الردود على الشبهات

الأزهري وإشكالية الخلق ردًا على محمد هنداوي في “أوريجانوس وإشكالية الخلق”

الرد على "أوريجانوس وإشكالية الخلق"

الأزهري وإشكالية الخلق ردًا على محمد هنداوي في “أوريجانوس وإشكالية الخلق”

الأزهري وإشكالية الخلق ردًا على محمد هنداوي في "أوريجانوس وإشكالية الخلق"
الأزهري وإشكالية الخلق ردًا على محمد هنداوي في “أوريجانوس وإشكالية الخلق”

نقل (الازهري) ما لم يعقله في هذه المسألة بخصوص أوريجانوس في كتابه (ص 255 – 277) خصوصا السبع صفحات الأولى، فزعم ان “اوريجانوس لا قائل بأزلية الإبن فحسب بل بأزلية الخليقة” ص 261، أي أنه يقول إن أوريجانوس يؤمن بأن الابن والخليقة (المخلوقات) متساويان، وبالتالي فهو نفس كلام أريوس الذي كان يؤمن أن المسيح إله نعم ولكنه إله مخلوق، خلقه الله الآب ليخلق به بقية المخلوقات، وبهذا يكون التقليد لصالح أريوس لا الكنيسة!

 

الرد من اربعة اوجه

 

الوجه الأول: الفرق بين الله والمخلوقات عند (أوريجانوس)

يفرق (اوريجانوس) صراحة بين الأقانيم والمخلوقات، فينقل من رسالة الراعي لـهرماس مقرًا بما نقله:

خلق كل شيء ورتبه، وأعطى الكون وجوده من العدم[1]

 

وهنا يؤكد أوريجانوس بوضوح أن الكون موجود من العدم creatio ex nihilo، بينما يقول في نفس الصفحة عن الأقانيم الإلهية:

يلد الآب الإبن وينفث الروح القدس، [لا كأنهما كائنان لم يوجدا من قبل]، ولكن من حيث أن الآب هو أصل الابن ومصدرهما مادمنا لا نقوى على الاعتقاد بان فيهما ما قبل وما بعد

 

فينفي اوريجانوس بوضوح أيضا سبق العَدم على الابن والروح، أي أنه ينفي أن يكون للإبن عدمًا سابقًا أو لاحقًا لوجوده، وهكذا للروح القدس.

 

ومرة أخرى يتكلم عن المخلوقات في وجودها الذهني مسميا إياها “الطبائع العاقلة” فيقول:

“صُنِعَت فيما لم تكن في الوجود[2]

 

ثم يستمر موضحا الفارق بين المخلوقات أي تلك “الطبائع العاقلة” وبين “الثالوث” فيقول:

الحياة غير الجسمية امتياز الثالوث وحده[3]

 

فهو هنا بوضوح ينص لفظيا بالتمايز بين:

[الطبيعة] التي هي غير [طبيعة الآب والابن والروح القدس]”[4]

 

لذلك حقا يقول “سوزومين” عن أريوس:

يعظ في الكنيسة بأي شيء لم يثيره أحد من قبله، أي أن ابن الله لم يكن له وجود سابق، انه كان هناك وقت لم يكن موجودا فيه[5]

 

أي ان كون المسيح مخلوقا من العَدم لم يثره أي أحد قبل أريوس، وأوريجانوس طبعا قبل أريوس! فإذن، أوريجانوس لم يقل ما قال به أريوس بعده.

 

بل أن (الأزهري) نفسه يعترف بهذا بيقول:

لا يأخذ الاخذون على آريوس شيئا في اعتماده على أوريجانوس إلا ما كان من قول أريوس ان الكلمة اوجدت من العدم” ص 257

 

وهذا الفارق أصلا يحسم المسألة، ولكن كيف لا يتشقلب (الازهري) كعادته ليخفي ذلك الفارق فيقول:

الخلاف بين أريوس وأثناسيوس بشأن مذهب أوريجانوس، لا يفضي إلى مزية تعود على الابن، فهو عند أريوس مخلوق من العدم، وعند أوريجانوس أزلي والخليقة معه ازلية، فأي خصيصة له” ص 257

 

انظر الى هذه الشقلبة!

  • يقول (أوريجانوس) بأزلية الابن.
  • يقول (أريوس) بخلقه من العدم.

فيتساوى الاثنان في (عقل الأزهري)!!

