أبحاث
أخر الأخبار

الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والقديس مرقس الإنجيلي والشهيد – الرد على كتاب الأزهري

(ردًا على كتاب نقد التقليد الكنسي) إعداد: خادم بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية

الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والقديس مرقس الإنجيلي والشهيد – الرد على كتاب الأزهري

(ردًا على كتاب نقد التقليد الكنسي)

إعداد: خادم بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية

الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والقديس مرقس الإنجيلي والشهيد
الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والقديس مرقس الإنجيلي والشهيد

الجزء الثاني: 

ليتورجية الكنيسة القبطية هي حياة – الرد على كتاب الأزهري

التعريف بالكنيسة المصرية

يمتد عمر الكنيسة المصريَّة بطول تاريخ المسيحيَّة منذ تجسد الابن الوحيد  آخذًا جسدًا متأنسًا من العذراء مريم، وحتَّى وقتنا الحالي. الكنيسة في مصر لها اليد العليا في تاريخ الساكنين فيها، بل في بعض الأوقات صارت هي إحدى أسباب الحياة في بلدنا هذا. كان لهذه القيمة العالية ضريبة وثمن يجب أن يُدفع، والثمن كان ولا يزال هو الاضطهاد والتلسُّن والنعت والتقوّل على كنيسة الله. فما كان منا إلا ما عهدنا به منذ نشأة وعينا في حضنها الأموميّ أن نكون حافظين للعهد، مدافعين بالقلب، ناذرين الفكر والمداد والعتاد في رفعة شأنها وإجلال ومجد ربّها.

رأينا على سبيل المتلسنين والمتقولين هنداوي في كتابه المشار له سابقًا، فكان في تمهيده متندَّرًا بثقل اللسان والقلم، فتكلم أولًا عن تعريف الكنيسة الأرثوذكسيَّة المصريَّة واعتقادها إجمالًا، فسرد- بقدر وعيه ونظره- ما وصل إليه من معنى مصطلح كنيسة لغويًّا كمجمع وإصطلاحًا كجماعة المؤمنين وما نعرفه عنها من بناء حجري شكلًا، وأشار أيضًا لتعريف كلمة الأرثوذكسيَّة فغفل نصّ الكلمة بلغته الأصل أي اليونانيَّة فأورد فراغًا بعد كلمة أرثودكسوس، وشرح المعنى بأنه الإيمان المستقيم الذي هو إيمان الكنيسة الجامعة، ولكن عند شرحه لمصطلح الكنيسة الأرثوذكسيَّة قال:

أمّا عن مصطلح الكنيسة الأرثوذكسيَّة: فإنَّه يطلق على إحدى الكناس الرئيسة في النصرانيَّة، وقد انفصلت عن الكنيسة الكاثوليكيَّة الغربيَّة بشكل نهائي عام ألف وأربع وخمسين من الميلاد، وتمثلت في عدة كنائس مستقلة لا تعترف بسيادة بابا روما عليها، ويجمع هذه الكنائس الأرثوذكسية إيمانهم بانبثاق الروح القدس من الأب فقط، ومحل بحثنا كنيسة من هذه الكنائس الأرثوذكسيَّة وهي «الكنيسة القبطيَّة»[1].

يتضح من الاقتباس السابق تخبط الهنداوي في معرفة تصنيف الكنائس المسيحيَّة وتاريخها، فما يشير إليه من حدث انفصال الكنيسة الأرثوذكسيَّة عن الكنيسة الكاثوليكيَّة الغربيَّة هو ما يُعرف بالانشقاق الكبير الذي حدث عام 1054م، وهو ما يقول عنه إيريل كيرينز في كتابه المسيحيَّة عبر العصور:

في سنة 1054، دار الجدل الأخير حول ما بدا أنه أمر ثانوي. فإنّ مايكل سيرولاريوس Michael Cerularius، بطريرك القسطنطينية فيما بين 1043 – 1059، أدان الكنيسة في الغرب لاستخدامها الخبز غير المخمر (الفطير) في الأفخارستيا. وكان مثل هذا الاستخدام للفطير شائعًا في الغرب منذ القرن التاسع. فأرسل البابا ليو التاسع الكاردنال همبرت Humbert واثنين مِن القانونيين إلى الشرق لحسم هذا النزاع، إلَّا إنَّ اختلاف وجهات النظر اتسع واستمرت المناقشات. وفي 16 يوليو 1054 وضع الوفد الروماني (الكاثوليكيّ) مرسومًا بحرمان البطريرك وتابعيه على مذبح كاتدرائية القديسة صوفيا. إلَّا إنَّ البطريرك لم ييأس، فعقد سنودسًا حيث أعلن خروج البابا وتابعيه عن الإيمان القويم ومن ثمّ قطعه مِن الكنيسة. كان هذا أوَّل انشقاق كبير Great Schism يحطم وحدة الكنيسة. ومن ذلك الوقت مضت كلّ مِن الكنيسة الكاثوليكيّة الغربية، والكنيسة اليونانيّة الارثوذكسية (الشرقية) كلّ في طريقها بعيدًا عن الأخرى. وظل حرمهما الواحد للآخر ساريًا حتّى أبطل في 7 ديسمبر 1965، بواسطة البابا بولس السادس والبطريرك أثيناجوراسAthenagoras [2]

وهي ما تعرف بالكنائس الأرثوذكسيَّة الشرقيَّة الخلقيدونيَّة وليس للكنيسة المصريَّة علاقة بهذا الحدث، بل إنَّ استقلال الكنيسة المصريَّة وانفصالها عن كنيسة روما بدأ مع الصراع الخلقيدونيّ بالقرن الخامس وليس في القرن الحادي عشر كما يشير هنداوي مُصنفًا الكنيسة القبطيَّة من بين الكنائس الأرثوذكسيَّة الشرقيَّة، وهي بالأساس تعد من بين الكنائس المشرقيَّة Oriental Orthodox Churches، وهو مصطلح يدلل به على العقيدة التي تؤمن بها كنائس مسيحيَّة أرثوذكسيَّة شرقيَّة، والتي لا تعترف إلا بشرعيَّة المجامع المسكونيَّة الثلاث الأولى (نيقية، قسطنطينيَّة، أفسس)، وتعرف برفضها القاطع للعقيدة التي أقرها مجمع خلقيدونيَّة.

 

يستمر هنداوي على هذا المنوال ويعدد في بعض النقاط اعتقاد الكنيسة الأرثوذكسيَّة المصريَّة، فيقول:

1) تؤمن الكنيسة الأرثوذكسيَّة المصريَّة إجمالًا مثل باقي الكنائس الأخرى بإله واحد مثلث الأقانيم: الآب، الابن، الروح القدس على حسب ما ورد في قانون الإيمان النيقاوي 325م.

2) كما تؤمن بربويَّة وألوهيَّة الربّ والمسيح في آن واحد على أنهما من جوهر واحد ومشيئة واحدة، ومتساويين في الأزلية، كما تؤمن بأنَّ الروح القدس منبثق من الآب فقط.

3) وتؤمن بتجسُّد الإله في السيد المسيح من أجل خلاص، البشرية فيعتقدون أنَّه ولد من مريم وصلب ومات فداءً لخطاياهم، ثم قام بعد ثلاثة أيام ليجلس على يمين الربّ ليحاسب الخلائق يوم الحشر.

4) الإيمان بأنَّ السيدة مريم العذراء والدة الإله، ودائمة البتوليَّة، وأنَّ لها شفاعة توسليَّة.

5) تؤمن الكنيسة الأرثوذكسيَّة المصريَّة بالمجامع المسكونيَّة السابقة على مجمع خلقيدونيَّة المنعقد عام 451م[3].

