آبائياتأبحاث

أسفار أعمال الرسل الأبوكريفية – أدب العهد الجديد الأبوكريفي 3

أسفار أعمال الرسل الأبوكريفية - أدب العهد الجديد الأبوكريفي 3

أسفار أعمال الرسل الأبوكريفية – أدب العهد الجديد الأبوكريفي 3

أدب العهد الجديد الأبوكريفي - 3- أسفار أعمال الرسل الأبوكريفيةأدب العهد الجديد الأبوكريفي - 3- أسفار أعمال الرسل الأبوكريفية
أدب العهد الجديد الأبوكريفي – 3- أسفار أعمال الرسل الأبوكريفية

أسفار أعمال الرسل الأبوكريفية – أدب العهد الجديد الأبوكريفي 3

تشترك أسفار الأعمال الأبوكريفية مع الأناجيل الأبوكريفية في كونها تزود القارئ بالمعلومات الغائبة عن العهد الجديد، فتماماً مثل الأناجيل – الأبوكريفية – التي تؤلف مادة قصصية لكي تملأ الفراغات المتروكة في حياة يسوع وعائلته، هكذا أعمال الرسل الأبوكريفية تحكي عن حياة الرسل وموتهم بطريقة تذكرنا بالقصص الرومانسية الوثنية.

ومن الواضح أن قصد ابتداع أدب شعبي يحل محل الروايات الوثنية الإيروتيكية[1] كان له دور هام في تكون هذه الأعمال الأبوكريفية، فهي تذخر بالمغامرات ووصف البلاد الأجنبية والشعوب الغريبة؛ ويمر أبطالها بكل أنواع المخاطر، بل يمكننا أن نرى أن تأثير القصص الخرافية المنتشرة والفلولكلور والأساطير عليها يفوق تأثيرها على الأناجيل الأبوكريفية. لكن أحياناً، تظهر بعض التقاليد الصحيحة تاريخياً تحت كل هذا الكم من القصص المعجزية الخيالية، وذلك مثلاً عندما يذكر سفر “أعمال بطرس وبولس” استشهاد الرسولين في روما، وأيضاً عندما يذكر سفر “أعمال يوحنا” أمر إقامة يوحنا في مدينة أفسس.

وبالرغم من أن معظم هذه الأسفار تُظهر ميولاً هرطوقية، إلا أنها ذات أهمية قصوى لكل من تاريخ الكنيسة وتاريخ الثقافة؛ فهي تلقي بأضواء كثيرة على تاريخ العبادة المسيحية في القرنين الثاني والثالث، وتصف الشكل الأول لخدمات العبادة الدينية التي كانت تقام في المنازل، كما أنها تضم الترانيم والصلوات التي تُشكل بداية الشعر المسيحي. هذا بالإضافة إلى أن هذه الأسفار تعكس الشكل النسكي الخاص بالطوائف الهرطوقية المنتشرة، وتظهر أيضاً محاولات التوفيق التي كانت تتم داخل الدوائر الغنوسية بين المعتقدات المسيحية والأفكار والخرافات الوثنية. ويقول (M. R. James): “يمكننا أن نجد ضمن الصلوات والأحاديث المنسوبة إلى الرسل في أسفار الأعمال المنحولة بعض الأقوال المميزة بل والجميلة؛ كما أن الكثير من هذه القصص المذكورة بها جديرة بالذكر، ومليئة بالخيال، وقد جعلتها عبقرية فناني العصور الوسطى مُبجلة لدينا ومألوفة لنا. لكن، لم يكن مؤلفو هذه الأعمال يتكلمون بلهجة بولس أو يوحنا؛ أو ببساطة الأناجيل الثالثة الأولى، لذا لن نظلمهم إن قلنا إنهم عندما يحاولون أن يكتبوا مثل الأناجيل فإنهم يصبحون مملّين. واختصاراً، يمكننا أن نقول إن دراسة مثل هذا النوع من الأدب دراسة دقيقة، سواء أكانت مجملة أم مفصلة، سوف تعود بالمزيد من الاحترام للوعي الذي كانت تمتلكه الكنيسة الجامعة، والحكمة التي لعلماء الإسكندرية، وأنطاكية، وروما فهم كانوا – بلا أدنى شك – صيارفة متمرسين، لقد امتحنوا كل شيء وتمسكوا بالحسن.”

