آبائياتالردود على الشبهات

دوام بتولية العذراء _ ق. جيروم

دوام بتولية العذراء _ ق. جيروم

دوام بتولية العذراء _ ق. جيروم

دوام بتولية العذراء _ ق. جيروم
دوام بتولية العذراء _ ق. جيروم
 
بقلم القديس جيروم
(قرن 4)
سئلت من أحد الأخوة منذ زمن ليس بطويل، أن أجيب على نبذة كتبها شخص اسمه هلفيديوس. ولقد ترددت كثيراً في هذا، لا لأنه عمل صعب، وإنما خوفاً من ان إجابتي تجعله أهلاً لأن يهزم …
 
ينبغي لي أولاً أن أدعو الروح القدس ليوضح المعنى بواسطة فمي ويدافع عن بتولية الطوباوية مريم، وينبغي أن أدعو الرب يسوع ليحرس المسكن المقدس، الاحشاء التي حلَّ فيها أشهراً، من كل شبهة إتصال جنسي. وينبغي أيضاً أن أتوسل إلى الله الآب ليظهر أن أم ابنه … استمرت عذراء بعد ما ولد ابنها. 
 
ليست لنا رغبة أن نجري في ميادين الفصاحة .. وإنما سندلي بحجتنا من كلمات الكتاب المقدس الفعلية، وننفض الحجج بنفس الاثباتات التي استخدمها ضدنا.
 
قبل أن يجتمعا
 
كانت أول حججه هي قول متى الرسول: “قبل أن يجتمعا وجدت حبلى من الروح القدس” (مت 1). ويعلق هلفيديوس على هذا بأن الإنجيلي ما كان ليقول “قبل أن يجتمعا” إن كان سوف لا يجتمعان بعد ذلك. لأنه ليس أحد يستعمل عبارة “قبل أن يتغذى” عن رجل ليس ذاهباً إلى الغذاء. 
 
لست أدري ما إذا كنت أحزن لأجله أم أضحك ! تماماً كما لو أن شخصاً قال “قبل الغذاء في الميناء، أبحرت إلى افريقيا”، فهل كلماته هذه لا تنضبط حسناً ما لم يرغم يوماً على الغذاء في الميناء؟! وإن اخترت أن أقول أن “بولس الرسول قبل أن يذهب إلى اسبانيا، قيد في روما”، أو إن قلت “قبل أن يتوب هلفيديوس أدركه الموت”، فعل ينبغي لبولس إذ يفك أسره أن يمضي مباشرة إلى اسبانيا، أو هل ينبغي لهلفيديوس أن يتوب بعد الموت على الرغم من أن الكتاب يقول “ليس في الجحيم من يشكرك” (مز 6).
 
ألا ينبغي لنا أن نفهم أن عبارة “قبل”، على الرغم من أنها كثيراً ما تشير إلى ترتيب الوقت، إلا أنها في بعض الأحيان تشير فقط إلى الترتيب في الفكر، فليس هناك ضرورة لتحقيق هذا الفكر ـ إذا ما تدخل سبب كاف لمنع أفكارنا من أن تتحقق.
 
إذاً فعندما يقول الإنجيلي “قبل أن يجتمعا”، إنما يشير إلى الوقت الذي سبق الزواج مباشرة، ويظهر أن الأمور تقدمت هكذا بسرعة، حتى أن هذه التي خطبت وكانت على وشك أن تصبح زوجة .. قبل ذلك وجدت حبلى من الروح القدس .. ولكن لا يتبع هذا أنه أجتمع بمريم بعد الولادة، إذ أن هذه الرغبة قد أخمدت بالوسيلة التي بها حبلت. 
 
وعلى الرغم من أننا نجد أنه قيل ليوسف في حلم “لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك”، وأيضاً “فاستيقظ يوسف وأخذ إليه امرأته”، فينبغي أن لا يضطرب أحد بهذا … لأننا نعرف أن الكتاب من عادته أن يعطي هذا اللقب للمخطوبات. والمثل الآتي من سفر التثنية يثبت هذه النقطة، إذ يقول: “إذا كانت فتاة عذراء مخطوبة لرجل، فوجدها رجل في المدينة واضطجع معها، فاخرجوهما كليهما إلى باب تلك المدينة وارجموهما بالحجارة حتى يموتا. الفتاة من أجل أنها لم تصرخ في المدينة، والرجل من أجل أنه أذل امرأة صاحبة، فتنزع الشر من وسطك” (تث 22) …
 
ولكن إن كان أحد يسأل: لماذا حبلت العذراء بعد ما خطبت، وليس حينما كانت غير مخطوبة أو ليس لها زوج بلغة الكتاب؟ لأشرح ذلك بأنه كانت هناك ثلاثة أسباب:
 
أولاً: لكي بنسب يوسف – التي كانت مريم قريبته – يمكن أن يظهر أيضاً أصل مريم. 
 
