آبائياتأبحاث

الأسفار القانونية التي تأخر قبولها وسبب التأخر – القمص عبد المسيح بسيط

الأسفار القانونية التي تأخر قبولها وسبب التأخر - القمص عبد المسيح بسيط 

الأسفار القانونية التي تأخر قبولها وسبب التأخر – القمص عبد المسيح بسيط 

الأسفار القانونية التي تأخر قبولها وسبب التأخر - القمص عبد المسيح بسيط
الأسفار القانونية التي تأخر قبولها وسبب التأخر – القمص عبد المسيح بسيط

الأسفار القانونية التي تأخر قبولها وسبب التأخر – القمص عبد المسيح بسيط [1]

وبعد هذه الدراسة التفصيلية لقانونية أسفار العهد الجديد نضع السؤال التالي: لماذا تأخرت الكنيسة في قبول مجموعة الأسفار التي سميت بالمتنازع عليها[2]؟؟

(1) الرسالة إلى العبرانيين:

قبلت هذه الرسالة بمجرد كتابتها وإرسالها لمن أرسلت إليهم في الغرب كموحى بها، وكرسالة قانونية، ولكن عدم وجود اسم القديس بولس عليها كبقية رسائله، جعل البعض لا يقبلها كإحدى رسائل القديس بولس لعدم التأكد من ذلك، مع قبوله لقانونيتها. وقُبلت في الشرق واعتبرت إحدى رسائل بولس الرسول.  و وجدت هذه الرسالة ضمن تسع رسائل للقديس بولس في مجلد واحد، في أقدم مخطوطة بردية لرسائل القديس بولس هي البردية 46 (P46)، والتي ترجع لما بين سنة 85 إلى 150م. ولكنها قُبلت فيما بعد في الغرب في القرن الرابع الميلادي كرسالة للقديس بولس وذكرها القديس جيروم والقديس أغسطينوس في قائمتيهما.

ويرجع رفض الغرب للرسالة بحسب ما يقول هاريسون (F. Harrison)[3]؛ بسبب هرطقة المونتانيين التي كانت عقائدهم تميل للرسالة.

(2) رسالة يعقوب:

لم يقبل البعض في الغرب الرسالة، في البداية، بسبب تركيز الرسالة على حتمية الأعمال مع الإيمان وتصوروا أنها متضادة مع رسائل القديس بولس، وكان يوسابيوس واوريجانوس، اللذان من الشرق، يفضلان رسالة يعقوب. وأخيرا قبلت في الغرب واقتبس منها القديس جيروم والقديس أغسطينوس. وقد قبلت الرسالة كعمل مكمل لرسائل القديس بولس الرسول وليس معارضاً له.

(3) رسالة بطرس الثانية:

قال القديس جيروم أن سبب الخلاف على رسالة بطرس

الثانية يكمن في تباين أسلوب الكتابة بينها وبين الرسالة الأولى، والرسالة موجودة في المخطوطات القديمة، البردية 72 – (P72)، والتي ترجع للقرن الثالث الميلادي. وقد انتشرت في مصر في الترجمة القبطية. واقتبس منها كل من أكليمندس الإسكندري واوريجانوس ويوسابيوس، كما اقُتبس منها في رسالة برنابا التي ترجع للقرن الأول.

اما بخصوص التباين في اسلوب الكتابة فيمكن ارجاعه الي أن القديس بطرس قد أملى رسالته الأولى على تلميذه سلوانس: ” بِيَدِ سِلْوَانُسَ الأَخِ الأَمِينِ،كَمَا أَظُنُّ، كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ بِكَلِمَاتٍ قَلِيلَةٍ ” (1بط5: 12)[4]. في حين كتب هو الرسالة بنفسه.

(4) رسالتا يوحنا الثانية والثالثة:

واللتان لم يذكر فيهما القديس يوحنا اسمه، بل استخدم كلمة ” الشيخ “: ” اَلشَّيْخُ، إِلَى كِيرِيَّةَ الْمُخْتَارَةِ ” (2يو1 :1)، ” اَلشَّيْخُ، إِلَى غَايُسَ الْحَبِيبِ ” (3يو1 :1). ونظراً لأنهما أرسلتا إلى اثنين من البارزين في الكنيسة، وتصور البعض أنهما رسالتان شخصيتان فقد تأخر قبولهما وكانتا محدودتين في الانتشار ولم تلقيا القبول الجماعي في البداية. واقتبس منهما بوليكاربوس تلميذ الرسول يوحنا واعتبرهما إيريناؤس تلميذ بوليكاربوس سفران اصليان، وقد وجدتا في قائمة الوثيقة الموراتورية، كما وجدت الرسالتان في الترجمة اللاتينية من القرن الثاني. ولا يختلف اسلوب الرسالتين عن اسلوب رسالة يوحنا الاولى المقبولة من الجميع.

