء الذين نطقوا بما أوحى إليهم, فى غيبة عن الحس سمت بهم فوق عمليات العقل الطبيعية, وذلك بفعل قوة الروح القدس الذى استخدم ونفث فيهم كأنه لاعب ناى ينفخ فى نايه “[3].

ويضيف: ” وقد يظن البعض ان معتقداتنا انسانية المصدر, ولكن اصوات الانبياء تؤكد براهيننا وأنا اعتقد انكم انتم أيضا ًبحماسكم العظيم للمعرفة, وللانجازات الكبرى فى العلم, لستم بجاهلين لكتابات موسى أو اشعياء أو ارميا وباقى الأنبياء الذين تساموا فى نشوة فوق قدراتهم الذهنية الطبيعية, متلقين من الروح الأسمى ومضات نطقوها بالأشياء التى اوحى لهم بها, وقد استخدمهم الروح كما يصنع عازف الناى الذى ينفث أنفاسه فى نايه [4].

كما كان يؤمن بالعهد الجديد كوحي الله وكلمته، وقد استشهد في دفاعه بثلاثة عشر سفراً هي الإنجيل للقديس متى والإنجيل للقديس لوقا، ويأخذ عقيدة اللوجوس من الإنجيل للقديس يوحنا، ويستشهد بما جاء في ست رسائل للقديس بولس هي؛ الرسائل إلى رومية والأولى إلى كورنثوس وإلى كولوسي والأولى إلى تيموثاوس وتيطس والرسالة إلى العبرانيين. وكعادة الآباء في عصر الآباء الرسوليين، يستشهد بكلمات وعبارات وآيات أسفار العهد الجديد دون ذكر للسفر المُقتبس منه.

فيستشهد بآيات الإنجيل للقديس متى مؤكداً أنها كلمة الله المنطوقة وتعليم الله: ” لأن إحضارنا للآراء التي نخلص لها ليس بكونها إنسانية بل منطوقة من الله وتعليمه، ونحن قادرون على اقناعكم أن لا تفكروا فينا كملحدين. فماذا تقول إذاً هذه التعاليم التي نقدمها: أقول لكم أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، وصلوا لأجل الذين يضطهدونكم، لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماء، الذي يشرق شمسه على الأشرار والأبرار، ويمطر على الأبرار والظالمين (مت5 :44و45) [5][6].  

ويستشهد بنصوص من الإنجيلين للقديسين متى ولوقا كأسفار موحى بها من الله فيقول: ” يقول الوحى ” لأنكم إن أحببتم الذين يحبونكم فأى اجر لكم “[7]. بل ويدعو الإمبراطورين لقراءة الكتاب المقدس: ” الذى يعلن الحق فى كماله “.

ويقتبس من متى ولوقا قوله: ” ما هى إذا ً تلك التعاليم التى ربينا ونشأنا على طاعتها؟ ” ولكنى أقول لكم أحبوا اعداءكم[8] …”[9].

ويستشهد بما جاء في الإنجيل للقديس متى في حديثه عن الطهارة: ” ولكننا بعيدون تماما ًعن العلاقات الجنسية الغير منضبطة, حتى اننا نعتبره اثما أن ننظر فى اشتهاء, لأن اللـه يقول: ” أما أنا فأقول لكم, إن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها فى قلبه ” … نراعى وإلى أقصى حد أن تظل أجسادهم غير مدنسة, طاهرة نقية “ (مت5 :28)[10].

ويأخذ من الإنجيل للقديس يوحنا عقيدة الكلمة اللوجوس (λόγος = Logos) وكون الابن من الآب وفي الآب والآب فيه وواحد معه: ” لسنا ملحدين بل نعترف بإله واحد، غير مخلوق وأبدي وغير متألم وغير مدرك وغير محدود … وقد خلق العالم بكلمته (λόγος = His logos)[11] ورتب له نظاماً وحفظ له وجوده المستمر، أنا اقول ” كلمته ” (λόγος = logos)، ورتبه … ونعترف ايضاً بابن لله، ولكن ابن الله، ولا تجعل ذلك مضحكاً أن الله له ابن، ولكن الابن هو لوجوس (λόγος = logos) الله في الفكرة والعمل الذي به كل شيء خُلق، الآب والابن واحد[12]، والابن في الآب والآب في الابن[13]، في الوحدة والقوة والروح، الفهم والعقل للآب هو ابن الله … الله الذي هو العقل الأبدي له كلمة (λόγος = logos) في ذاته، لكونه من الأبد[14] واحد مع الكلمة (λόγος = logos) … وندرك بأن هناك جمعاً من الملائكة والقوات الذين يرسلهم الله صانع ومشكل العالم ويعينهم لمهامهم العديدة[15] بكلمته (λόγος = logos) [16].