ثانياً: حتى لا تُرجم طبقاً لشريعة موسى كزانية.
 
ثالثاً: حتى أنه في هربها إلى مصر تجد معها من يعزيها، كحارس وليس كزوج. لأنه من كان في ذلك الوقت سيصدق كلمة العذراء أنها قد حبلت من الروح القدس وأن الملاك جبرائيل قد أتى وبشرها بغرض الله؟ ألم يكن الكل سيقولون رأيهم ضدها مثل سوسنة؟ لأنه في وقتنا الحاضر، على الرغم من أن العالم كله قد اعتنق الإيمان، مازال اليهود يجادلون في أنه عندما قال إشعيا “هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً” كانت الكلمة العبرانية تعني فتاة وليس عذراء (ألما وليس بتوللا) …
 
فانه باستثناء يوسف واليصابات ومريم نفسها وبعض آخرين من الذين نفترض أنهم سمعوا بالحقيقة من هؤلاء، فالكل كانوا تعتبرون يسوع ابناً ليوسف. وإذا كان هذا هو الحال، فان الإنجيليين بتوضيحهم للرأي السائد، فانهم يدعونه أباً للمخلص. مثال ذلك “فأتى بالروح إلى الهيكل، ولما دخل بالطفل يسوع أبواه ليصنعا عنه كما يجب في الناموس” (لو 2). وفي موضع آخر: “وكان ابواه يذهبان كل سنة إلى أورشليم في عيد الفصح” …
 
لاحظ أيضاً أن مريم نفسها التي أجابت جبرائيل بقولها “كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلاً؟!” تقول لابنها من جهة يوسف “يا ابني، لماذا فعلت بنا هكذا؟ هوذا أبوك وأنا كنا نطلبك معذبين” (لو 2) .. الإنجيليون يدعون يوسف أباً، ومريم تعترف أنه أب، ليس لأن يوسف كان حقاً أباً للمخلص، وانما لكي تحفظ سمعة مريم، نظر إليه من الكل على أنه أب على الرغم من أنه سمع قبلاً قول الملاك “لأن الذي حبل به فيها هو من الروح القدس” (مت 1)، وعلى الرغم من أنه فكر قبلاً في تخليتها سراً. وهذا يظهر أنه كان يعرف تماماً أن الحبل ليس منه. 
 
هوذا قد قلنا كثيراً – بقصد التعليم وليس للرد على الخصم – لنظهر لماذا دعي يوسف أباً للرب، ولماذا دعيت مريم امرأة ليوسف. وهذا أيضاً بالمثل اجابة عن لماذا دعي بعض الأشخاص أخوة له، على أن هذه النقطة ستجد مكانها فيما بعد. 
 
ولم يعرفها حتى 
 
“ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر” (مت 1). 
 
أولاً ليست هناك حاجة إلى أن يجاهد خصمنا لاظهار أن كلمة “عرف” تعني الاضطجاع .. كما لو كان أحد ينكر هذا !
 
إنه يقول أيضاً أن لفظ “حتى” أو “إلى أن” يسير في زمن محدد ومعين، عندما يكمل  يحدث بعده ما لم يكن قد حدث سابقاً. ويقول: “من الواضح أنه عرفها بعد أن ولدت …
 
واجابتنا باختصار هي هذه. أن كلمتي “عرف”، “حتى” في لغة الكتب المقدسة لكل منهما معنى مزدوج. فمن جهة الكلمة الأولى فانه قد قدَّم لنا بحثاً ليظهر أنها تشير إلى المعاشرة الجنسية، كذلك ليس أحد يشك في أنها قد تدل أحياناً على معرفة الفهم.، ومثال ذلك “وبقى الطفل يسوع في أورشليم وأبواه لم يعرفا”. وهكذا بالنسبة إلى كلمة “حتى” أو “إلى أن”، فانه يُرَّد عليه بسلطة نفس الكتاب الذي يشير بها أحياناً إلى زمن محدود كما أخبرنا هو بهذا، وأحياناً إلى زمن غير محدد.
 
