الردود على الشبهات

أسئلة يسألها المسلمون ج9 والرد المسيحي عليها

أسئلة يسألها المسلمون ج9 والرد المسيحي عليها

أسئلة يسألها المسلمون ج9 والرد المسيحي عليها

أسئلة يسألها المسلمون ج9 والرد المسيحي عليها
أسئلة يسألها المسلمون ج9 والرد المسيحي عليها

أسئلة يسألها المسلمون ج9 والرد المسيحي عليها

34 لماذا لم يذكر الكتاب تاريخ الثلاثين عاماً التي قضاها السيد المسيح قبل كرازته؟ وهل ذهب خلالها إلى الصين ودرس البوذية كما يقول البعض؟

الكتاب المقدس لم يقصد به أن يكون كتاب تاريخ…. ولو أرادت الأناجيل ذكر جميع الأحداث والتفاصيل التاريخية “ما كان العالم يسع الكتب المكتوبة” (يو 21: 25). إن تفاصيل يوم واحد من حياة السيد المسيح على الأرض، بما فيه من تعاليم ومعجزات يحتاج وحده إلى كتاب… وحتى فترة حياة المسيح بعد الثلاثين لم تسجل كلها. يكفي أن القديس يوحنا الإنجيلي قال في ذلك: “وأشياء آخر كثيرة صنعها يسوع إن كتبت واحدة فواحدة، فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة” (يو 21: 25) إنما الرسل اختاروا أحداثاً معينة تقود إلى الإيمان. وهكذا قال القديس يوحنا الإنجيلي “….

وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله، ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه” (يو 20: 31). إن قصد الأناجيل أن تكون بشارة خلاص، تحكي قصة خلاص…. لذلك بدأت الأناجيل بميلاد المسيح المعجزي من عذراء، والملائكة الذين أحاطوا بقصة الميلاد، وكذلك بنسب المسيح، وتحقيق النبوات الخاصة بميلاده ثم انتقلت إلى عماده وبدء كرازته. وكمثال لفترة طفولته، ذكرت لقاءه بشيوخ اليهود وتعجبهم من إجاباته (لو 2: 46)…. كمعلم في سنه المبكرة. أما ادعاء ذهابه إلى الصين، فلا سند له… لا سند له من الكتاب، ولا من التاريخ، ولا من التقاليد. يقصد به أعداء المسيح أنه اخذ تعاليمه عن البوذية.

ولذلك حسناً إن الإنجيل ذكر علم المسيح الفائق منذ صباه، حتى أنه مثار عجب الشيوخ، فلم يكن محتاجاً أن يذهب إلى الصين أو غيرها. وتعليم السيد المسيح أسمى من البوذية ومن أي تعليم آخر. وأي دارس يكتشف هذا السمو بما لا يقاس. وليس الآن مجال المقارنة. ولو كان هناك تشابه بين تعاليمه والبوذية، لآمن به البوذيون. فهل تراه آخذ عن البوذية أيضاً معجزاته الباهرة؟! هل أخذ منها إقامة الموتى، ومنح البصر للعميان، وانتهار البحر والمشي على الماء، وإشباع الآلاف من خمس خبزات، وشفاء الأمراض المستعصية، وإخراج الشياطين…

وباقي المعجزات التي لا تحصى. وهل أخذ من البوذية الفداء الذي قدمه للعالم… لا داعي إذن لأن يسرح الخيال في فترة الثلاثين سنة السابقة لخدمته. إنما يكفي أن نقول إن السيد المسيح – حسب الشريعة – بدأ خدمته من سن الثلاثين (عد 4: 3، 23، 47) (اأي 23: 3). وما يلزمنا معرفته في قصة الخلاص هو رسالة المسيح بعد الثلاثين، يضاف إليها ميلاده البتولي، وما أحاط به من نبوءات ومعجزات. وهذا يكفي.