من أكثر النقاط لفتًا للنظر هي النقطة الثاني التي يتحدث فيها هنداوي عن إيمان الكنيسة بربوبية وألوهيَّة الرب والمسيح!! لا أعلم ماذا يقصد بالربّ هنا، ولكن بكلّ الإحوال يتضح من تلك النقطة وجود التباس عند هنداوي في فهم إيمان الكنيسة المصريَّة بألوهيَّة السيد المسيح. فمصطلح الربّ هو مصطلح قديم للغاية ومتجذر في وعي الكنيسة بشكل عام، وقد وردت في العهد الجديد باليونانيَّة بكلمة كيريوس، وتترجم إلى الربّ أو السيد، وقد استخدمت في الترجمة السبعينيَّة للعهد القديم لترجمة اسم الله يهوه. وتستخدم أيضًا في العهد الجديد لتشير إلى الله الآب، إذ دعي بفم يسوع نفسه “رب السماء والأرض” مت 11: 25، كما تشير إلى يسوع المسيح ابن الله، وأشهر العبارات وأقدمها في ذلك هي عبارة “يسوع رب” 1كو 12: 3. وإجمالًا ينطبق مصطلح الربّ بحسب إيمان الكنيسة على الله الآب، والابن، والروح القدس[4].

فهل يعتقد هنداوي أنَّه يوجد شخصين في إيمان الكنيسة الربّ والمسيح ونحن نؤمن بألوهيتهما؟!

الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والقديس مرقس الإنجيلي والشهيد
الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والقديس مرقس الإنجيلي والشهيد

وعند حديث هنداوي عن العبادات والشعائر الخاصة بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية تكلم عن الرتب الكنسيَّة ويقول فيما يخص الرهبنة الآتي: “الرهبنة: وهي سبع مقامات روحيَّة، وتنقسم إلى نوعين: رهبنة فرديَّة، رهبنة ديريَّة”[5]. ويتضح أيضًا من مثل هذه العبارات مدى تخبط الكاتب وقصور معرفته بالشأن الداخلي لحياة ومعتقد الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، إذ لا يوجد ما يعرف بسبع مقامات روحيَّة للرهبنة، فقد عُرفت الرهبنة بصورتها المنتظمة منذ ظهور حركة الرهبنة على يدي القديس أنبا أنطونيوس الكبير، لذا دُعي “أب الرهبنة”؛ تقوم حركة الرهبنة على الأسس التالية: العفة، والطاعة، والفقر الاختياري. وقد ظهرت ثلاثة أنواع رئيسة للرهبنة:

أ) نظام الوحدة (المتوحدون): حيث يعيش الراهب في قلايته (حجرته) في عزلة داخل الدير أو في مغارة خارج الدير، يمارس حياة التأمل مع العبادة والعمل اليدوي.

ب) نظام الشركة: أقامه القديس أنبا باخوميوس أب الشركة، حيث يعيش جماعة الرهبان معًا داخل سور واحد، يشتركون في صلوات يوميَّة وأيضًا في الطعام، كلٍّ يمارس عملًا يناسب إمكانياته أو مواهبه في الدير حسبما يشير رئيس الدير.

ج) نظام الجماعات: أقامه القديس آمون وأيضًا القديس مقاريوس الكبير، حيث يعيش الرهبان في قلالي أو مغاير متقاربة، يجتمعون معًا في السبت والأحد، وهو نظام متوسط بين الوحدة والشركة[6].

مار مرقس الرسول كرازته وإنجيله

يتناول هنداوي شخص القديس مرقس الرسول في القسم الثاني من تمهيده لكتابه، ويشير في الجزء الخاص بتعريف القديس مرقس واسمه وأسرته، ويستهل بعبارة “لا تذكر المصادر التاريخية المسيحية عن مرقس سوى ما يفيد أن اسمه اليهودي يوحنا”[7]، هل تعطينا النتيجة قبل البرهنة عليها يا شيخ هنداوي؟!

على كلّ الأحوال دعونا نعرف من هو القديس مرقس بحسب تقليد الكنيسة. مع بدايات القرن الميلادي الأوّل وُلد الصبي مرقس لعائلة يهوديّة في قيرين. وكان اسم والده أرستوبولس، واسم أمه مريم، ينحدر أصلهم من سبط لاوي. وكانوا متمسكين تمامًا بالعادات اليهوديّة، ويعودون إلى أورشليم، إن أمكنهم هذا، عدة مرات في السنة لحضور الأعياد الموسميّة. أشار اسم الصبي إلى خلفية عائلته المتعددة الثقافات. وكان الاسم هو: يوحنا مرقس. جمع هذا الاسم بين اسم عبريّ (يوحنا) واسم لاتينيّ (مرقس، ماركوس، أو ماركو، أو مارك). وحدث عندما نشبت الحروب، وأعمال السلب والنهب والاضطرابات المدنيّة في قيرين في وقت باكر من القرن الأوّل، فأجبرت الجماعات التي تعيش على السلب والنهب عائلة هذا الصبي إلى مغادرة إفريقيا والذهاب إلى فلسطين[8].

بعد ذلك نسمع عن مرقس وهو في أورشليم، حيث تمكنت والدته من الحصول على مسكن رحب فسيح (أعمال 12: 12) ولعله يتمتع بغرفة علوية (عليّة) بحسب مفهوم الذاكرة الإفريقيّة[9]، وهي نفس العليّة التي ذُكرت في مرقس 14: 15؛ أعمال 1: 13. وبينما كان مرقس شابًا، انضم هو ووالدته إلى أتباع يسوع. صارا جزءًا من حركة مغيرة للثقافة داخل اليهوديّة. وفي وقت لاحق سيكون مرقس أوّل تلميذ للمسيح يكتب الأخبار السارة (إنجيل مرقس) عن مجيء هذا الشخص الذي لا يُقارن والذي غيّر حياته (أيّ حياة مرقس) بشكل تام، أصبحت قصة ق. مرقس عن يسوع أقدم كلّ الجهود المبذولة المتبقية التي كُتبت لتعريف غير اليهود بالأخبار السارة عن بداية المسيحيّة. وقد أصبح مرقس نموذجًا لكلّ مَنْ سطروا بعد ذلك تاريخ يسوع[10].

من المثير للدهشة هو ما أورده هنداوي في بحث نسبة إنجيل مرقس إلى هذا القديس، فيقول:

“غير أنه بالنظر الى ميل مسيحيي القرن الثاني للربط بين أسفار العهد الجديد وشخصيات رئيسية في الكنيسة الأولى، فلربما لا يكون التقليد الذي يربط مرقس بالإنجيل الثاني بعيدًا تمامًا عن الحقيقة. فيوحنا مرقس الذي تقابلنا معه في العهد الجديد هو شخص لا أهمية كبيرة له، وليس من نوعية الشخص الذي تعزى له كتابة إنجيل ما لم يكن هناك سبب قوي للاعتقاد بأنه قام بذلك فعلًا [12].

وبالرجوع لنصّ الكتاب المُقتبس منه بحسب إشارة هنداوي في الحاشية نجد الاقتباس بعيد تمامًا عما أورده هنداوي في كتابه، فيقول جون درين الآتي:

“غير أنه بالنظر الى ميل مسيحيي القرن الثاني للربط بين أسفار العهد الجديد وشخصيات رئيسية في الكنيسة الأولى، فلربما لا يكون التقليد الذي يربط مرقس بالإنجيل الثاني بعيدًا تمامًا عن الحقيقة. فيوحنا مرقس الذي تقابلنا معه في العهد الجديد هو شخص لا أهمية كبيرة له، وليس من نوعية الشخص الذي تعزى له كتابة إنجيل ما لم يكن هناك سبب قوي للاعتقاد بأنه قام بذلك فعلًا [12].