مثلما حينما قال الله على فم النبي لبعض الأشخاص “وحتى الشيخوخة أنا هو” (إش 46)، فهل سيتوقف عن كونه إلهاً عندما يشيخون؟! والمخلص يقول للرسل في الإنجيل “وها أنا معكم كل الأيام وإلى إنقضاء العالم” (مت 28). فهل بعد أن ينقضي العالم سيترك الرب تلاميذه في نفس الوقت الذي يجلسهم فيه على أثنى عشر كرسياً ليدينوا أسباط إسرائيل الاثني عشر.
 
وأيضاً بولس الرسول إذ يكتب إلى أهل كورنثوس يقول: “وبعد ذلك النهاية، متى سلم الملك لله الآب متى ابطل كل رياسة وكل سلطان وكل قوة لأنه يجب أن يملك حتى يضع جميع الاعداء تحت قدميه” (1 كو 15)، فهل الرب سيملك فقط حتى يصبح أعداؤه تحت قدميه، وفي الحال إذ يصيروا تحت قدميه يتوقف عن أن يملك؟! بالطبع أن ملكه سيبدأ حينئذ، أن يكون في ملئه عندما يبدأ أعداؤه أن يصيروا تحت قدميه.
 
إن داود في المزمور الرابع للمصاعد يقول هكذا “مثل عيون العبيد نحو أيدي سادتهم، ومثل عيني الامة نحو يدي سيدتها، كذلك أعيينا إليك يا الله حتى يتراءف علينا”(مز 123)، فهل سينظر النبي نحو الله حتى ينال الرحمة، فإذا ما نالها يحوِّل عينيه إلى أسفل إلى الأرض؟ بينما قد قال في موضع آخر “كلت عيناي اشتياقاً إلى خلاصك وإلى كلمة برك” (مز 19). كان يمكن أن أجمع ما لا يُحصى من الأمثلة بهذا الشأن .. ولكني على أية الحالات سأضيف قليلاً منها، واترك للقارئ أن يكتشف بنفسه ما يشبهها. 
 
قيل في سفر التكوين “فمات هناك موسى عبد الرب في أرض موآب حسب قول الرب مقابل بيت فغور، ولم يعرف إنسان قبره إلى هذا اليوم” (تث 34) .. وسواء كانت عبارة “إلى هذا اليوم” تشير إلى وقت كتابة أو وقت نشر هذه الأسفار، فإن سنوات كثيرة قد مضت منذ ذلك اليوم دون أن يكتشف قبر موسى …
 
ليته يصنع حسناً ويلتفت معنا إلى اصطلاح الكتب المقدسة. إن بعض الأشياء التي تبدو غامضة إن لم توضح يشار إلها بوضوح، بينما تترك الأخرى إلى إدراك عقولنا …
 
وبهذا يمكننا أن نفسر ما قيل عن يوسف. لقد أشار الإنجيلي إلى ظرف معين كان يمكن أن يصير مجالاً للافتراء، وهو أن مريم لم يعرفها رجل حتى ولدت. ولقد فعل هذا حتى نكون أكثر تأكداً أن هذه التي أمسك عنها يوسف حيث كان هناك مجال للشك في مضمون الرؤيا، هذه لم تُعرَف أيضاً بعد الولادة. 
 
وباختصار، أن ما أريد أن أعرفه هو هذا: لماذا أمسك عنها يوسف حتى يوم الولادة؟
 
سيجيب هلفيديوس: “طبعاً لأنه سمع الملاك يقول إن الذي حبل به فيها من الروح القدس .. وهل كان يمكن للرجل البار أن يفكر في الاقتراب منها عندما سمع أن ابن الله في أحشائها؟!”
 
حسناً، إننا نؤمن إذن أن نفس الرجل الذي كانت له مثل هذه الثقة بحلم، حتى أنه لم يجرؤ أن يلمس إمرأته. هذا عندما عرف فيما بعد من الرعاة أن ملاك الرب قد نزل من السماء وقال لهم “لا تخافوا، فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب، أنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب” (لو 2)، وعندما انضم إليه الجند السمائي منشدين “المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة”.
 