والمؤلفون الحقيقيون لهذه الأسفار غير معروفين، لكن بداية من القرن الخامس الميلادي ذُكر شخص يدعى “لوكيوس” باعتباره مؤلف أعمال الرسل الأبوكريفية الهرطوقية، فيذكر فوتيوس في (Bibl. Cod. 114)، رجلاً يدعى “لوكيوس خارينوس” باعتباره كاتي مجموعة أعمال بطرس، وبولس، واندراوس، وتوما، ويوحنا. وقد اعتُبر لوكيوس في البداية أنه مؤلف “أعمال يوحنا” فقط؛ إلا أنه لاحقاً نسبت إليه كل أسفار الأعمال الهرطوقية. ولمحاولة منع انتشار هذه الأسفار المنحولة وتعاليمها الهرطوقية، قام مؤلفون مستقيمو العقيدة بإعادة كتابة بعضها، وهكذا عوضوا النقص الكائن في الروايات القانونية المتعلقة برحلات الرسل التبشيرية. ولقد اعتمد كثير من فصور كتاب أعياد الرسل الخاص بالكنيسة الكاثوليكية الرومانية على هذه الأعمال.

1 – أعمال بولس

علق ترتليان في بحثه “عن المعمودية” (الفصل 17) قائلاً: “ولكن الكتابات المنسوبة خطأ إلى بولس تؤيد حجتها بمثال تكلا، وذلك بوصفه أنه يعطي رخصة للمرأة كي تُعلم وتُعمد. ولكن ليعلم الجميع أن هذا القس الذي ألف هذه الكتابات في آسيا – كما لو كان يزيد بولس من شهرة على شهرته – قد عُزل من رتبته بعد أن تمت إدانته واعترف أنه هو من فعل هذا محبة منه في بولس”. ويبدو واضحاً من هذه الكلمات أن هناك كتاباً اسمه “أعمال بولس” كان متداولاً بين الناس قبل زمن ترتليان، وكان مؤلفه كاهناً من آسيا الصغرى قد أوقف عن خدمته الكهنوتية قبل سنة 190م ولا شك. لكن لم يكن من الممكن لنا أن نحدد المحتوى الكامل لهذا الكتاب إلا حينما نشر (C. Shmidt) سنة 1904 شذرات من ترجمة قبطية له كانت موجودة في بردية بجامعة هايدلبرج (Heidelberg).

ولقد أثبتب هذه النسخة القبطية على وجه الخصوص أن هناك ثلاثة نصوص، كانت معروفة لنا منذ وقت طويل باعتبارها كتباً مستقلة، هي في الأصل وببساطة، عبارة عن أجزاء من “أعمال بولس”. وهذه النصوص الثلاثة هي:

  1. أعمال بولس وتكلا.
  2. المراسلات بين القديس بولس وأهل كورنثوس.
  3. استشهاد بولس

أولاً: الكتاب اليوناني المعروف باسم “أعمال بولس وتكلا” (##) يطلق القديس جيروم، في (de vir.ill. 7)، على هذا الكتاب عنوان (Periodi Pauli et theclae)، وهو يضم قصة “تكلا”، الفتاة اليونانية من مدينة إيقونية والتي تحولت إلى المسيحية بكرازة بولس. وتترك تكلا خطيبها وتتبع الرسول لتساعده في عمله الكرازي، ثم تهرب من الاضطهاد والموت بطريقة معجزية، وأخيراً تعتزل العمل الكرازي وتستقر في مدينة سلوقية[2]. وتحمل القصص المروية في هذا العمل كل سمات القصص الخيالية، وتبدو بلا أي أساس تاريخي، إلا أنه، بالرغم من ذلك، أصبح تكريم القديسة تكلا ذا شعبية كبيرة وانتشر في الشرق والغرب، بل إنه في الحقيقة، قد ورد اسمها في الصلوات المقدمة لأجل أرواح المنتقلين (Proficiscere) في الطقس الروماني. ولا يمكننا على وجه التأكيد أن نعرف ما إذا كان هذا الكتاب الأبوكريفي قد كتب ليعطي تبريراً لتكريمها، أم أن القصة لها نواة تاريخية. ولقد حُفظ النص اليوناني الأصلي لهذا الكتاب في عدد من المخطوطات، كما أنه قد بقي لدينا خمس مخطوطات لاتينية له، بالإضافة إلى عدد كبير من الترجمات إلى اللغات الشرقية.