35 هل السـيد المـسيح نقض النـاموس؟

السيد المسيح لم يأت لنقض الناموس أي شرائع العهد القديم والوصايا العشر، فلماذا لا يطلب من المسيحين العمل بموجب الناموس، مع العلم أن السيد المسيح لم يقل لأتباعه المؤمنين به أن يتركوا شريعة موسى أو شرائع العهد القديم؟

إن السيد المسيح لم يأت لينقض الناموس، بل ليكمله. وهو نفسه صرح بقوله: “لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس… ما جئت لأنقض بل لأكمل” (متى 5: 17). فالمسيح لم يلزم المسيحيين باتباع ناموس العهد القديم المتمثل بالشرائع والقوانين التي كان الناس يتقيدون بها خوفاً من الله، أو خوفاً من العقاب الذي كان يفرض على كل مخالفة للناموس، بل أراد المسيح من المسيحيين أن يسيروا بحسب الناموس الكامل الذي أكمله بمجيئه. والذي يتمثل بالمحبة، محبة الله للإنسان، ومحبة الإنسان لله ولأخيه الإنسان.

والمسيح أكمل الناموس بتتميمه لعمل الفداء العظيم، ووضع حداً للذبائح بذبيحة نفسه أي موته على الصليب بدلاً عن الخطاة. أما بالنسبة للوصايا العشر، فقد أعطاها السيد المسيح معنى جديد وتفسيراً جديداً، وهو أن كل الوصايا تشير إلى المحبة. فإذا أحب الإنسان الله، فإنه لا يخالف إرادته. وإذا أحب الإنسان نفسه فإنه لا يدنسها بالأعمال الرديئة والشهوات البطالة. وقد شدد المسيح بأن الله يريد من الإنسان التمسك بمبدأ المحبة لا بالقوانين والنواميس والشرائع البالية، أو الطقوس القاسية، بمعنى أنه لا ينبغي على الإنسان أن يعمل بموجب الوصايا خوفاً من عقاب الله، وإنما استجابة لداعي المحبة والعيش بموجب هذه المحبة في الحياة اليومية. أما بالنسبة للوصايا العشر فقد أعطاها المسيح أبعاداً جديدة.

فإنه شرح مثلاً الوصايا بالنسبة لمبدأ المحبة. فهو لا يريد من الناس عدم كسر الوصايا لأنها مجرد قوانين، كما أنه لا يكتفي بعدم عمل أو ارتكاب الخطية، بل يريدنا أن نذهب إلى أبعد من ذلك بأن لا نفكر في الخطية بقلوبنا. وبمعنى آخر، لا يكفي أن تكون أعمالنا حسنة، بل أن تكون أفكارنا مقدسة وضمائرنا صالحة ونقية. فالمسيح أشار إلى بعض الوصايا بقوله: “سمعتم أنه قيل للقدماء لا تقتل، ومن يقتل يكون مستوجب الحكم. أما أنا فأقول لكم، إن من يغضب على أخيه باطلاً يكون مستوجب الحكم” (متى 5: 21-22). أي أنه ليس القتل وحده خطية بل مجرد الغضب باطلاً هو خطية.

وبهذا الصدد أشار إلى أن تقديم الذبائح وحده لا يكفر عن الخطايا، بل المصالحة مع الآخرين، فقال: “فإن قدمت قربانك على المذبح وهنالك تذكرت أن لأخيك شيئاً عليك، فاترك هناك قربانك قدام المذبح، واذهب أولاً اصطلح مع أخيك وحينئذ تعال وقدم قربانك” (متى 5: 23-24). وبهذا ندرك أن صفاء النية ونقاء القلب تجاه الغير والمصالحة هي الأساس وليس تقديم الذبائح. أما بالنسبة للوصية التي تتعلق بالزنى، فقد قال يسوع: “سمعتم أنه قيل للقدماء لا تزن، وأما أنا فأقول لكم، إن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه” (متى 5: 27-28). وبهذا شدد المسيح بأنه ليس القيام بفعل الزنى وحده خطية.