وعندما رأى الرجل البار سمعان يحمل الطفل ويصيح “الآن يارب أطلق عبدك بسلام لأن عيني قد أبصرتا خلاصك”، وعندما رأى حنة النبية والمجوس والنجم وهيرودس والملائكة، فإن هلفيديوس يريدنا أن نصدق أن يوسف على الرغم من معرفته جيداً بمثل هذه العجائب المدهشة يجرؤ أن يلمس أم الرب، هيكل الله، ومسكن الروح القدس؟!
 
إن مريم في كل هذا “كانت تحفظ جميع هذه الأمور متفكرة بها في قلبها” (لو 2). أنت لا تستطيع أن تقول أن يوسف لم يكن يعرف هذه الأمور، لأن لوقا يخبرنا بأن “يوسف وامه كانا يتعجبان مما قيل فيه” (لو 2) …
 
ابنها البكر
 
ينبغي الآن أن أتقدم إلى النقطة الثالثة. إنه يرى أن مريم قد حملت بأبناء آخرين، ويقتبس العبارة “فصعد يوسف أيضاً إلى مدينة داود، ليكتتب مع مريم المخطوبة إليه وهي حبلى. وبينما هما هناك تمت أيامها لتلد، فولدت ابنها البكر” (لو 2). وهو يحاول من هذا أن يظهر أن عبارة البكر لا تستعمل إلا لشخص له أخوة. كما أنه يدعى الابن الوحيد من هو وحيد لأبويه. 
 
وموقفنا هو هذا: كل ابن وحيد هو ابن بكر، ولكن ليس كل بكر هو ابن وحيد. وان تعبير البكر لا يشير إلى شخص ولد بعده آخرون، ولكن إلى واحد ليس له من يسبقه. قال الرب لهارون “كل فاتح رحم من كل جسد يقدمونه إلى الرب من الناس والبهائم يكون لك، ولكن بكر الإنسان ينبغي لك أن تقبل فداءه، وبكر البهائم التجسة تقبل فداءه” (عدد 18).
 
إن كلمة الرب تُعرِّف البكر بأنه كل فاتح رحم. وإلا فإن كان اللقب يتعلق فقط بمن لهم أخوة أصغر منهم فإن الكهنة ما كانوا يستطيعون أن يطالبوا بالأبكار إلى أن يولد ما بعدهم، لأنه ربما في حالة ما إذا لم تكن هناك ولادة أخرى، فإن هذا يبرهن على أنهم كانوا مجرد أبناء وحيدين! يقول الكتاب إن الذين يقبل فداؤهم “من ابن شهر تقبل فداءه حسب تقويمك من المال هسة شواقل حسب شاقل القدس. ولكن بكر البقر أو بكر الضأن أو بكر الماعز لا تقبل فداءه إنه مقدس” (عدد 18).
 
إن كلمة الله ترغمني على أن اكرس كل فاتح رحم إن كان من أبكار الحيوانات الطاهرة، وإن كان من أبكار الحيوانات غير الطهارة فيجب أن أفديه وأعطي ثمنه للكاهن. فهل يجوز أن أجيب وأقول “لماذا تقيدني بفترة قصيرة هي شهر؟ لماذا تقول عنه انه بكر في حين أنني لا أستطيع أن أخبر ما إذا كان سيولد بعده أخوة له أم لا. أنتظر حتى يولد الثاني، لست مديناً للكاهن بشيء حتى يولد الثاني فيضبح الأول بكراً !!”. ألا تصرخ كل الحروف ضدي وتقنعني بحماقتي، وتعلن بأن البكر هو لقب لمن يفتح رحماً ولا ينحصر في من له أخوة؟
 
ولنأخذ إذن مثال يوحنا: أننا متفقون على أنه كان ابناً وحيداً. وأريد أن أعرف ألم يكن أيضاً بكراً، وألم يكن بالكلية مذعناً للناموس؟ ليس هناك شك في هذا الأمر. 
 
وكل حوادث الكتاب تتكلم هكذا على المخلص: “ولما تمت أيام تطهيرها حسب شريعة موسى، صعدوا به إلى أورشليم ليقدموه للرب – كما هو مكتوب في ناموس الرب أن كل فاتح رحم يدعى قدساً للرب – ولكي يقدموا ذبيحة كما قيل في ناموس الرب زوج يمام أو فرخي حمام” (لو 2).
 
