آبائيات

ارتباط الفضائل معًا – العظة 40 للقديس مقاريوس الكبير – د. نصحى عبد الشهيد

عظات القديس مقاريوس الكبير - د. نصحى عبد الشهيد - بيت التكريس لخدمة الكرازة

ارتباط الفضائل معًا – العظة 40 للقديس مقاريوس الكبير – د. نصحى عبد الشهيد

ارتباط الفضائل معًا – العظة 40 للقديس مقاريوس الكبير – د. نصحى عبد الشهيد
ارتباط الفضائل معًا – العظة 40 للقديس مقاريوس الكبير – د. نصحى عبد الشهيد

العظة 40 للقديس مقاريوس الكبير – ارتباط الفضائل معًا – د. نصحى عبد الشهيد

إن جميع الفضائل مرتبط بعضها ببعض، كذلك أيضًا الرذائل، مثل حلقات السلسلة المرتبط أحدها بالآخر.

ارتباط الفضائل معًا:

فيما يخص الممارسة الخارجيّة وأي عمل منها هو الأفضل أو الأحسن، فاعرفوا هذا أيها الأحباء، أن جميع الفضائل مرتبطة بعضها ببعض. فكل فضيلة مرتبطة بالأخرى مثل سلسلة روحيَّة: فالصلاة مرتبطة بالمحبة، والمحبة بالفرح، والفرح بالوداعة، والوداعة بالتواضع، والتواضع بالخدمة، والخدمة بالرجاء، والرجاء بالإيمان، والإيمان بالطاعة، والطاعة بالبساطة.

وكذلك من الجهة الأخرى فإن الرذائل مرتبطة إحداها بالأخرى: فالبغضة مرتبطة بالغضب، والغضب بالكبرياء، والكبرياء بالمجد الباطل، والمجد الباطل بعدم الإيمان، وعدم الإيمان بقساوة القلب، وقساوة القلب بالإهمال، والإهمال بالكسل، والكسل بالضجر، والضجر بعدم الصبر، وعدم الصبر بمحبة اللذة. وباقي أجزاء الرذيلة هي بالمثل متعلقة بعضها ببعض كما أنه من الجهة الصالحة فإن الفضائل متعلقة بعضها ببعض ومرتبطة معًا.

أهمية المواظبة على الصلاة:

ولكن رأس كل سعي صالح، والقوة الموجهة والقائدة لكل عمل حسن إنما هو المواظبة على الصلاة. ومنها يمكن أن نحصل يوميًا على بقية الفضائل عن طريق طلبها من الله في الصلاة.

وبواسطة الصلاة تتولّد الشركة في قداسة الله في أولئك الذين يُحسبون أهلاً لها، وتتولّد فيهم الطاقة الروحانيّة والتصاق العقل بالرب وميله إليه بمحبة تفوق الوصف لأن الإنسان الذي يغصب نفسه كل يوم للمواظبة على الصلاة، فإنه يشتعل بالحب الإلهي ويتقد برغبة نارية من الحب الروحاني نحو الله، وينال نعمة كمال تقديس الروح.

درجات في الملكوت:

سؤال: حيث إن هناك البعض يبيعون ممتلكاتهم، ويطلقون عبيدهم أحرارًا، ويحفظون الوصايا، ومع ذلك فإنهم لا يسعون لنوال الروح في هذا العالم. فهل بعيشهم هكذا لا يدخلون إلى ملكوت السموات؟

جواب: هذا موضوع دقيق وحساس. فإن البعض يتكلمون عن ملكوت واحد وجهنم واحدة. ولكننا نحن نتكلم عن درجات كثيرة ومقاييس متنوعة في كل من الملكوت وجهنم. وكما أنه توجد نفس واحدة في جميع الأعضاء، ولكنها تعمل في المخ من فوق وفي نفس الوقت تحرك القدمين من أسفل، هكذا أيضًا فإن الله يحتوي كل الخلائق، السماويّة والتي في عمق الهاوية، وهو يملأ الخليقة في كل مكان رغم أنه متعالي جدًا على الخلائق، لأنه غير محدود ويفوق كل فهم وإدراك.

وإن الله ينظر إلى الناس ويهتم بهم بنوع خاص. ويقود كل الأشياء بتدبير عنايته بحسب الحكمة. وحينما يصلي البعض غير عارفين ما هو الذي يطلبونه، بينما يصوم آخرون، وآخرون يواظبون على خدمتهم، فإن الله كقاضٍ عادل يعطي كل واحد حسب مقدار إيمانه. لأنهم إنما يفعلون ما يفعلونه بتقوى الله. ولكن ليس جميع هؤلاء بنين أو ملوك أو ورثة.

ويوجد في العالم بعض قتلة الناس، ويوجد آخرون زناة، وآخرون سارقون. كما أنه يوجد أولئك الذين يوزعون مقتنياتهم على الفقراء: وعين الرب على كل من هذين النوعين. وأما الذين يفعلون الخير فإنه يعطيهم راحة ومكافأة. فإنه توجد درجات عالية، ودرجات صغيرة. وفي النور وفي المجد توجد درجات.

