أبحاث

تدبير الله ومشورته الأزلية وعلمه السابق – القمص عبد المسيح بسيط

تدبير الله ومشورته الأزلية وعلمه السابق - القمص عبد المسيح بسيط

تدبير الله ومشورته الأزلية وعلمه السابق – القمص عبد المسيح بسيط

القمص عبد المسيح بسيط
القمص عبد المسيح بسيط

تدبير الله ومشورته الأزلية وعلمه السابق – القمص عبد المسيح بسيط

الله هو الكائن الوحيد المطلق في الكون، كلي الوجود، ولذ يصفه الكتاب بـ ” الرب الإله العلي مالك السماء والأرض ” (تك14 :22)، والسرمدي ” الرب الإله السرمدي ” (تك21: 33). والسرمدي هنا (~l'(A[ – عولام)، وتساوي في اليونانية السبعينية؛ (aivw,nioj = Everlasting= أبدي)، وتعني هنا بالنسبة لله القدم المطلق، الأزلي، والمستقبل الأبدي (أي الدائم بلا بداية ولا نهاية)، فهو الموجود المطلق سبب وأصل وعلة الوجود ” أكون الذي أكون = أنا هو الكائن ” (خر3 :13)، واسمه في العهد القديم ” يهوه ” ويعني الكائن الموجود الدائم الوجود أصل ومصدر كل وجود ” الكائن والذي كان والذي يأتي القادر على كل شيء ” (رؤ1 :8). ولذا يقول الكتاب عنه: ” هوذا الله عظيم ولا نعرفه وعدد سنيه لا يفحص ” (أي36 :26).

ويعبر عن جوهره بكلمة لاهوت ” qeo,thtoj – theotēs” التي تعني جوهر الذات الإلهية. ويقول لنا الكتاب أنه روح ” الله روح ” (يو4 :24)، ” الرب الروح ” (2كو3 :18). وأنه نور ” الله نور وليس فيه ظلمة البتة ” (1يو1 :5)، وأنه وحده الحي الذي لا يموت ” الإله الحي القيوم إلى الأبد ” (دا6 :26)، ” الذي وحده له عدم الموت ساكنا في نور لا يدنى منه الذي لم يره احد من الناس ولا يقدر أن يراه الذي له الكرامة والقدرة الأبدية ” (1تي6 :16). ” وملك الدهور الذي لا يفنى ولا يرى الإله الحكيم وحده له الكرامة والمجد إلى دهر الدهور ” (1تي1 :17).

وكما أنه كلي الوجود فهو كلي العلم والمعرفة، العالم بكل شيء: ” أنت عرفت جلوسي وقيامي. فهمت فكري من بعيد مسلكي ومربضي ذريت وكل طرقي عرفت. لأنه ليس كلمة في لساني إلا وأنت يا رب عرفتها كلها. من خلف ومن قدام حاصرتني وجعلت عليّ يدك. عجيبة هذه المعرفة فوقي ارتفعت لا أستطيعها. أين اذهب من روحك ومن وجهك أين اهرب. أن صعدت إلى السموات فأنت هناك. وان فرشت في الهاوية فها أنت. أن أخذت جناحي الصبح وسكنت في أقاصي البحر فهناك أيضا تهديني يدك وتمسكني يمينك. فقلت إنما الظلمة تغشاني. فالليل يضيء حولي. الظلمة أيضا لا تظلم لديك والليل مثل النهار يضيء. كالظلمة هكذا النور لأنك أنت اقتنيت كليتيّ. نسجتني في بطن أمي. أحمدك من اجل أني قد امتزت عجبا. عجيبة هي أعمالك ونفسي تعرف ذلك يقينا. لم تختف عنك عظامي حينما صنعت في الخفاء ورقمت في أعماق الأرض. رأت عيناك أعضائي وفي سفرك (أي كتابك) كلها كتبت يوم تصورت إذ لم يكن واحد منها ” (مز139 :2-15)، ” لان طرق الإنسان أمام عيني الرب وهو يزن كل سبله ” (ام5 :21)، ” لان الرب يفحص جميع القلوب ويفهم كل تصورات الأفكار ” (1اي28 :9)، ” فان فاحص القلوب والكلى الله البار ” (مز7 :9)، ” لأنه هو يعرف خفيّات القلب ” (مز44 :21).

ولأن الله كلي الوجود والعلم والقدرة لذا لا يمكن لأحد ما أن يدرك فكره لأن المحدود لا يمكن أن يدرك غير المحدود: ” يا لعمق غنى الله وحكمته وعلمه. ما ابعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء لأن من عرف فكر الرب أو من صار له مشيرا. أو من سبق فأعطاه فيكافأ. لأن منه وبه وله كل الأشياء ” (رو11: 33-36)، ” أإلى عمق الله تتصل أم إلى نهاية القدير تنتهي. هو أعلى من السموات فماذا عساك أن تفعل. أعمق من الهاوية فماذا تدري. أطول من الأرض طوله واعرض من البحر ” (أي11 :7-9)، ” ما أعظم أعمالك يا رب وأعمق جدا أفكارك ” (مز92 :5).