ما فعله هنداوي أمرين، الأول هو تحويل الجملة “فلربما لا يكون التقليد..” من النفي إلى الإثبات، مما يبعد الاقتباس عن حقيقته وفكرته الأساسية، وهي إثبات اتفاق التقليد مع شخص ق. مرقس بحسب العهد الجديد؛ الأمر الثاني هو اقتطاع الاقتباس، إذ ينتهي الاقتباس عند هنداوي بعبارة: “وليس من نوعية الشخص الذي تعزى له كتابة إنجيل ما”، بعكس النصّ الكتاب الأصلي إذ يقول: “وليس من نوعية الشخص الذي تعزى له كتابة إنجيل ما لم يكن هناك سبب قوي للاعتقاد بأنه قام بذلك فعلًا“، وشتان بين العبارتين، فالأولى تشير لعدم أهلية ق. مرقس لكتابة أي إنجيل على الإطلاق، والثانية تشير إلى وجود سبب قوي دعى لضرورة كتابة إنجيله الأول بين الأناجيل مما دفع الآخرين غيره لكتابة أناجيلهم. فما أغرب هذا الالتباس الذي وقع فيه هنداوي! هنا تظهر منهجية اقتطاع الاقتباسات من سياقها وتحويل معناها الأصلي من أجل إثبات نتيجة مسبقة، مما يشكك في نزاهة البحث الأكاديمي

الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والقديس مرقس الإنجيلي والشهيد
الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والقديس مرقس الإنجيلي والشهيد

وفيما يخص موثوقية نسب إنجيل مرقس إلى القديس مرقس كاروز الديار المصرية، يمكننا الرجوع إلى أحد الباحثين المتخصصين المعتبرين في دراسات العهد الجديد، وهو الباحث الكبير Ben Witherington III، الذي أورد في كتابه (إنجيل مرقس، تعليق اجتماعي بلاغي)[13] قسمًا عن موثوقيَّة نسب إنجيل مرقس، وقد أشار بالفعل إلى عدم وجود إشارة مباشرة في نصّ الإنجيل لصاحبه ولكن أسرد عدة أمور رأينا وجوب إيرادها هنا للنفع.

يشير Witherington إلى وجود أدلة داخلية وخارجية التي تشير لكاتب الإنجيل، فيقول:

” أولاً، نعلم أنَّه كان مسيحيًّا. وهو يكتب هذه الوثيقة باعتباره شخصًا على قناعة ببشارة يسوع الناصري. فهو من مؤيديه، ويسعى لإقناع الآخرين بأن يصبحوا مؤيدين ليسوع. ثانيًا، من المحتمل جدًا أن يكون المؤلف يهوديًّا. وهذا ليس لأنه يعرف الكثير عن العادات والثقافة والطوائف اليهوديَّة فحسب، ولكن لأنه يبدو على معرفة قوية بالعهد القديم أيضًا، أو على الأقل بالترجمة السبعينيَّة، ويأخذ مثل هذه الوثائق كمصادر لإعلان حقّ الله، وكنبوءة حقيقيَّة أيضًا. كما أنَّ لديه معرفة بالأخرويات اليهوديَّة المبكّرة ونهاية العالم [في الفكر اليهوديّ]… فيما يتعلق باستخدام المؤلف للغة الآراميَّة، لم يعلق هينجل على استخدامه الصحيح لتلك اللغة فحسب، بل يضيف: “لا أعرف أيّ عمل آخر باللغة اليونانيَّة يحتوي على العديد من الكلمات والصيغ الآراميَّة أو العبريَّة في مساحة ضيقة جدًا مثل الإنجيل الثاني”. فترجمة المؤلف لكلماته وعباراته الآراميَّة يشير إلى أنَّه من المحتمل أن يكون جمهوره من أصل مختلف عنه. إنَّه بالتأكيد جمهور لا يعرف الآراميَّة”[14].

ويشير أيضًا إلى الوضع الثقافي لكاتب الإنجيل بين شعبه، إذ يُظهر معرفة قوية باليونانيَّة، إلى جانب ذلك يستخدم كاتب إنجيل مرقس العديد من الكلمات اللاتينيَّة، في 12: 42، وفي 15: 46، مما يشير إلى أنَّ الشعب الذي كُتب بينه الإنجيل يعرف المصطلح اللاتينيّ بعكس المصطلح اليونانيّ، وإلا لماذا الحاجة إلى تفسير الأمر بقوله قيمتهما ربع بحسب الآية 12: 42[15]. إلى جانب ذلك نرى العديد من التعبيرات اليهوديَّة الواردةفي حدث محاكمة الربّ يسوع في مر 14: 61-62 والتي أشار لها العالم Darrell L. Bock، في مقاله عن هذا الموضوع أيضًا ردًا على المشككين في موثوقيَّة هذا الجزء من الإنجيل[16].

ما بين صور وصيدا

يتحدث فضيلة الشيخ في نقطة الدليل الداخلي أيضًا على عدم معرفة كاتب الإنجيل بجغرافيا المنطقة التي يتحدث عنها ويستدل على ذلك بالآية التي تقول: “ثُمَّ خَرَجَ أَيْضًا مِنْ تُخُومِ صُورَ وَصَيْدَاءَ، وَجَاءَ إِلَى بَحْرِ الْجَلِيلِ فِي وَسْطِ حُدُودِ الْمُدُنِ الْعَشْرِ” مر 7: 31، ويقتبس مما أورده الدكتور سامي العامري فيقول:

يخبرنا مرقس أنَّ المسيح قد ذهب من «صور» إلى «بحر الجليل» عبر «صيدا،» وهي رحلة ملتوية غير مبررة؛ جعلت النساخ يحرفون النص؛ ليبدو في المخطوطات المتأخرة أن المسيح قد غادر تخوم صيدا وصور معًا إلى بحر الجليل، وهو ما تبنته الترجمة الإنجليزية التقليدية «The King James Version» باختياره قراءة «وصيدا» بعد كلمة «صور»، رغم أن أقدم المخطوطات تقول: «غادر من منطقة صور (و) جاء عبر صيدا..»![17]

وهو بذلك يفترض على السيد المسيح السير على خط مستقيم بين نقطتين وإلا يكون كاتب الإنجيل غير مُلم بجغرفيا المنطقة![18] لننظر خريطة فلسطين في زمن السيد المسيح (شكل 1)، لنتتبع هذه الرحلة بحسب النصّ الإنجيلي لمرقس الرسول:

شكل 1
شكل رقم 1

“ثُمَّ قَامَ مِنْ هُنَاكَ وَمَضَى إِلَى تُخُومِ صُورَ وَصَيْدَاءَ، وَدَخَلَ بَيْتًا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ لاَ يَعْلَمَ أَحَدٌ، فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَخْتَفِيَ… (حدث معجزة المرأة الكنعانيَّة وشفاء ابنتها) ثُمَّ خَرَجَ أَيْضًا مِنْ تُخُومِ صُورَ وَصَيْدَاءَ، وَجَاءَ إِلَى بَحْرِ الْجَلِيلِ فِي وَسْطِ حُدُودِ الْمُدُنِ الْعَشْرِ (حدث شفاء الإنسان الأصم والأبكم)” مر 7: 24-31. رسالة السيد المسيح تقوم على خلاص الإنسان وشفائه وهذا من تدبيره الإلهيّ منذ البدء، وهذا أمر يدركه الإنسان المسيحيّ المدرك والواعي بإيمان الكنيسة، وهذا ما نراه في لقاء الرب يسوع مع السامريَّة بالإصحاح الرابع من إنجيل يوحنا، إذ سار لمدة 6 ساعات من أجل هذه المرأة وخلاصها. وبحسب نصّ إنجيل مرقس نرى ذهاب السيد المسيح إلى تخوم صور وصيدا أولًا من أجل شفاء ابنة الكنعانيَّة، ثم رجوعه إلى بحر الجليل وسط العشر مدن من أجل شفاء الإنسان الأصم والأبكم.

نأتي إلى جغرافيَّة الرحلة وهل بالفعل يتعارض النصّ مع الواقع الجغرافيّ للمكان أم لا؟! فيما يخص كلمة تخوم ὅρια الواردة بالنصّ من كلمة ὅριον والتي تعني حسب القاموس[19]: (حدود المكان، من تلك المنطقة: بمعنى المقاطعات والأقاليم)، وسواء ذكرت بعض المخطوطات تخوم صور أو تخوم صور وصيدا فهذا لا يغير في المعنى، فأيّ منطقة بين حدود المدينتين هي تخوم صور أو تخوم صور وصيدا أو تخوم صيدا.

إذًا سواء كانت رحلة السيد المسيح في المنطقة الواقعة بين المدينتين مباشرة أو صعد لأعلى صيدا ثم إلى بحر الجليل، هذا لا يغير من طبيعة الرحلة أو وقتها أو مسافتها.

