آبائياتأبحاث

مؤلفات أثيناغوراس الأثيني – حياته وأعماله ونمطه اللاهوتي

مؤلفات أثيناغوراس الأثيني - حياته وأعماله ونمطه اللاهوتي

مؤلفات أثيناغوراس الأثيني – حياته وأعماله ونمطه اللاهوتي

أثيناغوراس الأثيني - حياته وأعماله ونمطه اللاهوتي
أثيناغوراس الأثيني – حياته وأعماله ونمطه اللاهوتي

أثيناغوراس الأثيني – حياته وأعماله ونمطه اللاهوتي

إقرأ أيضًا: حياة أثيناغوراس الأثيني الفيلسوف

مؤلفات أثيناغوراس

يجمع المؤرخون، وفي مقدّمهم «فيليبّوس السيدي»، على أن أثيناغوراس تأثّر كثيراً بموقف الإمبراطور «ماركوس أوريليوس» الذي أعلنه في كتابه «الخواطر»، قائلاً: «كم هي عظيمة النفس المتأهبة دائماً، عند انفصالها عن الجسد، إمّا للموت وللذوبان في هذا الكون، وإمّا للبقاء في الحياة. وهذه الإمكانية يجب أن تبنى على معرفة الأشياء عقلياً، وليس على التعلّق البسيط بأمور لا يفهمها العقل مثل تعلّق المسيحيين بديانتهم. فيجب أن تكون عاقلة ومستحقة لذلك، دون افتخار ضوضائي» (الخواطر، 11، 3).

هذا الكلام الذي جاء على لسان الإمبراطور دفع بأثيناغوراس للانتفاض وللدفاع عن عقيدته وعن اخوانه، فكتب كتابه الشهير «استرحام من أجل المسيحيين»، الذي اتبعه بكتاب آخر هو «حول قيامة الموتى». هذان الكتابان ميّزا الدفاع المسيحي بمنطق واضح، وبجرأة كبيرة جعلته في مصاف كبار المدافعين الذين شرّفوا المسيحية في القرن الثاني المسيحي. ونظراً لقيمتهما اللاهوتية والتاريخية نفرز لكل منهما دراسة سريعة كي يكون القارئ على بيّنة مما جاء فيهما:

أ/ استرحام من أجل المسيحيين:

هذا الاسترحام وجّهه أثيناغوراس حوالي سنة 177 مسيحية إلى الإمبراطور «ماركوس أوريليوس» وإلى ابنه «كومودوس»، وذلك بعد أن عمّ الاضطهاد مناطق عديدة من الإمبراطورية، وخصوصاً في كنيسة «ليون»، وكنيسة «فيّينا»، وكنيسة «روما». وممّا جاء في المقدمة: «إن خطابنا هذا يبرهن لكم كم أننا نتعذّب ظلماً، ضد كل منطق، وضدّ كل شريعة. ونحن نطلب منكم أن تنظروا في الأمر لصالحنا، وأن لا تأخذوا بكلام النمّامين والحسودين حتى لا نذهب ضحية هؤلاء» (الاسترحام، 1). وفي موضع آخر من المقدمة يقول مذكرّاً بالتسامح نحو جميع الديانات الأخرى، ما عدا المسيحية: «إنكم أعطيتم الحرية لجميع الديانات الأخرى، ورأيتم أنه من الضروري أن يعبد كل واحد الآلهة التي يريد حتى تتجنّبوا الظلم ولا تكونوا عرضة لغضب هذه الآلهة. أما نحن، فبعكس ذلك، فإننا هدف الحقد والضغينة من مجرّد ذكر اسمنا… ولقد سمحتم بملاحقتنا وبخطفنا وبطردنا… وخطابنا هذا يبرهن لكم كم نحن نتألم ظلماً» (الاسترحام، 1).