بل مجرد الاشتهاء البطال هو خطية. سواء أقام الإنسان بفعل الزنى أم لم يقم. فإن يسوع لا يكتفي بمحبتنا للذين يحبوننا، لأن ذلك أمر بديهي، وكل إنسان يحب من يحبه. ولكن المهم أن يدرب الإنسان نفسه على محبة من لا يحبه حتى عدوه (متى 5: 43-46). وبهذا تظهر قداسة الأفكار المسيحية وأفكار الناموس الكامل الذي أكمله المسيح. والذي ينبغي على المؤمن بالمسيح أن يسير بموجبه. فالسيد المسيح أضاف إلى الناموس تعاليم المحبة والتسامح والإخاء والقداسة. ولو حاولنا مطالعة الإنجيل المقدس بهذا الصدد لاتضح الأمر بجلاء.

* هل ما زال المسيحيون يحترمون الوصايا العشر ويعملون بموجبها؟

– لا شك أن المسيحيين ما زالوا يحترمون الوصايا العشر لأنها وصايا الله، وإن التعليم المسيحي ينظر إلى الوصايا العشر بأنها مرآة عاكسة يرى الإنسان أخطاءه بواسطتها عندما ينظر إليها. وعندما يرى الإنسان خطأه، عليه أن ينظر إلى نعمة الله ومحبته وغفرانه الذي أعده الله في المسيح يسوع وعلى من يؤمن بالمسيح يسوع ان يحاول السير في خطاه واتباع الناموس الكامل. وإن الفرق بين إيمان المسيحيين، وإيمان المؤمنين في العهد القديم، هو أن مؤمني العهد القديم كانوا يسيرون بموجب الشريعة أو الناموس، ويحاولون تطبيقها حرفياً، كما أنهم كانوا يعتمدون على الذبائح والمحرقات للتكفير عن خطاياهم.

فكانت هناك شرائع وقوانين دينية وأدبية واجتماعية وشعائر وتقاليد يفرض على المؤمنين التقيد بها لإرضاء الله. أما المؤمنون في العهد الجديد فإنهم لا يتقيدون بتلك القوانين والشعائر والطقوس، بل عليهم أن يعلموا بروح المحبة التي علمهم إياها يسوع ويؤمنوا بالمسيح المخلص ويسيروا في خطاه. فحفظ الوصايا والتقاليد والشعائر بحسب تعاليم العهد القديم لا تكفي لخلاص الإنسان، لأن الكتاب المقدس يشير إلى أن الناموس يتطلب الكمال، والمعروف أنه ليس من إنسان كامل يستطيع أن يتقيد كلياً بالعمل بالوصايا كلها دون أن يكسر واحدة منها. وإذا كسر الإنسان أية وصية فكأنه كسرها كلها. ويقول الكتاب المقدس بهذا الصدد: “لأن من حفظ كل الناموس، وإنما عثر في واحدة فقد صار مجرماً في الكل.

لأن الذي قال لا تزن قال أيضاً لا تقتل. فإن لم تزن ولكن قتلت فقد صرت متعدياً للناموس” (يعقوب 2: 10-11). وبما أنه لا يستطيع أحد أن يعمل بكل الوصايا دون أن يخطئ بواحدة منها، كانت الذبائح تقدم في العهد القديم. ولكن المسيح بإكماله الناموس، بذبيحة نفسه أبطل عهد الذبائح، ولم يعد من الضروري أن يقدم الناس الذبائح لأجل خلاص نفوسهم، لأن يسوع بذل نفسه لأجل الجميع (تيموثاوس 2: 6).

