أبحاث

برهان المعلومات الحيوية – تحدي الـ DNA جـ2

برهان المعلومات الحيوية - تحدي الـ DNA جـ2

برهان المعلومات الحيوية – تحدي الـ DNA جـ2

برهان المعلومات الحيوية - تحدي الـ DNA جـ2
برهان المعلومات الحيوية – تحدي الـ DNA جـ2

برهان المعلومات الحيوية – تحدي الـ DNA جـ2

الجزء الأول: برهان المعلومات الحيوية – تحدي الـ DNA جـ1

السيناريو رقم 3: الصلات الكيميائية والأمر الذاتي

أشار مير إلى أنه في بداية عام 1970 لم يُفتن معظم العلماء الذين كانوا يبحثون في أصل الحياة باختيارات الفرصة العشوائية والاصطفاء الطبيعي. وكنتيجة لذلك، اكتشف البعض احتمالاً ثالثاً: نظريات مختلفة في التنظيم الذاتي للجزيئات الضخمة الحاملة لأصل المعلومات.

فمثلاً، وضع العلماء نظرية تقول بأن التفاعلات الكيميائية ربما تسببت في أن الأربعة حروف الأبجدية للحامض النووي DNA بأن يتجمع ذاتياً أو أن الانجذاب الطبيعي بين الأحماض الأمينية دفعتهم لأن يرتبطوا معاً من تلقاء ذاتهم ليخلقوا البروتين. وعندما تحدثت عن هذه الإمكانيات كانت إجابة مير هي التركيز على اسم صادفني أثناء بحثي.

قال مير: “كان من أوائل الذين تحدثوا عن هذا الاتجاه هو دين كيينيون، الذي شارك في وضع كتاب “قدر الكيمياء الحيوية المنهجية” ويعبر عنوان الكتاب عن المضمون. والفكرة تقول بأن تطور الحياة كان محتوماً لأن الأحماض الأمينية في البروتينات والأصول أو الحروف في أبجدية DNA لها طاقة تنظيم ذاتياً وهذا يعنى تفسيراً لأصل المعلومات في هذه الجزيئات”.

كنت اعرف أن كينيون قد تبرأ من استنتاجاته التي جاءت في كتابه وأعلن أنه: “ليست لدينا أدنى فرصة لأصل كيميائي تطوري حتى ولو لأبسط الخلايا”، والتصميم الذكي “يعطي قدراً كبيراً من المعنى لأنه يساير عن قرب الاكتشافات العديدة في الجزيئات الحيوية”[1]. وما زالت لدي الرغبة في التفكير في الدليل بنفسي.

سألت مير: “كيف يعمل هذا التجاذب الكيميائي؟”

قال: “سوف نستخدم البروتينات كمثل. تذكر بأن البروتينات تتكون من خط طويل من الأحماض الأمينية. والأمل في وجود بعض قوات التجاذب بي الأحماض الأمينية التي تساعد على تنظمها ثم تتشكل حتى يتمكن البروتين من القيام بالوظيفة التي تحفظ الخلية حية”.

قاطعته وقلت: “عليك بأن تعترف بوجود أمثلة في الطبيعة حيث ينتج عن التجاذب الكيميائي نوع من التنظيم الذاتي”.

قال مير: “هذا صحيح. أفضل توضيح لذلك هو بلورات الملح. والقوة الكيميائية للجذب تجعل أيونات الصوديوم Na+ لأن ترتبط بأيونات الكلوريد Ci لكي تكوّن نماذج منظمة تنظيماً عالياً داخل بلورة الملح. وهنا تحصل على تتابع جيد لـ Na، Ci ويتكرر ذلك عدة مرات. ولهذا فهناك العديد من الحالات في الكيمياء حيث الصلة التي تربط العناصر المختلفة توضح أصل تركيبتهم الجزيئية. وكان يرجو كينيون وآخرين أن هذا يحدث أيضاً للبروتينات والحامض النووي DNA”.

سألته: “ما المشكلة إذاُ؟”

قال: “عندما قام العلماء بعمل التجارب وجدوا أن الأحماض الأمينية لا توضح هذه العلاقة التي تربطهم معاً”.

قلت له: “هل لم يجدوا شيئاً على الإطلاق؟”

قال: “كانت هناك علاقات ضعيفة للغاية، ولكنها لا ترتبط بأي نماذج معروفة من التي نجدها في البروتينات العاملة. وهذه مشكلة كبرى، هناك صعوبة نظرية كبرى. وقد أثار كل من هيوبرت يوكي صاحب نظرية المعلومات والكيميائي مايكل بولاني قضية أعمق من ذلك: “ماذا يحدث إذا تمكنا من تفسير التتابع في الحامض النووي DNA والبروتينات كنتيجة لخواص التنظيم الذاتي؟ ألا تنتهي إلى شيء مثل بلورة الملح حيث يوجد فقط تتابع متكرر”[2].

عندما طلبت من مير مزيد من التفصيل قال: “للتفكير في المعلومات الجينية في الحامض النووي DNA، والتي وضحناها بالرموز الكيميائية A, C, G, T تخيل أنك في كل مرة يكون لديك A  فسوف تجذب G بطريقة أوتوماتيكية. وسيكون لديك تتابع متكرر AG – AG – AG – AG. هل سيعطيك هذا جيناً يمكنه أن ينتج بروتين؟ كلا على الإطلاق. إن التنظيم الذاتي لن يعطي رسالة جينية ولكن فقط تتابع متكرر”.

