آبائيات

الشبع الإلهي – العظة 49 للقديس مقاريوس الكبير – د. نصحى عبد الشهيد

عظات القديس مقاريوس الكبير - د. نصحى عبد الشهيد - بيت التكريس لخدمة الكرازة

الشبع الإلهي – العظة 49 للقديس مقاريوس الكبير – د. نصحى عبد الشهيد

الشبع الإلهي – العظة 49 للقديس مقاريوس الكبير – د. نصحى عبد الشهيد
الشبع الإلهي – العظة 49 للقديس مقاريوس الكبير – د. نصحى عبد الشهيد

العظة 49 للقديس مقاريوس الكبير – الشبع الإلهي – د. نصحى عبد الشهيد

لا يكفي أن تتجنب لذات هذا العالم بل يلزم الحصول على غبطة الدهر الآتي.

فرح الروح بدل فرح العالم:

حينما يترك إنسان أهله، ويترك هذا العالم، ويتغرّب عن لذّاته ويترك الممتلكات، والأب والأم، لأجل الرب، ويصلب نفسه ويصير غريبًا وفقيرًا ومحتاجًا، ولكنه لا يجد العزاء الإلهي في داخل نفسه بدلاً من راحة العالم وعزائه، ولا يشعر بلذة الروح في داخله بدلاً من اللّذة الزمنية العابرة، ولا يكون لابسًا لثياب نور الله في الإنسان الباطن، بدلاً من تلك الثياب التي تفنى، ولا يعرف شركة العريس السماوي في نفسه، بدلاً من فرح هذا العالم الظاهر ولا يحصل على عزاء النعمة السماوي، والشبع الإلهي في النفس- بظهور مجد الرب- كما هو مكتوب[1]، وبالاختصار بدلاً من التمتع الزمني العابر، لا يحصل من الآن في داخل نفسه على التمتع غير الفاسد الذي لا يضمحل والذي تشتهيه النفس شهوة عظيمة، فإن هذا الإنسان قد صار ملحًا بلا ملوحة، بل هو أكثر بؤسًا من جميع الناس لأنه حُرم من الأشياء التي هنا، ولم يحصل على التمتع بالعطايا الإلهيّة التي تتم بعمل الروح القدس في الإنسان الباطن.

العبور بالروح إلى عالم آخر منذ الآن:

فإن الغاية التي من أجلها يصير الإنسان غريبًا عن هذا العالم إنما هي أن تعبر نفسه إلى عالم آخر ودهر آخر كما يقول الرسول “إن سيرتنا هي في السموات” (في 3: 20) وأيضًا يقول “وإذ نسير على الأرض لكننا لسنا حسب الجسد نحارب” (2 كو10: 2). لذلك فإن من يرفض هذا العالم يجب أن يؤمن بكل يقين، أنه ينبغي أن يعبر بفكره منذ الآن بالروح إلى عالم آخر، وهناك تكون سيرتنا ولذتنا وتمتعنا بالخيرات الروحيَّة، وأنه ينبغي أن يُولد من الروح في الإنسان الباطن كما قال الرب “من يؤمن بي فقد انتقل من الموت إلى الحياة” (يو 5: 24).

لأنه يوجد موت آخر غير الموت الطبيعي المنظور، وحياة أخرى غير هذه الحياة، فإن الكتاب يقول: “وأما المتنعمة فقد ماتت وهي حيّة” (1 تي 5: 6)، وأيضًا يقول الكتاب: “دع الموتى يدفنون موتاهم” (لو 9: 60). لأن “ليس الأموات يسبحونك يا رب، بل نحن الأحياء نباركك” (مز 115: 17-18).

دخول النفس إلى المسكن السماوي:

لأنه كما أن الشمس عند إشراقها على الأرض تضيء عليها بكلّيتها، ولكن عندما تصير إلى الغروب تنحسر أشعتها عنها، كذلك فإن النفس التي لا تُولد من فوق من الروح، تكون على الأرض بكليتها. وأفكارها مشتّتة في الأرض كلها. ولكن حينما تُحسب أهلاً للحصول على الولادة السماويّة وشركة الروح، فإنها تجمع كل أفكارها معًا فتأخذهم معها وتدخل إلى الرب، إلى المسكن السماوي غير المصنوع بأيدي وتصير كل أفكارها سماويّة طاهرة ومقدسة وتصعد إلى الجو السماوي الإلهي.