وكان لمحتوى هذه الرواية ولا تزال تأثير كبير على الفن والأدب المسيحي، فلقد أصبح وصف بولس الذي ورد في الفصل الثالث هو النموذج الذي على أساسه رُسمت صورته منذ زمن مبكر: “رأى بولس قادماً، إنه رجل صغير الحجم، ذو رأس أصلع ورجلين معوجتين، قوي، يملك حاجبين ملتصقين، وأنفاً معقوفاً إلى حد ما، مملوءً جمالاً، يظهر أحياناً كإنسان وأحياناً يكون له وجه ملاك.”

ثانياً: المراسلات بين القديس بولس وأهل كورنثوس، وهي تشكل جزءً آخر من “أعمال بولس”؛ وتشمل رد أهل كورنثوس على رسالته الثانية ورسالته الثالثة إليهم.

ثالثاً: وبالإضافة إلى ما سبق، تشتمل أعمال بولس على “استشهاد بولس” أو “آلام بولس” (Passio Pauli). ولقد حفظ هذا النص في مخطوطتين يونانيتين وترجمة لاتينية غير كاملة، وكذلك في ترجمات سريانية، وقبطية، وإثيوبية، وسلافية.

ومحتوى هذا النص أسطوري، وهو يتناول كرازة بولس، وعمله الكرازي في مدينة روما، واضطهاد نيرون، وإعدام الرسول بولس. ولقد أثرت تفاصيل عملية إعدام الرسول، المذكورة في هذا العمل، على كل من الفن والليتورجيا المسيحية بشدة: “ثم وقف بولس ووجهه متجه نحو الشرق ورفع يديه نحو السماء وصلى لوقت طويل. وفي أثناء صلاته، تحاور مع الآباء باللغة العبرية. ثم مد عنقه صامتاً، وعندما قطع الجندي المكلف بالإعدام رأس بولس، تدفع اللبن على عباءته”.

وبعد موته، يظهر بولس للإمبراطور ويتنبأ له بالدينونة الآتية عليه. أما فكرة “المسيح الملك” و”جنود المسيح” فتظهر بوضوح شديد في كل أجزاء هذا العمل؛ فيطلق على المسيح هنا “الملك الأبدي” و”ملك الدهور”، والمسيحيون هم “جنود الملك العظيم”. كما أن الصراع ما بين عبادة المسيح وعبادة الإمبراطور مصور هنا بوضوح.

وقد أثبت الاكتشاف الحديث لجزء كبير من هذا العمل في نصه اليوناني الأصلي أن استنتاج (C. Shmidt) بخصوص الشكل الأصلي لسفر “أعمال بولس” كان صحيحاً. ولقد زودتنا إحدى عشرة صفحة من البردي – كتبت حوالي 300م وموجودة الآن في هامبورج – بجزء كبير من النص الذي كان مفقوداً.

2 – أعمال بطرس

كتبت “أعمال بطرس” سنة 190م، ويبدو أن الكاتب كان يعيش في سوريا أو فلسطين وليس في روما. ونحن لا نمتلك النص الكامل، ولكننا استعدنا ثلثي النص من مصادر مختلفة. ولدينا الجزء الرئيس من “أعمال بطرس” في ترجمة لاتينية وجدت في مخطوطة بمدينة “فيرسيلي” (Actus Vercellenses). وتورد هذه الترجمة المعنونة بـ “Actus Petri cum Simone” الأحداث التالية:

  1. ترك بولس للمسيحيين الرومانيين واتجاهه إلى إسبانيا.
  2. مجيء سيمون الساحر إلى روما وخداعه للمسيحيين بمعجزات ظاهرية.
  3. سفر بطرس إلى روما وانتصاره على الساحر الذي يلقى مصرعه أثناء محاولة منه للطيران منطلقاً من المنتدى الروماني إلى السماء. ثم تُختتم هذه الوثيقة برواية قصة استشهاد بطرس.

