أبحاث

تناقضات الكتاب المقدس؟ نظرة إلى التناقضات المزعومة – بحث عملي تدريبي لدراسة الكتاب المقدس

تناقضات الكتاب المقدس؟ نظرة إلى التناقضات المزعومة – بحث عملي تدريبي لدراسة الكتاب المقدس

تناقضات الكتاب المقدس؟ نظرة إلى التناقضات المزعومة - بحث عملي تدريبي لدراسة الكتاب المقدس
تناقضات الكتاب المقدس؟ نظرة إلى التناقضات المزعومة – بحث عملي تدريبي لدراسة الكتاب المقدس

تناقضات الكتاب المقدس؟ نظرة إلى التناقضات المزعومة – بحث عملي تدريبي لدراسة الكتاب المقدس

المبدأ الإرشادي: حيث أننا نؤمن أن الكتاب المقدس موحى به من الله، وصادق في كل أجزائه، عندما تبدو عبارة ما أنها خاطئة، فإننا ملزمون بأن نبحث عن تفسيرها.

إننا نقترب من الكتاب المقدس بثقة لأن يسوع قد وثق فيه. فقد كان موقف يسوع تجاه الكتب المقدسة شديد الاختلاف عن موقفه من المكان المقدس (الهيكل)، والشعب المقدس (القادة الدينيين). فلم يجد يسوع أية صعوبة في النطق بالويلات على أولئك الذين كانوا يعتبرون أكثر الناس براً في الشعب، كما لم يتردد في أن يتنبأ بدمار الهيكل. ولكن بالنسبة للكتب المقدسة، كان يسوع يعتبرها راسخة وجديرة بالثقة تماماً.

إلا أن الدفاع عن الكتاب المقدس ليس هو هدف دراستنا الحالية – فهذا يخص المدافعين عن الإيمان أو من يقومون بتقديم دراسة تمهيدية عن الكتاب المقدس. لذلك فعلى الرغم من أننا لن ندرس التناقضات المزعومة بتعمق، إلا أننا يجب أن نحدد منهجاً للتعامل مع مثل هذه التناقضات، أثناء دراستنا للإرشادات الخاصة بتفسير الكتاب المقدس. (للمزيد من الدراسة، انظر المراجع المختارة في نهاية الفصل، والتي تتعامل مع الأنواع المختلفة من المشاكل الكتابية، بما فيها التناقضات المزعومة). وسنقوم هنا باستخدام أمثلة كتابية فعلية، ولكننا لن نسعى بالضرورة إلى حل نهائي لكل مشكلة. ولكننا بدلاً من ذلك، سوف نشير إلى الطريق الذي يقود إلى الحل الممكن.

وحيث أن افتراضنا المسبق هو أن الكتاب المقدس صادق في كل أجزائه، فإننا نسعى إلى حلول عندما يبدو لدينا أن هناك خطأ ما؛ وعندما لا نتمكن من حل مشكلة ما، فإننا نعترف بذلك. ولكننا لا نستنتج من ذلك أنه لا حل لها، بل بسبب الإخلاص المبني على الأساس الصلب للبرهان القوي بمصداقية الكتاب المقدس، ومواجهة البدائل بأمانة – تلك البدائل التي لم يكن ليتركها لنا عدم الإخلاص – فإننا نقوم بتعليق تلك المشاكل التي لم يتم حلها.

لكننا لا نسلم بأن المشكلة لا يمكن حلها ثم نواصل تفسير المقطع كما لو كان به خطأ ما. وأكثر من ذلك، فإننا نعتقد بوجود حل محتمل، ولكن لا يكون علينا أن نثبت أن هذا التفسير المحتمل هو الصحيح، بل نقول ببساطة أن هناك حل معقول للمشكلة الظاهرية. وحيث أن الكتاب المقدس قد ثبتت مصداقيته وصحته على مدى العصور، فإننا نعتبره بريئاً إلى أن تثبت إدانته. وهكذا يكون على المشتكي إثبات هذا الخطأ. فعندما تكون هناك مشاكل غير محسومة، لا يكون الخطأ في الكتاب المقدس، بل في فهمنا لها. ولذلك فإننا ننتظر إما مزيداً من الأدلة، أو نظرية أفضل لتفسير النص باتساق أكثر.