وبما أن السيد المسيح أبطل عهد الذبائح، لهذا لا يقدم المسيحيون الذبائح التي كان الناس يقدمونها في العهد القديم، فالرب يسوع قدم نفسه مرة واحدة كذبيحة مرضية. وإنه بذلك لم يقدم نفسه كحمل للذبح عن خطايا المسيحيين فقط بل عن خطايا كل العالم. ويقول الكتاب المقدس بهذا الصدد: “هو ذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم” (يوحنا 1: 29). وهو الذي أبطل الخطية بذبيحة نفسه (عبرانيين 9: 26). وكذلك أيضاً أبطل عهد الذبائح إلى الأبد (عبرانيين 10: 14). ولهذا فإن الخلاص من الخطية في العهد الجديد ليس بتقديم الذبائح والمحرقات، وإنما هو هبة من الله كما ورد في الكتاب المقدس، “لأنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم. هو عطية الله” (أفسس 2: 8).

هذه هي الفروقات بين إيمان المسيحيين. وإيمان المؤمنين في العهد القديم. فالمسيحيون يؤمنون أن الله المحب يبرر الإنسان بالنعمة التي يهبها مجاناً لكل من يؤمن. والمسيح، الإله المتجسد هو عطية السماء لسكان الأرض، وكان مجيئه إلى العالم تعبيراً عن محبة الله القدوس نحو الإنسان الخاطئ، ورغبة منه في خلاصه، كما ورد في الآية الكريمة القائلة: “لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية” (يوحنا 3: 16).

36 لماذا هناك اختلاف بين متى ولوقا حول نسـب المسـيح؟

يورد إنجيلا متى ولوقا سلسلة نسب المسيح، ويبدو من القراءة السطحية أن السلسلتين متناقضتان، ولكن نظرة قريبة تلقي الضوء على الموضوع:

في السلسلة التي ذكرها متى: يبدأ من إبراهيم إلى يوسف. في إنجيل متى 1: 12 يقول “ويعقوب ولد يوسف رجل مريم التي ولد منها يسوع الذي يدعى المسيح”. لاحظ أن يوسف هذا من أحفاد الملك داود. وقد انتقل الملك إلى المواليد من الرجال أي نسله (انظر 1صموئيل 10، 2صموئيل 2: 4، 1ملوك 2: 4) وعلى هذا فقد كان ليوسف الحق في عرش داود، كما كان لأبناء يوسف الحق ذاته. ولاحظ أن يوسف مرتبط بمريم، باعتبار أنه “رجل مريم” فهذا يربط المولود منها. وعلى هذا فإن يسوع صاحب حق قانوني في عرش داود عن طريق يوسف.

أما النسب المذكور في لوقا فيعود إلى داود وآدم والله. فنجد في لوقا 3: 23 “لما ابتدأ يسوع (خدمته)، كان في الثلاثين من العمر تقريباً، وكان معروفاً أنه ابن يوسف بن هالي” وأما متى فيقول إن يوسف هو ابن يعقوب. فالأرجح أن يوسف كان نسيب هالي وذلك لأن لوقا 1، 2 يركز الكلام على مريم. فكان لا بد أن يستمر التوضيح في لوقا عن نسب مريم، وعلى هذا فإن لوقا يورد نسب المسيح من جهة مريم عائداً إلى داود وآدم.

37 يسـأل البعض: لماذا تـأخـر الله في تنفيـذ وعـده بالخلاص؟

لقد وعد الله منذ خطية آدم وحواء، بأن نسل المرأة سيسحق رأس الحية (تك 3: 15) وكان المقصود بنسل المرأة السيد المسيح الذي سيسحق رأس الحية أي الشيطان ومع ذلك مرت آلاف السنين والحية ترفع رأسها وتتحدى البشرية وتوقع الملايين في شرور كثيرة، بل وفي عبادة الأصنام! فلماذا تأخر الله في تنفيذ وعده طوال ذلك الزمان كله؟

والجواب هو أن الله لو قام بعملية الفداء في الأجيال الأولى للبشرية، ما كان الناس يفهمون الفداء، وما كانوا يدركونه. كان لا بد إذن من إعداد البشر لفهم التجسد ولفهم الفداء. بل أيضاً ترسيخ ذلك في عقولهم، حتى إذا ما تم الخلاص بالفداء يمكنهم أن يدكروا معناه وهدفه اللاهوتي، ويؤمنوا به. فكيف حدث ذلك؟ فكرة الفداء والذبائح: الفداء هو أن نفساً تموت عوضاً عن نفس أخرى. نفساً بريئة غير مستحقة للموت، تموت بدلاً من نفس خاطئة تستحق الموت.