وفي سبيل تحديد الوسط الفكري الذي ينتمي إليه المؤلف، يصبح من المهم أن نلاحظ أنه في الفصل الثاني من العمل يذكر أن بولس قد احتفل بالإفخارستيا بخبز وماء: “ثم أحضروا إلى بولس خبزاً وماء للتقدمة، حتى يصلي ويوزعهما على الجميع”. وتشير هذه الحقيقة إلى أن الكاتب يعتنق آراء دوسيتية (docetic). ويمكننا أن نرى التأثير الهرطوقي نفسه في عظة بطرس ضد الزواج، وإقناعه للزوجات بأن يتركن أزواجهن.

ولدينا أيضاً النص اليوناني الأصلي لخبر استشهاد القديس بطرس” (##) الذي يشكل الجزء الثالث من الـ (Vercellenses Actus). وهو يضم قصة “يا رب، إلى أين تذهب؟” الشهيرة، ففي حين كان بطرس يشعر أنه مرغم على ترك مدينة روما، تقابل مع يسوع: “وعندما رآه، قال له: “يا رب، إلى أين تذهب؟” فأجابه الرب قائلاً: “إني ذاهب إلى روما لأصلب”. فقال له بطرس: ” يا رب، هل ستصلب ثانية؟” فأجابه قائلاً: “نعم يا بطرس، سأصلب ثانية”. فعاد بطرس إلى نفسه، وبعد أن رأى الرب صاعداً إلى السماء، عاد إلى روما مبتهجاً وممجداً الرب، لأنه قال: “إني سوف أصلب”، وهو الأمر الذي كان مزمعاً أن يحدث لبطرس”. (Ch. 3. P333 James). ثم تستمر القصة حتى تصل على حكم الوالي أغريباس على بطرس بالموت. وقد صُلب بطرس منكس الرأس بناء على طلبه وقبيل موته، يعظ بطرس عظة طويلة وهو على الصليب تُظهر معانيها الرمزية – مرة أخرى – تأثيراً غنوسياً.

ولا تنتمي القصة المعنونة بـ Martyrium beati Petri Apostoli Lino conscriptum إلى نفس المؤلف، فلقد كُتبت باللغة اللاتينية في القرن السادس الميلادي على الأرجح، وبالتالي لا يمكن أن يكون كاتبها هو لينوس الخليفة الأول لبطرس، ذاك الذي تُنسب إليه كتابتها. كما أن القصة أسطورية تماماً، وهي تتبع تفاصيل خبر الاستشهاد الأصلي كما ورد في الـ (Actus Vercellense) لكنها تضيف إليه بعض التفاصيل الأخرى، مثل اسمي سجاني بطرس: “بروسيسوس” (Proxessus) و”مارتينيان” (Martinian).

3 – أعمال بطرس وبولس

يختلف كتاب “أعمال بطرس وبولس” تماماً عن كل من “أعمال بولس” و”أعمال بطرس” اللذين ذكرناهما تواً، فهو يشدد على العلاقة الحميمة والرفقة التي كانت بين الرسولين. ويبدأ النص بذكر رحلة بولس من جزيرة (Gaudometet) إلى روما، ثم يسرد الأعمال الرسولية التي قام بها الرسولان، ثم استشهادهما في هذه المدينة. ومن الواضح أن الكاتب قد استخدم سفر أعمال الرسل القانوني كأساس لوصفه لرحلة بولس، ومن الممكن أن يكون المؤلف قد كتب هذا العمل بغرض أن يحل محل أسفار أعمال الرسل الأبوكريفية. ويُحتمل أن يكون هذا العمل قد كُتب في القرن الثالث الميلادي، كما أنه نادراً ما يُظهر أي علامات تدل على تأثره بأي هرطقة. والعمل متوفر لدينا في شذرات لاتينية ويونانية.

4 – أعمال يوحنا

إن كتاب “أعمال يوحنا” هو أقدم أسفار أعمال الرسل الأبوكريفية التي في حوزتنا. ولقد كُتب في آسيا الصغرى في الفترة ما بين 150-180م. وبالرغم من أنه لم يبق لدينا منه أي نص كامل، إلا أن بحوزتنا جزءً كبيراً من الأصل اليوناني الذي تُكمل ترجمة لاتينية عدداً من الأحداث الواردة به. ويزعم الكتاب أنه يعطينا رواية شاهد عيان على رحلات يوحنا التبشيرية في آسيا الصغرى، وهو يروي لنا معجزاته، وعظاته، وموته.