فإن كانت هذه الشريعة تختص فقط بالابكار، ولم يكن ممكناً أن يكون هناك أبكار ما لم يولد أخوة بعدهم، فانه لم يكن هناك أحد مطالباً بشريعة الأبكار إذ هو غير مستطيع أن يخبر ما إذا كان هناك من سيولدون بعده ولكن طالما الذي ليس له أخوة صغار مقيداً بشريعة الأبكار، فاننا نستخلص من ذلك بأنه كان يدعى بكراً كل فاتح رحم ليس له من يسبقه، وليس ذلك الذي يتبع ميلاده بأخ أصغر. 
 
إن موسى يكتب في سفر الخروج: “فحدث في نصف الليل أن الرب ضرب كل الأبكار في أرض مصر، من بكر فرعون الجالس على كرسيه إلى بكر الأسير الذي في السجن، وكل أبكار القطعان” (خر 12). فاخبرني هل الذين أهلكهم المهلك كانوا هم أبكارك فقط أم ما هو أكثر من ذلك؟ هل كانوا يشملون الابناء الوحيدين؟ إن كان الذين لهم أخوة هم فقط المدعوون أبكاراً، إذن فقد نجا الابناء الوحيدون من الموت. وفي هذه الحالة تصير اضحوكة، فان وافقت بانهم قد قتلوا، فاننا نكسب نقطتنا، وهي أن الابناء الوحيدين يدعوهم أيضاً أبكاراً. 
 
أخوتـــه
 
النقطة الأخيرة لهلفيديوس كانت هذه: أن أخوة الرب قد ذكروا في الاناجيل مثال ذلك “هوذا أمك وأخوتك واقفون خارجاً طالبين أن يكلموك” (مت 12)، وفي مكان آخر “وبعد هذا انحدر إلى كفرناحوم هو وأمه وأخوته” (يو 2)، ومرقس أيضاً ومتى يقولان “ولما جاء إلى وطنه كان يعلمهم في مجامعهم حتى بهتوا وقالوا: من أين لهذا هذه الحكمة والقوات؟ أليس هذا ابن النجار؟ أليست أمه تدعى مريم؟ وأخوته يعقوب ويوسي وسمعان ويهوذا؟ أو أليست أخواته جميعهن عندنا” (مت 13، مر 6).
 
ولوقا أيضاً يخبر في أعمال الرسل “هؤلاء كلهم كانوا بنفس واحدة يواظبون على الصلاة مع النساء ومريم ام يسوع ومع اخوته” (أع 1)، وبولس أيضاً يقول بنفس الرأي “ولم أرَ أحداً آخر من الرسل إلا بطرس ويعقوب أخا الرب” (غل 1). ويقول متى “ونسوة كثيرات كن هناك ينظرن من بعيد، وبينهن مريم المجدلية ومريم أم يعقوب ويوسي وأم ابن زبدي” (مت 27)، ومرقس أيضاً “وكانت أيضاً نساء ينظرن من بعيد بينهم مريم المجديلة ومريم أم يعقوب الصغير وسالومي” (مر 15). 

إن غرضي من تكرار نفس الشيء مرة واخرى هو أن أمنعه من أن يحتج باطلاً ويصرخ بأني قد احتجزت مثل هذه الفقرات كما لو كانت نافعة له. 


أنه يقول: “لاحظوا: يعقوب ويوسي .. هم ابناء مريم، ونفس الاشخاص دعوا من اليهود أخوة للرب. مريم هي أم يعقوب الصغير ويوسي. ويعقوب قد دعي الصغير لتمييزه عن يعقوب الكبير الذي كان ابناً لزبدي. كما يقول مرقس في موضع آخر: “مريم المجدلية ومريم أم يوسي نظرتا أين وضع. وبعدما مضى السبت احضرتا حنوطاً واتيتا لتدهناه” (مر 15). ومثلما كان متوقعاً، قال هلفيديوس: “ما أبأس وأشَّر الفكرة التي نأخذها عن مريم ان رأينا أن النسوة الأخريات كن مشغولات بدفن يسوع، بينما وهي أمه كانت غائبة، أو كنا نخترع نوعاً من مريم ثانية.
 