 

وإن كُنّا قد أوضحنا مذهب أوريجانوس من كلامه عن الفرق بين الابن والمخلوقات فسقط صياح (الأزهري) بمساواة (أوريجانوس) بين الابن والمخلوقات فماذا قصد إذن حين تكلَّم عن أزليتها؟

هذا ما نوضحه في الأوجه التالية.

 

الوجه الثاني: أزلية فعل الخلق

يقول (الماتريدية)[6] من أهل السنة والجماعة أن الخلق أو التكوين قديم، أما المخلوقات فهي حادثة بعد العدم، فيقول (عبد الله الهرري) المعروف (بالحبشي) في شرح الطحاوية 28 – 29:

لا يلزم من قِدم التكوين قِدم المُكَوَّن…التكوين أزلي والمكونات حادثة …. فِعل الله أزليٌ ومفعوله حادثٌ ….. فاذا قيل: أحيا الله كذا … فالمُحيا حادث أما إحياء الله [له] فهو أزليٌ ….. إشقاء الله [للذين] أشقاهم وإسعاد [الذين] أسعدهم أزلي، وهذا الاعتقاد كان هو اعتقاد السلف

 

وقال في ص 31:

انه تبارك وتعالى كان محيي الموتى في الازل [قبل حدوث الموتى] وحدوث الموتى لا ينافي [قِدم إماتته لهم]

 

فعند الكل، المخلوقات نفسها جاءت من العدم بعد ان لم تكن، اما فعل الخلق نفسه فهو قديم.

 

وقال أيضا:

ناقش الاشاعرة الماتريدية في هذه المسألة فقالوا: بانه يلزمكم على ما ذهبتم اليه جعل المكوَّن ازليا قديما” الهرري ص 30-31

 

ثم علق:

هذا اختلاف لفظي، اختلاف في التعبير، وكلا الفريقين على هدى، إنما الضرر الأعظم والكفر والإلحاد هو أن يقول القائل: الله تعالى يقوم به صفة حادثة كابن تيمية” الهرري ص 31.

 

في الفقرة السابقة لا يُقدم الهرري ردا على الإلزام بقِدم المخلوقات، وعلى أي حال من هنا يُحمل كلام أوريجانوس على ازلية أفعال الله الذي لا تقوم به الحوادث، لا أزلية المخلوقات، وان كان بهذا يتوجه كلام أوريجانوس على مذهب أهل السنة الأشاعرة والماتريدية، فماذا عن أهل الكفر والإلحاد كابن تيمية حسب وصف الهرري؟

الأزهري وإشكالية الخلق ردًا على محمد هنداوي في "أوريجانوس وإشكالية الخلق"

الوجه الثالث: القدم النوعي للعالم (المخلوقات)

يزعم الوهابية ومن تابعهم أن الأزهر الأشعري وكل الفئات المشاركة في مؤتمر الشيشان سالف الذكر هم من أهل البدع أما أهل السنة فهم من يؤمنون بما يؤمن به ابن تيمية، وان تركنا أولئك ونظرنا في عقائد هؤلاء فنجد ابن تيمية يؤمن بـ “القِدم النوعي للعالم” وهو مشهور عنه، ويؤمن أيضا بـ “تسلسل الحوادث” وهذا كله معناه عند مخالفي “ابن تيمية” انه يساوي بين الله والمخلوقات – لاحظ أنها نفس تهمة الأزهري لأوريجانوس – ولكن هل يعني هذا عند شيعة (ابن تيمية المساواة بين الله والعالم فعلا؟

 

تنقل كاملة الكواري الاعتراض على ابن تيمية فتقول:

القول بتسلسل الحوادث في جانب الازل بلا بداية معناه القول بقِدم العالَم

 

وتقول إن الرد هو:

لا يلزم من ذلك قِدم العالم

 

وهي هنا لا توضح وجه عدم الالزام! بل تعقِّب بتعليل غير متعلِّق فتقول:

لأن كل ما سوى الله محدث ممكن الوجود[7] !

 

مرة أخرى هذا الرد لا ينفي الالزام، بل غايته توضيح ان هناك تناقضا في عقيدة القوم! ثم لا تكتفي كاملة الكواري بذلك ولكنها تزعم إلزامًا مضادا فتقول:

القول بان الحوادث لها أول يلزم منه التعطيل قبل ذلك وان الله لم يزل غير فاعل ثم صار فاعلا[8]

 

وردُّ الإلزام بإلزام مضاد ليس ردًا، انما مزيد من ابراز التناقض، فالقول بأن الحوادث لها أول هو أصلا عقيدة السلف التي نقلها الطحاوي بقوله في العقيدة الطحاوية.

