أبحاث

إعداد المسيح لتلاميذه ورسله – القمص عبد المسيح بسيط

إعداد المسيح لتلاميذه ورسله – القمص عبد المسيح بسيط

إعداد المسيح لتلاميذه ورسله - القمص عبد المسيح بسيط
إعداد المسيح لتلاميذه ورسله – القمص عبد المسيح بسيط

إعداد المسيح لتلاميذه ورسله – القمص عبد المسيح بسيط

تشير كلمة تلميذ (ماثتيس – maqhth.j – mathētēs) وتلاميذ في العهد الجديد، خاصة في الإنجيل بأوجهه الأربعة إلى كل من آمن بالرب يوع المسيح وأتبع تعليمه، من خلال مواعظه وأقواله العديدة، ورأوا أعماله الإعجازية وآمنوا به كالمسيح المنتظر ابن الله، قبل الصلب والقيامة. فلم يأت المسيح إلى العالم ليقدم للبشرية ديانة جديدة مبنية على مجرد شرائع ونواميس وطقوس، ينسب كل من يؤمن به إليها وتسمون باسمها، بل جاء يكرز وينادي بملكوت الله، ملكوت السموات، ملكوت ابن الله.

كما يقول الكتاب: ” شاكرين الآب الذي أهّلنا لشركة ميراث القديسين في النور الذي أنقذنا من سلطان الظلمة ونقلنا إلى ملكوت ابن محبته الذي لنا فيه الفداء بدمه غفران الخطايا. الذي هو صورة الله غير المنظور بكر (prwto,tokoj (prwtotokos) = فوق) كل خليقة ” (كو1 :12-15)، فهو ملك هذا الملكوت ” مملكتي ليست من هذا العالم ” (يو18 :26)، وفاديه وديانه.

وكان هؤلاء، الذين استمعوا لتعليمه وبهتوا من تعليمه وشخصه الإلهي، كثيرين جداً ” فقال يسوع للذين آمنوا به: أنكم إن ثبتم في كلامي فبالحقيقة تكونون تلاميذي ” (يو8:31). ولم يكن هؤلاء مجرد فئة قليلة بل كانوا عددا كبيرا وصف بالجمهور، فيقول الكتاب في وصف دخوله الانتصاري لأورشليم: ” ولما قرب عند منحدر جبل الزيتون ابتدأ كل جمهور التلاميذ يفرحون ويسبحون الله بصوت عظيم لأجل جميع القوات الذين نظروا ” (لو19:37).

واستمرت هذه الصفة، صفة التلاميذ، مرتبطة بكل من يؤمن به بعد حلول الروح القدس وانتشار الكرازة في السنوات الأولى للمسيحية إلى أن تسمى المؤمنين بالمسيحيين في إنطاكية ” ودعي التلاميذ مسيحيين في إنطاكية أولاً ” (أع11 :26)، نسبة للمسيح نفسه ربهم وفاديهم. ويصف سفر الأعمال الذين آمنوا في الأيام الأولى للكرازة بعد حلول الروح  القدس بالجمهور: ” فدعا الأثنا عشر جمهور التلاميذ ” (أع6:2).

وبعد حلول الروح القدس كان عددهم يتكاثر جداً ” وكانت كلمة الله تنمو وعدد التلاميذ يتكاثر جداً في أورشليم وجمهور كثير من الكهنة يطيعون الإيمان ” (أع6:7).

ومن بين هذا الجمهور من التلاميذ أختار الرب منهم أثنى عشر تلميذاً سماهم رسلاً وتلمذهم على يديه ليكونوا شهودا له ولأعماله وأقواله وليحملوا رسالته (الإنجيل) لجميع الأمم. فقد كانت رسالة المسيح قائمة على الشهادة الحية له كما يقول القديس بطرس بالروح: ” لأننا لم نتبع خرافات مصنعة إذ عرّفناكم بقوة ربنا يسوع المسيح ومجيئه بل قد كنا معاينين عظمته ” (2بط1 :16).