فالدافع إذاً لكتابة هذا «الاسترحام» هو ما تعرّض له المسيحيون من التعذيب والتشريد والقتل أيام الإمبراطور «ماركوس أوريليوس» الذي اعتبر من الأباطرة المتسامحين والعقلانيين والإنسانيين، والذي نعمت فترة حكمه بسلام وهدوء واستقرار. غير أن يد الشر التي كانت تلعب بالعقول الضعيفة حرّكت الإمبراطور وجعلته يرى في المسيحية خطراً عليه، الأمر الذي أعماه ودفعه للسماح باضطهاد أتباعها ومعتنقيها. وهذا ما أثار غضب المسيحيين الذين تعرّضوا لأشدّ العذابات دون سبب، وبالتالي المفكرين بينهم، ومنهم أثيناغوراس الذي رأى أنه من الضروري رفع هذا الاسترحام لمقام الإمبراطور بالذات. زيادة على ذلك، فإن الإمبراطور وأتباعه اتّهموا المسيحيين بأمور ثلاثة كانت السبب المباشر لردّهم العنيف، وهي: الإلحاد، وأكل لحوم البشر، وارتكاب المحرّمات. وبمواجهة ذلك، اتخذ أثيناغوراس على عاتقه مسؤولية الرد بتوضيح الأمر من الوجهة الدينية والإنسانية، فجاء كتابه «استرحام من أجل المسيحيين» دراسة عقائدية لاهوتية فلسفية متكاملة.

أما فيما بختّص بالإلحاد فيقول: المسيحيون ليسوا ملحدين. فإذا كانوا لا يؤمنون بتعدّد الآلهة، فإنهم يؤمنون بإله واحد خالق السماء والأرض، وخالق جميع الكائنات في هذا الوجود. إنهم موحّدون وتوحيديّون.

وهذا الأمر نراه أيضاً عند بعض الفلاسفة والمفكرين الوثنيين، رغم ضعف براهينهم، ومع ذلك لم يَتّهموا بالإلحاد. فلماذا المسيحيون هم متهمون بهذا الإلحاد، مع أن الوحي الإلهي واضحُ على لسان الأنبياء، وفي تعاليم المسيح بالذات. «أوريبيدوس»، و«فيثاغورس»، و«أفلاطون»، و«أرسطو»، و«الرواقيون»، جميعهم قالوا بإله واحد دون أن يقرأوا الوحي الإلهي، فلماذا هؤلاء لا يتهمون بالإلحاد، بينما المسيحيون هم متهمون، ويموتون من أجل ذلك؟ وبهذا المعنى يقول: «إنهم (الوثنيون) لم يحاولوا أن يعرفوا عن الله سوى ما يعنيهم وما يتوافق مع آرائهم، بينما نحن عندنا شهود على ما نفكّر ونؤمن به بواسطة الأنبياء الذين تكلّموا، بوحي الروح الإلهي، عن الله وعن مخلوقاته» (الاسترحام، 7).

والمسيحيون لا يؤدون على ذلك بكلامهم وحسب، بل بأعمالهم التي يقومون بها في حياتهم اليومية، وبعيشهم كلام الله بدقّة: «مَن مِن الفلاسفة الوثنيين، حتى ولو كانت نفسه طاهرة ومترفعة جداً، بإمكانه أن يحب أعداءه ولا يكرههم، بينما المسيحيون يحبون أعداءهم، ويباركون لاعنيهم، ويصلّون من أجل مضطهديهم؟ … بإمكانكم أن تجدوا بيننا جهلةً، وعمالاً، وأناساً محدودين عقلياً، وليس بإمكانهم أن يفسرّوا عقيدتهم منطق واضح، ولكن هؤلاء يعطون بحياتهم اليومية، وبأعمالهم الصالحة، وبتفانيهم في سبيل الأقربين والبعيدين» (الاسترحام، 11).

