أبحاث

انتشار المسيحية في كل مكان – القمص عبد المسيح بسيط

انتشار المسيحية في كل مكان - القمص عبد المسيح بسيط

انتشار المسيحية في كل مكان – القمص عبد المسيح بسيط

انتشار المسيحية في كل مكان - القمص عبد المسيح بسيط
انتشار المسيحية في كل مكان – القمص عبد المسيح بسيط

انتشار المسيحية في كل مكان – القمص عبد المسيح بسيط

شهد النصف الثاني من القرن الأول ثم القرن الثاني للميلاد انتشارا واسعاً للمسيحية في كل البلاد المحيطة بالبحر المتوسط، في آسيا وأفريقيا وأوربا، يقول يوسابيوس القيصري: ” وهكذا تحت تأثير القوة السمائية وبتعاون إلهي أنار تعليم المخلص كل العالم بسرعة كأشعة الشمس، وفي الحال خرج صوت الإنجيليين والرسل الموحى إليهم إلى كل الأرض وإلى أقصى المسكونة خرجت كلماتهم. وسرعان ما تأسست الكنائس في كل مدينة وقرية، وامتلأت بجماهير الشعب كبيدر مليء بالحنطة “[1].

وقد عبر القديس يوستينوس الشهيد في منتصف القرن الثاني (حوالي 150م) عن هذا الانتشار في حواره مع تريفون اليهودي بقوله: ” لا يوجد جنس واحد من الناس؛ سواء البربر أو اليونانيين أو أياً كان أسمهم من البدو أو المتشردين أو الرعاة ساكني الخيام لا يقدمون صلوات وتشكرات باسم يسوع المصلوب إلى الآب خالق الكل “[2].

وقال العلامة ترتليان (145 – 220م)، من شمال أفريقيا، في دفاعه الذي أرسله إلى الإمبراطور الروماني: ” نحن نملأ كل مكان بينكم، المدن الصغيرة والمدن الكبيرة والجزر والحصون والقرى والأسواق والحصون والمعسكرات والقبائل والجماعات والقصر ومجلس الشيوخ والساحة العامة، ولم نترك لكم شيئاً سوى معابد آلهتكم “[3].

هذا الانتشار، الذي بدأ في أيام الرسل وامتد بعدهم، كان وراءه العشرات بل والمئات من خلفاء الرسل وتلاميذهم الذين استلموا منهم الإنجيل الشفوي والإنجيل المكتوب، بل وكانت هناك ضرورة لوجود نسخ من هذا الإنجيل المكتوب في كل هذه البلاد، هذه النسخ التي بدأت في الانتشار أولاً عن طريق الرسل أنفسهم. وهذا أدى بطبيعة الحال لوجود مئات بل آلاف النسخ منه في كل تجمعات المسيحيين في هذه البلاد.

وذلك إلى جانب عشرات الكتب التي كتبها آباء الكنيسة في كل هذه البلاد في تعليم الإيمان وشرح العقيدة وتفسير الأسفار المقدسة نفسها، ومن ثم استشهدوا في كتاباتهم بمعظم آيات الكتاب المقدس واقتبسوا منها بغزارة شملت جميع آيات العهد الجديد.

وقد ظهر في بداية ومنتصف القرن الثاني وما بعده مجموعة من الكتاب الذين دافعوا عن الإيمان المسيحي، خاصة من الفلاسفة العلمانيين الذين سبق أن درسوا الفلسفة اليونانية بمختلف مدارسها وكانوا من فلاسفتها، وقد أُطلق عليهم اسم ” المدافعون “، الذين وقفوا بقوة يدافعون عن المسيحية ضد الهجمات الوثنية المصحوبة باضطهادات دامية، وقد وجهوا دفاعاتهم إلى العالم الوثني، سواء إلى الأباطرة الرومان في عصرهم مباشرة أو إلى مجلس الشيوخ الروماني أو إلى أحد الأفراد، كرسائل مفتوحة، أو إلى اليونانيين بشكل عام.

فقد وجه أرستيدس دفاعه إلى الإمبراطور هادريان (125م)، ووجه القديس يوستينوس دفاعيه إلى الإمبراطور أنطونيوس بيوس (بين 155 – 157م) ومجلس الشيوخ الروماني، ووجه تاتيان دفاعه إلى كل اليونانيين (بين 152 و177م)، ووجه أثيناغوراس دفاعه إلى الإمبراطور مرقس أوريليوس وابنه كومودوس (177م)، وكتب ثاوفيلوس الإنطاكي دفاعه المكون من ثلاثة كتب إلى صديقه اوتوليكس (بعد سنة 171م).