“ولكي تنقل المعلومات فأنت بحاجة إلى تتابع غير منتظم. افتح كتابي ولن ترى كلمة “الـ the” تتكرر. وبدلاً من ذلك سوف ترى تتابعاً غير منتظم للحروف. إنها تنقل المعلومات لأنها متطابقة مع نموذج معين معروف ومستقل، وهي قواعد اللغة. وهذا ما يساعدنا على التواصل وهذا ما يحتاج إلى أن يوضح في الحامض النووي DNA. والأربعة حروف في أبجديته هي غير منتظمة وفي نفس الوقت تتواصل مع احتياجات العمل، بأي الترتيب الصحيح للأحماض الأمينية لكي تنتج بروتيناً قادراً على العمل”.

“وسأقول لك مثل، إذا اتجهت شمالاً نحو ميناء فيكتوريا في كولومبيا البريطانية، فسوف تجد نموذجاً على جانب التل. وعندما يقترب القارب سوف تدرك إنها رسالة: الزهور الحمراء والصفراء مكتوب بها عبارة “مرحباً بكم في فكتوريا”. وهذا مثل لتتابع المعلومات”.

“لاحظ أن هذا ليس مجرد تكرار، فحرف W يتبعه E   ثم W ثم E أخرى وهكذا. وبدلاً من ذلك، هناك مجموعة من الحروف غير المنتظمة التي تتصل بنموذج مستقل أو مجموعة محددة لمتطلبات العمل – كلمات اللغة الإنجليزية وقواعدها. ولهذا فنحن ندرك على الفور أن هذا أمر غير رسمي. وحينما نواجه هذين العنصرين، أو ما نسميه “التعقيد المحدد” فنتبين أن هذه معلومات. وهذا النوع من المعلومات هو نتيجة عمل العقل وليس صدفة أو الاصطفاء الطبيعي أو عمليات تنظيمية ذاتيه”.

سألته: “وهذه هي نوع المعلومات التي نجدها في الحامض النووي DNA؟”

قال: “هذا صحيح. إذا كان كل ما لديك هو حروف أو صفات متكررة في الحامض النووي، فالتعليمات المتجمعة سوف تخبر الأحماض الأمينية لكي تتجمع بنفس الطريقة مرات عديدة. ولن تستطيع أن تبني الأنواع المختلفة من جزيئات البروتين والتي تحتاجها لكي تعمل الخلية. ويمكن أن نشبهها كما لو أنك تعطي شخصاً كتاب تعليمات عن كيفية تصنيع سيارة، ولكن كل ما قاله الكتاب هو كلمة “the, the, the, the “. ولا تستطيع أن تنقل كل المعلومات الضرورية بكلمة واحدة مثل “the”.

“بينما المعلومات تحتاج إلى التغيير وعدم الانتظام وصعوبة التنبؤ بها، – وهذا ما تسميه نظريات المعلومات بالتعقيد – والتنظيم الذاتي يعطينا نوعاً من التركيبة المتكررة والمسهبة والتي تُعرف بالأمر السهل. وكل من النظام والتعقيد هما متضادان”.

“وأصحاب نظريات التطور الكيميائي لن يتهربوا من ذلك. فقوانين الطبيعة تصف لنماذج منتظمة ومتكررة. ولهذا السبب لا يستطيع أحد أن يناشد عمليات التنظيم الذاتي لكي تفسر أصل المعلومات لأن التتابع المعلوماتي معقد وغير منتظم. إنهم يعرضون “التعقيد المحدد” الذي تحدثت عنه. ولن تغير الاكتشافات المستقبلية هذا المبدأ”.

وبالنسبة لي فإن هذا قضى على فكرة العلاقة والصلة الكيميائية التي كانت تفسر المعلومات في الحامض النووي DNA. ولكن مير لم ينه كلامه. فما زالت هناك مشكلة مدمرة لهذه النظرية.

وواصل مير حديثه: “إذا درست الحامض النووي DNA فستجد أن تركيبه يعتمد على روابط معينة التي تسببها التجاذبات الكيميائية. فمثلاً، هناك روابط في غاز الهيدروجين وروابط بين السكر وجزيئات الفوسفات التي تكون الجزيئين الأساسيين لجزيء DNA.

“ومع ذلك، يوجد مكان واحد ليس فيه روابط كيميائية وهو الذي بين البروتين والنيوترون، وهي الحروف الكيميائية في التعليمات المجتمعة في DNA. وبمعنى آخر فإن الحروف التي توضح المضي في رسالة DNA لا تتفاعل كيميائيا مع بعضها البعض بأي طريقة مهمة. وهي أيضاً متداخلة تماماً. فكل قاعدة يمكنها أن ترتبط بسهولة متساوية في أي موقع في العمود الفقري للحامض النووي DNA”.

وعندما شعر مير حاجتي إلى نوع من التوضيح، وقف وذهب إلى المكتب واستخرج من درج المكتب لعبة طفل، لوح معدني يصلح للكتابة عليه بالعديد من الحروف الممغنطة والتي يمكن أن تُلصق عليه. وضع مير اللوحة على رجليه وحرك الحروف حتى كتب كلمة “معلومات”.

قال مير: “كان أولادي صغاراً عندما كنت أدرس هذا، ولهذا ذكرت هذا المثل. نحن نعلم بوجود رابطة مغناطيسية بي الحرف واللوحة ولهذا تلتصق عليها هذه الحروف الممغنطة”. ولكي يوضح ذلك أخذ الحرف R وسمح للمغناطيس أن يجذبه إلى اللوحة”.