 

الوجه الرابع: قِدم الخلق بالعِلم

ففي تاريخ 1 أغسطس 2021 نشر الأزهري صورته على الفيسبوك وكتب عليها “شرح مقدمة عقائد أهل السنة للشيخ محمد حياة السندي المدني- رحمه الله رحمة واسعة، وقد ختمناها في مجلس ما جاوز ساعتين” ولو كان (الأزهري) يعقل ما يقرأه فهذا الكُتيِّب نفسه يقول بنفس قول أوريجانوس وهو قِدم الخلق بالعلم!

 

فقد جاء في شرحه [9] أن “العلم” صفة أزلية لله، ثم قال عن المخلوق من العدم [الممكن] ما نصه:

باعتبار النظر الى تعلُّق علم الله تعالى بوجود بعض الممكنات فلابد ان يوجد ذلك الممكن الذي تعلق علم الله بوجوده، لئلا ينقلب علمه جهلا، تعالى الله عن ذلك، فوجود ما وُجد او يوجد من الممكنات جائز من حيث ذاتها، لازم من حيث تعلق علم الله بوجودها في أوانه[10]

 

ولا يحتاج الأمر إلى كثيرٍ من التفكير عندما تجمع النصين معًا، فتعلم أن العِلم الازلي تعلَّق بوجود المخلوقات [الممكنات] وبالتالي أصبح وجود تلك المخلوقات أزليا على الأقل في (العلم/اللوغوس).

وهذا هو نفس كلام أوريجانوس فهل يؤمن (الأزهري) أيضا بأزلية المخلوقات؟ أم عليه الآن ان يفرق بين ازلية المخلوقات في علم الله وبين (علم الله نفسه)؟

فان آمن بأزلية المخلوقات فقد أشرك وأخرج نفسه من دينه، وعليه، فليكتب كتابًا يدافع فيه إذن عن تقليده هو ويترك تقليد غيره، وان فرَّق بين الاثنين فليتراجع إذن عمَّا نسبه لأوريجانوس من عدم التفرقة بين (اللوغوس) و(المخلوقات) وليعتذر عن تكلمُه فيما لم يعقله!

 

على أن هذا لم يأت فقط عند (السندي) بل كل من فَقِه هذه القضية كتقرير (الهرري) في شرح الطحاوية:

خلق الخلق على حسب علمه الأزلي وتقديره الأزلي…. فالمخلوقات التي خلقها فدخلت في الوجود، والتي ستخلق ولم تدخل في الوجود بعد كل بعلمه الازلي[11]

 

وقال:

يستحيل أن لا يعلم ما يكون من مخلوقاته قبل وجودهم إذ ذاك جهل والجهل في حق القديم محال، فثبت سبق علمه في الازل بما يكون من مخلوقاته[12]

 

فظهر مما سبق ان عقائد القوم تدور في فَلَك اللوغوس القديم الذي لا يتغير والمُحيط بكل مخلوقاته، حتى وإن أنكروا لاهوته، حتى وإن زعموا مساواة أوريجانوس بينه وبين المخلوقات في أزلية ما، الا ان الحقيقة واضحة= هم مُجبرون على الاعتراف بصحة المسيحية هنا لا الأريوسية، وبأرثوذكسية أوريجانوس حتى وإن تمحكوا في الفاظ لا يعقلونها!

 

[1] المبادئ، منشورات المكتبة البولسية، ترجمة جورج خوام البولسي ص 160

[2] المبادئ ص 161

[3] السابق

[4] السابق

[5] التاريخ الكنسي لسوزومين،تعريب د.بولا ساويرس 1/ 15/ 3

[6] في مؤتمر (الشيشان) الذي حضره (الازهر) ممثلا بشيخه (أحمد الطيب) أعلنوا أن (أهل السنة) هم (الأشاعرة والماتريدية والصوفية) وعند عودته وبعد الضغوط التي تعرض لها أضاف (الطيب) فرقة (السلفية) الى اهل السنة

[7] كاملة الكواري، قدم العالم وتسلسل الحوادث بين شيخ الإسلام ابن تيمية والفلاسفة، ص 132

[8] شرح مقدمة عقائد أهل السنة ص 132

[9] ص 28

[10] ص 35

[11] ص 33

[12] ص 56

 

الأزهري وإشكالية الخلق ردًا على محمد هنداوي في “أوريجانوس وإشكالية الخلق”