وتُظهر عظات الرسول – المذكورة في هذا الكتاب – ميولاً دوسيتية لا تخطئها عين، خاصة عندما تأتي على وصف يسوع وجسده اللامادي، فهو مثلاً يقول في الفصل (93): “أحياناً عندما كنت أمسك به، كانت يدي تصطدم بمادة وجسم صلب. وأحياناً أخرى عندما كنت ألمسه، يصبح جسده غير مادي، كما لو لم يكن موجداً على الإطلاق”. وكذلك صُبغت الترتيلة التي رتلها يسوع للآب مع رسله قبل أن يذهب للموت بصبغة غنوسية في تعبيراتها وتكوينها. ويظهر الكاتب ضعفاً يتمثل في القصص الغريبة، مثل قصة “دوسيانا” (Druciana)، والحوادث المضحكة.

أما بالنسبة للقيم الأخلاقية التي يكشف عنها كتاب أعمال يوحنا فهي نفسها القيم الأخلاقية التي للفلسفة الشعبية الشائعة. ومع ذلك، فإن للكتاب قيمة كبيرة فيما يتعلق بالتاريخ المسيحي، فهو، على سبيل المثال، أقدم مصدر يسجل لنا الاحتفال بالإفخارستيا من أجل الموتى: “وفي اليوم التالي، ذهب يوحنا إلى الضريح في الفجر ومعه أندرونيكوس والإخوة، فاليوم هو اليوم الثالث من وفاة دروسينا حيث يجب علينا أن نكسر الخبز هناك”. (Ch. 72) ولقد جاء في الفصل (85) نص الصلاة الإفخارستيا التي استخدمها الرسول في هذه الخدمة الجنائزية: “وبعدما قال هذا، أخذ يوحنا الخبز وقدمه في الضريح ليكسره ثم قال: “نحن نبارك اسمك، يا من هديتنا من الضلال والخداع القاسي، نحن نمجدك يا من أظهرت أمام أعيننا ما رأيناه، نحن نشهد للطفك المحب، ذاك الذي ظهر بطرق كثيرة، نحن نمجد اسمك الرحيم يا رب ذاك الذي أدانهم، هؤلاء المدانين منك، نحن نشكرك، يا رب يسوع المسيح، لأننا قد قنعنا بنعمتك التي لا تتغير، نحن نشكرك، يا من احتجت أن تأخذ طبيعتنا لتخليصها، نحن نشكرك يا من أعطيتنا هذا الإيمان الأكيد، لأنك أنت الإله وحدك، الآن وإلى الأبد، نحن خدامك نشكرك أيها القدوس، نحن من اجتمعنا بنية صالحة، ولقد اجتمعنا من كل أرجاء العالم”.

5 – إعمال أندراوس

ذكر يوسابيوس أعمال أندراوس في (Hist. eccl. 3: 25: 6) إلى جانب أعمال يوحنا باعتبارهما كتابين وضعهما الهرطقة قائلاً: “لم يعتقد أي شخص ينتمي إلى التعاليم الأرثوذكسية أنه من الصحيح أن يشير إلى أي من هذه الكتب في كتاباته، علاوة على ذلك، يختلف أسلوب كتابة هذه الكتب عن الأسلوب الرسولي، كما أن الآراء والميول العقائدية التي تحتوي عليها غير متناغمة بشكل كبير مع الأرثوذكسية الحقيقية، وتُظهر بوضوح أنها من تزييف الهراطقة”.

ويعتقد أن كاتب كتاب “أعمال أندرواس” هو “لوكيوس خارينوس”، الذي كتبه حوالي سنة 260م، ولا يوجد اليوم إلا بعض الشذرات القليلة التي تحتوي على الأحداث التالية:

