آبائياتأبحاث

أبوكريفا العهد القديم – أدب العهد الجديد الأبوكريفي 1

أبوكريفا العهد القديم - أدب العهد الجديد الأبوكريفي 1

أبوكريفا العهد القديم – أدب العهد الجديد الأبوكريفي 1

أدب العهد الجديد الأبوكريفي - 1- أبوكريفا العهد القديم
أدب العهد الجديد الأبوكريفي – 1- أبوكريفا العهد القديم

أدب العهد الجديد الأبوكريفي – 1- أبوكريفا العهد القديم

في الحقيقة لم يقدم لنا العهد الجديد إلا معلومات قليلة عن طفولة الرب وحياة أمه وانتقالها ورحلات رسله التبشيرية، لذا لا عجب في أن خيال المسيحيين الأتقياء قد تحرك ليكمل التفاصيل الناقصة. وهكذا تمت عملية كتابة الأساطير على مجال واسع من الحرية بهدف التثقيف والتهذيب. ومن ناحية أخرى، شعر الهراطقة، خاصة الغنوسيين[1]، أنهم بحاجة إلى روايات إنجيلية تؤيد تعاليمهم العقائدية. هكذا، نمت حول الأسفار القانونية مجموعة من الأساطير تُشكل تلك الكتابات المعروفة بـ “أبوكريفا العهد الجديد”، وقد ظهرت الأناجيل غير القانونية، والأسفار الرؤيوية المنحولة، والرسائل، واسفار الأعمال المنحولة المنسوبة للرسل بوصفها متممة للأسفار القانونية.

ولم تكن كلمتا “أبوكريفي”، وأبوكريفا” في الأصل تعنيان ما هو مزيف أو غير حقيقي، وذلك على الأقل في أذهان من استخدموهما. أولاً: فقد اعتبرت بعض من تلك الأعمال قانونية وفقاً لشهادة كل من القديس جيروم (Prol. Gal. in Samuel et Mal, Epist. 107. 12) والقديس أغسطينوس (De civitate Dei, 15.23.4).

وقد كان السفر الأبوكريفي في بداية الأمر سفراً مقدساً جداً وخاصاً للغاية حتى أنه يجب ألا يطلع عليه الجميع، لذا كان يجب أن يكون مخفياً (apocryphon) عن العامة وأن تقتصر معرفته فقط على هؤلاء المنضمين الجدد إلى المسيحية. وفي سبيل أن تحصل تلك الأسفار على القبول، كانت تظهر تحت أسماء الرسل وتلاميذ يسوع الأتقياء. لكن، عندما اكتشف زيف هذه الأسفار، تغير معنى كلمة “أبوكريفي”؛ ومن هذا الوقت فصاعداً صارت كلمة “أبوكريفي تعني “منحول، مزيف، مرفوض”.

ويستطيع حتى القارئ البسيط جداً أن يشعر بتدني هذه الكتابات مُقارنة بالأسفار القانونية، فهي تزخر بالمعجزات المزعومة التي أحياناً ما تكون مبتذلة إلى حد السخف. ولكن بالرغم من هذا، فللأبوكريفا أهمية قصوى بالنسبة للمؤرخين الكنسيين، لأنها تمدهم بمعلومات قيمة عن الاتجاهات والعادات التي اتصفت بها الكنيسة الأولى.

علاوة على ذلك، تُمثل الأبوكريفا بدايات الأساطير المسيحية، والقصص الشعبية، والأدب الروائي المسيحي. ولا غنى عن الأبوكريفا لفهم الفن المسيحي، فهي التي أوحت بلوحات الموزاييك الموجودة في بازيليكا “سانتا ماريا ماجيوري” (Santa Maria Maggiore) بمدينة روما وأيضاً الحفر البارز الذي كان يزين النعوش المسيحية القديمة.

كما أن الرسومات الصغيرة التي تزين الكتب الليتورجية والنوافذ الملونة الخاصة بكاتدرائيات العصور الوسطى كانت ستصبح غير مفهومة إن لم تكن تشير إلى القصص المذكورة في هذه الأبوكريفا. وللأبوكريفا أيضاً تأثير قوي على الأعمال المسرحية التي كانت تدور حول المعجزات أو الغوامض في العصور اللاحقة، فحتى “دانتي” قد استخدمها كمصدر للمشاهد الأخروية التي أوردها في عمله المعروف بـ “الكوميديا الإلهية”، لذلك نحن نمتلك من خلالها صورة واضحة ومصدراً مباشراً للفكر المسيحي المبكر.