ولأن الله كلي العلم والحكمة والمعرفة، كما أنه خالق وموجد كل شيء ” الذي منه جميع الأشياء ونحن له ” و ” الذي به جميع الأشياء ونحن به ” (1كو8 :6)، و ” الكل به وله قد خلق ” (كو1 :16)، فقد دبر لكل شيء في الكون تدبيراً سابقاً أبديا كما يقول في سفر اشعياء: ” اذكروا الأوليات منذ القديم لأني أنا الله وليس آخر الإله وليس مثلى. مخبر منذ البدء بالأخير ومنذ القديم بما لم يفعل قائلاً رأيي يقوم وأفعل كل مسرتي … قد تكلمت فأجريه. قضيت فأفعله ” (اش46 :9و10).

ولأن الله كلي المعرفة والحكمة والعلم فكل شيء معروف سابقا عنده كما يقول الكتاب: ” لأن الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه ليكون هو بكر بين أخوة كثيرين. والذين سبق فعينهم فهؤلاء دعاهم أيضا. والذين دعاهم فهؤلاء بررهم أيضا. والذين بررهم فهؤلاء مجدهم أيضا ” (رو8 :29و30). ويقول الله لارميا ” قبلما صورتك في البطن عرفتك وقبلما خرجت من الرحم قدستك. جعلتك نبياً للشعوب ” (ار1 :5). ومن ثم فهو لا يخضع للظروف ولا يفاجأ بالأحداث بل كل شيء عنده له تدبيره الأزلي الأبدي كما يقول الكتاب: ” معلومة عند الرب منذ الأزل جميع أعماله ” (أع15 :18). فكل شيء مكشوف قدامه وعريان كقول الكتاب: ” وليس خليقة غير ظاهرة قدامه بل كل شيء عريان ومكشوف لعيني ذلك الذي معه أمرنا ” (عب4 :13). ويعلن عن تدبيره وقصده الأزلي ومشورته الإلهية لأنبيائه في الوقت الذي يراه ” السيد الرب لا يصنع أمراً إلا وهو يعلن سره لعبيده الأنبياء ” (عا3 :7). “سر الله لخائفيه ” (مز25 :14)، فيقول لاشعياء النبي: ” تعال الآن اكتب عندهم على لوح وارسمه في سفر ليكون لزمن آت للأبد إلى الدهور ” (اش30 :8).

وقد كشف الله عن تدبيره الأزلي للبشرية بصورة أكبر وأعمق في بعد التجسد حيث يقول الروح بلسان المسيح: ” سأفتح فمي بأمثال وأنطق بمكتومات منذ تأسيس العالم ” (مت13 :35)، والرب يسوع المسيح يؤكد هذه الحقيقة بقوله، بعد أن وصف للتلاميذ كل ما سيحدث عند مجيئه الثاني وانتهاء العالم والدينونة: ” ها أنا قد سبقت وأخبرتكم ” (مت24 :25 ؛مر13: 23)، وأيضاً ” أقول لكم الآن قبل أن يكون حتى متى كان تؤمنون أني أنا هو ” (يو13: 19)، ” وقلت لكم الآن قبل أن يكون حتى متى كان تؤمنون ” (يو14 :29).

وكان هذا الأمر واضحا للتلاميذ خاصة بعد حلول الروح القدس، فعندما صلوا مسبحين الله على نجاة القديسين بطرس ويوحنا وخروجهما من السجن الذي وضعهما فيه رؤساء اليهود قالوا: ” لأنه بالحقيقة أجتمع على فتاك القدوس يسوع الذي مسحته هيرودس وبيلاطس البنطي مع أمم وشعوب إسرائيل ليفعلوا كل ما سبقت فعينت يدك ومشورتك أن يكون ” (أع4 :27و28). أي أن ما حدث ويحدث لهم ما هو إلا ما سبق الله أن دبره و”عينّه ” حسب مشورته الأزلية. وقال القديس بولس بالروح لليونانيين الفلاسفة في آريوس باغوس أن الله ” أقام يوماً هو فيه مزمع أن يدين المسكونة بالعدل برجل قد عينه مقدماً للجميع ” (أع17 :31)، وقال لأهل كورنثوس أنه يتكلم ” بحكمة الله في سر. الحكمة المكتومة التي سبق الله فعينها قبل الدهور لمجدنا ” (1كو2 :7). وقال لأهل أفسس أن الله ” سبق فعيننا للتبني بيسوع المسيح لنفسه حسب مسرة مشيئته ” (أف1 :5).

 

تدبير الله ومشورته الأزلية وعلمه السابق – القمص عبد المسيح بسيط