  1. قصة أندراوس ومتياس عندما كانا بين آكلي لحوم البشر المتواجدين عند البحر الميت. ونحن نمتلك نص هذه القصة في ترجمات لاتينية، وسريانية، وقبطية، وأرمينة، وكذلك في القصيدة الأنجلوسكسونية “أندرياس” المنسوبة إلى “ساينولف” (Cynewolf).
  2. قصة بطرس وأندراوس.
  3. قصة استشهاد أندراوس في مدينة “بترا” (Patrai) بمقاطقة أخائية، تلك التي كُتبت في وقت ما بعد سنة 400م. وتأخذ هذه الوثيقة شكل رسالة دورية كتبها كهنة وشمامسة أخائية عن استشهاد أندراوس. والرسالة موجودة باليونانية واللاتينية، ويبدو أنه لا علاقة بينها وبين أعمال أندراوس الغنوسية التي أدانها يوسابيوس.
  4. هناك شذرة أخرى محفوظة في المخطوطة الفاتيكانية الإغريقية (Codex Vaticanus grace. 808) تحكي عن الآلام التي عاناها أندراوس في أخائية، والحوارات التي أجراها في السجن في مدينة بترا.
  5. رواية عن استشهاد القديس أندراوس وصلت إلينا في عدة نسخ منقحة.

وهناك شيء واحد مشترك بين هذه القصص جميعاً، وهو أن أندراوس قبل موته يتوجه إلى الصليب الذي كان مزمعاً أن يموت عليه بعظة طويلة تُذكرنا بعظة مُشابهة في إنجيل بطرس، كذلك أيضاً يوصي الرسول في أعمال أندراوس – الزوجات – بترك أزواجهن، الأمر الذي يقوده إلى خلافات مشابهة مع الأزواج ومع السلطات الوثنية، مما يؤدي أخيراً إلى موت الرسول.

6 – أعمال توما

أعمال توما هو الكتاب الوحيد من كتب أعمال الرسل الأبوكريفية الذي وجد كاملاً، وقد كُتب بالسريانية في النصف الأول من القرن الثالث. ومن المرجح جداً أن مؤلفه كان ينتمي إلى شيعة البارديصانيين[3] في مدينة إديسا، وقد تُرجم هذا الكتاب بعد كتابته بفترة قصيرة إلى اللغة اليونانية، ونحن لدينا من هذه الترجمة عدة مخطوطات. كما أنه موجود أيضاً في ترجمات أرمنية وأثيوبية، وترجمتين لاتينيتين مختلفتين.

ويصور الكتاب توما على أنه مبشر الهند ورسولها. وهو يسجل مغامراته وخبراته في رحلته إلى هذه البلد بالتفصيل. وقد آمن الملك جندافور (Gundafor) على يد توما. ثم استشهد توما بعد أن أجرى معجزات كثيرة.

ويتألف الكتاب كله من أربعة عشر عملاً، وبالرغم من أن وجود ملك هندي في القرن الأول الميلادي باسم “جندافور” قد تم تأكيده تاريخياً، إلا أن كل المحاولات التي بذلت حتى الآن لتوثيق قصة كرازة توما في الهند قد فشلت.

ويكشف الكتاب بوضوح عن أصله الغنوسي وميله الجزئي إلى المانوية؛ فاتجاهاته النسكية تُماثل تلك التي في “أعمال أندراوس” و”أعمال بطرس”؛ الزواج مرفوض، كما يتم إقناع الزوجات فيه بترك أزواجهن. كذلك يحتوي العمل على عدة تراتيل ليتورجية على قدر كبير من الجمال، أكثرها لفتاً للأنظار هي الترتيلة المُسماة بـ “النفس” أو “الخلاص”، تلك التي تعود على الأرجح إلى زمن يسبق زمن كتابة الأعمال والتي يبدو أنها قد أقحمت في سياق الرواية. وتصور هذه الترتيلة المسيح باعتباره ابن الملك، ذاك الذي يُبعث من بلده في الشرق إلى مصر في الغرب لكي يهزم التنين ويفوز باللؤلؤة، ثم يعود إلى نور بلده بعد أن يتم له ذلك، وهكذا تكون البلد التي في الشرق هي السماء أو الفردوس الذي نزل منه المسيح إلى العالم الخاطئ ليخلص النفس الواقعة في شرك المادة.