وفي جهنم نفسها وفي العقاب يظهر أنه يوجد سحرة ولصوص كما أنه يوجد آخرون ممن ارتكبوا خطايا أقل. وأما الذين يقولون إن الملكوت درجة واحدة وكذلك جهنم وإنه لا توجد درجات فقولهم خطأ. وكم من الناس العالميين الذين هم الآن دائمًا في الملاهي وغيرها من الأمور الباطلة. وكم هم أولئك الذين يُصلّون لله ويتقونه! وأن الله ينظر إلى هؤلاء وأولئك، وكقاضٍ عادل، فإنه يعد الراحة لهؤلاء والعقاب لأولئك الآخرين.

وكما أن الناس يروّضون الخيول ويقودون بها المركبات في سباق ضد بعضهم البعض، وكل واحد يجتهد أن ينتصر على منافسه ويهزمه، هكذا يوجد أيضًا مثل هذا الصراع في قلب أولئك الذين يجاهدون. فالأرواح الشريرة تحارب النفس، بينما الله والملائكة يراقبون الحرب ويلاحظونها. وفي كل ساعة تخرج من النفس أفكار جديدة وكذلك الشر الذي يحارب في الداخل يُخرج أفكارًا جديدةً. إن النفس لها خطط كثيرة خفيّة. وهي تنتج هذه الخطط وتلدها في وقتها المعين. والشر أيضًا له خطط وحيل كثيرة، وهو يُولّد اختراعات جديدة ضد النفس ساعة بعد ساعة. إن العقل هو قائد العربة وهو يروّض عربة النفس مُمسكًا بعنان الأفكار، وهكذا يحارب ضد عربة الشيطان التي يقودها ضد النفس.

بين العكوف على الصلاة ومحبة الإخوة:

سؤال: إن كانت الصلاة هي راحة للنفس، فكيف يقول البعض: نحن لا نستطيع أن نصلي ولا أن نلازم الصلاة دوامًا ولذلك لا يواظبون على الصلاة بتواتر؟

جواب: حينما تكثر الصلاة فإنها تنشيء رأفة ورحمة، وصور أخرى من الخدمة، مثل افتقاد الإخوة لأجل خدمتهم بالكلمة. والإنسان بطبيعته يرغب في الذهاب لرؤية الإخوة وليكلمهم بالكلمة. وكل شيء يُلقى في النار لا يمكن أن يبقى على طبيعته بل بالضرورة يصير نارًا. فإذا ألقيت حجارة صغيرة في النار فإنها تتحول إلى جير. والإنسان الذي يريد أن يدخل إلى البحر ويذهب إلى وسط المحيط فإنه يغطس تمامًا ويختفي عن الأنظار.

أما الذي يذهب رويدًا رويدًا فإنه يرغب أن يرجع ثانية ويطفو على السطح ويأتي إلى الميناء ليرى الناس الذين على الشاطيء. هكذا أيضًا في الحياة الروحانيّة، فقد يدخل إنسان إلى حياة النعمة، ثم يتذكر أن له رفقاء وإخوة، وهو بطبيعته البشريّة أيضًا يريد أن يذهب إلى الإخوة ليتمّم ناموس المحبة، وذلك طاعة للكلمة.

النعمة والخطية:

سؤال: كيف يمكن أن تكون النعمة والخطية كلاهما معًا في قلب الإنسان؟

جواب: كما إنه حينما توجد نار تحت إناء نحاس فإنك حينما تضع حطبًا أوخشبًا لإضرام هذه النار تحت الإناء فإنه يسخن ويغلي الماء الذي بداخله لأن النار خارج الإناء تشتعل من تحته، أما إذا أهمل الإنسان ولم يضع وقودًا لهذه النار تحت الإناء فإنها تبتديء في الخمود وتنطفيء إلى حدٍ ما. هكذا النعمة، التي هي النار السماويّة فإنها في داخلك ومن خارجك. فإذا كنت تصلي وتسلّم أفكارك لمحبة المسيح تكون قد وضعت وقودًا للنار.

كما أن أفكارك تصير نارًا وتُغمر تمامًا في محبة الله. وحتى إذا انسحب الروح قليلاً كما لو كان خارجًا عنك، فإنه لا يزال في داخلك، وعلاماته تظهر من الخارج. أما الذي يهمل ويسلّم نفسه للانشغالات العالمية أو للهموم، فإن الخطية تأتي ثانية وتدخل إلى النفس وتؤذي الإنسان كله. ولذلك فإن النفس تذكر راحتها السابقة، وتحزن وتتألم فترة طويلة.

ويعود العقل لليقظة والانتباه لله فتعود الراحة السابقة وتقترب منه من جديد. ويسعى في طلب الرب بغيرة واجتهاد شديد قائلاً “يارب إني أتوسل إليك”. وقليلاً قليلاً تشتعل النار وتضطرم وتزداد وتنعش النفس وتقويها، مثل الصنارة التي تجذب السمكة من عمق البحر رويدًا رويدًا. ولو لم يكن الأمر هكذا، ولو لم يذق الإنسان المرارة والموت، فكيف كان يمكنه أن يميز المر من الحلو، والموت من الحياة، وأن يعطي الشكر والمجد للآب معطي الحياة والابن والروح القدس إلى الأبد آمين.

العظة 40 للقديس مقاريوس الكبير – ارتباط الفضائل معًا – د. نصحى عبد الشهيد