“ومع ذلك يجب أن تلاحظ أن القوة المغناطيسية هي ذاتها الموجودة في كل حرف من الحروف ولهذا فهي قابلة للتبادل. وبإمكانك استخدام الحروف لتكتب بها ما تريد. والآن لنعود إلى الحامض النووي DNA، فكل حرف مرتبط كيميائياً بالعمود الفقري لفوسفات السكر للجزيء. وهكذا نجد النقطة الهامة – لا توجد أية رابطة أو جاذبية بين الحروف المستقلة بذاتها. ولهذا فلا يوجد شيء كيميائي يجبرها على أي تتابع معين. وعلى هذا التتابع أن يأتي من مكان لآخر”.

“وعندما عرضت على الطلبة الحروف الممغنطة والملتصقة على اللوحة سألت: “كيف ظهرت كلمة معلومات؟” وكانت الإجابة: إن عنصر الذكاء الذي كتبها جاء من الخارج. لا الكيمياء ولا علم الطبيعة يمكنه أن ينظم هذه الحروف بهذه الطريقة. إنها اختياري أنا. وفي الحامض النووي، لا الكيمياء ولا الطبيعة نظمت الحروف بحسب تجمع التعليمات لعمل البروتينات. ومن هذا يتضح أن السبب يأتي من خارج هذا النظام. وهذا السبب هو “الذكاء””.

“إنها تقـريباً معـجـزة”

مثل الملاكم الماهر الذي يستبعد دفاعات خصمه، جرد مير بمهارة الثلاثة فئات للتفسيرات الطبيعية لأصل الحياة ومعلومات الحامض النووي DNA. وقد ناقشنا اختياراً آخر – إمكانية أن بعض القوة الخارجية قد تكون هي المسؤولة عن خلق التنظيم بنفس الطريقة التي تخلق بها الجاذبية دوامة عندما تخرج من المياه من البانيو. وبسرعة رفض مير هذه الفكرة وقال إن مثل هذه القوات قد تنتج نوعاً من النظام ولكن لا تستطيع أن تعطي معلومات[3].

والطريق المسدود التي توصلت إليه نظريات الأصل الطبيعي للحياة لم يدهش العلماء في هذا المجال. وعندما اصطدم الباحث المشهور عن أصل الحياة وهو ليزلي أورجيل بمؤمن آخر بنظرية التطور في مؤتمر بمدينة ديترويت منذ عدة سنوات، صرّح أورجيل بالصعوبات الشديدة التي واجهها في محاولة فهم كيف أن الأحماض النووية قد صُنعت طبيعياً على الأرض البدائية الأولى. ثم قال أورجيل بكل وضوح: “هناك مصاعب خطيرة بدرجة متساوية في كل النظريات”[4].

وباختصار، لم تقترب أية فرضية لتفسير كيف أن المعلومات الضرورية لأصل الحياة ظهرت بوسائل طبيعية. وكما قال الفيلسوف المادي كتشنج “إن الرجل الأمين والمسلح بكل المعرفة المتاحة لدينا الآن يمكنه أن يقول فقط بأن أصل الحياة الذي يظهر الآن هو معجزة، فلكي تسير تلك الحياة فهذا أمر يحتاج إلى شروط كثيرة”[5].

وبالنسبة لكثير من الباحثين، فإن المصدر الوحيد الذي يجب أن يستمر هو أن يكون لدينا إيمان بأن “مادة سحرية” لم تكن معروفة من قبل، سوف تُكتشف لتكون لها “الخواص الصحيحة لتحدث التفاعلات الضرورية لكي تظهر حتى تخلق الحامض النووي”[6].

قلت لمير: “قد يتوصل العلماء يوماً ما إلى فرضيات أخرى”.

فأجاب: “قد يحدث هذا. فليس بإمكانك أن تثبت ذلك بتأكيد 100٪، لأنك لا تعرف ما سيُظهره الدليل الجديد. ولهذا السبب فإن كل العلماء يقدمون الأسباب بطريقة مؤقتة. ومع ذلك فنحن لا نعرف أن بعض الاحتمالات يمكن استبعادها عن هذه الفئة. لقد وصلت إلى طريق مسدود. فمثلاً، أعتقد أنه بإمكانك استبعاد فكرة أن عمليات التنظيم الذاتي يمكنها أن تعطي معلومات جديدة. وأدلة أكثر من ذلك لا تغير هذا”.

قلت له: “بعض الشكاكين سيدعون أنك تجادل بسبب جهلك بالأمر. فقد صرح العلماء أنهم لا يعرفون كيف بدأت الحياة، ولهذا استنتجت أنت بأنه لا بد من وجود مصمم ذكي”.

قال بإصرار: “كلا، ليس هذا مطلقاً. فأنا لم أقل بأن التصميم الذكي يقدم لنا معنى حقيقياً لأن النظريات الأخرى فشلت. فأنا أحاول استنتاج أفضل تفسير، وكيف يفكر العلماء في الأمور التاريخية. وبناء على الأدلة يقيم العالم كل افتراض على أساس قدرته على توضيح الدليل الذي بين أيدينا. ومقياس ذلك ما إذا كان لهذا التفسير “قوة سببية” وهي القدرة على إحداث تأثير في المشكلة موضع السؤال”.