والإنسان كان مستحقاً للموت بسبب عصيانه لله الذي قال له: يوم تأكل من تلك الشجرة موتاً تموت (تك2: 17). ومن رحمة الله أراد أن يفديه. ولكن كان لا بد من تقديم الفكرة، وبتدريج طويل يثبت في ذهنه. فما هي الخطوات التي اتخذها الله لأجل هذا الغرض؟

  1. يقول الكتاب أن الإنسان لما أخطأ، بدأ يشعر بعريه، فغطى نفسه بأوراق التين. ولكن بدلاً منها “ألبسه اقمصة من جلد” (تك 3: 21). ومن أين هذا الجلد إلا من ذبيحة؟ وهنا رسخت حقيقة في عقل الإنسان: أن الخطيئة تجلب العرب والشعور بالخزي، بينما الذبيحة تغطي وتستر.
  2. استمر تقديم الذبائح. فنسمع أن هابيل قدم قرباناً للرب من أبكار غنمه ومن سمانها (تك4: 4). ولا شك أن فكرة تقديم الذبيحة قد أخذها هابيل عن أبيه آدم، وآدم عرفها من الله. والذي يتضح من ذبيحة هابيل هذه، أنها كانت أفضل ما عنده وأن الله قد قبلها.
  3. نلاحظ أن كل الذبائح قبل شريعة موسى كانت محرقات: أي أن النار تظل تحرقها حتى تتحول إلى رماد (لا 6: 9، 10) لا يأكل منها مقدمها ولا أحد من أصحابه، ولا الكاهن. بل تكون كلها للنار. والنار ترمز إلى العدل الإلهي. أي أن العدل الإلهي يأخذ حقه منها كاملاً… أبونا نوح أصعد محرقات على المذبح من كل الحيوانات الطاهرة (تك 8: 20)، وإبراهيم أيضاً قدم محرقة (تك 22: 13)، وأيوب أصعد كذلك محرقات (أي 1: 5).

  4. كانت المحرقات لإرضاء الله الذي أغضبته الخطايا. لذلك لما أصعد نوح محرقاته قيل “فتنسم الرب رائحة الرضا… وقال لا أعود ألعن الأرض أيضاً من أجل الإنسان” (تك 8: 21).
  5. نرى معاني أخرى في ذبيحة الفصح (خر 12) التي كانت ترمز إلى المسيح (1كو 5: 7). صدر حكم الموت على جميع الأبكار. وكان الملاك المهلك سيمر ويضرب كل بكر “من ابن فرعون الجالس على عرشه إلى بكر الأسير الذي في السجن” (خر 12: 29) وأراد الله أن يخلص أبكار بين إسرائيل، فأمرهم أن يذبحوا خروف الفصح، ويرشوا من دمه على أبوابهم.
    ووعدهم قائلاً “ويكون لكم الدم علامة على البيوت، فأرى الدم وأعبر عنكم” (خر 12: 13)
    وهكذا دخلت في أذهانهم هذه الحقيقة الهامة وهي: الخلاص بالدم، من الموت والهلاك. ورسخت هذه الحقيقة بمرور الأجيال، إذ أصبح الفصح عيداً يعيدونه كل عام بقول الرب لهم “ويكون هذا اليوم تذكاراً، فيعيدونه عيداً للرب في أجيالكم فريضة أبدية (خر 12: 14). وأصبح رمزاً للخلاص بدم المسيح. ولذلك ليس غريباً فيما بعد أن يقول القديس بولس الرسول “لأن فصحنا أيضاً المسيح قد ذبح لأجلنا، فلنعيد…” (1كو 5: 7). وارتبط الفصح بالدم.