بل ويقول أن الذين سيذهبون إلى السماء: ” عرفوا اللـه الآب والكلمة (λόγος = Logos) الذى منه, ووحدانية الابن مع الآب, وشركة الآب مع الإبن, وما هو الروح القدس, واتحاد الثلاثة, الآب والابن والروح القدس رغم تمايزهم “. وهنا، في شرحة للثالوث يستخدم تعبير الكلمة (λόγος = Logos) المذكور في الإنجيل للقديس يوحنا.

كما يستشهد بما جاء في رسائل القديس بولس ككلمة الله، وعلى سبيل المثال يستشهد في قوله: ” والذين لا يمتنعون عن مضاجعة الذكور, حيث يقوم الذكور مع الذكور بارتكاب ما يصيب الانسان بالصدمة, منتهكين الاجساد النبيلة بكل الطرق, وهكذا يحطون من الجمال الذى صنعه اللـه “[17].

ويشرح للإمبراطور موقف المسيحيين من السلطات بقوله: ” أرجو أن تؤمنوا برؤوسكم الملكية باستحسان, لأنه – من هنا أولى منا – أن ننال ما نطلب, نحن الذين, يصلون من أجل حكمكم, كى تتوارثوا الملك ابنا بعد أب, وأن تتسع امبراطوريتكم وتنمو وأن يخضع الكل لسلطانكم؟ لأن هذا أيضا لفائدتنا حتى نحيا حياة سلام وهدوء وأن نقوم بتنفيذ كل ما نؤمر به “[18]. وهذا جوهر قول القديس بولس بالروح: ” فَأَطْلُبُ أَوَّلَ كُلِّ شَيْءٍ، أَنْ تُقَامَ طَلِبَاتٌ وَصَلَوَاتٌ وَابْتِهَالاَتٌ وَتَشَكُّرَاتٌ لأَجْلِ جَمِيعِ النَّاسِ ” (1تي2 :1).

ويستشهد في مقالته ” قيامة الموتى ” بالكثير من كلمات أسفار العهد الجديد ونصوصه خاصة الرسالة الأولى لكورنثوس الإصحاح الخامس عشر.

 

[1] Ante Nicene Fathers, Vol. 2 : 125-127.

[2] Apology, 7.

[3] Apology, 9.

[4] Apology, 9.

[5] أنظر: ” وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ، لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ (مت5 :44و45).

[6] Apology, 32 : 11.

[7] دفاع 12 مع مت5 :46؛ لو6 :32.

[8] دفاع 11 :2 مع مت5 :44و45؛ لو6 :28.

[9] أنظر: ” وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ، لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ ” (مت5 :44و45). ” لكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ أَيُّهَا السَّامِعُونَ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ ” (لو6 :28).

[10] Apology, 32 :2.

[11] ” فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ. هذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللهِ. كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ ” (يو1 :1 – 3).

[12] ” أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ ” (يو10 :30).

[13] ” أَلَسْتَ تُؤْمِنُ أَنِّي أَنَا فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ؟ الْكَلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ لَسْتُ أَتَكَلَّمُ بِهِ مِنْ نَفْسِي، لكِنَّ الآبَ الْحَالَّ فِيَّ هُوَ يَعْمَلُ الأَعْمَالَ. صَدِّقُونِي أَنِّي فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ، وَإِلاَّ فَصَدِّقُونِي لِسَبَبِ الأَعْمَالِ نَفْسِهَا ” (يو14 :10و11).

[14] ” أَنَا أَعْرِفُهُ لأَنِّي مِنْهُ، وَهُوَ أَرْسَلَنِي ” (يو7 :29).

[15] ” أَلَيْسَ جَمِيعُهُمْ أَرْوَاحًا خَادِمَةً مُرْسَلَةً لِلْخِدْمَةِ لأَجْلِ الْعَتِيدِينَ أَنْ يَرِثُوا الْخَلاَصَ! ” (عب1 :14).

[16] Apology, 10.

[17] Apology, 34 :2. مع قول القديس بولس: ” وَكَذلِكَ الذُّكُورُ أَيْضًا تَارِكِينَ اسْتِعْمَالَ الأُنْثَى الطَّبِيعِيَّ، اشْتَعَلُوا بِشَهْوَتِهِمْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، فَاعِلِينَ الْفَحْشَاءَ ذُكُورًا بِذُكُورٍ، وَنَائِلِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ جَزَاءَ ضَلاَلِهِمِ الْمُحِقَّ ” (رو1 :27).

[18]Apology, 37 :2,3.

اثيناغوراس الفيلسوف وقانونية العهد الجديد (177م)