“وفي هذه الحالة، فإن الأثر الحقيقي لهذا الدليل هو إعطاء معلومات. وقد رأينا أنه لا الفرصة، ولا الفرصة المرتبطة بالاصطفاء الطبيعي، ولا عمليات التنظيم الذاتي لها قوة إعطاء أية معلومات. ولكننا نعلم بوجود واحد الذي لديه القوة الطارئة التي نحتاجها لتعطينا معلومات وهي الذكاء. ونحن لا نستبدل على هذ الكينونة أو الوجود على أساس ما لا نعلمه بل على أساس ما نعلمه فعلاً. إنها ليست مجادلة بسبب الجهل”.

سألته: “أليس هناك نوع من الضعف الأساسي في مجادلاتك. أنت تناقش باستخدام التشبيهات وتقارن المعلومات في الحامض النووي مع المعلومات التي نجدها في اللغة. إن المجادلات المبنية على قياس التمثيل أو التشبيه الجزئي هو ضعيفة وسيئة. والمؤيدون قد يؤكدون على التشبيهات بين أمرين ولكن المعارضون سيركزون على الاختلافات.

قال مير: “إنني أقول بأنه هناك طريقة للحديث عن المعلومات عن الحامض النووي التي تذهب بعيداً ثم تصبح مجرد تشبيهات. فعندما يتحدث الناس عن الحامض النووي على أنه رسالة تتضمن من يتلقاها ويفهم مضمونها. إنني لا أقول بأن الحامض النووي هو هذا النوع من المعلومات عن دلالات الألفاظ ومضمونها”.

“ومع ذلك، فأنا لا أجادل بالمضمون. ومجالات الشفرة في الحامض النووي لها نفس الخواص المشابهة لتلك التي للكمبيوتر أو اللغة. وكما ذكرت سابقاً. فحينما تجد أية ترتيبات مسلسلة ومعقدة وتتمشى مع نموذج مستقل أو متطلبات وظيفية معينة، فإن هذا النوع من المعلومات هو دائماً من نتاج الذكاء. فالكتب والكمبيوتر والشفرة والحامض كلها تتمتع بتلك الخاصتين. ونحن نعلم أن كل من الكتب وشفرات الكمبيوتر مصممة بالذكاء البشري، ووجود هذا النوع من المعلومات في الحامض النووي يشير أيضاً إلى وجود مصدر ذكي”.

” ويدرك العلماء في المجالات المتعددة هذه العلاقة بين المعلومات والذكاء. وعندما اكتشف علماء الآثار حجر رشيد، لم يعتقدوا بأن الكتابة التي كانت عليه هو من قبيل الصدفة العشوائية أو عمليات التنظيم الذاتي. وبكل وضوح وجدوا أن تسلسل الرموز وتنظيمها يعطي معلومات، وقد كان ادعاءً عاقلاً بأن الذكاء هو الذي صنع هذا. ونفس المبدأ هو حقيقي مع الحامض النووي”.

الانفجار البيولوجي الهائل

قال مير إن الذكاء وحده هو الذي يعطي تفسير لوجود معلومات محددة بداخل المادة الجينية. إن هذا في حد ذاته هو دليل قوي لوجود مصمم لهذه الحياة.

وبينما انا أنظر في يدي محاولاً فهم كميات المعلومات المعقدة والمحددة الموجودة في كل خلية ارتسمت ابتسامة على شفتي. والإجابة على السؤال ما إذا كان هناك خالق قد يكون قريباً مني مثل قرب أصابعي من يدي.

ومع ذلك فإن مير لم ينه حديثه. وكما ذكر في مقابلتنا السابقة، فقد كان مقتنعاً بأن ما يسمى “بالانفجار القديم” والذي تكونت فيه حياة جديدة ظهرت فجأة في سجل الحفريات، بدون أية حاجة إلى الأسلاف الذي احتاج إليهم المؤمنون بنظرية داروين، وهي أيضاً دليل قوي على وجود مصمم. والسبب: هو أ ن هذه الظاهرة الطبيعية كانت ستحتاج إلى سكيب مفاجئ لكميات هائلة من معلومات جينية جديدة وبيولوجية والتي مصدرها الوحيد هو مصدر ذكي.

“ومن بين الأماكن الأخرى، كتب مير هذه القضية في كتابه “معلومات الانفجار القديم” دليل على المصمم الذكي، وفي كتابه “مناظرة في التصميم” والذي نشر في جامعة كمبريدج. وكتب كتاباً آخر بعنوان: “الانفجار القديم: الانفجار الهائل البيولوجي” وقد شارك مير في تأليف هذه الكتب مع بول تشين، رئيس وأستاذ قسم علم الأحياء في جامعة سان فرانسيسكو، والذي عمل مع علماء صينيين في ترجمة حفريات فريدة عن الزمن القديم لإقليم تشينج جيانج؛ وبول أي. نيلسن، فيلسوف علم الأحياء الذي حاز الدكتوراه من جامعة شيكاغو؛ وعالم الدراسات القديمة ماركوس روس.

قال مير: “هذه الحفريات عن الانفجار القديم لا يمكن لنظرية داروين أن تفسرها أو حتى فكرة “التوازن المؤكد” التي تكونت بالتحديد بمجهود لتفسير سجل الحفرية المحيرة. وعندما ننظر إلى الموضوع من منظور معلومات بيولوجية فستجد أن أفضل تفسير لذلك هو أن الذكاء مسؤول عن هذا الأمر وإلا فلا يمكن تفسير هذه الظاهرة الطبيعية”.