أما بخصوص كلمة ” الشيخ – πρεσβύτερος “، فقد كان يوحنا معروفا بالشيخ في اسيا الصغرى نظرا لكبر سنه، كما وصف القديس بطرس نفسه بالشيخ أيضاً: ” أَطْلُبُ إِلَى الشُّيُوخِ (Πρεσβυτέρους) الَّذِينَ بَيْنَكُمْ، أَنَا الشَّيْخَ رَفِيقَهُمْ ” (1بط5: 1).

(5) رسالة يهوذا:

يرجع الشك في رسالة يهوذا لاقتباسها من كتاب سفر اخنوخ

الابوكريفي من ابوكريفا العهد القديم وقد تأثر اوريجانوس وجيروم بذلك. لكن إيريناؤس وأكليمندس الاسكندري وترتليان اقتبسوا منها كسفر قانوني. وقد وجدت الرسالة في قائمة المخطوطة الموراتورية. كما أنها موجودة في المخطوطات القديمة، البردية 72 (P72)، والتي تؤكد استخدام هذه الرسالة ورسالة بطرس الثانية في مصر.

اما بخصوص الاقتباس من سفر اخنوخ: فيمكن تفسيره على انه ليس اقتباس يبرهن قانونية السفر وإنما إشارة إلى نص موجود في تقاليد اليهود. وكان الاقتباس من خارج الأسفار الموحى بها مألوفاً، وعلى سبيل المثال اقتباس القديس بولس الرسول من الاشعار اليونانية: ” كَمَا قَالَ بَعْضُ شُعَرَائِكُمْ أيضاً: لأَنَّنَا أيضاً ذُرِّيَّتُهُ ” (أع17 :28).

(6) رؤيا يوحنا:

أختلف البعض حول سفر الرؤيا، بالرغم من استشهاد الآباء الرسوليين وآباء القرن الثاني بنصوصها وذكرها كسفر للقديس يوحنا وموحى به، بسبب عقيدة الملك الالفي الوارد في الاصحاح العشرين، وأستمر هذه الجدل حتى نهاية القرن الرابع. وكان من عوامل رفض البعض لها هو أسلوبها الرؤي الرمزي صعب التفسير، وافراط الهراطقة المونتانيين، في القرن الثاني، في استخدامهم لها، وقد هاجم ديوناسيوس الاسكندري السفر في منتصف القرن الثالث أيضاً. ودافع عنها البابا اثناسيوس والقديس جيروم وأغسطينوس، ثم صارت بعد ذلك مقبولة من الجميع.

وفي نهاية هذا الفصل نقدم تعليقاً ملخصاً لقانونية أسفار العهد الجديد من مقالة للأستاذ كريغ بلومبرغ الأستاذ البارز للعهد الجديد بمعهد دنفر للاهوت المحافظ: ” ويبدو أن الأساس المنطقي للترتيب الحالي (لأسفار العهد الجديد) قد كان وفق ما يلي. فقد حلّت الأناجيل أولاً، لأنها تعرض سيرة حياة يسوع المسيح الذاتية، مؤسس الديانة المسيحية، الذي يعتبر سبب وجود كل العهد الجديد في المقام الأول. ومن المحتمل أن ترتيب الأناجيل بحسب متى ومرقس ولوقا ويوحنا يتطابق مع الترتيب الذي اعتقد العديد من آباء الكنيسة أنها كُتبت بحسبه، وبرغم ذلك، كانت للإنجيل بحسب متى الأفضلية على نحو منتظم لما كتبه باللهجة العبرية، وعلى الأرجح أقل من إنجيل كامل. وحتى لو كُتب الإنجيل بحسب مرقس أولاً، مثلما يملك العلماء الأكثر حداثة السبب الوجيه للاعتقاد بذلك، يمكن أن يكون قد وضع إنجيل متى بسهولة أولاً، لأنه الإنجيل الأكثر يهوديةً من بين الأناجيل الأربعة، وهو يملك العدد الأكبر من الروابط مع كتاب العهد القديم.  