  6. وأدخل الرب في أذهانهم فكرة هامة وهي الكفارة.ففي كل الذبائح التي رتبها موسى لهم لمغفرة خطاياهم كانت تتكرر عبارة “الكفارة”: سواء ذبيحة المحرقة (لا 1: 4)، أو في ذبيحة الخطية (لا 4: 20، 26). أو في ذبيحة الإثم (لا 22: 5، 6)، أو في يوم الكفارة العظيم (لا 16) للتكفير عن خطايا الشعب كله (لا 16: 17، 19) وذلك للتقديس والتطهير والصفح عن الخطايا والنجاسات. ولذلك ليس غريباً أن قال القديس يوحنا الرسول فيما بعد: “وإن أخطأ أحد، فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار.
    وهو كفارة لخطايانا ليس لخطايانا فقط، بل لخطايا كل العالم أيضاً” (1يو 2: 1، 2؛ 1يو 4: 10). ولارتباط دم الذبيحة بالمغفرة، قال القديس بولس مبدأ هاماً هو: “بدون سفك دم لا تحصل مغفرة” (عب 9: 22)، حسب الناموس. إذن كل تلك الذبائح كان إعداد للشعب، لفهم مبادئ الكفارة والفداء وغفران الخطايا بالدم، ولذلك كان مقدم الذبيحة يضع يده على رأس الذبيحة ويقر بخطاياه (لا 5: 5). فتحمل الذبيحة خطاياه عنه، وتسمى الحمل. وهكذا قال يوحنا المعمدان فيما بعد عن المسيح “هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم” (يو 1: 29).

  7. وبمرور الأجيال أصبح اليهود ينتظرون هذا المخلص. حتى ظهر هذا المعنى في أسماء بعض أنبيائهم مثل (يشوع) بمعنى مخلص. ومثل أشعيا، وهوشع بمعنى الله يخلص. وارتبط هذه الخلاص عندهم بانتظار المسيا أو المسيح. حتى أن السامريين لما تقابلوا مع السيد المسيح، قالوا “نؤمن ونعلم أن هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم” (يو 42: 4). ولم يكتف الرب بتقديم هذه الرموز عن الذبائح وغيرها، بل قدم لهم أيضاً نبوءات عن هذا المسيح المخلص وعمله وصفته: أعدهم بالنبوءات:

منها ما ورد في سفر أشعيا “ها العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل” (إش 7: 14). وأيضاً “لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابناً. وتكون الرياسة على كتفه. ويدعى اسمه عجيباً مشيراً، إلهاً قديراً، أباً أبدياً رئيس السلام… على كرسي داود” (أش 9: 6، 7). وعن آلامه وفدائه وحمله خطايانا، قيل أيضاً في سفر أشعيا النبي: “وهو مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا… كلنا كغنم ضللنا، ملنا كل واحد إلى طريقه. والرب وضع عليه إثم جميعنا” (أش 53: 5، 6). وقيل أيضاً “أما الرب فسر أن يسحقه بالحزن” “جعل نفسه ذبيحة إثم” “أحصي مع أثمة” (أش 53: 10، 12).

وقال عنه داود النبي في المزامير “ثقبوا يدي ورجلي، وأحصوا كل عظامي، يقسمون ثياب بينهم وعلى لباسي يقترعون” (مز 22: 16-18). قال هذا عن السيد المسيح. وقال عن خيانة يهوذا له “الذي أكل خبزي، رفع عليّ عقبه” (مز 41: 9).

وما أكثر النبوءات في المزامير وكتب الأنبياء وغيرها. هذه التي قال عنها لتلاميذه بعد القيامة “إنه لا بد أن يتم ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والأنبياء والمزامير…” (لو 27: 24، 44).