أي الشهادة الحية لشخصه الإلهي وتعليمه الإلهي وأعماله الإلهية كابن الله النازل من السماء، وهذه الشهادة كانت من الآب أولاً: ” والآب نفسه الذي أرسلني يشهد لي ” (يو5 :37)، والروح القدس: ” ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذي من عند الآب ينبثق فهو يشهد لي ” (يو15 :26)، ومن يوحنا المعمدان، يقول الكتاب عن يوحنا: ” هذا جاء للشهادة ليشهد للنور لكي يؤمن الكل بواسطته. لم يكن هو النور بل ليشهد للنور ” (يو1 :7و8).

وشهد يوحنا قائلا أني قد رأيت الروح نازلا مثل حمامة من السماء فاستقر عليه … وأنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله ” (يو1 :32)، وأيضاً ” يوحنا شهد له ونادى قائلا هذا هو الذي قلت عنه أن الذي يأتي بعدي صار قدامي لأنه كان قبلي ” (يو1 :15)، وقال الرب عن شهادة يوحنا له: ” انتم أرسلتم إلى يوحنا فشهد للحق ” (يو5 :33).

كما شهد له الأنبياء: له يشهد جميع الأنبياء أن كل من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا ” (أع10 :43)، ” فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية. وهي التي تشهد لي ” (يو5 :39). وشهدت له أعماله الإلهية ” وأما أنا فلي شهادة أعظم من يوحنا.

لأن الأعمال التي أعطاني الآب لأكمّلها هذه الأعمال بعينها التي أنا اعملها هي تشهد لي أن الآب قد أرسلني ” (يو5 :36)، ” أجابهم يسوع أني قلت لكم ولستم تؤمنون. الأعمال التي أنا اعملها باسم أبي هي تشهد لي ” (يو10 :25)، ” صدقوني أني في الآب والآب فيّ. وإلا فصدقوني لسبب الأعمال نفسها ” (يو14 :11).

ومن ثم فقد عين رسله ليكونوا شهودا لشخصه وتعليمه وأعماله، كما شاهدوها بعيونهم وسمعوها بآذانهم ولمسوها بأيديهم وتعايشوا معها بأنفسهم: ” ومتى جاء المعزي الذي  سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذي من عند الآب ينبثق فهو يشهد لي. وتشهدون انتم أيضا لأنكم معي من الابتداء ” (يو15 :26و27)، ” لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم وتكونون لي شهودا في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة والى أقصى الأرض ” (أع1 :8).

ولذا فقد كان جوهر رسالتهم وكرازتهم هو الشهادة بما شاهدوه وعاينوه بأنفسهم، حيث يقول القديس يوحنا: ” الذي كان من البدء الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا الذي شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة. فان الحياة أظهرت وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأظهرت لنا. الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به لكي يكون لكم أيضا شركة معنا. وأما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح … ونكتب إليكم هذا لكي يكون فرحكم كاملا ” (1يو1:1-4)، ويقول أيضاً: ” ونحن قد نظرنا ونشهد أن الآب قد أرسل الابن مخلّصا للعالم ” (1يو4 :14).

ويختم الإنجيل الرابع بقوله: ” هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا وكتب هذا. ونعلم أن شهادته حق ” (يو21 :24). وكما يقول القديس بطرس بالروح: ” لأننا لم نتبع خرافات مصنعة إذ عرّفناكم بقوة ربنا يسوع المسيح ومجيئه بل قد كنا معاينين عظمته ” (2بط16:1). وأيضاً: ” وأوصانا أن نكرز للشعب ونشهد بان هذا هو المعين من الله ديانا للأحياء والأموات ” (أع10 :43)، كما يصف نفسه بـ ” الشاهد لآلام المسيح وشريك المجد العتيد أن يعلن ” (1بط5 :1).