وتلي أعمال الرسل ما سبق، إذ أنها تتناول موضوع نسل أتباع يسوع المسيح مباشرةً بعد موته وقيامته. ومن ثمّ، تأتي كافة الرسائل، المجموعة معاً، ابتداءً من رسائل بولس الرسول، التي تعتبر الأكثر تأثيراً في مسيحيي الجيل الأول على اختلافهم. واستثنائياً، عندما تتجاور رسالتان بسبب حملهما اسم المرسل إليهم عينه، تُنظم رسائل بولس الرسول وفق ترتيب الطول التنازلي. (كما تُحدث الرسالة إلى أهل غلاطية الفوضى في المخطط، كونها تتصف فقط بأنها أقصر من الرسالة إلى أهل أفسس إلى حدٍّ ما). ففي الأول، أتت رسائل موجهة إلى الكنائس، ومن ثمّ رسائل موجهة إلى أفراد، كل منها منظمة بحسب المخطط. وقد كانت كتابة الرسالة إلى العبرانيين عرضة للشك منذ نشرها الابتدائي.

وهذا لأن البعض اعتبرها بولسية، في حين لم يعتبرها العديد منهم كذلك، لذا وُضِعت مباشرة بالقرب من الرسائل البوليسية، ولكنها لم تُدرج في مكان كانت لتختفي منه، وذلك وفقاً لطولها، ضمن هذه المجموعة. ويبدو أنه تمّ تنظيم الرسائل الرئيسية بحسب ترتيب أهمية أو شهرة كتابها في العقود الأولى لرسالة يسوع المسيح. ومع أن بطرس، لكونه أسقف روما الأول في الستينات، يمتاز في آخر الأمر عن يعقوب، الأخ غير الشقيق ليسوع، في نظر المسيحيين التاليين، فقد كان يعقوب شيخ الكنيسة الأم الرئيسي في أورشليم (القدس) في أيامه الأولى. ويتبعه بطرس كشيخ ثانٍ مقرّب منه؛ ومن ثمّ، يوحنا (صديق بطرس الحميم في العديد من سياقات أعمال الرسل)، وأخيراً يهوذا، الأقل شهرةً بين الأربعة[5].

لم يتمّ الاتفاق نهائياً على الأسفار السبعة والعشرين المحددة، إلا عندما نُشرت الرسالة البابوية العامة لأسقف زمن الفصح أثناسيوس في العام 367م، ولم يتم التصديق على هذه الأسفار القانونية رسمياً إلاّ في العام 393م في مجمع هيبو وفي العام 397م عبر مجمع قرطاج. وبالرغم من أن الكثير من الدلائل المتأتية من آثار العصور القديمة فُقدت ببساطة إلى الأبد، يمكن استشفاف العملية التي تؤدي إلى صياغة الأسفار القانونية هذه في شكلها النهائي استشفافاً جزئياً على الأقل. وقد أثارت الهرطقات في منتصف القرن الثاني للمسيحية، بالأخص الغنوسية والماركيونية 000 ورثة التقليد الرسولي الأكثر إيماناً للبدء بتحديد الوثائق التي اعتبروها ملهمة ومصدراً للسلطة بشكل استثنائي. وكان يعنى تزايد الاضطهاد الروماني، خاصة بحلول القرن الثالث، أحياناً أنه ينبغي على المسيحيين أن يحسموا أمرهم بالنسبة إلى الأسفار التي كانوا مستعدين للتضحية بأرواحهم في سبيلها.  

ولا يبدو أن أي نقاش قد أحاط يوماً بقبول الأناجيل الأربعة، وأعمال الرسل، والرسائل الثلاث عشرة التي تحمل اسم بولس الرسول في سطورها الافتتاحية، ورسالة بطرس الرسول الأولى، أو رسالة يوحنا الرسول الأولى. وكانت تواجه الأسفار السبعة الأخرى، التي نجحت في الانضمام أخيراً إلى كتاب العهد الجديد، أسئلة متنوعة تلتف كالدوامة حولها. ألا وهي، هل كتب بولس الرسول الرسالة إلى العبرانيين أم شخص آخر؟ وهل يتعارض يعقوب مع بولس حول دور الإيمان والأعمال؟ وهل كانت رسالة بطرس الرسول الثانية حقاً بُطرُسيّة، نظراً إلى أسلوبها ومحتواها المختلف جذرياً عن رسالة بطرس الرسول الأولى؟ أكانت تستحق كل من رسالتي يوحنا الرسول الثانية والثالثة ورسالة يهوذا التي كان لها قيمة كافية وأهمية أن تُدرج؟ وكيف يمكن فقط تفسير رؤيا يوحنا بأية حال؟