ثم يورد فضيلة الشيخ اقتباس من بول ج. أكتماير ويقول:

“«ويزعم النص اليوناني أن «بحر الجليل»، يقع في وسط المدن العشر، في حين أنه في الحقيقة يقع في أقصى الشمال الغربي للمدن العشرة» ليخلص إلى أنه: «إما أن مرقس ما كان يعرف بجغرافية فلسطين، أو أنه ببساطة لم يكن يهتم إذا كانت جغرافيته صحيحة أم لا، في كلا الحالين؛ ليس بإمكاننا استعمال الإحالات الجغرافية التي قدمها لنا لتحديد رحلات يسوع»”[20].

ولكن لننظر لنصّ الإنجيل باليونانيَّة ونرى مدى صحة هذا الأمر، إذ نرى في عدة نسخ[21] من إنجيل مرقس باليونانيَّة تقول “تخوم صور مارًا بصيدا” وهي كالآتي:

ΚΑΤΑ ΜΑΡΚΟΝ 7:31 Greek NT: Nestle 1904 “Καὶ πάλιν ἐξελθὼν ἐκ τῶν ὁρίων Τύρου ἦλθεν διὰ Σιδῶνος εἰς τὴν θάλασσαν τῆς Γαλιλαίας ἀνὰ μέσον τῶν ὁρίων Δεκαπόλεως”.

ΚΑΤΑ ΜΑΡΚΟΝ 7:31 Greek NT: Westcott and Hort 1881 “Καὶ πάλιν ἐξελθὼν ἐκ τῶν ὁρίων Τύρου ἦλθεν διὰ Σιδῶνος εἰς τὴν θάλασσαν τῆς Γαλιλαίας ἀνὰ μέσον τῶν ὁρίων Δεκαπόλεως”.

ΚΑΤΑ ΜΑΡΚΟΝ 7:31 Greek NT: Westcott and Hort / [NA27 and UBS4 variants] “Καὶ πάλιν ἐξελθὼν ἐκ τῶν ὁρίων Τύρου ἦλθεν διὰ Σιδῶνος εἰς τὴν θάλασσαν τῆς Γαλιλαίας ἀνὰ μέσον τῶν ὁρίων Δεκαπόλεως”.

ولزيادة التأكيد نقتبس بشكل مباشر من أحد أهم دارسي نصوص العهد الجديد وهو بروس متزجر الذي بالتأكيد يعرفه فضلية الشيخ حق المعرفة. فيقول:

“وفقًا للقراءة التي أيدتها أفضل النصوص السكندريَّة والغربيَّة، وكذلك بواسطة شهادات قيصريَّة جديرة بالملاحظة، سلك يسوع طريقًا غير مباشر، مرورًا شمالاً من صور عبر صيدا ومن ثمَّ إلى الجنوب الشرقي عبر نهر الليطاني، واستمر جنوبًا إلى قيصريَّة فيلبس. شرق نهر الأردن وبالتالي اقترب من بحيرة الجليل على جانبها الشرقي، ضمن أراضي المدن العشر”[22].

كورة الجدريين

يُكمل هنداوي حديثه ويسرد خطأ جغرافيًا آخر- حسب تعبيره- ورد في الإصحاح الخامس من إنجيل مرقس، وهو خاص بحدث شفاء مجنون كورة الجدريين. فيقول:

“وقد اختلفت الترجمات في اسم البلدة اختلافًا فاحشًا، ويكفي أن نلقي نظرة على الترجمات العربيَّة للنص كما هو موضح بالجدول، ونجد اضطراب الترجمات نفسه في النص الموازي لنص مرقس في متى  8/ 28 وهذا الاضطراب ما هو إلا ظلال لتحريف المخطوطات وتغييرها، وعلة ذلك على ما يذكره الأستاذ/ علي الريس: «أن الناسخ وآباء الكنيسة قد وجدوا أنفسهم في مأزق لا يحسدون عليه، فكاتب الإنجيل المنسوب إلى متى- كما يبدو- لا يعرف جغرافية فلسطين، فهو يذكر أن المسيح بمجرد أن عبر بحر الجليل وعلى الشاطىء الآخر في قرية الجدريين خرج له مجنونان فأخرج منهما الشياطين، وأدخل هذه الشياطين في قطيع من الخنازير، فهاجت الخنازير وانطلقت ملقية بنفسها في البحر، والمشكلة هنا هو أن قرية الجدريين تبعد حوالي ستة أميال عن بحر الجليل، مما يعني أن الخنازير قفزت حوالي ستة أميال في الهواء، وهذا أمر «ولا في الأحلام» فلم يجد آباء الكنيسة أمامهم من حل سوى أن يعدلوا في ما فشل فيه الروح القدس وقاموا بتصحيح النص إلى قرية الجرجسيين، وهي القرية الأقرب إلى بحر الجليل”[23].

تبدأ لهجة فضلية الشيخ بالتحول إلى الحدية والتندر بشكل مُجحف، ولكن دعونا ندرس هذا النصّ بشكل أكاديمي أكثر ونرى ما قال عنه الباحثون. يقترح الباحث J. Adna بنية ثلاثيَّة المشاهد لهذه الفقرة[24]:

1) مقدّمة، تتكون من العددين الرئيسيين، 1-2؛

2) المشهد الأوّل (3-9) لقاء بين الربّ يسوع والشيطان؛

3) المشهد الثاني (11-13) ما حدث مع قطيع الخنازير؛

4) المشهد الثالث (14-19) نتيجة طرد الأرواح الشريرة وتأثير هذا على الناس.

وهذه البنية تتوافق بشكل كبير مع نمط إنجيل مرقس الأدبيّ في قصص المعجزات. ويشير Adna أيضًا إلى ملاحظة هامة، وهي أنَّ بحلول زمن السيد المسيح صار الخنزير رمزًا للوثنيَّة، لذلك صار يتم تجنبه سواء كان من جهة تربيته أو استخدامه في الطعام، وكان هذا بالأكثر رد فعل عما فعله السلوقيين في زمن أنطيوخوس الرابع أحد ملوك السلوقيين (حكم 175-163 ق.م)، الذين حاولوا إجبار اليهود على التضحية وأكل الخنازير[25]. بحسب Michael Willett Newheart، أستاذ لغة وآداب العهد الجديد في كلية اللاهوت بجامعة هوارد، يربط مؤلف إنجيل مرقس قراءه باسم لجئون بالتشكيل العسكريّ الرومانيّ، الذي كان في المنطقة ذاتها في 70م تقريبًا[26]. وتاريخيًّا كان يُعد اللجئون (الفيلق) هو رمز للوجه القبيح للمحتل بالنسبة لكلّ فلسطينيّ، وقد كان يُرمز للجئون العاشر (Legio X Fretensis)[27] الذي تسبب في الكثير من التعب لشعب اليهود برمز الخنزير (شكل 2). هؤلاء الجنود

 

شكل رقم 2
شكل رقم 2

الإمبراطوريون كانوا السبب الرئيس لما حدث في منطقة اليهوديَّة في تمرد عام 6م، ومرّة أخرى أثناء مكافحة التمرد في الفترة من 68 إلى 70م، وكانوا مسؤولين أيضًا عن حصار متسادا، وبعد ذلك تمركزوا في أورشليم. وما يرد بعد ذلك في رواية الإنجيل يكشف بوضوح عن هذه الصورة السياسيَّة، إذ يتبع النصّ مصطلحات عسكريَّة الأخرى، حيث يقول في عدد 11 “قطيع كبير من الخنازير” وكلمة قطيع هذه ترد باليونانيَّة ἀγέλη، وهو مصطلح يشير عادةً إلى مجموعة من المجندين العسكريين. الإسقاط هنا واضح للغاية: فمن ناحية، كانت عبادة الخنازير شائعة بين الجنود الرومان، ومن ناحية أخرى، الخنازير نجسة بالنسبة لليهود[28].