وخصوصاً أن إنجيل يوحنا يشهد أنها كانت حاضرة هناك عندما عهد بها الرب وهو على الصليب كأم له وأرمله إلى عناية يوحنا، أم هل ينبغي أن نفترض أن الإنجيليين كانوا مخطئين ومضلين لنا في أن يسموا مريم أم أولئك الذين كانوا معروفين لليهود كأخوة ليسوع؟!”

أية ظلمة وأي جنون هائج مندفع نحو هلاك نفسه. أنك تقول أن مريم أم الرب كانت حاضرة عند الصليب، وتقول أنه قد عهد بها إلى تلميذه يوحنا بالنسبة إلى أرمليتها وحالتها المنفردة، كأنما هي في طريقة عرضك للأمر ليس لها أربعة أبناء وعدد وفير من البنات يعزين وحدتها !! كذلك أنت تفرض عليها لقب أرملة الذي ليس هو موجوداً في الكتاب.
 
وعلى الرغم من أنك تقتبس كل الأمثلة الواردة في الأناجيل، فإن كلمات يوحنا فقط لا تعجبك. أنك تقول قبلاً أنها كانت حاضرة عند الصليب، إلا انك لم تذكر كلمة عن النسوة اللائي كن معها. كان يمكنني أن اسامحك لو كنت جاهلاً، ولكني أرى أن هناك سبباً لصمتك. دعني إذن أظهر ماذا يقول يوحنا: “وكانت واقفات عند صليب يسوع: أمه، وأخت أمه مريم زوجة كلوبا، ومريم المجدلية” (يو 19). 

ليس أحد يشك في أنه كان هناك رسولان يدعيان باسم يعقوب: يعقوب بن زبدي ويعقوب بن حلفى. فهل تعني بالمقارنة أن يعقوب الصغير غير المعروف الذي يدعى في الكتاب ابن مريم – ليس مريم أم الرب – هو رسول أم لا؟ فإن كان رسولاً فلابد أنه ابن حلفى ومؤمن بيسوع .. وإن لم يكن رسولاً وإنما يعقوب ثالث – وهو ما لا أستطيع أن أخبر من يكون – فكيف أعتبر أخاً للرب …


لاحظ أن أخا الرب هو رسول كما يقول بولس الرسول (غل 1)، وكما يقول أيضاً “يعقوب وصفا ويوحنا المعتبرون أنهم أعمدة” (غل 2)، ولكيما لا تفترض أن يعقوب هذا هو ابن زبدي، ليس عليك إلا أن تقرأ أعمال الرسل، وستجد أن هذا الأخير كان قد قتل قبلاً بواسطة هيرودس (أع 12).


والخلاصة من هذا هي أن مريم التي توصف بانها أم يعقوب الصغير كانت زوجة حلفى، وأخت مريم أم الرب، وهي التي تدعى بواسطة يوحنا الإنجيلي “مريم زوجة كلوبا”. ولكن إن كنت تظن انهما اثنتين لأننا في مكان آخر نقرأ “مريم أم يعقوب الصغير” وهنا “مريم زوجة كلوبا”، فاعلم أنه من عادة الكتاب أن يحمل الشخص الواحد أسماء مختلفة.
 
فراعوئيل حمو موسى يدعى أيضاً يثرون، وجدعون يربعل، وبطرس أيضاً دعي سمعان وصفا، ويهوذا الغيور يدعى في إنجيل آخر تداوس، وتوجد أمثلة أخرى عديدة يمكن للقارئ أن يجمعها لنفسه من كل جزء من الكتاب.

… من الواضح إذن أن مريم أم يعقوب ويوسي لم تكن نفس شخصية أم الرب.


يقول هلفيديوس: كيف إذن دعو أخوة الرب هؤلاء الذين ليسوا هم أخوته؟


سأريك كيف يكون هذا؟


يوجد في الكتاب المقدس أربعة أنواع من الأخوة: بالطبيعة، وبالجنس، وبالقرابة، وبالحب. 


من أمثلة الأخوة بالطبيعة عيسو ويعقوب، والبطاركة الاثنا عشر، وأندراوس وبطرس، ويعقوب ويوحنا. 