وقد أبدى م. ر. جيمس (M. R. James) تقديراً رائعاً لمكانة الأبوكريفا في تاريخ الأدب المسيحي بقوله: “ربما لا يزال المرء يسمع بعض الناس يقولون: “على أية حال، هذه الأناجيل وأسفار الأعمال الأبوكريفية – كما تحب أن تدعوها – هي محل اهتمام مثلها مثل الأسفار القديمة، وهي لم تدخل ضمن أسفار العهد الجديد فقط من قبيل الصدفة البحتة أو بسبب أهواء البعض”.

أما أفضل رد على هذا الحديث الواهن فكان دائماً – كما هو حالياً – أن تخرج هذه الكتابات للتكلم عن نفسها، ولسوف يتضح بسرعة شديدة أنه ما من أحد قد استبعد هذه الأسفار من العهد الجديد، فهي التي قد استبعدت نفسها بنفسها. لكن ربما يقال: ” إذا كانت هذه الأسفار لا تصلح ككتب تاريخية، أو دينية، أو حتى أدبية، فلما إذن تصرف وقتك وجهدك في الدعاية لها، الأمر الذي أنت بنفسك تظهر أنها لا تستحقه؟” والإجابة على هذا السؤال هي: نعم بشكل جزئي، إلى أن يتمكن الآخرون بالطبع من أن يكونوا رأياً نهائياً عنها.

لكن ليس هذا الأمر كله، ففي الحقيقة، لا ينبغي أن ينظر لهذه الكتب فقط من الزاوية التي تدعيها لنفسها (من جهة قانونيتها) فهي – من كل الجوانب الأخرى – لها فوائد عظيمة ودائمة…. وإذا كانت كتب الأبوكريفا ليس بمصادر تاريخية جيدة من وجهة ما، فهي كذلك من وجهة أخرى، فهي تسجل تخيلات وآمال ومخاوف من كتبوها؛ إنها تظهر الأمور التي كان يقلبها المسيحيون غير المتعلمين في القرون الأولى، وتلك التي كانت تشغلهم، وتلك التي كانت تعجبهم؛ والأمثلة السلوكية التي كانوا متعلقين بها في هذه الحياة، والأمور التي كانوا يظنون أنهم يجدونها في النص. أما بالنسبة للقصص الشعبية والروايات، سنجد مرة أخرى أن الأبوكريفا ثمينة جداً.

كما أنها تكشف لمحبي ودارسي أدب العصور الوسطى وفنها عن جزء ليس بصغير من أصولهما، هذا بالإضافة إلى أنها تعطيهم حلولاً لألغاز كثيرة تقابلهم. ولقد تركت الأبوكريفا بالفعل تأثيراً عظيماً جداً وواسعاً جداً – لا يتناسب إجمالاً مع قيمتها الداخلية – حتى إنه لا يمكن لشخص مهتم بتاريخ الفكر المسيحي والفن المسيحي أن يهملها.

أولاً: المدسوسات المسيحية المبكرة في أبوكريفا العهد القديم

يمكننا أن نتتبع عادة تقليد الأسفار الكتابية المقدسة، إلى ما قبل ظهور المسيحية. ولقد نسب مؤلفو هذه الأسفار الأبوكريفية كتاباتهم إلى شخصيات معروفة وأرجعوا تاريخ كتابتها إلى فترات تسبق بكثير تاريخ كتابتها الحقيقي.

وهكذا، ظهر في القرن الثاني قبل الميلاد سفر “عزرا الثالث” الذي يسرد نسخة منقحة من قصة انحدار وسقوط مملكة يهوذا بداية من عهد الملك يوشيا، ولقد استكمل هذا السفر في العصر المسيحي بالسفر المسمى بـ “عزرا الرابع”، وبما أن هذا الأخير قد كتب في وقت دمار هيكل أورشليم تقريباً، لذا تأثر كثيراً بالآمال والتطلعات المسيحية؛ كما أن تأثيره على الإسخاتولوجيا المسيحية لم يكن قليلاً. لهذا، لم يكن من المفاجئ أن يتم اعتبار هذا السفر قانونياً.