نأتي لنقطة كورة الجدريين أو الجرجسيين، وسنستعين هنا بما أورده الباحث والمتخصص في دراسات العهد الجديد Witherington، فيقول:

“في العدد 5: 1 لدينا مشكلة نصّيَّة تستحق الانتباه الشديد. هل اسم المكان الذي زاره يسوع جراسا أو جدارا أو جرجسة؟ كانت جراسا مدينة في منطقة المدن العشر، ومن المحتمل أن تكون مرتبطة بمدينة جرش الحديثة، التي تقع على بعد سبعة وثلاثين ميلاً جنوب شرق بحيرة طبريا. من المؤكد أنَّ الخنازير لم تستطع الركض إلى البحر من هناك! لكن هل يقصد مرقس أنَّ يسوع كان في منطقة جراسا وليس في المدينة نفسها أو بالقرب منها؟ من ناحية أخرى، تقع جدارا على بعد خمسة أميال فقط جنوب شرق بحيرة الجليل وتمتد أراضيها إلى البحر نفسه. فيما يتعلق بنقد النصّ، من الواضح أنَّ النصّ السائد في موازاة إنجيل متّى كان جدارا، لكن هذا أقل تأكيدًا في نصّ مرقس، حيث يبدو أنَّ جراسا هي القراءة الأصليَّة.

من ناحية أخرى، يظهر لو 8:26 و37 في أقدم وأفضل مخطوطاته مشيرًا إلى جرجسة. ومع ذلك، فقد أصبح الأمر أكثر تعقيدًا بسبب حقيقة أن جدارا كانت عاصمة مقاطعة، لذا فإنَّ ما قصده المبشر الأوَّل كان “في منطقة الجدريين”…. قد يكون مناسبًا تعريف المكان بالقرب من مدينة كرسي Kursi الحديثة حيث يوجد منحدر شديد الانحدار يمتد حتَّى أربعين ياردة من البحر، وعلى بعد ميلين من ذلك توجد بعض مقابر الكهوف التي ربما كانت تستخدم كمساكن في وقت ما. تم وصف هذا الموقع من قبل العديد من العلماء على أنَّه المكان الأصلي لهذا الحدث وهو ما يُشار إليه جرجسة.

إذا كنا نتعامل مع ترجمة لأصل آراميّ، فمن السهل أن نرى كيف يمكن لجرجسة وجراسا وربما حتَّى جدرا جميعهم كانوا محاولات للترجمة عن الأصل الساميّ، خاصةً إذا كان لديهم شيء جذري مشترك مثل KRS أو GRS. ويستحق أوريجانوس أن يقتبس منه هنا: “فيما يتعلق بأسماء الأماكن الفلسطينيَّة، غالبًا ما تكون النسخ اليونانيَّة غير دقيقة، وقد يضلل المرء بسببها”[29]. يبدو أنه يعرّف الموقع على أنَّه جرجسة، والذي قد يكون هو نفسه مدينة كرسي الحديثة”[30].

وبالفعل بحسب شهادة العالم Witherington، توجد مدينة كرسي عند هضبة الجولان، حيث نرى موقع أثري لأنقاض دير بيزنطي يرجع للقرن الخامس، حيث يعد هذا الموقع تقليديًا- ها هو التقليد يظهر مرّة أخرى- أنَّه الموقع الذي أقام الرب يسوع فيه معجزة الخنازير[31].

توجد ملاحظة جيدة فيما يخص الاقتباس الذي أورده فضيلة الشيخ فيما يخص أنّه لا توجد بلدات أو قرى على طول الشاطئ الشرقي الضيق للبحيرة، فيقول الآتي:

“وعلى أية حال فإنه: «لا توجد أي بلدات أو قرى على طول الشاطئ الشرقي الضيق للبحيرة (الذي تنسب إليه القصة) لأن المرتفعات القريبة من المياه على ارتفاع الآف الأقدام»”[32].

وقد أشار إلى أنَّ اقتباسه هذا من كتاب للعالم Rademacher، وبالرجوع للنصّ الإنجليزيّ الأصلي نجد الاقتباس كاملًا كالآتي:

“تقع بلاد الجدريين على الشاطئ الشرقي لبحيرة طبريا. تستخدم جرجسيين في مت 8: 28-34 وجدريين في لو 8: 26، 27 وهنا [في مر 5]؛ جرجسيين هو مجرد مصطلح مختلف ولكنه يشير إلى المكان نفسه. لا توجد مدن أو قرى على طول الشاطئ الشرقي الضيق للبحيرة لأن المنحدرات التي يبلغ ارتفاعها عدة آلاف من الأقدام ترتفع بالقرب من حافة المياه. تكون المنحدرات شديدة الانحدار أقل وضوحًا كلما اتجه المرء جنوبًا نحو جدارا، الواقعة على مرتفعات عدة آلاف من الأقدام فوق وادي الأردن”[33].

ومع مقارنة الاقتباسين نجد اختلافًا كبيرًا، إلى لا توجد عبارة “الذي تنسب إليه القصة”، والأسوء هو اقتطاع فضيلة الشيخ- كالعادة دائمًا- هذه الفقرة دون إيراد ما قبلها وبعدها؛ إذ باقتباس كامل للفقرة نجد الكلام لصالح النصّ الإنجيليّ وليس العكس كما يُظهر فضلية الشيخ.

وفي ختام هذه النقطة يقتبس فضيلة الشيخ من كتاب ستيفن ميلر عن تاريخ الكتاب المقدس، فيقول:

“ويشايعه ميلر فيقول: «رغم كون اسم مرقس موجودًا في عنوان الإنجيل في أقدم المخطوطات التي وصلتنا، فليس هناك ما يدل على أي مرقس هو المقصود، فاسم مرقس كان اسمًا شائعًا في القرن الأول»”[34].

من الواضح أنَّ الالتباس والتخبط في الاقتباسات هو من شيمة فضيلة الشيخ، فمع الرجوع للمرجع الذي يشير إليه هنداوي لا نجد ما يقوله في صفحة 176 بل هو في صفحة 72 من الطبعة نفسها التي أشار إليها الشيخ، يبدو أنَّ التوثيق كان به سهوًا من الشيخ أو على غير علم! نورد الاقتباس كاملًا هنا للفائدة وإيضاح الصورة:

“ولا أحد يعرف على وجه اليقين من كتب هذا الإنجيل رغم أن اسم مرقس موجود في عنوان الإنجيل في أقدم المخطوطات التي وصلتنا. ولي هناك ما يدل على أنَّ مرقس هو المقصود، فاسم مرقس كان اسمًا شائعًا في القرن الأول وبناء على تقليد قديم، كان الكاتب هو يوحنا مرقس الذي رافق بولس وبرنابا بعض الوقت، ثم ارتبط بالرسول بطرس الذي دعاه “مرقس ابني” (1بط 5: 13) أي ابنه بالمعنى الروحي، وبناء على ما ذكره بابياس، أحد أساقفة القرن الثاني (الذي يقتبسه يوسابيوس في القرن الرابع في كتابه تاريخ الكنيسة) كتب مرقس إنجيله على أساس ما علمه إياه بطرس. ومع أن هذا قد يبدو مبالغة، فالأرجح أن مرقس استخدم بعضًا مما تعلمه من بطرس في كتابة إنجيله”[35].

على الرغم من تحفظي على بداية الاقتباس، إلَّا أنَّ الكاتب يشير للتقليد أيضًا ويلمح في نهاية الاقتباس إلى استقلالية إنجيل مرقس بالأكثر عما يظهر من شهادة بابياس، فلماذا هذا الاقتطاع يا فضيلة الشيخ، هذا ليس من شيمة الأكاديمية في البحث.

الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والقديس مرقس الإنجيلي والشهيد
الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والقديس مرقس الإنجيلي والشهيد

بابياس وإنجيل مرقس

نأتي للأدلة الخارجيَّة، ولنا على فضيلة الشيخ هنداوي عتابٌ كبير سنأتي لذكره عند سرد شهادات الآباء. تأتي شهادات الآباء متنوعة، وكان أوَّل أب للكنيسة، بعد الرسل، يكتب عن مرقس هو ق. بابياس (60-130م)، أسقف هيرابوليس في فريجيا. فكتب يقول:

“وقال الشيخ (يوحنا): صار مرقس مترجمًا لبطرس كلما تذكر (بطرس) كتب (مرقس) بدقة كلّ ما قاله أو فعله الربّ وإن كان بغير ترتيب. كونه لم يسمع الربّ ولا تبعه لكنه جاء لاحقاً حيث قال (الشيخ) مشيرًا لبطرس الذي تعلم كلما دعت الحاجة. لكنه لم يكن يعلم وفقًا لترتيب أقوال الربّ. لذلك لم يخطئ مرقس عندما كتب ما تذكره. حيث حدد هدفًا واحدًا أن لا يترك شيئًا مما سمعه وإلا يشوه أيًّا من كلمات بطرس “[36].