ووجه كاتب غير معروف اسمه الآن رسالته إلى صديقه ديوجنيتس (في النصف الأول من القرن الثاني)، وأرسل اكليمندس الإسكندري كتابه ” الإرشاد إلى اليونانيين ” (195 – 205م) لحثهم على الإيمان بالمسيحية، كما بين في كتابه ” الدفاع ” (197م) وكتابه ” إلى الوثنيين ” (197م) سمو المسيحية وروعه تعاليمها، وكتب ترتليان الذي كان يعمل بالمحاماة في روما دفاعاً عن المسيحية ضد الاتهامات التي كانت توجَّه إليها مِن الوثنيين.

وقد فند هؤلاء سخافة الاتهامات الباطلة التي كانت موجهة للمسيحية ونزاهة المسيحيين وطهارتهم واستقامتهم، وعرضوا سخافات الديانات الوثنية وفجورها وسمو وعظمة المسيحية، كما بينوا أن فلسفة الفلاسفة كانت قائمة على العقل وحده لذا لم توصله إلى الحقيقة، في حين أن المسيحية قامت على العقل والإعلان والوحي الإلهي معاً فوصلت لحقائق الحياة وسر الوجود[4].

وتوضح لنا كتابات الآباء في هذه الفترة، فترة ما بعد الآباء الرسوليين مباشرة، منذ بداية القرن الثاني، حقائق مهمة من جهة قانونية الكتاب المقدس، فهي تؤكد لنا إيمان جميع الكنائس في الشرق والغرب بقانونية الأناجيل الأربعة وأنها أسفار موحى بها منذ لحظة كتابتها وتسليمها للشيوخ والمؤمنين في الكنيسة لها لأنها كتبت بناء على طلبهم وكتبت أمامهم وسلمت لهم من كتابها مباشرة، وعدم وجود خلاف حول هذا الأمر على الإطلاق، بل أصبحت الأناجيل الأربعة مجموعة مغلقة غير قابلة للحذف أو الإضافة.

وكذلك سفر أعمال الرسل وجميع رسائل القديس بولس الأربعة عشر التي آمن الجميع بوحيها وقانونيتها في كل البلاد التي انتشرت فيها المسيحية، عدا الرسالة إلى العبرانيين، التي آمن الجميع بقانونيتها ووحيها ولكن اختلفوا في شخصية كاتبها فأغلبهم قال أن كاتبها هو القديس بولس والبعض الآخر قال أنها من نفس مادة القديس بولس وأن كانت تختلف في اللغة والأسلوب عن بقية رسائله الأخرى، وقالوا أن كاتبها هو القديس لوقا الطبيب، والبعض قال أن كاتبها هو القديس برنابا وهناك رأي ضعيف قال أن كاتبها هو أكليمندس الروماني مساعد القديس بولس أو أبلوس (1كو1 :12؛3 :4)، ولكن الرأيان الأخيران لم يجدا من يؤيدهما، فالقول بأن أكليمندس هو كاتبها ظهر في الغرب وأندثر هناك أيضاً خلال سنوات قليلة تماماً، والقول بأن أبلوس هو الكاتب لم يجد من يؤيده فأندثر، وظلت الأغلبية تؤمن بأن كاتبها هو القديس بولس ولكن لم ينكر أحد قانونيتها على الإطلاق[5].

وإلى جانب ذلك سفر الرؤيا ورسالة بطرس الأولى ورسالة يوحنا الأولى وكلها كانت مقبولة في جميع الكنائس في الشرق والغرب كأسفار قانونية وموحى بها، وأن كانت الكنيسة في سوريا وبعض المناطق الأخرى قد تأخرت في قبول سفر الرؤيا، وظلت الرسالة الثانية لبطرس والرسالتين الثانية والثالثة ليوحنا ورسالة يعقوب ورسالة يهوذا مقبولة في الأماكن التي أُرسلت إليها أصلاً وتأخر قبولها في أماكن أخرى.

أي كان هناك عشرون سفر، وهم الذين يمثلون أكثر من 95% من مادة ونصوص العهد الجديد ومضمونه وجوهره، مقبولة بدون منازع، وهي الأناجيل الأربعة وسفر أعمال الرسل ورسائل القديس بولس الثلاثة عشر ورسالة بطرس الأولى ورسالة يوحنا الأولى، ورسالة معترف بوحيها وقانونيتها وهي الرسالة إلى العبرانيين ولكن كان الخلاف حول شخص كاتبها، وسفر معترف به من الجميع عدا مناطق قليلة مثل سوريا هو سفر الرؤيا، وخمس رسائل قصيرة معترف بها في المناطق التي أرسلت إليها ووصلتها أولاً ومتنازع عليها في مناطق أخرى تأخر وصولها إليها.

 

[1] يوسابيوس ك 2 ف 2:3 و2.

[2] الحوار مع تريفون 117.

[3] Tertullian. The Apology. 37.

[4] أنظر أرستيدس الفيلسوف الأثيني ” الدفاع ” نقله إلى العربية الأب جوزيف كميل جبارة، ص 5 و6.

[5] سنشرح ذلك ونوضحه في دراسة مستقلة.

انتشار المسيحية في كل مكان – القمص عبد المسيح بسيط