وأيضاً، فإن المسيحيين الموحدين ممنوع عليهم الإيمان بتعدّد الآلهة، وممنوع عليهم أيضاً تقديم المحرقات والتقادم لها، لأن الله الخالق وحده يحقّ له ذلك، وهو صانع كل شيء. والعالم الذي يعبده الوثنيون هو صنع يديه، لذلك هو جميل إلى هذا الحدّ. غير أن عبادة هذا العالم ممنوعة على المسيحيين، لأن المخلوق لا يُعبد، وبالتالي فإنه من المنطقي أن نكرّم الفنان وليس صنع يديه. فالله هو الذي صنع كل شيء في هذا الوجود، والله وحده يحقّ له أن يعبد، وأن نقدّم له آيات الشكر والمجد، ولقد عرفنا مجده في ثالوثه من خلال تعليم المسيح: «الله أب، والله ابن، والله روح قدس، ثالوث في وحدة، وقوة في تمييز» (الاسترحام، 10). لذلك، ما نؤمن به ليس من تعليم البشر، بل من وحي الله بالذات: «إن التعاليم التي نحن نؤمن بها ليست تعاليم بشرية بل هي تعاليم الله التي أوحاها بواسطة الأنبياء وبواسطة ابنه يسوع المسيح» (الاسترحام، 11).

والمسيح، الذي تجسّد، هو الله، لذلك نحن نعبده مع أبيه السماوي، حسب التدبير الإلهي. وبعبادتنا له لا نعبد إلهاً كباقي الآلهة، بل نعبد الله الحقيقي الذي أعلن لنا عن ذاته وعن أبيه وعن روحه القدوس. وأمّا الملائكة فليسوا آلهة كما يعتقد البعض. إنهم مخلوقات الله وخدّامه: «يوجد عدد كبير من الملائكة هم خدّام الخالق صانع العالم، قد كلّفهم الله، بواسطة كلمته الذي أتى من قبله، ليهتمّوا بجميع عناصر هذا الكون، وبالسماوات، وبهذا العالم، وبكل ما فيه، ليبقى متوازناً ومنسجماً» (الاسترحام، 10).

من هنا، فليس بإمكاننا أن نعيد هؤلاء الملائكة بل نستشفعهم أمام الله لكي نبقى على إيماننا، ولكي نتحمّل هجومات الشياطين، الملائكة الأشرار، الذين يسعون إلى هلاكنا. فالشرّ موجود في العالم، وهو في حربٍ مستمرة مع الخير والفضيلة. وبإيماننا بالله، وبمعرفة الملائكة الأطهار، وبشفاعة القديسين، ننتصر على هذا الشر، ونزرع الخير في العالم.

وأمّا فيما يختص باتهام المسيحيين بأنهم أكلة لحوم البشر، فيقول: إذا كان ممنوع على المسيحيين أن يشاهدوا حفلات المصارعة، فكيف بإمكانهم أن يأكلوا لحوم البشر؟ إنه ممنوع عليهم القتل، وحتى أنه ليس بإمكانهم أن ينظروا إلى من يتقاتلون. فكيف يُتّهمون بأكل لحوم البشر؟ إن الله حرّم القتل، وهم يعملون بتعاليمه وبأوامره. وليس لهم إيمان إلا بالله وبقيامة الموتى، وهذا وحده يمنعهم من أكل لحوم البشر. لذلك فإن اتهامهم هو غير صحيح، وبالتالي هو تجنٍّ عليهم وعلى ديانتهم.

وإذا كان الوثنيون يعتقدون أن تناول جسد الرب هو نوع من أكل لحوم البشر، فذلك يعود إلى عدم فهمهم لسرّ الإفخارستيا، وبالتالي إلى سرّي التجسّد والفداء. فالمسيح الذي أعطانا جسده مأكلاً حقاً ودمه مشرباً حقاً هو الإله المتجسّد الذي أراد أن يبقى معنا مستمراً بوجوده السرّي والخلاصي بيننا. نعم، إننا لا نطلب من الوثنيين أن يفهموا هذا السر، ولكن ليس بإمكانهم أن يتهمونا بأننا أكلة لحوم البشر.

وأمّا فيما يختص بارتكاب المحرمات، فإن اتهام المسيحيين بذلك هو نتيجة الكره والبغضاء. والتاريخ يبرهن على أن الفضيلة كانت دائماً مضطهدة من الشر. فالمسيحيون هم بعيدون كل البعد عن ارتكاب هذه الجرائم، وحتى أنه ليس مسموحاً لهم التفكير بذلك. وعندهم رجال ونساء عاشوا حياتهم دون زواج لأن العفّة بنظرهم هي تكريس كلّي لله: «إننا نجد عدداً كبيراً من الرجال والنساء قد شاخوا ولم يتزوجوا، أملاً منهم أن يكونوا لله كليّاً، وأن يحرموا نفسهم من ملذات الدنيا في سبيل الملكوت السماوي» (الاسترحام، 33).