και τούθ’ ό πρεσβύτερος ελεγεν Μάρκος μέν έρμηνεντής Πέτρον γενόμενος, όσα έμνημόνενσεν, ακριβώς εγραφεν, ού μέντοι τάζει, τά ύπό τού κνρίον ή λεχθέντα ή πραχθέντα ούτε γάρ ήκονσεν τού κνρίον ούτε παρηκολούθησεν αύτώ, ύστερον δέ, ώς έφην, Πέτρω, ός προς τάς χρείας έποιεΐτο τάς διδασκαλίας, άλλ’ ούχ ώσπερ σύνταξιν τών κνριακών ποιούμενος λογίων, ώστε ουδέν ήμαρτεν Μάρκος, ούτως ένια γράφας ώς άπεμνημόνενσεν ενός γάρ έποιήσατο πρόνοιαν, τού ρηδέν ών ήκονσεν παραλιπεΐν ή φεύσασθαί τι έν αύτοΐς.

 

يقول العالم Jülicher أنَّه “في جميع الدلائل على المكان والزمان والظروف القريبة لتكوين الإنجيل، يمكننا على الأرجح أن نلاحظ الفرضيات القديمة فقط”[37].

إنَّ تقييم شذرات بابياس أمر صعب للغاية، على الرغم من أنَّ عدم إدراك هذا الأمر والعيب الخطير أثناء فحص الكثير من الاستخدام العلمي لما قاله بابياس. ما هو جدير بالملاحظة أنَّ معظم الباحثين يتعاملون مع بابياس فيما يخص السؤال حول مصداقيته. من الناحية المنهجية، يجب علينا أن نسأل أولاً عمّا يقوله بابياس قبل محاولة التقييم التاريخيّ.

عند تفسير شذرات بابياس، يجب أن نكون مدركين تمامًا للعديد من أوجه عدم اليقين التي تتعلق به. فمن هو المقصود بالشيخ πρεσβύτερος الذي تحدث عن مرقس وبطرس؟ وما الذي تشير إليه كلمة ترتيب σύνταξιν؟ وماذا عن مترجم أو مُفسر έρμηνεντής؟ من هو مرقس؟ لم يخبرنا سواء بابياس ولا يوسابيوس عن تلك الأمور، وكانت الكنيسة الأولى تميل إلى تعريفهم مع الأشخاص الذين يحملون نفس الاسم بحسب تقليد الكنيسة. وما المقصود بتعاليم διδασκαλίας بطرس التي كتبها مرقس بحسب ما تذكر ένια γράφας ώς άπεμνημόνενσεν؟ نحن لا نجرؤ على إهمال الآثار المترتبة على العديد من الاختلافات المتعلقة بتفسير بابياس. تقييم اقتباس بابياس إمَّا كمصدر موثوق به أو كمصدر غير جدير بالثقة يتبين أنَّ الحجة المؤسسة عليه هي تخمين على أساس تخمين لا أكثر.

يجب أن نتذكر أنَّ يوسابيوس يقتبس من بابياس، ولا يمكن التحقق من مدى وموثوقيَّة استشهاده هذا. ربما لم يغير يوسابيوس موقفه تجاه بابياس فقط عندما اقتبس منه فحسب[38]، ولكنه أعاد صياغة ما ورد عن بابياس بأهداف محددة، إذ يقول بابياس ما يريده يوسابيوس أن يقوله فقط. في سياق التاريخ الكنسيّ ليوسابيوس، تعتبر ملاحظات بابياس جزءًا من النقاش حول الكتابات المعترف بها منذ القِدم (HE 3.3.3). الحافز المهم هو الخلافة الرسوليَّة (τας των ιερων απστολων διαδοχας، HE 1.1.1)، الخط المتواصل الذي يحرس تعاليم الرسل. كان لدى يوسابيوس آراء واضحة ومصلحة ذاتية قوية وجهت نتائج “تحقيقاته” حول هذه الأشياء. أو كما يقول العالم Orchard “بالنسبة للباحث المعاصر، من المدهش إلى حدٍ ما، وحتّى الصادم بعض الشيء، رؤية الطريقة التي يستخدم بها يوسابيوس تاريخه الكنسيّ كوسيلة للترويج لوجهة نظره الخاصّة”[39].

فقد كتب بابياس كتبه في وقت مبكر، في السنة الأولى أو الثانية من القرن الثاني[40]، كواحد من قادة الكنيسة المهمين في ذلك الوقت. أشار بعض هؤلاء الأشخاص البارزين في الوسط الغربي إلى أنَّ بطرس هو المرجع الأساسي الذي يقف وراء إنجيل مرقس. ومع ذلك، يجب الاعتراف: “بدون ملاحظة بابياس، لم يكن أحد سيربط إنجيلنا بشكلٍ وثيق مع بطرس”[41].

إذًا شهادة بابياس لا يمكن إقامة حجة قوية عليها إذ هي تعبير عن فكر يوسابيوس القيصريّ وتاريخه الذي كتبه، وعلى رغم من فائدته إلَّا أنَّ أيّ باحث واعٍ يعرف أنَّه لا يمكن إقامة حجة قوية عليه إلَّا بشهادات أخرى.

شهادة يوستينوس الشهيد

نأتي للشهادة التالية بحسب فضيلة الشيخ وهي شهادة يوستينوس الشهيد حيث يقول:

“وكذلك الحال عينه مع يوستينوس الشهيد فقد ذكر هذا الإنجيل تحت عنوان «مذكرات بطرس» فقال: «قيل: إنه غير اسم أحد رسله إلى بطرس، وهذا الحدث مدون في مذكراته»”[42].

الغريب أن فضيلة الشيخ يورد اقتباسه هذا دون مرجع، مما يدعو إلى الشك في اقتباسه هذا، ولنرجع لنصّ القديس يوستينوس الذي ورد فيه هذا الأمر، وهو حواره مع تريفون اليهوديّ، إذ قد ورد في فصلين، فيقول:

“لأن [المسيح] دعا أحد تلاميذه- المعروف سابقًا سمعان- بطرس؛ عندما عرف أنَّه المسيح ابن الله، بإعلان أبيه، وبما أنه مكتوب في مذكرات رسله [أي الأناجيل] أنَّه هو ابن الله، وبما أننا ندعوه الابن، فإننا نفهم أنَّه هو بالحقيقة الذي خرج مِن عند الآب قبل كلّ الخليقة بقوته وإرادته..”.

“For [Christ] called one of His disciples— previously known by the name of Simon — Peter; since he recognised Him to be Christ the Son of God, by the revelation of His Father: and since we find it recorded in the memoirs of His apostles that He is the Son of God, and since we call Him the Son, we have understood that He proceeded before all creatures from the Father by His power and will…” (Chapter 100)[43].

“وعندما قيل إنَّه غيَّر اسم أحد الرسل إلى بطرس؛ وعندما ورد في مذكراته أنَّ هذا قد حدث، وكذلك أنَّه قام بتغيير اسم شقيقين آخرين، ابني زبدي، إلى بوانرجس الذي يعني ابني الرعد”.

“And when it is said that He changed the name of one of the apostles to Peter; and when it is written in the memoirs of Him (kaˆ gegr£fqai ™n to‹j ¢pomnhmoneÚmasin aÙtoà) that this so happened, as well as that He changed the names of other two brothers, the sons of Zebedee, to Boanerges which means sons of thunder” (Chapter 106)[44].

من خلال المقارنة بين الاقتباسين المشار للقديس بطرس فيهما، نستطيع فهم المقصود بما ورد في الفصل (106) من حواره مع تريفون، والذي ورد في النصّ الإنجليزيّ بعبارة “the memoirs of Him” وبالعربيَّة “في مذكراته” والضمير هنا يعود على السيد المسيح وليس على القديس بطرس، وما يثبت هذا هو الضمير الذي يقع في بداية الاقتباس إذ يقول: “عندما قيل إنَّه.. And when it is said that He” نلاحظ أنَّ النص الإنجليزي يكتب الضمير بالحرف الكبير وليس الصغير كما هو معتاد، وذلك إشارة إلى أنَّ الضمير يعود على الربّ يسوع، وبالمثل في عبارة “في مذكراته”، فكيف يفترض فضيلة الشيخ أنَّ هذا الكلام عن مذكرات بطرس!