اختار الرب رسله ودعاهم هو نفسه بحسب إرادته ومشورته الإلهية وعلمه السابق، دون أن يسعوا هم لذلك ودون أن يكون لهم أي دخل في هذا الاختيار ” أجابهم يسوع أليس أني أنا اخترتكم الأثني عشر وواحد منكم شيطان ” (يو70:6) ، ” ليس انتم اخترتموني بل أنا اخترتكم وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر ويدوم ثمركم. لكي يعطيكم الآب كل ما طلبتم باسمي ” (يو16:15)، ” أنا اخترتكم من العالم لذلك يبغضكم العالم ” (يو15:16).

وتلمذهم على يديه حوالي ثلاث سنوات ونصف عاشوا فيها معه وتعايشوا معه بصورة كاملة، فقد تركوا كل شيء وتبعوه ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك (مت19: 27؛مر10:28؛لو18:28)، أكلوا معه وشربوا، دخلوا معه وخرجوا، وكان هو، وليس سواه، بالنسبة لهم القدوة والمثال ” احملوا نيري عليكم وتعلموا مني. لأني وديع ومتواضع القلب. فتجدوا راحة لنفوسكم ” (مت29:11)، رأوا كل أعماله بعيونهم وسمعوا كل ما قال وعلم ولمسوه بأيديهم، وسماهم بالقطيع الصغير (لو23:12)، وكان يعرفهم حتى قبل أن يوجدوا في أرحام أمهاتهم  كقوله لهم ” أنا أعلم الذين اخترتهم ” (يو18:13)، وكقول القديس بولس ” الذي أفرزني من بطن أمي ودعاني بنعمته ” (غل15:1).

وجهز الرب تلاميذه ورسله وأعدهم للشهادة له وعين معهم أيضا سبعين آخرين: ” وبعد ذلك عيّن الرب سبعين آخرين أيضا وأرسلهم اثنين اثنين أمام وجهه إلى كل مدينة وموضع حيث كان هو مزمعا أن يأتي ” (لو10 :1).

وجهزهم ليحملوا رسالته إلى العالم أجمع ويشهدوا له في كل مكان، فكشف لهم عن حقيقة شخصه الإلهي وسبب تجسده وظهوره للعالم، وكشف لهم أسرار ملكوت السموات وشرح لهم العهد القديم في مغزاه الروحي والنبوي وفسر لهم كل ما سبق أن تنبأ به عنه أنبياء العهد القديم، وأعطاهم السلطان الرسولي كرسله وتلاميذه وشهود الحق، وأوصاهم أن لا يبدءوا الكرازة إلا بعد أن يحل عليهم الروح القدس:

(1) كشف الرب يسوع المسيح لتلاميذه ورسله أسرار ملكوت السموات ” وقال لهم لأنه قد أعطي لكم أن تعرفوا أسرار ملكوت السموات ” (11:13)، سواء قبل صلبه أو بعد قيامته، فكان يعلمهم مع الجموع بأمثال ويفسر لهم وحدهم مغزى هذه الأمثال ويكشف لهم أسرار الملكوت: ” أعطى لكم أن تعرفوا أسرار ملكوت الله. وأما الباقين فبأمثال ” (لو8 :10)، ” قد كلمتكم بهذا بأمثال ولكن تأتى ساعة حين لا أكلمكم أيضا بأمثال بل أخبركم عن الآب علانية ” (يو16 :25).

وكشف لهم أسرار ملكوت الله في أمثال؛ الزارع والحنطة والزوان وحبة الخردل والخميرة والكنز المخفي واللؤلؤة الثمينة والشبكة المطروحة في البحر (مت13)، وبعد قيامته ظل يظهر لهم مدة أربعين يوماً كشف لهم فيها الأمور المختصة بملكوت السموات (أع3:1)،

(2) وأحتفل معهم بعشاء الفصح، العشاء الأخير، والعشاء الرباني، وصنع لهم أول عشاء رباني بالخبز والخمر الذين هما ذبيحة العهد الجديد التي يقدمها ببذل نفسه وسفك دمه عن الجميع على الصليب ” وفيما هم يأكلون أخذ يسوع الخبز وبارك وكسر وأعطى التلاميذ وقال: خذوا كلوا هذا هو جسدي. وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلاً: أشربوا هذا هو دمى الذي للعهد الجديد الذي يسفك من اجل كثيرين لمغفرة الخطايا ” (مت26 :26و27)، ” اصنعوا هذا لذكرى ” (لو22 :19).