قلت له: “هذا يبدو أمراً جذاباً. وضح ماذا تقصد”.

قال: “إن تطورات جديدة في علم الأجنة وعلم الأحياء تخبرنا بأنه بالرغم من أهمية الحامض النووي فليس هو كل شيء. إنه يعطينا بعض المعلومات وليست كلها التي نحتاجها لبناء كائن حي جديد بشكل وظيفة جديدة. إن الحامض النووي يبني البروتينات ولكن على هذه البروتينات أن تتجمع في هياكل أكبر. وهناك أنواع مختلفة من الخلايا التي عليها أن تنتظم في أنسجة، والأنسجة تنتظم في أعضاء، والأعضاء في خطة الجسم كله”.

“وطبقاً للدارونية الجديدة، فإن الأشكال البيولوجية الجديدة خلقت التحولات في الـ DNA، مع الاصطفاء الطبيعي الذي يحفظ ويبني هذه الأشكال البيولوجية ولكن الحامض النووي هو جزء واحد فقط من هذه القصة ثم يمكنك أن تنميه بطريقة غير محددة، ولن تبني بناء جسدياً جديداً”.

“ولهذا فعندما تواجه الانفجار القديم بظهوره الضخم والمفاجئ لخطط جسدية جديدة، سوف تدرك أنك بحاجة إلى كميات كبيرة من المعلومات البيولوجية الجديدة. والبعض منها سوف يوضح في شفرة في الحامض النووي وهو ما زال مشكلة لم تذلل بالنسبة للدارونيين. ولكن على قمة كل هذا، من أين جاءت تلك المعلومات الجديدة التي لا تُعزى إلى الحامض النووي؟ وكيف يتطور هذا التسلسل الهرمي التنظيمي للخلايا والأنسجة والأعضاء وخطط الجسم كله؟ ليس لدى الداروينيون إجابة على هذا السؤال”.

فـي طـرفة عـيـن

مستخدمي تقنيات الراديومتري radiometric (مقياس كثافة الطاقة الإشعاعية) لتحديد تاريخ بلورات الزكون* في سيبيريا، تمكن العلماء حديثاً في زيادة دقتهم في أن يحددوا بدقة الإطار الزمني للانفجار الهائل القديم، والذي قرروا بدايته بحوالي 630 مليون سنة.

“علماء الإحاثة* الآن يعتقدون أنه أثناء فترة زمنية حوالي 5 مليون سنة، على الأقل 20 أو 30 من الشعب الحيوانية والنباتية الأربعين في العالم نشأت وانطلقت بخطط جسمانية متفردة وفي الحقيقة يعتقد بعض الخبراء أن كل هذه الشعب قد ظهرت في نهاية الانفجار”[7].

ولكي تضع كل هذه السرعة التي لا تصدق في منظور معين، إذا كان بإمكانك ضغط كل تاريخ الأرض في 24 ساعة، فإن هذا الانفجار القديم سوف يحدث في دقيقة واحدة فقط[8].

قال مير: “إن هذا الانفجار القديم هو بمثابة قفزة كمية لا تصدق في التعقيدات البيولوجية. وقبل ذلك، كانت الحياة على الأرض سهلة للغاية، بكتريا ذات خلية واحدة، طحالب ذات لون أزرق وأخضر، وفيما بعد كان هناك بعض الاسفنج وحيوانات رخوية بدائية. وبدون أية أسلاف في سجلا الحفريات كان لدينا اختلافات مذهلة من مخلوقات معقدة ظهرت في طرفة عين وهنا نتحدث بلغة الجيولوجيا.

“فمثلاً، طائفة المفصليات المنقرضة الثلاثية الفصوص – لها جسم مفصلي وجهاز مفصل وجهاز عصبي معقد وعيون مركبة – ظهرت فجأة كاملة التكوين في بداية الانفجار. إنه لأمر مذهل. ثم تبع هذا نوع من الركود والذي يعني أن الخطط الجسمانية الأساسية ظلت واضحة عب الدهور”.

“وكل هذا يناقض مع الدارونية تماماً، التي تنبأت بالتطور التدريجي البطيء في الكائنات الحية عبر الزمن. وقد صرح داروين بأن الانفجار كامبريان القديم “لا يمكن تفسيره” وهذا ضد نظريته. وأصر على القول بأن الطبيعة لا تتخذ قفزات فجائية. وكان يعتقد أنه سوف يُبرر ويدافع عنه باكتشاف المزيد من الحفريات، ولكن الصورة أصبحت أكثر سوءً”.

“والقضية الكبرى هي من أين جاءت تلك المعلومات ليك تبني هذه البروتينات الجديدة والخلايا والخطط الجسمانية. فمثلاً، الحيوانات القديمة احتاجت إلى بروتينات معقدة مثل lysyl oxidase. وفي الحيوانات اليوم، يحتاج جزيء lysyl oxidase 400 حامض أميني. من أين جاءت المعلومات الجينية لكي تبني الجزيئات المعقدة؟ إن هذا يتطلب معلومات جينية معقدة من النوع الذي لا تنتجه لا الصدفة العشوائية ولا الاصطفاء الطبيعي ولا التنظيم الذاتي”.