أما عن الجنس فكل اليهود دعوا أخوة لبعضهم البعض كما في سفر التثنية “إذ بيع لك أخوك العبراني أو أختك العبرانية، وخدمك ست سنوات، ففي السنة السابعة تطلقه حراً من عندك (تث 15). وفي نفس السفر “فانك تجعل عليك ملكاً، الذي يختاره الرب، واحداً من بين أخوتك تجعله عليك ملكاً.
 
لا يحل لك أن تجعل عليك رجلاً أجنبياً ليس هو أخاك” (تث 17). وبولس الرسول يقول “كنت أود لو أكون أنا نفسي محروماً من المسيح لأجل أخوتي انسبائي حسب الجسد الذين هم اسرائيليون” (رو 9).

كذلك يدعون أخوة بالقرابة الذين هم من أسرة واحدة. نقرأ في سفر التكوين “فقال ابرام للوط: لا تكن هناك مخاصمة بيني وبينك وبين رعاتي ورعاتك لأننا نحن أخوان” (تك 3). بالتأكيد لم يكن لوط أخاً لابراهيم ولكن أبناً لآرام أخي ابراهيم. لأن “تارح ولد ابراهيم وناحور وآرام وآرام ولد لوطاً” (تك 11). وأيضاً نقرأ “وكان ابرام ابن خمس وسبعين سنة لما خرج من حاران، وأخذ ابارم ساراي زوجته ولوطاً ابن أخيه” (تك 12).
 
وإن كنت ما تزال تشك في ان ابن الأخ يدعى أخاً دعني أقدم لك مثالاً “ولما سمع ابرام أن أخاه قد سبي، جر رجاله المدربين المولودين في بيته ثلاثمائة وثمانية عشر” (تك 14)، وبعد وصف ليلة الهجوم والغزو يستطرد “واسترجع كل الاملاك واسترجع لوطاً أخاه أيضاً”. فليكفِ هذا للبرهنة على ما أريد اثباته. ولكن خوفاً من أنك تراوغ محتجاً، أو تتلوى في ضيقتك كالأفعى، فلابد لي أن أربطك جيداً برباطات البراهين لأوقف دمدمتك وشكواك …إن يعقوب ابن اسحق ورفقة “عندما كان خائفاً من غدر أخيه.
 
ذهب إلى فدان آرام وتقدم ودحرج الحجر عن فم البئر وسقى غنم خاله لابان” (تك 29)، وقبل يعقوب راحيل ورفع صوته وبكى ، وأخبر يعقوب أنه أخو ابيها وأنه ابن رفقة”. هوذا مثال عن القاعدة التي أشرنا إليها التي بها يُدعى ابن الأخ أو ابن الأخت أخاً. وأيضاً “فقال لابان ليعقوب: ألا أنك أخي تخدمني مجاناً، أخبرني ما هو أجرتك” (تك 29).
 
وهكذا عندما رجع إلى وطنه في نهاية عشرين سنة، بدون علم حميه مصطحباً مع زوجاته وأولاده، فإذا ادركه لابان عند جبل جلعاد وفشل في العثور على الأصنام التي خبأتها راحيل في الأمتعة، أجاب يعقوب وقال للابان ” ما هو جرمي وما هي خطيئتي حتى أنك في حرارة تتبعني؟ فمع أنك حسست جميع متاعبي.
 
ما ذا وجدت من كل أمتعة بيتك؟ ضعه ههنا أمام إخوتي وإخوتك حتى يحكموا بيننا نحن الاثنين” (تك 31). فاخبرني من كان أخوة يعقوب وأخوة لابان الحاضرون هناك؟ عيسو أخو يعقوب بالتأكيد لم يكن هناك. ولابان بن يتوئيل لم بكن له أخوة بل كانت له أخت هي رفقة (تك 24).

يوجد في الاسفار المقدسة ما لا يُحصى من هذه الأمثلة. وللإختصار سأرجع إلى النوع الأخير من أربعة أنواع الأخوة. واعني به أخوة المحبة. وهؤلاء أيضاً ينقسمون إلى قسمين: نوع خاص بالعلاقات الروحية، وآخر خاص بالعلاقات العامة.   وآخر خاص بالعلاقات العامة.
 