حتى ميلاده في بيت لحم، نرى في قصة المجوس، إنه لما سأل هيرودس الكتبة أين يولد المسيح قالوا له: “في بيت لحم اليهوديه. لأنه هكذا مكتوب بالنبي” (مت 2: 4-6).

كل ما يتعلق بالمسيح المخلص أعده الله في أذهان الناس برموز ونبوءات، يمكن أن تقرأ تفاصيل عنها في كتاب معروف مثل (المسيح في جميع الكتب). ويتحقق بها الناس أنه هو المسيح. إعداد الأشخاص: انتظر الرب حتى أعد فهم الناس للفداء والكفارة والذبيحة، وحتى أعدهم أيضاً بالنبوءات. وانتظر أيضاً حتى أعد الشخصيات التي تعاصر الميلاد، وتشترك في تأدية الرسالة. انتظر حتى تولد العذراء القديسة التي يولد منها المسيح المخلص.

العذراء الطاهرة التي يمكن أن تكون أماُ لرب المجد، فتحبل به وترضعه بعد ميلاده، ويعيش في كنفها في فترة طفولته. العذراء المتواضعة التي تحتمل مجداً كهذا، بكل ما فيه من ملائكة ورؤى ومعجزات، وتحتمل أن جميع الأجيال تطوبها (لو 1: 48). كانت صفة التواضع لازمة لاحتمال ذلك المجد، وهكذا “تبتهج روحي بالله مخلصي لأنه نظر إلى اتضاع أمته” (لو 1: 47، 48). وانتظر الرب حتى يولد المعمدان، الملاك الذي يهيئ الطريق قدامه (مر 1: 2) الذي يشهد قائلاً “يأتي بعدي من كان قبلي، من هو أقوى مني.

الذي لست أهلاً أن أحل سيور حذائه” (مت 3: 11، يو 1: 27). والذي يقول “لست أنا المسيح، بل أنا مرسل أمامه… ينبغي أن ذاك يزيد، وأني أنا أنقص. الذي يأتي من فوق، هو فوق الجميع. الذي يأتي من السماء هو فوق الجميع” (يو 3: 28-31).

وانتظر الرب الوقت الذي تكمل فيه جوقة الاثني عشر وباقي الرسل والتلاميذ أولئك الذين يحملون رسالته إلى العالم أجمع، وإلى أقطار المسكونة تبلغ أصواتهم، الذين يكرزون به قائلين “ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس” (أع 5: 29) “أما نحن فلنا فكر المسيح” (1كو 3: 16).

وانتظر حتى يوافق وجود هؤلاء، وجود الكتبة والفريسيين وكهنة اليهود الذين يسلمونه للموت حسداً، ووجود يهوذا الذي يخونه وكذلك وال روماني جبان، يحكم عليه خوفاً من اليهود.

وانتظر الرب حتى توجد لغة عالمية تساعد على انتشار الكرازة هي اللغة اليونانية، التي ترجم إليها العهد القديم (اللغة السبعينية) مما يساعد على انتشار النبوءات والرموز. وكذلك حكم الرومان الذي بدأ من سنة 30 ق.م. وانتشرت به الطرق الرومانية التي تساعد على انتقال الرسل… ولما كمل كل هذا انطبق قول الرسول. “ولكن لما جاء ملء الزمان، أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة تحت الناموس، ليفدي الذي تحت الناموس، لننال التبني” (غل 4: 4، 5).

حقاً إن الله يفعل كل شيء في حينه الحسن، في ملء الزمان، حينما يصير كل شيء ممهداً حسب وفرة حكمته. إنه لا يتأخر ولا يسرع. وإنما “لكل شيء زمان، ولكل أمر تحت السماوات وقت” (جا 1: 3). فلما جاء الوقت، نفذ الله وعده بالخلاص.

أسئلة يسألها المسلمون ج9 والرد المسيحي عليها