وإذ تتحرر من سجن ظلمة رئيس هذا العالم الشرير، الذي هو روح العالم، فإن النفس تجد أفكارًا طاهرة إلهيّة، لأن الله قد سُرّ بأن يجعل الإنسان شريكًا في الطبيعة الإلهيّة (2 بط 1: 4).

ستجد فرحًا عظيمًا:

لذلك فإذا كنت تعتزل كل الأمور المختصة بهذا العالم وتواظب على الصلاة، فإنك ستجد راحة كبيرة في هذا العمل. بل ستجد فرحًا عظيمًا في الشدة القليلة والألم وستنتعش انتعاشًا عظيمًا. فإنه إن كنت تنفق نفسك وجسدك ساعة بساعة طوال حياتك لأجل هذه الخيرات العظيمة فماذا تكون النتيجة؟.. آه، يا لعِظَم تحنّن الله الذي يفوق الوصف، فإنه يعطي نفسه مجانًا لأولئك الذين يؤمنون به حتى أنهم في وقت قليل يرثون الله، ويسكن الله في الإنسان ويتخذ من الإنسان منزلاً حسنًا له! وكما أن الله خلق السماء والأرض ليسكن الإنسان فيهما، كذلك فإنه خلق جسد الإنسان ونفسه ليكونا منزلاً له، لكي يسكن ويستريح في جسد الإنسان كما في منزله الخاص، ويتخذ من النفس الحبيبة عروسًا جميلة له مخلوقة على صورته. لأن الرسول يقول: “خطبتكم لرجل واحد، لأقدم عذراء عفيفة للمسيح” (2 كو 11: 2). وأيضًا “وبيته نحن” (عب 3: 6).

الله يخزن كنوز الروح في نفسك وجسدك:

فكما أن رب البيت يخزّن باجتهاد كل أنواع الخيرات في بيته، هكذا الرب أيضًا في بيته الذي هو نفسك وجسدك، فإنه يضع كنوز الروح السماويّة ويخزنها في هذا البيت.

إن الحكماء بحكمتهم، والفطناء بفطنتهم لم يستطيعوا أن يدركوا لطافة النفس، أو أن يتكلموا عنها كما هي، وإنما يدرك لطافتها فقط أولئك الذين يُعطى لهم هذا الإدراك بالروح القدس. ولهم تُعطى المعرفة الصحيحة عن النفس إذ أن الروح يعلنها لهم.

الرب والنفس:

فانظر هنا نظرة جادة لكي تفهم وتتعلّم. انصت الآن:

فإنه هو إله، أما النفس فليست إلهًا.

إنه هو رب، وهي عبدة.

هو خالق، وهي مخلوقة.

هو صانع، وهي صنعة يديه.

وليس هناك شيء مشترك بين طبيعة الله وطبيعة النفس. ولكن بواسطة محبته ورأفته التي لا تحد والتي تفوق الوصف والإدراك، سُرّ الله أن يسكن في هذا المخلوق العاقل، في صنعة يديه، الثمينة والعجيبة، كما يقول الكتاب “لكي نكون باكورة من خلائقه” (يع 1: 18). لنكون نحن حكمته وشركته، ومسكنه الخاص، وعروسه الطاهرة.

لنعطِ أنفسنا لإرضاء الرب:

فحينما تُوضع أمامنا هذه الأشياء الصالحة، وهذه المواعيد التي وعدنا بها الرب، وتتضح مسرة صلاحه من نحونا، فلا نهمل يا أبنائي ولا نتأخر أو نتباطأ في السعي للحياة الأبديّة، بل نعطي أنفسنا تمامًا لإرضاء الرب، مخصصين ذواتنا له كلّية.

فلنتوسل، إذن للرب أن ينقذنا بقوة لاهوته من سجن ظلمة شهوات الخزي، وأن يجعل صورته وصنعة يديه تضيء ببهاء، وأن يجعل النفس صحيحة ونقيّة، وهكذا نُحسب أهلاً لشركة الروح، ممجدين الآب والابن والروح القدس إلى الأبد.

[1]  هنا يشير القديس مقاريوس إلى مز 17: 15 في الترجمة السبعينية حيث نص الآية هكذا “سأمتليء حتى الشبع بظهور مجدك”.

المذيع محمود داود يُعلن إيمانه بالمسيح

المذيع محمود داود يُعلن إيمانه في الكتاب المقدس

القديسة مريم العذراء – دراسة في الكتاب المقدس

الشبع الإلهي – العظة 49 للقديس مقاريوس الكبير – د. نصحى عبد الشهيد

تقييم المستخدمون: 3.1 ( 2 أصوات)