في لقائي في الفصل الثالث مع عالم الأحياء جوناثان ويلز قام بالإجابة على اعتراضاتي على الانفجار الهائل القديم والذي قال فيه إن الكائنات الحية الانتقالية إما أنها كانت صغيرة للغاية أو لينة حتى أنها تترك أي ميراث من الحفريات. وهناك إمكانية أخرى تبادرت إلى الذهن.

قلت له: “ربما تكون بعض الظواهر الطبيعية البيئية التي لم تُفسر هي التي تسببت في فيضان هائل من التغير الإحيائي وهذا الذي أسرع في خلق كائنات حية جديدة”.

قال مير: “إن هذا لا يحل المشكلة. أولاً، حتى الادعاء بأن التغيير الإحيائي كان بمعدل كبير، فإن التغيير القديم كان قصيراً للغاية حتى أنه لا يسمح بمثل هذه التغييرات التي تعكسه الحفريات”.

“ثانياً، التغيرات الإحيائية في التطور الأولي للكائنات كانت لديه فرصة حقيقية لإنتاج تغير تطوري ضخم على نطاق واسع. وقد وجد العلماء أن التغيرات الإحيائية في هذه المرحلة كانت لها تأثيرات كارثية. والجنين عادة ما يموت أو يصاب بالكساح”.

وقد أطلق عالم الجينات جون إف. ماكدونالد على هذا “إنه تناقض داروني عظيم”[9]. إن نوع التغيير الهام والأساسي الذي يحتاجه التطور الهائل لا يظهر، في حين أن النوع الذي لا يحتاجه يظهر مع أنه نادر وغير نظامي.

وتبادرت إلى ذهني فكرة أخرى كان قد عرضها أصحاب نظرية داروين وسألت مير: “لماذا لم يتمكن هذا التغيير الهائل والأساسي من الظهور في جزء خامل من الحامض النووي، أي منطقة حيادية التي ليس لا أثر فوري على الكائن الحي؟ ثم بعد فترة طويلة من الزمن، يتراكم في خلالها هذا التغيير الهائل، يظهر جين جديد ويخلق بروتين جديد تماماً. وعندئذ سوف يحفظ الاصطفاء الطبيعي أية آثار نافعة لهذا الجين على الكائن الحي”.

ولم تكن هذه النظرية جديدة على مير، وأجاب قائلاً: “ليكن في ذهنك أن هذه التغييرات الهائلة كان عليها أن تظهر بالصدفة العشوائية، لأن الاصطفاء الطبيعي لا يستطيع أن يحفظ أين شيء حتى يعطي فائدة إيجابية للكائن الحي. والمشكلة هي أن ميزة خلق بروتين جديد يعمل بدون مساعدة الاصطفاء الطبيعي سوف يكون صغيراً للغاية. وتوجد الآن بعض الدراسات في الجزيئات الحيوية لها نفس الرأي. وهذا ما يسمى “النظرية المحايدة” للتطور وهو طريق مسدود آخر.

“وف الحقيقة هناك تفسير واحد فقط يوضح كل هذه الأدلة. إنه “المصمم الذكي”.

ملائمة النموذج “العلوي السفلي”

وافق مرة لغز الانفجار القديم على إمكانية وجود الخالق واعتبرها إحدى التفسيرات. وحتى واحد من أكثر الملامح حية في موضوع الانفجار – والذي يُدعى نموذج “العلوي السفلي” – فُسر بكفاءة على أن التصميم الذكي.

قال مير: “إن الداروينية الجديدة تتنبأ بنموذج “الأدنى الأعلى” والذي فيه اختلافات صغير في الشكل بين كائنات حية تتطور وتظهر قبل ظهور اختلافات كبيرة في الشكل وتنظيم خطة الجسم. فمثلاً، يمكنك أن تتخيل أن الاسفنج القديم يمكن أن يُحدث العديد من الاختلافات التي يمكن أن تتطور بمرور الزمن لكي تُنتج أنواعاً مختلفة. وباستمرار هذه العملية، ربما تكون قد ظهرت في العصر الكامبرياني مخلوقات مختلفة تماماً بتصميم جسدي جديد ومتكامل”.

“ومع ذلك، فالحفريات من الانفجار الكامبرياني القديم تُظهر نموذجاً مختلفاً “علوي سفلي” ويظهر أولاً اختلافات كبير في الشكل والتصميم الجسدي، مع عدم وجود مرحلة انتقالية قبلها. وفيما بعد، ظهرت بعض الفوارق الصغيرة في إطار هذه التصميمات الجسدية المنفصلة والمتباينة”.

“وهذا الأمر تحدى واستأصل الدارونية الجديدة. وآخرون حاولوا أن يفسروه باقتراح قفزات كبيرة من التغيير التطوري – ما يسمى بفكرة التوازن المنظم – ولكن حتى هذا لم يتمكن من تفسير الظاهرة الطبيعية “أعلى أسفل” وفي الحقيقة فإن التوازن المنظم تنبأ بنموذج “السفلي والعلوي” إنه يؤكد أن كمية التغيير التطوري سوف تكبر. ورغم هذا فإذا سلمت بفكرة التصميم الذكي فإن نموذج “العلوي والسفلي” يصبح له معنى لأنه نفس النموذج الذي نراه في تاريخ التصميم التقني البشري”.

سألته: “هل بالإمكان أن تعطيني مثال؟”

قال: “بالتأكيد، لتفكر في السيارات او الطائرات. إنهم يُظهرون نمط ظهور من “الأعلى للأسفل”. وفي كلا الحالتين فالرسم البياني الضخم أو الخطة تظهر فجأة وتظل مستمرة عبر التاريخ”.