وينهي أثيناغوراس كتابه، طالباً من الإمبراطور أن يحاكم المسيحيين بعدل: «وأخيراً، أتوجّه إليكم، أنتم الرجال الصلاّح بطبيعتكم وبثقافتكم، المتسامحون والجديرون بالإمبراطورية، طالباً منكم أن تميلوا برأسكم الإمبراطوري نحوي أنا الذي جاوبت على الشكاوى والاتهامات الموجّهة ضدّنا، والتي برهنت من خلال استرحامي هذا أننا مؤمنون بالله، وأننا أيضاً معتدلون وأطهار النفس. ومَن مِن البشر يحقّ له أن يحصل على ما يطلب أكثر منّا نحن الذين نصلّي على نواياكم حتى تكون السلطة بين أيديكم، وتنتقل من الأب إلى الابن في الإمبراطورية، وأن تكون سلطتكم هذه ممتدّة أكثر من ذي قبل، وأن تبقوا على العرش مدى الحياة. وهذا يكون لصالحنا حتى نعيش حياة سلام وأمان، وحتى نعبد الله، ونطيع أوامركم» (الاسترحام، 37).

ب/ حول قيامة الموتى:

هذا الكتاب هو محاولة فلسفية وعقلية عميقة للتأكيد على قيامة الموتى وانبعاثهم. ففي القسم الأول، وهو من الفصل الأول إلى الفصل العاشر، يؤكد أثيناغوراس على أن حكمة الله وعدله وقدرته جميعها تدعم فكرة القيامة. وفي القسم الثاني، وهو من الفصل الحادي عشر إلى الفصل الخامس والعشرين، يؤكد فيه على أن القيامة هي ضرورية لأن الطبيعة البشرية هي مخلوقة للأبدية، وتركيب الإنسان من نفس وجسد يتبع انفصالهما بعد الموت توحيد لأن الجسد الذي دفع النفس إلى عمل الخير في الحياة واجب أن يسعد معها في الحياة الأخرى، كما أنه واجب أن ينعس ويتعذّب إذا كان دفعها إلى الشر. فالمكافأة لا تكون للنفس وحسب، بل أيضاً للجسد، وكذلك العذاب والشقاء. وأنه لمن غير العدل أن تسعد النفس وحدها أو تتعذّب. وبما أن الشقاء والسعادة لا يدوما في هذه الأرض، فإن حياةً أخرى معدّة من أجل ذلك.

من هنا ضرورة القيامة والانبعاث، ومن هنا إيمان المسيحيين بذلك. فالتعليم الكنسي الموحى به من الله يوافق المنطق العقلي، والإنسان سيكون في السعادة بنفسه وجسده، كما كذلك في الشقاء بنفسه وجسده. من هنا على جميع البشر أن يعترفوا بقيامة الموتى وانبعاثهم، وإلا ستكون حياتهم في هذه الدنيا معرّضة لجميع الشعوذات وللحياة اللاأخلاقية ولعدم احترام القيم.

فالقيامة والحساب هما الحافز الأول والأخير لمسلكيّة طاهرة ولعمل الخير في هذه الدنيا. نعم، إن المسيحيين يعملون الخير حباً بالله، ولكن فكرة الحساب هي التي تحرّكهم أكثر. أمّا الوثنيون فإن فكرة القيامة والحساب تبعدهم عن الشر، وعن حياة الفحش. لذلك نحن ندعوهم لعيش هذه القناعة، وللتفكير الدائم بأن الله سيحاكم الجميع يوم القيامة.

إقرأ أيضًا: النمط اللاهوتي للعلامة أثيناغوراس الأثيني

مؤلفات أثيناغوراس الأثيني – حياته وأعماله ونمطه اللاهوتي