7 – أعمال تداوس

يوحي كلام يوسابيوس القيصري في كتابه “تاريخ الكنيسة” (1: 13) بأنه كان يعرف “أعمال تداوس” التي كُتبت في سوريا. وبحسب يوسابيوس، تحكي هذه الأعمال أن الملك أبجر، ملك أديسا، عندما سمع عن يسوع ومعجزاته، أرسل إليه طالباً منه أن يأتي ويشفيه من مرضه الصعب. لكن يسوع لم يجبه إلى طلبه، بل أرسل إليه رسالة وعده فيها أن يرسل إليه أحد تلاميذه. وفعلاً، بعد قيامة المسيح، حرك الله توما الرسول ليُرسل تداوس، أحد رسل الرب السبعين، إلى أديسا، ثم شفى الملك على يد تداوس، وتحولت أديسا كلها إلى المسيحية.

ولقد ترجم يوسابيوس القيصري المراسلات بين يسوع والملك أبجر من السريانية إلى اليونانية، وهو يخبرنا أنه قد أخذ النص الذي ترجمه من سجلات أديسا، وها هو نص كلامه: “هناك أيضاً دليل وثائقي على صحة هذه الأمور مأخوذ من سجلات أديسا التي كانت حينئذ مدينة كبرى. فعلى الأقل يمكن للمرء أن يجد تلك الأمور أيضاً محفوظة منذ تلك الأيام إلى يومنا هذا في السجلات العامة هناك، تلك السجلات التي تحتوي الأمور التي حدثت في الماضي وفي أيام أبجر. لكن، لا يوجد هناك ما يعادل سماع الرسائل نفسها، تلك التي قمنا باستخراجها من السجلات. ولقد نصت الرسائل على التالي بعدما ترجمتها من السريانية حرفياً: “من أبجر أوخاما الملك إلى يسوع المخلص الصالح الذي ظهر في ناحية أورشليم، تحية. لقد سمعت عنك وعما تجريه من أعمال شفاء، وكيف أنك تتممها بدون أية أدوية أو أعشاب. لأنك، كما تقول الأخبار، ترد للعمي أبصارهم، وتجعل المقعدين يمشون، وتطهر البرص، وتطرد الأرواح الشريرة والشياطين، وتشفي هؤلاء الذين عذبتهم الأمراض الطويلة، وتقيم الموتى. وعندما سمعت كل هذه الأشياء عنك، قررت أمراً من اثنين: إما أنك الله وقد نزلت من السماء لتصنع هذه الأمور، أو أنك ابن الله إذ تصنع هذه الأمور. لهذا السبب، كتبت أستعطفك لكي تسرع إلي وتشفيني من الآلام التي أعانيها. علاوة على ذلك، سمعت أن اليهود يستهزئون بك ويودون أن يؤذوك. لكنني لدي مدينة صغيرة جداً وجليلة، وهي تتسع لكلينا”، رد يسوع على الملك أبجر على يد الساعي أنانياس: “مبارك أنت يا من آمنت بي دون أن تراني، لأنه مكتوب عني أن هؤلاء الذين سيرونني لن يؤمنون بي، وهؤلاء الذين لم يروين سوف يؤمنون ويحيون. والآن بشأن الأمر الذي كتبت لي بسببه، وهو أن آتي إليك، فلا بد لي أولاً أن أكمل هنا كل الأمور التي قد أرسلت لأكملها، وبعد هذا سوف أصعد إلى الذي أرسلني، وبعد أن أصعد سوف أرسل إليك واحداً من تلاميذي ليشفيك من آلامك وليمنحك الحياة أنت ومن معك”.

وانتشرت تلك الرسائل بين يسوع والملك أبجر في كل أنحاء الشرق، ثم وصلت إلى الغرب عن طريق الترجمة التي قام بها “روفينوس” لكتاب يوسابيوس “تاريخ الكنيسة”، ولقد جلس الملك “أبجر أوخاما” على عرش المملكة من 4م إلى 7م، ثم من 13م إلى 50م. لكن بالرغم من ذلك كله، ليست لهذه الرسائل وجود موثق، فقد نفى أغسطينوس في (Cont. Faust. 28: 4; Consens. Ev. 1: 7: 11)، وجود أي رسائل أصيلة بقلم يسوع، كما أن المرسوم الجلاسياني قد ذكر الرسائل محل النقاش بوصفها أبوكريفية. وهكذا لم تكن “أعمال تداوس” سوى أساطير محلية كُتبت في القرن الثالث الميلادي.