(3) وكشف لهم عن حقيقة ذاته باعتباره ابن الله الحي، الابن الوحيد الذي في  حضن الآب، وتجلى لهم بمجد على الجبل، وكشف لهم كل ما سيحدث له من آلام وصلب وقيامة  وحتى صعوده.

وقد طوبهم ومدحهم لأنهم نالوا ما لم يناله قبلهم الأنبياء والأبرار والملوك، فقد كشف لهم عن ذاته وعن العلاقة بين الآب والابن ورأوا كلمة الله المتجسد، صورة الله غير المنظور، الله الظاهر في الجسد وقال لهم: ” ولكن طوبى لعيونكم لأنها تبصر. ولآذانكم لأنها تسمع. فاني الحق أقول لكم أن أنبياء وأبرارا كثيرين اشتهوا أن يروا ما انتم ترون ولم يروا. وان يسمعوا ما انتم تسمعون ولم يسمعوا ” (مت13 :16).

أو كما جاء في الإنجيل للقديس لوقا: ” والتفت إلى تلاميذه وقال كل شئ قد دفع إلى من أبي. وليس أحد يعرف من هو الابن إلا الآب ولا من هو الآب إلا الابن ومن أراد الابن أن يعلن له. والتفت إلى تلاميذه على انفراد وقال طوبي للعيون التي تنظر ما أنتم تنظرونه. لأني أقول لكم أن أنبياء كثيرين وملوكاً كثيرين أرادوا أن ينظروا ما أنتم تنظرون ولم ينظروا وأن يسمعوا ما أنتم تسمعون ولم يسمعوا ” (لو10 :22-24).

(4) وفسر لهم العهد القديم في مغزاه الروحي، وشرح لهم كل ما سبق أن تنبأ به الأنبياء وكتب عنه في جميع أسفار العهد القديم: ” ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب … وقال لهم هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وأنا بعد معكم انه لا بد أن يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والأنبياء والمزامير.

حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب. وقال لهم هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث. وان يكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم مبتدأ من أورشليم. وانتم شهود لذلك ” (لو24 :27و45و46).

(5) ولأنهم كانوا تلاميذه ورسله وأنبيائه الذين أعدهم لنشر ملكوت السموات في المسكونة كلها لم يكن من الممكن أن يودع فيهم الإنجيل الحي ويتركهم لاجتهاداتهم البشرية، بل كان لابد أن يحفظهم من الشرير ويعصمهم من الخطأ ويتكلم على لسانهم بروحه القدوس حتى يكون كلامهم هو كلام الله وأعمالهم الكرازية هي أعمال سيدهم فوعدهم قائلاً:

  • ” وأنا اطلب من الآب فيعطيكم معزيا آخر ليمكث معكم إلى الأبد. روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه. وأما انتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم ويكون فيكم ” (يو16:14و17)،
  • ” وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلّمكم كل  شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم ” (يو26:14)،
  • ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذي من عند الآب ينبثق فهو يشهد لي. وتشهدون انتم أيضا لأنكم معي من الابتداء ” (يو26:15)،
  • ” وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق … ويخبركم بأمور آتية ” (يو13:16).

  كما يتكلم على لسانهم ” أسلموكم فلا تهتموا كيف أو بما تتكلمون. لأنكم تعطون في تلك الساعة ما تتكلمون به. لأن لستم انتم المتكلمين بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم ” (مت19:10و20)، ” بل مهما أعطيتم في تلك الساعة فبذلك تكلموا لأن لستم انتم المتكلمين بل الروح القدس ” (مر11:13)، ” لان الروح القدس يعلمكم في تلك الساعة ما يجب أن تقولوه ” (لو12:12)، ” لأني أنا أعطيكم فماً وحكمةً لا يقدر جميع معانديكم أن يقاوموها أو يناقضوها ” (لو15:21).