المشاكل التاريخية الداخلية

هناك بعض الروايات المتوازية في كل من العهد القديم والأناجيل يبدو أنها تعرض روايات متناقضة. ولا بد أن يتم حسم كل من هذه المشاكل بصورة فردية. ومع ذلك، فإن المنهج العام للتعامل مع هذا القطاع من المشاكل يكون مفيداً، وعلينا أن نتذكر خمسة إرشادات في هذا الصدد.

أولاً، عندما نقول إن الكتاب المقدس موحى به وبكل كلمة فيه، وأنه لا يوجد به خطأ، وهذا لا يعني أن التطابق اللفظي هو أمر ضروري. فالضروري فقط هن أن تكشف الكلمات عن الحقيقة. فمثلاً، عندما يقتبس كاتب أحد الأناجيل كلمات المسيح بأنه يتحدث عن ملكوت الله، بينما يقتبس كاتب آخر أنه يتحدث عن ملكوت السماوات، فهذا لا يعتبر خطأ بأي حال من الأحوال، فملكوت الله وملكوت السماوات يشيران إلى نفس الشيء، وهكذا فإن كلا الكاتبين اقتبس القول الحقيقي عن يسوع.

ومن الأمثلة القاطعة على ذلك تلك التي نجدها في الرواية الخاصة بصلاة يسوع في بستان جثسيماني، “يا أبتاه إن أمكن فلتعبر عن هذه الكأس. ولكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت” (متى 26: 39). وفي مرة ثانية صلى، “يا أبتاه إن لم يمكن أن تعبر عني هذه الكأس إلا أن أشربها فلتكن مشيئتك” (متى 26: 42).

وهنا نرى أن الصلاتين لا تحويان بالضبط نفس الكلمات، ولكنهما تكشفان عن نفس الفكرة، ولذلك فمن المقبول تماماً بالنسبة لمتى أن يقول “ومضى أيضاً وصلى ثالثة قائلاً ذلك الكلام نفسه” (متى 26: 44). يشير هذا بوضوح إلى النظرة إلى الاقتباسات في الثقافة الكتابية. فليس من الضروري أن تكون الكلمات بها تطابق لفظي حرفي؛ بل تحتاج فقط أن تكشف عن الحق بدقة.

فكر مثلاً في اعتراف بطرس بالمسيح:

“أنت هو المسيح

ابن الله الحي”

(متى 16: 16)

“أنت المسيح”

(مرقص 8: 29)

“مسيح الله”

(لو 9: 20)

 

فهل هناك اثنان من هذه الاقتباسات على خطأ؟ كلا بالطبع، لأن جوهر الاعتراف هو هو. من الواضح أن متى يقدم الاقتباس بصورة أكمل، ومرقص يذكر العنصر الجوهري فيه، ويقدم لوقا ملخصاً. ولكن الثلاثة قالوا الحق.

هناك مثال آخر يشير إلى اختلاف أكبر – لكن بدون تناقض.

“ولما جاءوا إلى الجمع تقدم إليه رجل جاثياً له وقائلاً يا سيد ارحم ابني فإنه يصرع ويتألم شديداً ويقع كثيراً في النار وكثيراً في الماء وأحضرته إلى تلاميذك فلم يقدروا أن يشفوه”

(مت 17: 14-16)

 

“فأجاب واحد من الجمع وقال يا معلم قد قدمت إليك ابني به روح أخرس وحيثما أدركه يمزقه فيزبد ويصر بأسنانه وييبس. فقلت لتلاميذك أن يخرجوه فلم يقدروا”.

(مر 9: 17-18)

 

“وإذا رجل من الجمع صرخ قائلاً يا معلم أطلب إليك انظر إلى ابني. فإنه وحيد لي. وها روح يأخذه فيصرخ بغتة فيصرعه مزبداً وبالجهد يفارقه مرضضاً إياه. وطلبت من تلاميذك أن يخرجوه فلم يقدروا”.

(لو 9: 38: 40)

 

فأي من هذه العبارات هي التي قالها الرجل؟ ربما قالها كلها، بينما اختار أحد كاتبي الأناجيل جزءًا من حديثه، واختار كاتب ثان جزء آخر منه، وربما يمكننا أن نقول بنفس الدقة أنه لم يقل أي منها. فبلا شك أنه كان يتحدث الآرامية، ونحن نقرأ ترجمة انجليزية للترجمة اليونانية لما قاله. وبهذا يكون تطابق اللفظ غير ممكن، مع ذلك، فإن معنى الكلام النهائي متشابه.

إننا لا نعتقد أن كل ما هو مدون يجب أن يكون رواية لفظية حرفية محددة، فالحقيقة هي أنه لو أدلى الشهود في المحكمة بشهادة حرفية، لتم الاشتباه بهم في الحال. لذلك فحقيقة أن من كتبوا الأناجيل يختلفون في كلماتهم وألفاظهم لهي دليل أكثر على استقامتهم وأصالتهم واستقلاليتهم الكاملة. فالتطابق اللفظي ليس ضرورياً للحصول على الدقة. وهذا الأمر ليس معناه التفريق بين الكلمات والمعاني – إذ أن المعنى الصحيح يتم التعبير عنه من خلال الكلمات، فلا يمكن أن يكون هناك معنى صحيحاً بدون كلمات دقيقة لتعبر عنه. لكن قد تكون هناك أكثر من طريقة للتعبير عن نفس المعنى بدقة.

ثانياً، الغرض الذي يسعى إليه أحد الكتاب قد يختلف عن غرض الكاتب الآخر. لهذا السبب تكون هناك الكثير من التفاصيل التي لا تتعلق بهدفه، لذلك فإنه ستجاهلها. لذلك عندما نرغب في إعادة بنية القصص الخاصة بميلاد المسيح، وآلامه، وصلبه، وقيامته، يكون من الضروري أن نقوم بتجميع كل الروايات الخاصة بذلك لكي نحصل على السجل الكامل. فإنجيل متى يذكر اللصين اللذين كانا يتحدثان ضد المسيح (متى 27: 44)، بينما يذكر إنجيل لوقا أن لصاً واحداً كان يتحدث ضده (لو 23: 39).

وهذا لأن هدف متى كان أن يركز على المعارضة التي لاقاها المسيح، لذلك فإنه يذكر فقط الموقف الأولي لكلا اللصين، والذي تغير خلال ساعات الصلب. أما هدف لوقا من ناحية أخرى فقط كان التركيز على التوبة والخلاص لأحد اللصين. فالمؤلف الكتابي لم يكن يضيف أشياء لم تحدث، ولكنه، وبصورة مشروعة تماماً، كان ينتقي ويختار ما يدونه.

ثالثاً، قال المسيح أشياء مشابهة في مواقف مختلفة (كما أشرنا إلى ذلك في الفصل 15). وهو لم يقل فقط أشياء متشابهة، بل أنه فعل أيضاً أموراً متشابهة. وإنني على ثقة من أنه لو لم يشر المسيح نفسه إلى حادثة إطعام الخمسة آلاف، وحادثة إطعام الأربعة آلاف باعتبارهما حدثين منفصلين، لافترض بعض المفسرين أنهما نفس الحادثة، وكانوا سيلاحظون اختلافاً بين الروايتين.

رابعاً، لم تكن قواعد كتابة التاريخ هي نفسها في كل من الثقافة العبرية اليونانية في زمن الكتاب المقدس، كما هي اليوم. فقط كانت تستخدم اللغة العادية اليومية، ولم يكن هناك شعور بالاحتياج لأن يكون هناك نسخة مضبوطة كتلك التي نطلبها في سجلات المحاكم اليوم. فقط استخدم من كتبوا الكتاب المقدس ما يطلق عليه “اللغة العامية”، أو لغة الحياة اليومية التي كانت تتحدث عن الأمور كما تبدو عليه.

فلم تكن المصطلحات العلمية الدقيقة هي الوسط الذي يتم فيه التواصل والحديث. لذلك فعندما يصف أحد كاتبي الكتاب المقدس شروق الشمس، فإنه لا يتحدث بطريقة علمية، تماماً كما لا نفعل نحن عندما نتحدث عن شروق وغروب الشمس. وبالمثل، يتحدث الكتاب المقدس عن أطراف الأرض دون أن يعني بذلك أن الأرض مسطحة ومربعة.

وعندما أشار المسيح إلى حبة الخردل باعتبارها أصفر البذور (متى 13: 32؛ مر 4: 31)، لم يكن بذلك يعلم علم النبات. بل يبدو حديثه هذا مثل حديثنا عندما نقول إن لاعبي كرة السلة هم أطول النا. فهذا لا يعني أنه لا يوجد أناس أطول منهم في أي مكان آخر ولا يلعبون كرة السلة. هذه هي ببساطة لغة الحياة اليومية التي تتحدث عن الأشياء كما تظهر، والتي يختبرها الناس الذين يتكلمون بها ويسمعونها.

خامساً، توجد أخطاء في النسخ. فالرقم الذي يشير إليه في إحدى روايات العهد القديم يختلف في بعض الأحيان عن الرقم المسجل في رواية أخرى. واللغة العبرية تكون معرضة على وجه الخصوص لهذا النوع من الأخطاء في النسخ، حيث أن الحروف فيها تستخدم للتعبير عن الأرقام. لكن أن نسلم بأن هناك اختلافات لا تزال موجودة في المخطوطات المنسوخة باليد، لا يعني ذلك بصورة تلقائية أنه لا بد أن يكون هناك خطأ في النسخ، بل يجب البحث عن حل لهذا الاختلاف بطرق أخرى أولاً.

لكن على الرغم من أنه هذه الأخطاء في النسخ عددها قليل للغاية، فإن هناك اختلافات معروفة بين المخطوطات لا تزال موجودة، وهذا يعني أن واحدة من هذه المخطوطات على خطأ. إن مهمة الناقد النصي هي أن يقارن بين هذه المخطوطات ويسعى لتحديد بأكبر قدر ممكن من الدقة أيها هي الأصلية. إلا أن معظم الاختلافات النصية، مثل اختلافات الهجاء، لا تؤثر على المعنى.

فقد قيل أن جميع الاختلافات النصية في العهد الجديد، والتي تؤثر على معنى المقطع، يمكن طباعتها على صفحة واحة من العهد الجديد اليوناني، وأنه ولا واحد منها يؤثر على عقيدة أساسية. إلا أنه ليست لدينا كميات ضخمة من المخطوطات القديمة للعهد القديم، لذلك فلا يمكننا دائماً المقارنة بين النصوص. لكن عندما تكون هناك نصوص متوازية ولكنها غير متفقة، فمن المنطقي أن نفترض أنه ربما كان هناك خطأ في عملية النسخ.

اقتباسات العهد الجديد من العهد القديم

لقد درسنا من قبل وجود مقاطع من العهد القديم في العهد الجديد، وكما لاحظنا، فإن أكثر من 250 اقتباس من العهد القديم تظهر في العهد الجديد. وفي معظم الأحيان لا تتفق هذه الاقتباسات في الصياغة مع الصياغة المحددة لها في العهد القديم. فلماذا؟

1 – معظم الاقتباسات مأخوذة من الكتاب المقدس الشائع في زمن المسيح، الذي هو ترجمة يونانية للعهد القديم العبري. لذلك فإن اقتباس العهد الجديد من تلك النسخة (الترجمة السبعينية) تشبه اقتباسنا من نسخة معاصرة بالإنجليزية، لأن الترجمة اليونانية كان في الأغلب شرحاً أكثر منها ترجمة حرفية.

2 – في كثير من الأحيان لا توجد محاولة لعمل اقتباس مباشرة، بل يتم اختصار المقطع المقتبس من العهد القديم، أو مجرد إظهار الفكرة الموجودة فيه.

3 – كما أوضحنا من قبل، فإن الله باعتباره هو المؤلف، له الحق في أن يقدم المعنى أو تفسيره الخاص لما يقصده في الإعلان الأصلي.

4 – يوجد عدد قليل من الاقتباسات أو الإشارات التي تأتي من أسفار ليست في أسفارنا القانونية في الكتاب المقدس، أو ربما من كتابات لم تعد موجودة الآن. فمثلاً، تم الاقتباس عن أخنوخ أنه قال “هوذا قد جاء الرب في ربوات قديسيه” (يهوذا 14، مقتبس من 1أخنوخ). كما تم اقتباس ما قاله ميخائيل “لينتهرك الرب” (يهوذا 9)، وهو اقتباس من كتابات غير معروفة بالنسبة لنا.

مشاكل عقائدية

وقد تم تحديد منهج لدارسة التناقضات الظاهرية في تعاليم الكتاب المقدس في الفصل 16.

التناقضات المزعومة مع السجلات التاريخية الأخرى.

الكتاب المقدس هو واحد من الكتب الكثيرة للتاريخ القديم. لذلك فعندما لا يتفق الكتاب المقدس مع كتاب آخر للتاريخ القديم، فقد يفترض أحد أعداء الكتاب المقدس أن السجل التاريخي هو الأكثر دقة. لكن بحسب افتراضاتنا المسبقة، فإننا نؤمن أن السجل الكتابي هو الأكثر دقة. وحتى من المنظور المضاد للكتاب المقدس، فإن الكتاب المقدس هو أدق السجلات التاريخية المتاحة للتاريخ القديم. فعلم الآثار كان يصدق دائماً على السجلات الكتابية حتى الآن.

فمثلاً، كان نقاد الكتاب المقدس يعتقدون لفترة طويلة أن موسى لم يكن في إمكانه كتابة التوراة لأنه لم تكن هناك كتابة في زمن موسى. ولكن علم الآثار اكتشف الآن أن الكتابة يرجع تاريخها إلى قبل زمن موسى بوقت طويل. ولذلك فعندما يتعارض الكتاب المقدس مع السجلات القديمة الأخرى، فإننا نجيب ببساطة بأن ليست كل المعلومات متوفرة الآن، وأننا سننتظر. وفي الوقت الحالي، إننا نثق في السجل الكتابي الذي لدينا.

التناقضات العلمية المزعومة

المعجزات

إن أعظم الخلافات بين الناس الذين يعتبرون أنفسهم ذوي فكر علمي، وبين أهل الإيمان، هي مسألة المعجزات. فالمعجزات هي حجر عثرة بالنسبة لأصحاب المنهج الطبيعي. فما هو المنهج الذي نتخذه مع هؤلاء المتشككين؟ توجد ثلاثة عناصر جديرة بالذكر في الرد على النقاد.

أولاً، يجب ملاحظة أن المشكلة فلسفية، وليست علمية، في طبيعتها. فافتراضات الشخص المسبقة بشأن طبيعة الواقع تحدد نظرته بالنسبة لإمكانية حدوث المعجزات. فإن كان الله موجوداً فإنه يكون حراً في أن يعلم بأية كيفية، وإن كان مثل هذا الإله موجوداً واختار أن يفتقد العالم الطبيعي، فسيكون شيئاً لا يصدق ألا يمتلك أكثر من مجرد القدرة البشرية. ومن ناحية أخرى، إن كانت افتراضات الفرد المسبقة تسيطر على مجال الروح أو على الإله الذي هو حر في التدخل في شؤون البشر، فلا يوجد قدر من البراهين التاريخية أو حتى “العلمية” يمكنه أن يأتي بمثل هذا الشخص إلى الإيمان.

ثانياً، إن مسألة المعجزات هي أمر تاريخي، وليس أمر علمي بمعنى أنه يمكن إظهارها تجريبياً. فالعالم يلاحظ ويختبر ويجري التجارب، وهكذا فالدليل تجريبي. أما بالنسبة للدليل التاريخي، بهذا المعنى، فهو ببساطة لا يوجد، إذ أن الدليل التاريخي يعتمد على مصداقية الشهود، وليس على الاختبار والملاحظة. فهل أولئك الذين يشهدون على حدث ما هم مؤهلون لتقييمه، وأهل للثقة لكي يبلغوا عنه بأمانة؟

نعم، فنحن نجد أن البرهان التاريخي على أية معجزة من معجزات الكتاب المقدس هو من أعلى المستويات، والشهود عديدون، ومؤهلون جيداً، ولديهم أعلى درجات الأمانة والاستقامة. وهكذا فالمسألة هي مسألة تاريخية وليست عملية.

ثالثاً، لم تكن المعجزات في الكتاب المقدس دائمة ومستمرة وتافهة كما في الأساطير، بل كان لها هدف وكانت مرتبطة بالرسالة. والأكثر من ذلك، أنها مدونة باعتبارها حدثت على شكل مجموعات. إذ يبدو أن المعجزات قد تجمعت في مقدمة حقبة معينة لأجل التثبيت والمصادقة على تدخل الله. فقد صاحبت المعجزات ابراهيم وموسى ويشوع والأنبياء في المملكة المنقسمة والمسيح والكنيسة الرسولية. لكن هذا لا يعني أن المعجزات لم يكن من الممكن أن تكون أحداثاً مستمرة، لكن أهمية التدخل الإلهي يمكن أن تقل لو أصبحت هي الأمر المعتاد. فحتى الأحداث المميزة، عندما تحدث كثيراً، لا تكون مميزة لمدة طويلة، فسريعاً ما يصبح غير المعتاد معتاداً، وفوق الطبيعي هو التوقع الطبيعي.

فالجدية والغرض هي من الأمور المميزة للمعجزات الكتابية. فتقديم الخبز للجموع الجائعة كان يشير إلى خبز الحياة. وإقامة الموتى كانت تظهر قوة الله وتشير إلى النصرة النهائية للحياة على الموت. وجميع معجزات المسيح كانت علامات تظهر من هو – فتظهر ألوهيته وشخصيته كالشخص الذي كان يتحنن على الجموع. وقد رفض يسوع إغراء أن يستخدم قوته لإطعام نفسه، أو أن يجري حيلة سحرية ليحصل على إعجاب البشر. لذلك فقد كانت المعجزات الكتابية مليئة بالمعاني.

النظريات العلمية

وماذا عن النظريات العلمية التي تتعارض مع العبارات الكتابية، والحقائق العلمية التي تتناقض مع التفسيرات الكتابية؟ هناك اثنان من الإرشادات التي يكون علينا أن نتذكرها عندما نفكر في السجل الكتابي والنظريات العلمية، وهما:

1 – لم يتم إعطاء الكتاب المقدس ليكون ككتاب دارسي في العلوم. فإن تعاملنا معه بهذه الطريقة فإننا نسيء استخدامه. وليس علينا أن نحاول صنع نص بيولوجي مناسب من المعلومات المرتبطة بالأمور البيولوجية في الكتاب المقدس. فعندما يقوم الكتاب المقدس بلمس أمر بيولوجي أو غيره من الأمور العلمية، فإنه يكون دقيقاً، لكن ليس هدف الإعلان الكتابي أن يقوم بتدريس هذه الأمور.

2 – ليست كل نظرية علمية يتم إثبات صحتها. من الخطأ أن نقوم بعمل مقارنة بين جاليليو ومسألة أن الأرض مسطحة، وبين داروين ومسألة التطور العضوي. فنظرية تطور أصول الجنس البشري هي مسألة فرضية، كما أن نظريات العلماء تتعارض فيما بينها بصورة كبيرة. أما من ناحية شكل الأرض، فقد ثبت شكلها بصورة قاطعة. فهذا أمر مثبت. لذلك فعندما نسعى للحسم بين المعلومات الكتابية والبيانات العلمية، يجب أن نبدأ ليس بالنظرية العلمية بل بالحقائق المثبتة في عالمنا الطبيعي.

فعندما نسعى للحسم عند اختلاف الكتاب المقدس مع العلم، يجب أن نتيقن من أن تفسيرنا للكتاب المقدس الذي يبدو أنه يتناقض مع البيانات المستمدة تجريبياً، وهو تفسير نهائي وجدير بالثقة. فمثلاً، المقاطع الكتابية التي تبدو وكأنها تشير إلى تسطح الأرض أو أن العالم يتكون من ثلاثة طوابق أو درجات، لا تمثل التفسير الصحيح الوحيد لتلك المقاطع. كما لا يمكن الزعم بأن التفسير الذي يرجع تاريخ الخليقة إلى 4004 عام قبل الميلاد، هو فقط التفسير الوحيد الصحيح للمعلومات الكتابية.

والأهم من ذلك، هو أن الحقائق العلمية والكتابية لا يمكن أن يتناقضا، لأن الله هو إله الحق الكامل، وكل من “كتاب الطبيعية”، و”كتاب الإعلان الإلهي” هما منه. لذلك فعندما يبدو أنهما يتعارضان، فإما أن حقائق الطبيعة يساء فهمها أو أن تفسيرنا للكتاب المقدس به خطأ ما.

التناقضات الظاهرية مع الطبيعة البشرية

تبدو بعض تعاليم الكتاب المقدس وكأنها تتناقض مع إمكانيات الطبيعة البشرية. فقد اعتقد التلاميذ ذلك عندما أخبرهم المسيح أنهم يجب أن يغفروا للآخرين 490 مرة في اليوم الواحد. وقد قدم لنا مارك توين الحل لمعظم المشاكل من هذا النوع، عندما قال: “إن مشكلتي ليست مع أجزاء الكتاب المقدس التي لا أفهمها بل مع تلك الأجزاء التي أفهمها!” فالحقيقة هي أن معظم المشاكل من هذا النوع لا تتعلق بالفهم، بل تتعلق بالإيمان أو بالإرادة.

فعندما نثق بالله لكي يمدنا بالموارد اللازمة لنا لكي نطيعه ونختار طريق الطاعة، فإن معظم المشاكل الخاصة بفهم مشيئته سوف تحل. “إن شاء أحد أن يعلم مشيئته يعرف التعليم هل هو من الله أم أتكلم أنا من نفسي” (يو 7: 17). ومع ذلك، فهناك بالفعل قدر كبير من الصراع بين تفسيرات معينة للكتاب المقدس وبين الاختبار البشري. فإن كان الشخص يؤمن أن الكتاب المقدس يعلم عن إمكانية العيش حياة كاملة بدون خطية، فإن الدعوة قد لا تكون للثقة بالله أكثر، أو لطاعته بكمال أكثر، بل لإعادة فحص ودراسة المعلومات الكتابية. فلا بد أن نتأكد من أن تفسيرنا لا يخضع للشك، قبل أن نطلب من شعب الله أن يطيعوه.

ملخص

الكتاب المقدس هو من الله، ولذلك لا يوجد به أي خطأ. نتيجة لذلك فإننا نقترب من المشاكل الكتابية بثقة بأن هناك حل ما، ونرفض أن نفسر أي مقطع كما لو كان به خطأ ما. ورغم أننا لا نشعر أننا ملزمون بحل كل مشكلة فيه، فإننا نحتاج أن نسعى باجتهاد للتوصل إلى حل لتلك المشاكل الخاصة بالتناقضات المزعومة التي تتضمن أحداثاً تاريخية، نستخدم مناهج تتناسب مع كل نوع من هذه المشاكل.

وعندما لا يبدو حل المشكلة قريباً، يجب أن نتوقف عن الحكم ونعلقه، في انتظار مزيد من الضوء على المشكلة، بدلاً من التعامل مع المقطع باعتبار أن به نوع من الخطأ. إن القبول بوجود خطأ في الكتاب المقدس هو ثمن باهظ للغاية ندفعه لنشعر بالرضى، عندما نحل المشكلة بطريقة سهلة، بإعلان أن المقطع الكتابي على خطأ. فإن تم الاعتراف بوجود هذا الخطأ عندها تتحول السلطة إلى الشخص الذي يقرر ما هو الصواب.

بذكر بعض المناهج العامة للتعامل مع بعض من المشاكل الكتابية المحددة، لا أقصد بذلك أن أقول إن معظم المشكلات الكتابية يمكن حلها بسهولة. كما لا أود أن أقول إن كل المشاكل يمكن حلها عن طريق الاجتهاد والذكاء. فإننا نهب عقولنا للبحث الجاد، لكننا مهما تعبنا واجتهدنا، “فإننا ننظر الآن في مرآة في لغز لكن حينئذ وجهاً لوجه. الآن أعرف بعض المعرفة لكن حينئذ سأعرف كما عرفت” (1كور 13: 12).

وفي الوقت الحالي، فإن التزام الشخص الذي يحب الله هو الذي سيحدد كيف سيتعامل مع المعلومات والبيانات الكتابية. فبالنسبة لوثيقة مكتوبة منذ زمان طويل، في ثقافة بعيدة وغريبة عنا، وبلسان ولغة مختلفة، على مدى فترة زمنية تمتد إلى حوالي 1600 عام، بواسطة أكثر من أربعين كاتباً، وتتعامل مع أمور تختص بالحق المطلق، تكون المعجزة هي أن يوجد بها هذا العدد القليل من المشاكل!

مراجع مختارة للمزيد من الدراسة

– أرشر، جليسون إل. Encyclopedia of Bible Difficulties. Grand Rapids: Zondervan,، 1982.

– بروش، مانفريد تي. The Hard Sayings of Paul. Downers Grove, I11. InterVarsity، 1989.

– بروس، إف إف. The Hard Sayings of Jesus. Downers Grove, I11. InterVarsity، 1983.

– هالي، جون دبليو. Alleged Discrepancies of the Bible. Grand Rapids: Zondervan، 1988.

– كايزر، والتر سي. Hard Sayings of the Old Testament. Downers Grove, I11.: InterVarsity، 1988.

– أوبرين، ديفيد إي. Today’s Handbook for Solving Bible Difficulties Minnneapolis: Bethany House، 1990.

– ساير، جيمس دبليو. Scripture Twisting: Twenty Ways the Cults Misread the Bible. Downers Grove, 1II.: InterVarsity، 1980.

– ستين، روبرت إتش. Difficult Passages in the New Testament: Interdreting Puzzling Texts in the Gospels and Epistles. Grand Rapids: Baker، 1990.

تناقضات الكتاب المقدس؟ نظرة إلى التناقضات المزعومة – بحث عملي تدريبي لدراسة الكتاب المقدس