وعلى الرغم من هذه الأسئلة، تمّ قبول كل من هذه الأسفار السبعة في نهاية المطاف. وفي أواخر القرن الثاني، وضع القانون الموراتوري لائحة بواحد وعشرين سفراً؛ وأما في مطلع القرن الثالث، سجّل ترتليان اثنين وعشرين سفراً. وفي الوقت عينه تقريباً، يذكر أوريجانوس الأسفار السبعة والعشرين كافة، ولكنه يلاحظ أن ستة منها محلُّ خلافٍ. ويضع يوسابيوس أيضاً، في أوائل القرن الرابع، لائحة بالأسفار السبعة والعشرين كلها ويستشهد بإشارات أوريجانوس إلى الشكوك القائمة حول تلك الأسفار الستة.  

وفي الوقت عينه، عُرضت حفنة من الوثائق الإضافية بين فترة وأخرى، للقبول بها على قدم المساواة مع الأسفار السبعة والعشرين الأخرى. وعلى وجه التعميم، كانت رسالة راعي هرماس الأرثوذوكسي ورسالة برنابا الرسالتين المقترحتين في أغلب الأحيان، ولو أن ذلك لم يكن تقريباً بقدر الأسفار محلّ الخلاف مقارنة بالأسفار السبعة والعشرين. وترفض الكنيسة بالنتيجة رسالة برنابا جزئياً بسبب محتواها المعادي للسامية. وعلاوة على ذلك، تعكس كلتا الرسالتين كتابات القرن الثاني من مجموعة الأعمال المعروفة باسم الآباء الرسوليين التي أظهرت من جهة أخرى وعيها لتحدرها من تاريخ آجلٍ ومع سلطة أقل من وثائق القرن الأول التي تشكل الآن كتاب العهد الجديد.

وفي الواقع، سادت معايير ثلاثة في سبيل غربلة القانوني من غير القانوني. فكانت الروح الرسولية أولاً وقبل كل شيء – وهي التأليف المنجز بقلم رسول أو مساعد مقرّب منه – التي حصرت بذلك، من أجل كافة الأهداف العملية، الأعمال بالسنوات المائة الأولى أو حتى بالتاريخ المسيحي. ثانياً، فكانت استقامة الرأي أو عدم التعارض مع الكتاب المقدس الموحى به سابقاً، ابتداءً من الأسفار العبرية التي كان يطلق عليها المسيحيون اسم العهد القديم. وأخيراً، استخدمت الكنيسة الأولى معيار الكاثوليكية – وهو جامع الاستعمال والأهمية (أو على الأقل واسع الانتشار إلى أبعد حدّ) في جميع أنحاء الكنيسة. ويستبعد هذا الأمر، على سبيل المثال، الكتابات الغنوسية، التي لَقيَتْ القبول فقط في الفرق الدينية التي انبثقت عنها.

 

[1] سنقدم دراسات تفصيلة لقانونية كل سفر من هذه الأسفار، بل وبقية أسفار العهد الجديد، في بحث مستقل.

[2] Norman Geisler, A General Introduction To The Bible.

[3] F. Harisson, Introduction to the New Testament p.345.

[4] وقد كان سلوانس هذا مساعدا للقديس بولس ثم للقديس بطرس: ” ابْنَ اللهِ يَسُوعَ الْمَسِيحَ، الَّذِي كُرِزَ بِهِ بَيْنَكُمْ بِوَاسِطَتِنَا، أَنَا وَسِلْوَانُسَ وَتِيمُوثَاوُسَ ” (2كو1 :19)، ” بُولُسُ وَسِلْوَانُسُ وَتِيمُوثَاوُسُ، إِلَى كَنِيسَةِ التَّسَالُونِيكِيِّينَ ” (1تس1 :1؛ 2تس 1 : 1).

 

[5] للحصول على القصة الكاملة، راجع بول د. ويغنر Paul D. Wegner، رحلة من النصوص إلى الترجمات The Journey from Texts to Translations (Grand Rapids.

الأسفار القانونية التي تأخر قبولها وسبب التأخر – القمص عبد المسيح بسيط