ولذا أوصاهم أن لا يبدؤوا الكرازة ولا يتحركوا من أورشليم إلا بعد أن يحل عليهم الروح ليمكث فيهم ومعهم إلى الأبد ويعلمهم كل شيء ويذكرهم بكل ما عمله وعلمه لهم ويخبرهم بالأمور الآتية ويوحي إليه بإعلانات سمائية جديدة ويرشدهم إلى جميع الحق. 

ثم أكد عليهم بعد قيامته أن يبدءوا البشارة بالإنجيل بعد أن يحل الروح القدس عليهم وليس قبل ذلك: ” وها أنا أرسل إليكم موعد أبي. فأقيموا في مدينة أورشليم إلى أن تلبسوا قوة من الأعالي ” (لو49:24)، ” وفيما هو مجتمع معهم أوصاهم أن لا يبرحوا من أورشليم بل ينتظروا موعد الآب الذي سمعتموه مني. لان يوحنا عمد بالماء وأما انتم فستتعمّدون بالروح القدس ليس بعد هذه الأيام بكثير ” (أع1 :4و5). وقبل صعوده مباشرة قال لهم ” لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم وتكونون لي شهودا في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة والى أقصى الأرض ” (أع8:1).

وبعد حلول الروح القدس عليهم حمل تلاميذ المسيح ورسله الإنجيل، البشارة السارة والخبر المفرح للعالم كله وكان الروح القدس يعمل فيهم وبهم ويوجههم ويقودهم ويرشدهم ويتكلم على لسانهم وبفمهم؛ ” فقال الروح لفيلبس تقدم ورافق هذه المركبة ” (أع29:8)، ” وبينما بطرس متفكر في الرؤيا قال له الروح ” (أع19:10)، ” فقال لي الروح أن اذهب ” (أع12:11)، ” وأشار بالروح ” (أع28:11)، ” لم يدعهم الروح ” (أع7:16)، ” كان بولس منحصرا بالروح وهو يشهد لليهود بالمسيح يسوع ” (اع15:22)، ” كان وهو حار بالروح  يتكلم ويعلم بتدقيق ما يختص بالرب “، (أع25:18).

ويستخدم القديس يوحنا في سفر الرؤيا عبارات ” كنت في الروح في يوم الرب ” (رؤ10:1)، ” من له أذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس ” (رؤ17:2)، ” صرت في الروح ” (رؤ2:4)، ” يقول الروح ” (رؤ13:14)، ” فمضى بي بالروح ” (رؤ3:17)، ” وذهب بي بالروح ” (رؤ10:21).

(6) ولأعدادهم لهذه المهمة الإلهية السامية، مهمة نشر إنجيل الملكوت زودهم بالسلطان الرسولي: ” الحق أقول لكم كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطا في السماء. وكل ما تحلّونه على الأرض يكون محلولا في السماء ” (مت18 :18)، وأيضاً ” فقال لهم يسوع أيضا سلام لكم. كما أرسلني الآب أرسلكم أنا. ولما قال هذا نفخ وقال لهم اقبلوا الروح  القدس. من غفرتم خطاياه تغفر له. ومن أمسكتم خطاياه أمسكت ” (يو20 :21-23).

وأعطاهم السلطان لشفاء المرضى وإقامة الموتى وتطهير البرص وإخراج الشياطين (مت10 :28)، وأرسلهم، قبل الصلب والقيامة، في مهمات تدريبية، إعدادية، داخل إسرائيل (مت10 :6؛مر6 :7) فقط، وذلك لإعدادهم للإرسالية الكبرى إلى العالم أجمع بعد الصلب والقيامة وحلول الروح القدس (أع1 :8).

وعادوا ليخبروه بكل ما فعلوه وعلموه وقالوا ” يا رب حتى الشياطين تخضع لنا باسمك. فقال لهم رأيت شيطان ساقطاً مثل البرق من السماء. ها أنا أعطيكم سلطاناً لتدسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو ولا يضركم شئ. ولكن لا تفرحوا بهذا أن الأرواح تخضع لكم بل أفرحوا بالحري أن أسماءكم قد كتبت في السموات ” (لو10 :17-20).