ولقد ظهر سفر أخنوخ بطريقة مماثلة، وهو يتكون من مجموعة من الاستعلانات الرؤيوية، نواتها هي الفصول من 1 إلى 36 والفصول من 72 إلى 104 التي يعود تاريخ كتابتها إلى القرن الثاني قبل ميلاد المسيح، وتحتوي هذه الفصول في أغلب الظن على أقدم قطعة أدبية يهودية تتناول موضوع “قيامة إسرائيل العامة”، ثم وسعت مدسوسات الكتاب المسيحيين خلال القرن الأول الميلادي من محتوى سفر أخنوخ أكثر فأكثر.

أما ما هو مثير للاهتمام بشكل خاص، هو أننا نجد في الفصلين (32: 2 – 33: 2) من سفر “أسرار أخنوخ” (الموجود باللغة السلافية) أول إشارة إلى عقيدة الملك الألفي[2]. ويمكننا كذلك أن نجد المزيد من هذه المدسوسات في العمل المعروف بـ “عهد البطاركة الاثني عشر”، وهو عمل مركب يدعي أنه يحتوي على الكلمات الأخيرة لأبناء يعقوب الاثني عشر. ويمكن أن نجد الأمر نفسه في العمل المعروف بـ “رؤيا باروخ”.

أما أهم نموذج للتغيرات التي أحدثها المسيحيون في الكتابات اليهودية فنجده متمثلاً في سفر “صعود إشعياء”، وقد بنيت هذه الوثيقة القيمة – التي تعود إلى نهاية القرن الأول وبداية الثاني – على مجموعة من الأساطير اليهودية التي تتحدث عن “باليار” (Beliar) واستشهاد النبي إشعياء. أما الجزء الثاني من العمل (الفصول من 6 إلى 11) فعبارة عن وصف متحمس للسموات السبع، وتجسد المسيح وآلامه وقيامته وصعوده إلى السماوات بحسب ما رأى إشعياء عندما اختطف إلى السماء، ولا شك أن هذا القسم من العمل ذو أصل مسيحي.

وإلى جانب النبوءات عن المسيح وكنيسته، يعطي هذا القسم وصفاً لا تخطئه عين للإمبراطور نيرون، وهو وصف ذو أهمية خاصة باعتباره أقدم شهادة موجودة لدينا بشأن الطريقة التي استشهد بها بطرس. ونحن لا نمتلك النص الكامل لهذه الرؤيا إلا باللغة الإثيوبية فقط، لكن يوجد لدينا شذرات كبيرة منه محفوظة في تنقيحات يونانية، ولاتينية، وسلافية.

[1] ليست الغنوسية مذهباً واحداً، ولكنها مذاهب شتى تجمع بين المسيحية واليهودية والوثنية والأفكار الفلسفية الهيلينية، ولكن جميع هذه المذاهب تنظر للمادة على أنها شر ونجاسة وخطية، والإله العظيم منزه عن الاتصال بالمادة، لذلك فهو لم يخلق العالم إنما صدر منه آلهة آخرى، وأكثر هذه الآلهة بعداً عنه هو الإله الذي اتصل بالمادة وخلق العالم، واعتقدوا أن الأرواح كانت موجودة في عالم سماوي منير ولكنها سقطت فجأة إلى الأرض وأصبحت سجينة الجسد المادي، وتحتاج إلى من يخلصها، والخلاص يأتي عن طريق المعرفة، غنوسيس Gnosis، والغنوسيون هم أصحاب المعرفة، وبالمعرفة يعرف الإنسان أصله، ويعرف من هو، ويعرف كيف يخلص (المراجع).

[2] هي عقيدة ينادي أصحابها بان المسيح سيأتي ليملك على الأرض مع المؤمنين ألف سنة (رؤ 20: 1-6) لكي يحقق بعض الوعود مثل (أش 11، 65)، والتي لا يمكن أن تكون قد تحققت في المجيء الأول، وهذا الاعتقاد قد تسلل إلى بعض الآباء الأولين من التعاليم اليهودية التي ظهرت في فترة ما بين العهدين، حيث في ظروف الظلم والفساد والاستعباد، ظهرت بعض الكتابات مثل عزرا الثاني وسفر أخنوخ، والتي تتكلم عن مملكة المسيا الذي سيأتي ليحرر اليهود من كل هذه الأمور، ومن أشهر من نادى بالملك الألفي القديس إيريناؤس، ويوستينوس الشهيد (المراجع).

إقرأ أيضًا:

تقييم المستخدمون: 3.7 ( 1 أصوات)