“فمثلاً، كل السيارات لها خطة تنظيمية أساسية تشتمل على المحرك وعجلة القيادة ومحورين وأربعة عجلات… إلخ. وبعد ظهور الاختراع الأساسي، ظهرت أشكال مختلفة عبر الزمن. وهذا مثل من التغيير “العلوي والسفلي”.

الرسم البياني الأصلي كان من إنتاج الذكاء واستمراره عبر السنوات توضح بفكرة مروره من جيل إلى جيل لمهندسي السيارات.

“وبطريقة مشابهة، لماذا التصميم الجسدي للحيوانات القديمة يمكن أن يكون قد نبع من فكرة في عقل مصمم؟ وهذا يكن أن يفسر لماذا ظهرت الاختلافات الكبيرة في الشكل ظهرت أولاً ثم اختلافات أصغر تلت ذلك فيما بعد. وفي الحقيقة، فإن الذكاء هو السبب الوحيد الذي نعرفه الذي يمكنه أن يُعطي نموذج “أعلى أسفل” والذي نراه في سجل الحفريات وفي تقنية البشر مثلما توضح في كل شيء من السيارات والطائرات والبنادق والدرجات”[10].

” إن الذكاء أيضاً يفسر أصل طبقات المعلومات اللازمة لخلق الخطط الجسمية الجديدة في الحيوانات القديمة. وكما ذكرت سابقاً، إنك لكي تبني حيواناً جديداً أنت بحاجة إلى حامض نووي لكي تخلق البروتينات ومعلومات إضافية لكي تنظم هذه البروتينات تركيبات ذات مستوى أعلى. ونجد نفس شكل الطبقات للتنظيم في التقنيات البشرية مثل اللوحة الدائرية للكمبيوتر. إن البشر يستخدمون الذكاء لنتجوا مكونات معقدة، مثل الترانزستور والمكثفات بترتيباتها المحددة واتصالاتها داخل الدائرة تكاملية”.

“وحالما تسمح بتصميم ذكي كفكرة، يمكنك أن ترى بسرعة كيف يفسر مفتاح أشكال وملامح الظواهر الطبيعية القديمة. ولا توجد كينونة أخرى تنتج نموذج “العلوي السفلي” أو يمكنها أن تخلق المعلومات المعقدة التي يحتاجونها إليها لأشكال حية جديدة. ولا يوجد تفسير آخر يكفي لهذا”.

قلت له: “ولكن التصميم الذكي يبدو وكأنه فكرة قديمة. وقد قارن وليم بالي الأنظمة البيولوجية بطريقة عمل الساعة وحدث ذلك منذ 200 عام. وهذه أخبار قديمة”.

قال مير: “أعتقد أن العكس هو الصحيح. وقد تعلمنا الكثير عن علم الأحياء منذ الحرب الأهلية. ويحاول الذين يعتقدون في نظرية داروين للتطور والتي كانت في القرن التاسع عشر أن يطبقوا أسلوب تفكيرها على حقائق القرن الواحد والعشرين. وتفسيرات فترة القوارب البخارية لم تعد كافية لتفسير عالم البيولوجيا في عصر المعلومات”.

“ويقول الدارونيون بأنهم تحت نوع من الالتزام المعرفي لكي يواصلوا المحاولة، فإذا استشهدت بالتصميم فأنت بذلك تتخلى عن العلم. حسناً، إنني أقول إن الوقت قد حان لنعيد تعريف العلم. ولا يجب أن نبحث فقط عن أفضل تفسير طبيعي ولكن عن أفضل فترة للتفسير. والتصميم الذكي هو التفسير الذي يتمشى مع كيفية عمل هذا العالم”.

 

ســمة العـقـل

وعندما قارب لقاؤنا على الانتهاء، أثارت إشارة مير إلى القرن 21 استفساراً أخيراً فقلت له: “بع مضي عشرة أو عشرين سنة، ماذا ترى؟”

قال فيما كان يزيل نظارته ويضعها في جيبه: “أعتقد أن ثورة المعلومات الحادثة في علم الأحياء تدق ناقوس الموت لمبادئ داروين ونظريات التطور الكيميائي”.

“إن محاولة تفسير أصل الحياة بمعزل عن مكوناتها الكيميائية قد مات الآن. فمبدأ الطبيعة لم يعد بإمكانه أن يجيب على المشكلة الأساسية وهي كيفية الانتقال من المادة والطاقة إلى الوظائف البيولوجية بدون إدخال معلومات ذكية”.

“إن المعلومات ليست شيئاً مأخوذاً من خواص مادية، إنها تتجاوز المادة والطاقة. والنظريات الطبيعية التي تعتمد على المادة والطاقة لن تستطيع أن تفسر المعلومات والذكاء فقط هو الذي يستطيع ذلك. وأعتقد ان تحقيق ذلك سوف يبزغ فخره على أناس أكثر وأكثر وخاصة العلماء الصغار الذين نشأوا في عصر تقنية المعلومات”.