وطلب منهم أن يصلوا باسمه ويطلبوا من الآب باسمه ووعدهم بأنه سيكون معهم إلى الأبد برغم صعوده إلى السموات جسدياً، وأن كل ما يطلبونه باسمه يفعله لهم: ” لأنه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم ” (مت18 :20)، ” وهذه الآيات تتبع المؤمنين.

يخرجون الشياطين باسمي ويتكلمون بألسنة جديدة ” (مر16 :17)، ” ومهما سألتم باسمي فذلك افعله ليتمجد الآب بالابن ” (يو14 :13)، ” أن سألتم شيئا باسمي فاني افعله ” (يو14 :14)، وأن الروح القدس الذي سيرسله الآب سيرسله باسمه ” وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلّمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم ” (يو14 :26)، ” الحق الحق أقول لكم أن كل ما طلبتم من الآب باسمي يعطيكم ” (يو16 :23).

وأعلمهم مقدماً بما سيحدث لهم من متاعب وضيقات واضطهادات حتى الدم والاستشهاد ” ها أنا أرسلكم كغنم في وسط ذئاب. فكونوا حكماء كالحيات وبسطاء كالحمام. ولكن أحذروا من الناس لأنهم سيسلمونكم إلى مجالس وفي مجامعهم يجلدونكم. وتساقون أمام ولاة وملوك من أجلى شهادة لهم وللأمم. فمتى أسلموكم فلا تهتموا كيف أو بما تتكلمون. لأنكم تعطون في تلك الساعة ما تتكلمون به. لأن لستم أنتم المتكلمين بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم … وتكونون مبغضين من الجميع لأجل اسمي. ولكن الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص.

ومتى طردوكم في هذه المدينة فاهربوا إلى الأخرى … ليس التلميذ أفضل من المعلم ولا العبد أفضل من سيده … فلا تخافوهم. لن ليس مكتوم لن يستعلن ولا خفي لن يعرف. الذي أقوله لكم في الظلمة قولوه في النور. والذي تسمعونه   في الأذن نادوا به على السطوح. ولا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها. بل خافوا بالحري من الذي يقدر أن يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم … وأما أنتم فحتى شعور رؤوسكم جميعها محصاه … فلا تخافوا … فكل من يعترف بي قدام الناس اعترف أنا أيضا به قدام أبي الذي في السموات.

ولكن من ينكرني قدام الناس أنكره أنا أيضا قدام أبي الذي في السموات … من أحب أباً أو أماً أكثر منى فلا يستحقني. ومن لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقني ومن وجد حياته يضيعها. ومن أضاع حياته من أجلى يجدها. من يقبلكم يقبلني ومن يقبلني يقبل الذي أرسلني ” (مت10 :16-40).

وهكذا أعلن المسيح لتلاميذه أسرار ملكوت السموات وأودع فيهم كل ما يختص بتجسده وغايته، أي جوهر الإنجيل، وصاروا هم حملة الإنجيل ومقدميه للعالم أجمع. فكرز وبشروا به للمسكونة كلها يقودهم الروح القدس، وكانوا خير شهود له، للمسيح، هدف وجوهر ومحور الإنجيل: ” فيسوع هذا أقامه الله ونحن جميعا شهود لذلك ” (أع32:2) ، ” ورئيس الحياة قتلتموه الذي أقامه الله من الأموات ونحن شهود لذلك ” (أع15:3)، ” ‎ونحن شهود له بهذه الأمور والروح القدس أيضا الذي أعطاه الله للذين يطيعونه ” (أع32:5)، ” ونحن شهود بكل ما فعل في كورة اليهودية وفي أورشليم. الذي أيضا قتلوه معلقين إياه على خشبة ” (أع39:10).

إعداد المسيح لتلاميذه ورسله – القمص عبد المسيح بسيط