ويوجد لدينا شكل آخر من هذه الأعمال مكتوب باللغة السريانية، وهو ذلك العمل المدعو باسم “تعاليم آداي” (Doctrina Addei)، الذي نشر عام 1876م. ويكاد محتوى هذا العمل يكون هو نفسه محتوى “أعمال تداوس” كما سجله يوسابيوس، لكنه يورد تفصيلة واحدة جديدة، وهي أن أنانياس”، الذي حمل رسالة الملك أبجر إلى يسوع، رسم صورة ليسوع ثم حملها إلى مليكه، وهكذا يضعها الملك أبجر في مكان شريف بالقصر. غير أن “تعالم آداي” لا تذكر أمر الرسالة التي كتبها يسوع إلى الملك أبجر، فقد أرسل يسوع رده على رسالة الملك أبجر شفهياً على لسان أنانياس. وربما كان الكاتب على معرفة بما قاله أغسطينوس بشأن هذه الرسائل ومن المرجح أن تكون “تعاليم آداي” قد كتبت في حوالي عام 400م، كما أنه لدينا ترجمة أرمنية لها وأخرى يونانية إلى جانب الأصل السرياني.

وبالإضافة إلى أسفار الأعمال التي تناولناها، لا تزال هناك أسفار أخرى تنتمي معظم هذه الأسفار إلى القرنين الرابع والخامس الميلاديين، بل ويعود بعضها إلى تاريخ متأخر عن هذا. وربما يكفي في هذا الصدد أن نذكر كتاب “أعمال متى” الذي لم يبق منه إلا الجزء الأخير فقط، كذلك “أعمال فيليبس” و”أعمال برثلماوس”. أما بالنسبة للأسفار المنسوبة إلى تلاميذ الرسل أو رفقائهم، فلدينا “أعمال برنابا الأبوكريفية” و”أعمال تيموثاوس الأبوكريفية” و”أعمال مرقص الأبوكريفية”.

[1] هذا النوع من الأدب كان منتشراً مثل الأدب التراجيدي أو الكوميدي، ويرجع تسميته عند اليونانيين إلى الإله إيروس إله الحب والشهوة والغرائز الجنسية. (المراجع)

[2] مدينة سلوقية (تل عمر) Selucia قد بنيت من قبل القائد سلوقس الذي حكم بلاد بابل بعد وفاة الاسكندر الكبير وذلك في الأعوام 321-305ق.م. وفي عام 305 أعلن نفسه ملكاً على إيران والعراق وسوريا العليا وأمر بإنشاء عاصمة له في العراق فبنيت مدينة سلوقية. (المراجع).

[3] نسبة إلى برديصان؛ وهو كاتب سرياني وشاعر موهوب يعتبره البعض مبدع الأدب المسيحي السرياني. وتغنى السريان بشعره وبسببه احتلت الرها مركز الصدارة في الأدب السرياني. وُلد في 11 تموز سنة 154م من أبوين وثنيين. نشأ برديصان في صغره على الديانة الوثنية وتعلم أدبها على يدي الكاهن الأكبر لمعبد منبج، ولما تولى أبجر التاسع رفيقه في الصبا عرش الرها عام 179م عاد برديصان إلى الرها، وهناك التقى مع بعض الذين اعتنقوا الإيمان المسيحي فشرحوا له أسس الدين المسيحي، فقبل الإيمان في شبابه على يدي هسبس أسقف الرها. وبعد أن تعمق في العلوم الدينية سيم شماساً وربما كاهناً. وكتب برديصان في بادئ الأمر مقالات ضد الهرطقات، ولكنه انجرف فيما بعد في معتقدات مرقيون وفالنتينوس. لهذا حذر رجال الكنيسة المؤمنين من تعاليمه التي حسبوها سماً في الدسم. وكان برديصان آخر الغنوسيين من السريان، وقد بقي لفرقته أتباع حتى القرن الثامن كما يقول يعقوب الرهاوي. وقد نظم مائة وخمسين نشيداً على طريقة مزامير داود النبي وضع فيها أفكاره الغنوسية، وقد بذل القديس أفرام السرياني جهداً عظيماً في تأليف أناشيد تقضي بها على أناشيد برديصان، كما كان يعدم كل ما تصل إليه من كتبه. (المراجع)

إقرأ أيضًا: