أبحاث

هل الاختطاف سري؟ – د. القس عزت شاكر

الاختطاف

هل الاختطاف سري؟ – د. القس عزت شاكر

هل الاختطاف سري؟ - د. القس عزت شاكر
هل الاختطاف سري؟ – د. القس عزت شاكر

هل الاختطاف سري؟ – د. القس عزت شاكر

انتشرت في الفترة الأخيرة العديد من الأفلام والمسرحيات والفيديوهات التي تتحدث عن الاختطاف، فنرى زوجة تُفاجأ باختفاء زوجها التقي، وأباً يبلغ قسم الشرطة عن اختفاء ابنته، والضابط عندما يعود لمنزله يكتشف غياب زوجته المؤمنة، ويفاجأ ركاب أتوبيس باختفاء السائق، وطبيب تقي يختفي أثناء إجراءه عملية جراحية…الخ.

كلها تعلم بأن المسيح سيأتي بصورة سرية ليختطف الكنيسة فلا يراه أحد من الأشرار الذين على الأرض. 

وبداية لابد أن نعرف أن الاختطاف حقيقة كتابية تؤمن بها كل الطوائف والكنائس المسيحية، ولكن السؤال:

هل الاختطاف سيكون سرياً؟ أقول بكل يقين لا بل علنياً وواضحاً ومرئياً، فلماذا السرية؟ وما الهدف منها؟ ‏ما هو الدرس الذي يريد أن يعطيه الله للعالم، والعالم كله سيعرف بعد لحظات؟؟

هل هناك خطر معين يخشاه المسيح عند اختطاف كنيسته لذلك سيأتي بصورة سرية؟!

إن كان الإنسان الطبيعي يبذل أقصى مجهود ليقيم أجمل حفل زفاف ليحتفل بعروسته، فهل من المنطق أن حبيبنا وعريسنا السماوي يأتي ليختطف عروسته الكنيسة بصورة سرية؟!

يقول بات روبرتسون (Pat Robertson) وكامبل مورجان (Campbell Morgan): “إن فكرة مجىء المسيح بطريقة سرية ليس لها أى سند كتابي، فلا توجد آية واحدة فى كل الكتاب المقدس تقول إن المؤمنين سيُختَطفون سراً”.

وقال أزوالد سميث (Oswald Smith): “عندما نذهب إلى كل كتبة العهد الجديد، فإننا لن نعثر على أية إشارة إلى ما يُسمى مجىء سري لاختطاف الكنيسة، فلا توجد آية واحدة فى كل الكتاب تذكر هذا”.

ويذكر القس يوسف عودة أن أحد مشاهير معلمي الكتاب المقدس يقدم تحدياً يقول فيه أنه على استعداد لدفع 5000 $ لمن يقدم له أي مستند كتابي أو مقال أو كتاب تفسير أو عظة في أي دولة في العالم قبل عام 1812 تتحدث عن مجيئين للمسيح واحد سري للاختطاف والثاني علني، تفصل بينهما 7 سنين كما ينادي البعض.

أولاً: تاريخ ظهور عقيدة الاختطاف السري:

في بحث عميق كتبه رالف إدوارد وودرو (Ralph Edward Woodrow) يؤكد أن الاختطاف السري كان أمراً غريباً على الكنيسة الأولى ولم ينادِ به أحد من آباء الكنيسة، وكذلك لم يناد به أحد من المصلحين.

وفي كتابه الشيق “المجئ الثاني للمسيح” يؤكد القس يوسف عودة أن أول من تكلم عن المجئ السري للمسيح لاختطاف المؤمنين هو راهب جزويتي من أصل يهودي يدعى عمانوئيل لوكنزا ولد عام 1731 في تشيلي وكان يعيش في أسبانيا، ولكن عندما طُرِد الجزويت من أسبانيا هاجر إلى إيطاليا عام 1767 وتوفي في مدينة إيمولا في إيطاليا عام 1801.

وقد ترك وراءه كتاباً ضخماً من 960 صفحة عنوانه (مجئ المسيح في المجد والجلال) قام بنشره سراً المدعو فيليب تولسافي كاديز في أسبانيا عام 1812 تحت اسم مستعار هو (الرابي جوان يهوشافاط بن عزرا) وهو الاسم المستعار الذي اختاره لوكنزا لنفسه.

وقد نادى في هذا الكتاب بالمجئ السري للمسيح لاختطاف المؤمنين الأحياء والأموات ثم تحدث بعدها ضيقة عظيمة على الأرض لمدة 45 يوماً يأتي بعدها المسيح مع المؤمنين المختطفين ليملك معهم على الأرض لمدة 1000 سنة في أورشليم حيث يُربط الشيطان خلال هذه المدة، ويُبنى الهيكل ويعاد تقديم الذبائح، ويؤمن اليهود الذين بقوا بعد الضيقة العظيمة بالمسيح ويسودوا على العالم تحت حكم المسيح. وبعد الألف سنة يُحل الشيطان ويجمع جيوش العالم للحرب ضد المسيح والمؤمنين في أورشليم حيث يبيدهم المسيح ويطرح الشيطان في بحيرة النار، ثم قيامة الأشرار والدينونة.

ويؤكد القس يوسف عودة على أنه قبل ظهور هذا الكتاب عام 1812 لم يكن هناك أي ذكر في التعاليم المسيحية عن مجيئين، ولا عن اختطاف سري.

وقد تأثر بعض الخدام بتعاليم لوكنزا ومنهم القس إدوارد إرفينج (Edward Irving) (1792 ـ 1834م) وقد كان واعظاً اسكتلندياً مشهوراً، كان قد ترجم كتاب لوكنزا من اللغة الأسبانية إلى اللغة الإنجليزية عام 1826.

إلا أنه كتب نبذة صغيرة قال فيها إن المسيح كانت له الطبيعة البشرية الساقطة، مما أدى إلى محاكمته كنسياً وتقرر عزله من كنيسة أسكتلندا عام 1832م. وكان قد أسس مجلة بعنوان (The Morning Watch) فى سبتمبر 1830م وكتب فيها عن مجىء المسيح على مرحلتين، إلا أنه كان ينادي بأن الفترة بين مجئ المسيح السري لاختطاف المؤمنين والمجئ العلني هي ثلاث سنين ونصف وليس 45 يوماً كما كان لوكنزا يقول.

وبعد إرفينج جاءت الآنسة مارجريت ماكدونالد (Margaret Mcdonald) وأعلنت فى عام 1830م أنها أُعطيت رؤيا حول مجىء المسيح ثانية، وأنه سيكون منظوراً فقط لأصحاب العيون الروحية المفتوحة. وكتبت هذه الرؤيا وأرسلتها إلى القادة المسيحيين فى ذلك الوقت.

ثم جاء بعد ذلك داربي (John Nelson Darby) (1800 ـ 1882م) وجعل من فكرة المجىء على مرحلتين، والاختطاف السري جزءاً من تفسيرات الكتاب المقدس، لكنه كان ينادي بأن المدة بين المجيئين السري والعلني هي سبعة سنوات وليست 45 يوماً كما علَّم لوكينزا، ولا ثلاث سنين ونصف كما علَّم إرفنج. ويعتبر داربى أبو التدبيرية الحديثة.

ثم جاء بعد ذلك ماكنتوش (Henry Machkintosh) (1820 ـ 1896م) والذى ساعد بكتاباته الكثيرة على انتشار فكر التدبيريين.

ثم جاء سكوفيلد (Cyrus Ingerson Scofield) (1843 ـ 1921م) الذى كان راعياً لكنيسة مستقلة فى مدينة دالاس بولاية تكساس، وساعد بقوة فى رواج الفكر التدبيري من خلال الملاحظات التفسيرية التى أضافها للكتاب المقدس مع الشواهد والمعروفة باسمه (Scofield Reference Bible).

وقد رفض أعظم الوعاظ فى ذلك الوقت هذا الفكر مثل: جورج مولر رجل النهضات الشهير، وليم بوث مؤسس جيش الخلاص، تشارلس سبرجن أعظم الوعاظ فى ذلك العصر وكثيرون آخرون.

ثانياً: ماذا يقول الكتاب المقدس عن الاختطاف؟

الحقيقة هي إن أشهر نص كتابي يتحدث عن الاختطاف ‏يؤكد أنه سيكون علنياً واضحاً لكل العالم فيقول الرسول بولس:

“لأَنَّ الرَّبَّ نَفْسَهُ سَوْفَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ بِهُتَافٍ، بِصَوْتِ رَئِيسِ مَلاَئِكَةٍ وَبُوقِ اللهِ، وَالأَمْوَاتُ فِي الْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ أَوَّلاً. 17ثُمَّ نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ سَنُخْطَفُ جَمِيعاً مَعَهُمْ فِي السُّحُبِ لِمُلاَقَاةِ الرَّبِّ فِي الْهَوَاءِ، وَهَكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ الرَّبِّ” (1تس4: 16 ـ 17).

أرجو أن تلاحظ أن الرب سوف ينزل “بهتاف، وصوت رئيس ملائكة، وبوق الله” فأين السرية هنا؟! 

هل قال بولس: “لأن الرب بطريقة سرية وغير منظورة سوف ينزل من السماء ويختطف المؤمنين”؟!

أو قال: إن الهتاف، وصوت رئيس الملائكة، وبوق الله، لن يسمعهم إلا المؤمنين؟! 

‏هل تعلم أن كلمة هتاف في اللغة اليونانية هنا هي (κελεύσματι) (keleusmati) وتعني صوت عالي جداً، وقد وردت في كل التراجم الإنجليزية كالاتي:

 (a loud command, a shout of command, a loud cry of summons, a rousing cry)

‏وهذه الكلمة لها تاريخ طويل في الثقافة اليونانية حيث كانت تُطلق على هتاف عالي الصوت يطلقه قائد الجيش لتشجيع الجنود أثناء الحرب. وكانت تُطلق أيضاً على هتاف يطلقه البحارة وهم يجدفون في المركب عندما تكون الرحلة شاقة وطويله لكي يشجع أحدهم الآخر.

ثم يقول: “بِصَوْتِ رَئِيسِ مَلاَئِكَةٍ”، أي ليس هناك هتاف فقط بل وصوت رئيس ملائكة، ويقول القديس غريغوريوس النيصي في كتابه ”التعليم المسيحي الكبير“: ”حينما يأتي هذا الصوت، سيسمعه الجميع حتى ولو كانوا أمواتاً“.

ثم يقول: “وَبُوقِ اللهِ”، وقد كان البوق في العهد القديم يُستَخدم عسكرياً وإلى زمن بولس لدعوة الجنود للتحرك للحرب، فيقول بولس: “فَإِنَّهُ إِنْ أَعْطَى الْبُوقُ أَيْضاً صَوْتاً غَيْرَ وَاضِحٍ فَمَنْ يَتَهَيَّأُ لِلْقِتَالِ؟” (1كو14: 8). وكان البوق في العهد القديم يُستَخدم لدعوة الجماعة للعبادة وللارتحال (عد10: 1 ـ 6).

ويقول القديس جيروم: بقوله “بوق” يود أن نفهم بأنه سيكون الأمر جليًا جدًا بعلامة مميزة، ففي موضع آخر يقول بصوت رئيس الملائكة وبوق اللَّه (1تس4: 15).

والهتاف مع صوت البوق هنا يحمل معنى الفرح والتهليل والسعادة لأن المسيح عريس الكنيسة السماوي قادم ليزف كنيسته.. عروسته.. حبيبته لتقضي الأبدية معه بعد رحلة شاقة وجهاد طويل، والهتاف يصدر من جوقة الملائكة التي ترافق المسيح في مجيئه لاختطاف الكنيسة، فقد كان الهتاف مع صوت البوق يستخدم في العهد القديم في الاحتفالات المقدسة فنقرأ في (2صم6: 15) “فَأَصْعَدَ دَاوُدُ وَجَمِيعُ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ تَابُوتَ الرَّبِّ بِالْهُتَافِ وَبِصَوْتِ الْبُوقِ”.

وعند تنصيب الملك فنقرأ في (1مل1: 34) “وَلْيَمْسَحْهُ هُنَاكَ صَادُوقُ الْكَاهِنُ وَنَاثَانُ النَّبِيُّ مَلِكًا عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَاضْرِبُوا بِالْبُوقِ وَقُولُوا: لِيَحْيَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ”.

وهنا ملك الملوك قادم ليزف كنيسته ويملك ملكه الأبدي عليها.

فهل بعد الهتاف، وصوت رئيس الملائكة، وبوق الله توجد سرية؟!

‏إن من يقول إن المسيح سيأتي ويخطف كنيسته بسرية يكون كمن يقول لصديقه سوف آتي غداً أمام منزلك وسأطلق عدة كلكسات من سيارتي، وأنادي عليك بصوت عالِ لكي تنزل بسرية ودون أن يعلم أحد لنذهب معاً إلى مشوار هام!!!

+ والنص الكتابي الثاني الذي يتحدث عن الاختطاف هو (1كو15: 51 ـ 52) يقول بولس:

“هُوَذَا سِرٌّ أَقُولُهُ لَكُمْ: لاَ نَرْقُدُ كُلُّنَا وَلَكِنَّنَا كُلَّنَا نَتَغَيَّرُ 52فِي لَحْظَةٍ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ عِنْدَ الْبُوقِ الأَخِيرِ. فَإِنَّهُ سَيُبَوَّقُ فَيُقَامُ الأَمْوَاتُ عَدِيمِي فَسَادٍ وَنَحْنُ نَتَغَيَّرُ”.

لاحظ لا يقول سراً، أو دون أن يسمع أحد ولكن “عِنْدَ الْبُوقِ الأَخِيرِ”.

‏وقد تسأل ماذا يقصد بقوله: “فِي لَحْظَةٍ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ”؟ ‏أقول إنه يتحدث هنا عن فجائية الحدث، وعن تغير الأجساد الذي سيتم في لحظة في طرفة عين، ‏هو لا يتحدث هنا إطلاقاً عن مجيء سري.

‏إن مجيئ المسيح لاختطاف كنيسته سيكون علنياً واضحاً بدليل أن بولس يوصي تلميذه تيموثاوس بالكلمات الآتية:

“أُوصِيكَ أَمَامَ اللهِ… أَنْ تَحْفَظَ الْوَصِيَّةَ بِلاَ دَنَسٍ وَلاَ لَوْمٍ إِلَى ظُهُورِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ” (1تي6: 13-14).

لا يقول له: احفظ الوصية إلى أن يجئ المسيح سرياً لاختطاف الكنيسة بل إلى ظهوره علنياً.

‏والرسول يوحنا يحفزنا ويشجعنا لنثبت في المسيح حَتَّى لا نخجل منه عندما يظْهِرَ في مجيئه ليختطفنا، لاحظ أنه لا يقول حتى لا نخجل منه عندما يأتي سرياً ليختطفنا فيقول:

 (1يو28:2) وَالآنَ أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، اثْبُتُوا فِيهِ، حَتَّى إِذَا أُظْهِرَ يَكُونُ لَنَا ثِقَةٌ، وَلاَ نَخْجَلُ مِنْهُ فِي مَجِيئِهِ.

ويؤكد بعدها أنه عندما يظهر (وليس عندما يأتي سرياً) سنراه كما هو، وستتغير أجسادنا ونكون مثله فيقول:

(1يو3: 2) أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، الآنَ نَحْنُ أَوْلاَدُ اللهِ، وَلَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ مَاذَا سَنَكُونُ. وَلكِنْ نَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا أُظْهِرَ نَكُونُ مِثْلَهُ، لأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ”.

ألم يقل بعد ذلك بوضوح: “هُوَذَا يَأْتِي مَعَ السَّحَابِ، وَسَتَنْظُرُهُ كُلُّ عَيْنٍ، وَالَّذِينَ طَعَنُوهُ، وَيَنُوحُ عَلَيْهِ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ. نَعَمْ آمِينَ” (رؤ1: 7).

ألم يقل الملاكان للرسل لحظة صعود المسيح: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الْجَلِيلِيُّونَ مَا بَالُكُمْ وَاقِفِينَ تَنْظُرُونَ إِلَى السَّمَاءِ؟ إِنَّ يَسُوعَ هَذَا الَّذِي ارْتَفَعَ عَنْكُمْ إِلَى السَّمَاءِ سَيَأْتِي هَكَذَا كَمَا رَأَيْتُمُوهُ مُنْطَلِقاً إِلَى السَّمَاءِ». (أع1: 11). فلا يوجد أى تنبير على سرية أو غموض.

إنني أدعو إخوتي وأحبائي وأصدقائي الغاليين جداً الذين يؤمنون بالاختطاف السري أن يراجعوا فكرهم في هذا الموضوع.

يستند البعض على ما جاء فى كلمات الرب يسوع: “حِينَئِذٍ يَكُونُ اثْنَانِ فِي الْحَقْلِ يُؤْخَذُ الْوَاحِدُ وَيُتْرَكُ الآخَرُ. ﭐِثْنَتَانِ تَطْحَنَانِ عَلَى الرَّحَى تُؤْخَذُ الْوَاحِدَةُ وَتُتْرَكُ الأُخْرَى” (مت24: 40 ـ 41). ويظنون أنه يتحدث عن اختطاف سري.