“إننا اليوم نشتري ونبيع المعلومات كسلعة، نقيمها ونبعثها عبر أسلاك وأقمار صناعية ونعلم أنها تأتي من وكلاء أذكياء. فماذا نفعل بحقيقة وجود معلومات في الحياة؟ وماذا نفعل بحقيقة أن الحامض النووي DNA يخزن معلومات في مكان صغير للغاية أكثر بكثير جداً من أي كمبيوتر متقدم على هذا الكوكب؟”

“إن المعلومات هي السمة المميزة للعقل. ومن خلال الأدلة الجينية والحيوية يمكننا أن نخمن بوجود عقل أعظم بكثير من عقلنا، عقل واع، وله هدف وحكيم ومصمم ذكي وهو خلاق مدهش. ولا شك في هذا”.

ازدادت الضوضاء القادمة من الشارع عبر النافذة. وكانت زوجة مير تعد لنا وجبة عشاء من السلمون، وقد حان الوقت لكي أرسل إلى الطريق السريع قبل زحمة المرور. وبعد انتهاء مناقشتنا، استأذن مير للذهاب لاجتماع في مكتب آخر، وذلك أعطاني فرصة للتفكير.

وكان سؤالاً مير للآخرين قد لخصا كل القضية. فالمعلومات في قلب الحياة قد ترتبت، وهي ليست مثل بلورات الملح، ولكنها معلومات معقدة ومحددة وتستطيع أن تحقق إنجازاً طيباً، بناء ماكينة بيولوجية تتخطى إمكانيات التقنية البشرية.

أي شيء آخر بإمكانه أن يعطي مثل هذه المعلومات غير الذكاء؟ وأي شيء آخر يمكنه أن يفسر الظهور السريع للاختلافات في المخلوقات المعقدة التي تكونت والتي لم تجتاز مرحلة انتقالية في سجل الحفريات؟ وقد فرض الاستنتاج نفسه: وجود ذكي فرض دليل وجوده من خلال أربعة رموز كيميائية في الشفرة الجينية. إن الخالق هو الذي وقع بخط يده كل خلية.

تنفست الصعداء واستندت على الكرسي وأنا أشعر بالإرهاق من السفر والمقابلات. إن قضية الخالق تتقدم بسرعة ملحوظة وأشعر أنني اقتربت من نهاية تساؤلاتي. ولكنني ما زلت أشعر أنه يوجد خبير آخر أود استشارته.

وفي الدقائق الأخيرة من لقائي مع مير ذكر لي كلمة “العقل” وأشار إلى النشاط الواعي. ومثلما انبهرت بالحامض النووي فكذلك انبهرت بالمخ البشري وهذا المخ الذي يزن ثلاثة أرطال به 10,000 مليون خلية عصبية، كل منها يرسل أليافاً أو نسيجاً كافياً لخلق آلاف الملايين من الروابط. وهذا يساوي عدد الأوراق في غابة كثيفة تغطي مليون ميل مربع[11].

كيف تخلق هذه الدورة الظاهرة الطبيعية المتفردة للوعي البشري؟ كيف تمكنني قوة العمليات البيولوجية من التفكير، او تكوين المعتقدات، أو تحديد اختياراتي الحرة؟ هل يعزى وعي إلى طبيعة وكيمياء مخي، أم إنني منحت أيضاً روحاً وعقلاً غير مادي؟ وإذا كان هناك دليل مقنع لوجود روح، فكيف يقنعني هذا بوجود خالق وحياة بعد الموت؟

قلبت في مفكرتي لكي أتصل بأحد الخبراء في الوعي البشري حالما أصل إلى لوس أنجلوس. ووضعت الورقة في جيب قميصي. وقد ذكرتني بشيء آخر هذه الكلمات القليلة كانت تمثل معلومات لها مصدرها في ذاكرتي. وكم كان وحياً واضحاً بأن نظاماً كثيفاً من أوامر وتعليمات مجمعة بيولوجية معقدة لا بد وأن لها مصدرها في عقل.

[1] Interview in Unlocking the Mystery of Life.

[2] See: Michael Polanyi, “Life’s Irreducible Structure,” Science 160 (1968), 1308-12.

[3] For a more detailed critique of this theory, see Hubert P. Yockey, “Self-Organization, Origin of Life Scenarios, and Information Theory, Journal of Theoretical Biology 91 (1981). 13-31, and Stephen C. Meyer, “DNA and the Origin of Life: Information, Specification, and Explanation,” in John Angus Campbell and Stephen C. Meyer, editors, Darwinism, Design, and Public Education (Lansing, Mich.: Michigan State Univ. Press, 2003), 252-55.

[4] Robert Shapiro, Origins: A Skeptic’s Guide to the Creation of Life on Earth, 188.

[5] Francis Crick, Life Itself, 88.

[6] Robert Shapiro, Origins: A Sdeptic’s Guide to the Creation of Life on Earth, 189.

* عنصر فلزي نادر

* يبحثوا في أشكال الحياة في العصور الجيولوجية السالفة

[7] See: J. W. Valentinc et al., “Fossils, Molecules, and Embryos: New Perspectives on the Cambrian Wxplosion,” Development 126 (1999).

[8] See: Chi Lili, “Traditional Theory of Evolution Challenged,” Beijing Review (March 31 – April 6, 1997).

[9] John F. McDonald, “The Molecular Basis of Adaptation: A Critical Review of Relevant Ideas and Observations,” Annual Review of Ecology and Systematics 14 (1983).

[10] See: Stuart Kauffinan, At Home in the Universe (Oxford: Oxford University Press, 1995).

[11] Michael Denton, Evolution: A Theory in Crisis, 330.

برهان المعلومات الحيوية – تحدي الـ DNA جـ2