شهادة القديس إيريناؤس

نأتي هنا للشهادة الأكثر غرابة وهي شهادة القديس إيريناؤس، والتي ينقلها لنا عن يوسابيوس القيصري فيقول:

“وشهادة إيريناؤس ينقلها لنا يوسابيوس القيصري كذلك فيقول: «أما مرقس فقد أصبح ناقلًا لبطرس، كتب بدقة كل ما كان يذكر، لكنه لم يرتب ما قاله الرب أو ما عمله، فهو لم يسمع من الرب ولم يتبعه، لكنه لاحقًا، كما يقول، تبع بطرس وتتلمذ على يديه دون أن يقصد بأن يجعل أحاديث يسوع مرتبطة ببعضها»”[45].

وقد أورد هنداوي في حاشيته بخصوص هذا الاقتباس مرجع: “يوسابيوس القيصري، تاريخ الكنيسة صـ146″، ويشير له في مسرد المراجع بنهاية الكتاب أنَّها نسخة القمص مرقس داود طبعة المحبة، ولكن رجعنا لهذا المرجع الهام وبحسب ترقيم الصفحة التي يشير لها فضيلة الشيخ، لم نجد ما ذكره ولكن وجدنا شهادة القديس إيريناؤس في الفصل الثامن من الكتاب الخامس بصفحة 253 بنسخة القمص مرقس داود طبعة المحبة، والتي يقول فيها:

“ولقد نشر متى انجيله بين العبرانيين بلغتهم، اذ كان بطرس وبولس يكرزان ويؤسسان الكنيسة في روما. وبعد ارتحالهما نقل إلينا مرقس- تلميذ بطرس ولسان حاله- كتابة تلك الأمور التي كرز بها بطرس. ودون لوقا- الذي كان ملازمًا لبولس- في كتابة الإنجيل الذي أعلنه بولس”[46].

وبحسب مرجع آخر أشار له فضيلة الشيخ لاحقًا وهو للعالم Grabe، حيث قال مقتبسًا عن تاريخ الكنيسة ليوسابيوس القيصريّ[47]:

“ذهب متّى شرقًا إلى المنحدرين من أصل عبراني وكرز لهم بلغتهم، ووهي اللغة التي كتب بها الإنجيل، بينما اتجه بطرس وبولس غربًا وبشرا وأسسا الكنيسة في روما. ولكن بعد رحيلهما ([exodon]. وبحسب روفينوس “exitum”) مرقس، التلميذ والمفسر ([hermeneutes]) لبطرس، سلمنا الأشياء التي بشر بها بطرس مكتوبة”.

“Matthew went eastward to those of Hebrew descent and preached to them in their own tongue, in which language he also (had?) published a writing of the gospel, while Peter and Paul went westward and preached and founded the church in Rome. But after the departure ([exodon]. “exitum” in Rufinus) of them, Mark, the disciple and interpreter ([hermeneutes]) of Peter, even he has delivered to us in writing the things which were preached by Peter”.

وفي كلا الاقتباسين لا نرى ما أورده فضيلة الشيخ من كلمات “لكنه لم يرتب ما قاله الرب أو ما عمله، فهو لم يسمع من الرب ولم يتبعه“، فكيف هذا، هل يمكن أن تبني حجتك تلك على كلام لا أساس له من الصحة سواء فيما أشرت له من مرجع، أو ما أتينا به من اقتباس مباشر من أحد المراجع الأجنبيَّة التي أشرت لها لاحقًا في كتابك هذا، يا للعجب!

فحص النقاط الثلاث

نأتي لنقاطه الثلاث في التعليق على الشهادات التسعة، وسنعلق عليها نقطة نقطة، يقول فضيلة الشيخ في النقطة الأولى:

“في جميعها اتفاق على تبعية مرقس لبطرس وأنه مدون مذكراته، على خلاف فيها: هل كتبها بإذن بطرس في حياته أو بعد وفاته، وهل شجعه على الكتابة أم لا؟”[48].

يا فضيلة الشيخ تبعية القديس مرقس للقديس بطرس هي مثل تبعية للقديس بولس وكتبعيته لجميع تلاميذ الرب يسوع- حتَّى لو كان له علاقة خاصّة مع القديس بطرس- التبعية في فكر الكنيسة وتقليدها تأتي تحت مفهوم التلمذة، أي تلك العلاقة القائمة على رعاية وإرشاد من هم متقدمين في كنيسة الله، وليس بمعنى ولاء أعمى كعبد وسيد.

النقطة الثانية:

“في ثلاثة منها أن مرقس لم ير الرب (المسيح) ولا اتبعه، وهي شهادة كل من بابياس وإيريناؤس وجيروم، وشهادة (بابياس وإيريناؤس) هما أقدم شهادتين بحسب التقليد، ثم شهادة ثالثة متأخرة وهي شهادة جيروم ومن ثمَ فلا يتأتى أن يكون مرقس من الرسل السبعين الذين أرسلهم المسيح”[49].

من خلال فحصنا لتلك الشهادات تكلمنا عن عدم إمكانيَّة الأخذ بشهادة بابياس بتلك الدرجة من الثقة بشهادة العديد من العلماء والباحثين المتخصصين، وفيما يخص شهادة إيريناؤس أوردنا تلك الشهادة وعرفنا أنَّ تلك العبارة السلبيَّة عن أنَّ مرقس لم ير الرب ولا اتبعه لم ترد حقيقةً في كلٍّ من يوسابيوس القيصري أو نص القديس إيريناؤس مباشرة، نأتي إذًا لشهادة جيروم التي يقول عنها فضيلة الشيخ أنها شهادة متأخرة، وهي بذلك شهادة وحيدة لا يمكن الاعتداد بها، إذ لا دليل يقاس على برهان أحادي ومتأخر أيضًا!

النقطة الثالثة هي:

“والشهادات الستة الباقية لا ذكر فيها لرؤية مرقس للرب ولا لسماعه منه”[50].

يا فضيلة الشيخ أيمكن أن نقيم دليلًا على غياب الشهادات، وهي إحدى المغالطات المنطقيَّة والتي تسمى (الحجة بالصمت Argument from silence)، وهي طريقة عقيمة تدل على فقر الباحث وضعف حجته، بل بالأكثر تسترسل وتصف الكنيسة بأنَّ تقليدها عن مرقس هو بدون أب تتكئ عليه وترد الأمر إليه. يا فضيلة الشيخ تقليد الكنيسة ليس مجرد عبارات وكلمات مكتوبة مع إسناد العنعنة، تقليد الكنيسة يمتد في حياتها وتاريخها وروحها وصلواتها، وهو ما سنأتي على ذكره في الفصل الثاني الخاص بالتقليد.

 

[1] محمد هنداوي الأزهريّ، نقد التقليد الكنسيّ، الكنيسة المصريَّة أنموذجًا، نشر دار اللؤلؤة، الطبعة الأولى 2021، ص 8.

[2] إيريل كيرينز، المسيحية عبر العصور، تاريخ الكنيسة المسيحية في العشرين قرن، ترجمة عاطف سامي، نشر دار رسالتنا، طبعة أولى 2021، ص 214.

[3] هنداوي، مرجع سابق، ص 8-9.

[4] للمزيد انظر أثناسيوس المقاريّ (الراهب)، معجم المصطلحات الكنسيّة الجزء الثاني، طبعة أولى يوليو 2002، ص 108-110.

[5] هنداوي، مرجع سابق، ص 10.

[6] تادرس يعقوب ملطي (القمص)، قاموس آباء الكنيسة وقديسيها مع بعض شخصيات كنسيَّة، نسخة أليكتورنيَّة.

[7] هنداوي، مرجع سابق، ص 11.