لكن من يدرس هذا النص في قرينته سيجد أنه لا يتحدث ‏إطلاقا عن مجئ سري، وإنما يتحدث عن ‏فجائية المجئ، وأنها ستكون لحظه فرز وفصل‏ بين إنسان وإنسان، بين الأشرار والأبرار، وأرجو أن تقرأ النص بدقة، فالرب يشبه المجئ بالطوفان فيقول: “وَكَمَا كَانَتْ أَيَّامُ نُوحٍ كَذَلِكَ يَكُونُ أَيْضاً مَجِيءُ ابْنِ الإِنْسَانِ. لأَنَّهُ كَمَا كَانُوا فِي الأَيَّامِ الَّتِي قَبْلَ الطُّوفَانِ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَتَزَوَّجُونَ وَيُزَوِّجُونَ إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ نُوحٌ الْفُلْكَ وَلَمْ يَعْلَمُوا حَتَّى جَاءَ الطُّوفَانُ وَأَخَذَ الْجَمِيعَ كَذَلِكَ يَكُونُ أَيْضاً مَجِيءُ ابْنِ الإِنْسَانِ” (مت24: 37 ـ 39).

‏لقد جاء الطوفان فجأة والناس في دوامة الحياة يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَتَزَوَّجُونَ وَيُزَوِّجُونَ وفصل بين الأبرار والأشرار، فأخذ الأشرار إلى الهلاك، وبقي الأبرار داخل الفلك. وهكذا سيكون فى مجىء ابن الإنسان، الناس ستكون في دوامة الحياة “حِينَئِذٍ يَكُونُ اثْنَانِ فِي الْحَقْلِ يُؤْخَذُ الْوَاحِدُ وَيُتْرَكُ الآخَرُ. ﭐِثْنَتَانِ تَطْحَنَانِ عَلَى الرَّحَى تُؤْخَذُ الْوَاحِدَةُ وَتُتْرَكُ الأُخْرَى” (مت24: 40 ـ 41). ‏لاحظ أنه يتحدث عن اثنان من الرجال في الحقل، واثنتين من السيدات في المنزل فالكل ملهي في دوامة الحياة، ولكن عندما يأتي سيكون هناك فصل وتمييز بين شخص وآخر، بين بار وشرير، ‏ولا يوجد أي تلميح عن مجيء سري.

‏وقد تسألني ألم يشبه مجيئه باللص؟؟ ‏أقول لك اقرأ كل النصوص التي تحدث فيها عن مجيئه كلص بدقة وستجد أنه يتحدث عن فجائية المجيء، وأن على كل مؤمن أن يكون مستعداً بصفة دائمة لأن مجيئه سيكون كمجئ اللص في لحظة غير متوقعة، لذلك يؤكد مرتين في قرينه التشبيه قائلاً: “اِسْهَرُوا إِذًا لأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ فِي أَيَّةِ سَاعَةٍ يَأْتِي رَبُّكُمْ. 43وَاعْلَمُوا هذَا: أَنَّهُ لَوْ عَرَفَ رَبُّ الْبَيْتِ فِي أَيِّ هَزِيعٍ يَأْتِي السَّارِقُ، لَسَهِرَ وَلَمْ يَدَعْ بَيْتَهُ يُنْقَبُ. 44لِذلِكَ كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا مُسْتَعِدِّينَ، لأَنَّهُ فِي سَاعَةٍ لاَ تَظُنُّونَ يَأْتِي ابْنُ الإِنْسَانِ” (مت24: 42-44). 

فنقطة التشبيه هنا واضحة ومحددة وهى الفجائية وعدم التوقع فلا ينبغي أن نخرج عنها إلى التعميم. فعندما نمتدح طفل ونقول عنه مثلاً إنه ” مثل العفريت” نحن لا نقصد إلا الشطارة والذكاء. وإذا قلنا عن إنسان أنه “مثل الأسد” فنحن لا نقصد أنه من ذوات الأربع، أو أنه وحش مفترس، إنما نمتدح فيه الشجاعة والقوة. إن اللص لا يمكن أن يتصف إلا بالخسة والدنائة وعدم الرجولة، هو شخص بلا مبادئ ولا قيم ولا إنسانية‏ ولا رحمة، أما سيدنا فهو سيد القيم والأخلاق والحب والعطاء، ولا يأتي ليسرق كنيسته من العالم، فهو ليس ضعيفاً أو عاجزاً بل هو سيد الكون، الرب القدير، الذي يستطيع أن يبيد الكون بكل ما فيه بنفخة فمه، لذلك عندما يشبه نفسه باللص فذلك فقط ليؤكد على أن مجيئه سيكون فجائياً وعلينا أن نكون في استعداد دائم له. 

‏أخيراً أود أن أقول للجميع: سواء كان مجيئه سرياً أو علنياً فالأهم هو أن نكون جميعا في نعمة السهر والاستعداد، فإن جاء سرياً أو علنياً لن يأخذ إلا الشخص المستعد. فهل أنت مستعد؟؟

د. القس عزت شاكر

هل الاختطاف سري؟ – د. القس عزت شاكر