أقول الروحية لأننا كلنا نحن المسيحيين ندعى أخوة كما في الآية: “هوذا ما أحسن وما أحلى أن يجتمع الأخوة معاً” (مز 133)، وفي مزمور آخر يقول المخلص “أخبر باسمك أخوتي” (مز 22)ن وفي موضع آخر “اذهبي إلى اخوتي وقولي لهم” (يو 20). أما النوع العام فلأننا كلنا ابناء أب واحد، لذلك توجد بالمثل رابطة أخوة بيننا جميعاً. إن الرسول يكتب إلى الكورنثيين فيقول “إن كان أحد مدعوا أخاً زانياً أو طماعاً أو عابد وثن أو شتاماً أو سكيراً أو خاطفاً أن لا تخالطوا ولا تؤاكلوا مثل هذا” (1 كو 5).

وأنا أسأل الآن: لأي نوع من هؤلاء ينبغي أن يُنسب أخوة الرب في اعتبارك؟ 


أتقول أنهم أخوة بالطبيعة؟ ولكن الكتاب لا يقول هذا. انه لا يدعوهم أبناء لمريم ولا ليوسف، فهل تقول إنهم أخوة بالجنس.
 
ولكن من غير المعقول أن نفترض أن نفراً قليلاً من اليهود دعوا أخوته في حين أن كل اليهود في نفس الزمن كانوا على هذا المبدأ يحملون نفس اللقب ! فهل كانوا أخوة من جهة قرب الصلة ووحدة القلب والعقل؟ إن كان الأمر كذلك فمن كان أخوته على الحقيقة أكثر من الرسل الذين كانوا يتقبلون تعليمه الخاص ولاذين دعاهم أخوته وأيضاً إن كان كل الناس بالمثل أخوته، فمن الحمق الآن تقديم رسالة خاصة “هوذا أخوتك يطلبونك”، لأن كل الناس بالمثل يلقبون هكذا !!

الحل الوحيد إذن هو اعتناق التفسير السابق بفهم: أنهم دعوا أخوة بدافع من رابطة القرابة، كما دعي لوط أخاً لابراهيم، ويعقوب أخاً للابان. 


الواضح أن أخوة الرب حملوا الاسم بنفس الطريقة التي دُعي بها يوسف أباً له “أبوك وأنا كنا نطلبك معذبين” (لو 2). إنها أمه التي قالت هذا وليس اليهود، وتوجد عبارات مشابهة فد اقتبسنا منها قبلاً، وفيها يُدعى يوسف ومرسم والديه. 


وفي إنجيل يوحنا قد كُـتب بوضوح: “فيلبس وجد نثنائيل وقال له قد وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء يسوع بن يوسف” (يو 1) والآن أخبرني: كيف أن يسوع أباه هو ابن يوسف بينما واضح انه ولد من الروح القدس !! هل كان يوسف أباه الحقيقي؟ مهما بلغت بك الحماقة فلن تجرؤ أن تقول هذا. هل كان أباه بحسب الصيت والشهرة؟ إن كان كذلك، فلتتبع مع الذين دعوا أخوته نفس القاعدة التي اتبعت مع يوسف عندما دعي أباه. 


 إنه إذ شعر بأنه قد ألقى الكلام على عواهنه، فإنه يقدم ترتليان كشاهد، ويقتبس كلمات فكتورينوس اسقف بتافيا. من جهة ترتليان، فلست أقول أكثر من أنه لم يكن ينتمي إلى الكنيسة، وأما من جهة فكتورينوس فإني أؤكد ما سبق اثباته أنه تكلم عن أخوة الرب ليس كأبناء لمريم، وإنما أخوة بالمعنى الذي شرحته، أعني أخوة من جهة القرابة وليس بالطبيعة. 


وعلى أية الحالات، نحن نضيع وقتنا في التوافه تاركين ينبوع الحق وتابعين بركاً ضحلة الرأي. فهل أصف ضدك أغناطيوس وبليكاربوس وإيريناوس ويوستين الشهيد وكثيرين غيرهم من الرجال الرسوليين الفصحاء الذين كتبوا مجلدات مليئة بالحكمة، تحوي نفس الآراء، ضد إبيون وثيئودوتس البيزنطي وفالنتينوس. فلو كنت قد قرأت ما كتبوه، لصرت أكثر حكمة …
 
 
المرجع: نبذة بعنوان “ميمر الابن الوحيد” للقديس جيروم، إصدار دير العذراء السريان، عام 1962
 
Reference: NPNF, 2nd series, vol 6, Jerome, Against Helvidius
 

دوام بتولية العذراء _ ق. جيروم

تعليق واحد