[8] توماس سي. أودين، القديس مرقس في الذاكرة الإفريقية: إعادة تأصيل تقليد الكنيسة المُبكر عن القديس مرقس، ترجمة: نيكلس نسيم سلامة – مينا فؤاد، نشر دار النشر الأسقفية، طبعة أولى 2017، ص 24.

[9] يشرح لنا توماس أودين معنى الذاكرة الأفريقية فيقول: “ما الذي أقصده بعبارة “الذاكرة الإفريقيّة”؟ إنَّها طريقة ذات طابع مميز من النظر إلى التاريخ من خلال أساس الخبرة والمنظور الخاصين بقارة إفريقيا. وكلمة ذاكرة لا تُشير هنا إلى الذاكرة الإفريقيّة “المعاصرة” وحدها، بل إلى أسلوب تَذَكُّر يعود تاريخه الطويل إلى ألفي سنة. وهو أسلوب لا ينسى لأنه يشتمل على تقليد طويل الأمد من الحيويّة الفكريّة. وقد أنجب هذا التقليد ثمارًا أدبيّة ممتدة على مدى قرون كثيرة”. للمزيد انظر

توماس سي. أودين، المرجع السابق، ص 31-44.

[10] من أجل مناقشات حديثة تتعلق بمسائل فنيات إنجيل مرقس، انظر كتاب

Ernest E. Best, The Gospel as Story (Edinburgh: T & T Clark, 1983); John R. Donahue and Daniel J. Harrington, The Gospel of Mark (Collegeville, Minn.: Liturgical, 2002); W. R. Telford, The Theology of the Gospel of Mark, New Testament Theology (Cambridge: Cambridge University Press, 1999); Ben Witherington III, The Gospel of Mark: A Socio-Rhetorical Commentary (Grand Rapids: Eerdmans, 2001).

[11] هنداوي، مرجع سابق، ص 14-15. وبحسب استشهاد هنداوي يُحيل الاقتباس الوارد إلى جون درين، يسوع والأناجيل الأربعة ترجمة نكلس نسيم سلامة ص 249، ط. دار الثقافة، الطبعة الأولى 1999م.

[12] جون درين، يسوع والأناجيل الأربعة، ترجمة نكلس نسيم سلامة، نشر دار الثقافة، الطبعة الأولى 1999م، ص 249.

[13] B. Witherington III, The Gospel of Mark: A socio-rhetorical commentary, Grand Rapids, MI: Wm. B. Eerdmans Publishing 2001.

[14] Ibid.

[15] “فَجَاءَتْ أَرْمَلَةٌ فَقِيرَةٌ وَأَلْقَتْ فَلْسَيْنِ، قِيمَتُهُمَا رُبْعٌ”.

[16] Darrell L. Bock, Jewish Expressions in Mark 14. 61-62 and the Authenticity of the Jewish Examination of Jesus, Journal of the Study of Historical Jesus, 1.2 (2003), p. 147-159

وترجم المقال في: أندرو وهيب، موريس وهيب، التعبيرات اليهودية في إنجيل مرقس 61:14-62، مجلة مدرسة الإسكندرية، العدد السادس والعشرون، السنة الحادية عشر العدد الأول أبريل 2019م، ص 113-132.

[17] هنداوي، مرجع سابق، 17.

[18] اعتمدنا الرد على هذه الإشكالية على ما أورده الراهب نوح الأنبا بيشوي في مقال أليكتروني بتاريخ 16 يوليو 2021، على موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك، رابط المقال:

https://tinyurl.com/4bb6f75j

[19] بحسب قاموس Strong، تحت كلمة horion أو ὅριον، انظر الرابط التالي:

https://biblehub.com/greek/3725.htm

[20] هنداوي، مرجع سابق، ص 18.

[21] اعتمدنا بشكل أساسي على موقع https://biblehub.com.

[22] Bruce M Metzger, A Textual Commentary on the Greek New Testament (Ancient Greek Edition), United Bible Societies (third edition), p. 95-96.

[23] هنداوي، مرجع سابق، 18-19.

[24] J. Adna, “The Encounter of Jesus with the Gerasene Demoniac,” in Authenticating the Activities of Jesus, ed. B. Chilton and C. A. Evans (Leiden: Brill, 1999), pp. 279–301.

[25] B. Witherington III, op. cit., for Mark 5:1-20.

[26] Michael Willett Newheart, My Name is Legion: The Story and Soul of the Gerasene Demoniac, Collegeville, MN: Liturgical Press 2004, p. 44-45.

[27] فيما يخص هذا الفيلق انظر:

https://www.livius.org/articles/legion/legio-x-fretensis/?

[28] فيما يخص المزيد عن هذا الأمر انظر

Michael Willett Newheart, op. cit.

[29] ورد على هذا في تعليق أوريجانوس على يوحنا 6: 24 كما هو مقتبس في

  1. C. Oden and C. A. Hall, eds., Mark, vol. 2 of The Ancient Christian Commentary on Scripture (Downers Grove, Ill.: InterVarsity, 1998), p. 67.

يمضي أوريجانوس ليضيف رأيه بأنَّ النصّ الأصلي يشير إلى جرجسة، وهي قرية بالقرب من بحيرة طبريا وكان لها تلة مثل تلك الموصوفة في القصّة. ويشير إلى أنَّ اسم تلك القرية يعني “سكن الشخص الذي يخرج” ويقترح أنَّ المدينة ربما سميت بهذا الاسم نبويًّا، أو على الأرجح، أخذت مثل هذا الاسم بعد هذا الحادث، وفي هذه الحالة كان لها اسم آخر قبل ذلك الحين.

[30] B. Witherington III, op. cit., for Mark 5:1-20.

[31] للمزيد انظر

https://en.wikipedia.org/wiki/Kursi,_Sea_of_Galilee

[32] هنداوي، مرجع سابق، ص 20.

[33] Thomas Nelson, Earl D. Radmacher, Nelson’s New Illustrated Bible Commentary: Spreading the Light of God’s Word into Your Life, Thomas Nelson Publishers 1999, Mark 5:1.

[34] هنداوي، مرجع سابق، ص 21.

[35] ستيفن م. ميلر، تاريخ الكتاب المقدس منذ عهد التكوين وحتى اليوم، ترجمة وليم وهبه، وجدي وهبه، نشر دار الثقافة، طبعة أولى 2008، ص 72.

[36] Fragments of Papias, from Eusebius CH 3.39.

[37] A. Jülicher, ’Marcus im NT’, in RE, XII, pp. 288-97 (290).

[38] للمزيد انظر

R.M. Grant, ‘Papias in Eusebius’ Church History’, in A. Bareau (ed.), Melanges d’histoire des religions offerts a Henri-Charles Puech (Paris: Universitaires de France, 1974), pp. 209-13.

[39] J.B. Orchard, ’Some Guidelines for the Interpretation of Eusebius’ Hist. Eccl. 3.34-39’, in W.C. Weinrich (ed.), The New Testament Age: Essays in Honor of Bo Reicke (Macon, GA: Mercer University Press, 1984), pp. 393-403 (399).

[40] وهو ما كان محقًا فيه يوسابيوس، للمزيد انظر

R.W. Yarborough, ‘The Date of Papias: A Reassessment’, JETS 26 (1983), pp. 181-91; U.H.J. Kortner, Papias von Hierapolis: Ein Beitrag zur Geschichte des frühen Christentums (Göttingen: Vandenhoeck & Ruprecht, 1983), pp. 225-26.

[41] Julicher, ’Marcus’, p. 294.

[42] هنداوي، مرجع سابق، ص 26.

[43] https://www.newadvent.org/fathers/01287.htm

[44] Ibid.

[45] هنداوي، مرجع سابق، ص 26.

[46] يوسابيوس القيصري، تاريخ الكنيسة، تعريب القمص مرقس داود، نشر مكتبة المحبة، ص 253.

[47] James Orr General, The International Standard Bible Encyclopedia, Vol 7, the Gospel according to Mark, 5.1.

[48] هنداوي، مرجع سابق، ص 28.

[49] المرجع السابق.

[50] المرجع السابق.

 

الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والقديس مرقس الإنجيلي والشهيد

مدرسة الاسكندرية اللاهوتية – د. ميشيل بديع عبد الملك (1)