سؤال وجواب

ما هي القراءات المختلفة؟ وكيف يمكن معالجتها؟

9- ما هي القراءات المختلفة؟ وكيف يمكن معالجتها؟

قالوا أن هناك قراءات مختلفة لا تُعَد، ففي العهد الجديد أكثر من مائة ألف قراءة مختلفة، وقال أحدهم “لقد تبين لعلماء المسيحية استحالة الوصول إلى النص مهما بذلوا من مجهودات، ولم يبق سوى صرخة حسرة تقول: يا لسوء طالعنا.. لقد أصبح الحل الذي يراه آباء الكنيسة وعلماء المسيحية إزاء مشكلة النص هو قبول الوضع الحالي بكل ما عليه من مآخذ.. على أن يستمر الوضع مقبولًا إلى الوقت الذي تظهر فيه وثائق جديدة تساعد على إعادة النظر فيه وتطويره ليكون أقرب ما يكون من ذلك الأصل المجهول، بعد تنقيته من التحريف الذي لحق به.. إن العهد الجديد الحالي هو عهد جديد مؤقت”.

 

ج: أولًا: ما هي القراءات المختلفة أو المتنوعة وكيف تُحصى؟

مثال للقراءات المختلفة ما جاء في الآيتين 7، 8 من إنجيل معلمنا متى “7 وأبيا ولد أسا 8 وأسا ولد يهوشافاط “فقد وردت في بعض المخطوطات كلمة أسا بينما وردت في مخطوطات أخرى كلمة أساف (بإضافة الفاء) بدلًا من أساء.. فهذا اختلاف بسيط لا يغير في شيء لا في المعنى ولا في العقيدة، ولكن خلاف مثل هذا هل يحسب بأنه خلاف واحد؟ كلًا.. فلو افترضنا أن هذا القراءة وردت هكذا في 1000 مخطوطة، وبما أن كلمة أساف تكررت مرتين في الآيتين، فتحتسب هكذا 1000× 2= 2000 قراءة مختلفة، وهي في الأصل اختلاف واحد في حرف أضيف إلى اسم، وبهذه الطريقة المهولة حسب العلماء القراءات المتنوعة، ففي سنة 1707 م. أحصى جون ميل John Mill هذه القراءات المتنوعة بـ30000 قراءة في مخطوطات العهد الجديد، وفي سنة 1864 م. رفع سكريفينر F.H. Scrivener العدد إلى 150 ألف قراءة متنوعة، وفي سنة 1975 م. رُفع الرقم إلى 200 ألف، وفي الحقيقة هذا الكم الهائل ما هو إلا اختلاف في حروف هجاء أو مثل هذه الأمور التي لا تؤثر على معنى ولا على عقيدة، وإليك آراء بعض العلماء في هذا الأمر:

1- نورمين جسلر ووليم نيكس Norman Geisler & William Nix يقولان “أن هناك غموضًا في قولنا أن هناك “قراءات متنوعة” فمثلًا لو أن كلمة واحدة أُسيء إملائها في ثلاثة آلاف مخطوطة، فإنه يقال أن هناك ثلاثة آلاف قراءة متنوعة في العهد الجديد! ” ثم يقولون “أن واحدًا من ثمانية من هذه الاختلافات قد يكون له قيمته لكن البقية هي اختلافات في الهجاء أو ما شابه، وجزء من ستين من هذه القراءات المتنوعة يمكن أن يعتبر فوق التافه ” ومعنى القول أن 1/8 القراءات المختلفة له قيمته، فهذا الثُمن يبلغ من المائتي ألف 25 ألفًا، ولو افترضنا أن الاختلافات وقعت في 2200 مخطوطة فتصبح الكلمات موضع الخلاف 11 كلمة فقط، وجميعها لا تؤثر على معنى ولا على عقيدة.

2- عزرا أبوت Ezria Abbot يقول “الحقيقة هي أن 95% من هذه القراءات المتنوعة تعوزها الأدلة و95% منها لا تؤثر على المعنى، لأنها إملائية أو نحوية أو في ترتيب الكلمات. هذا يترك لنا نحن 400 قراءة متنوعة قد يكون لها تأثير طفيف في المعنى أو تتضمن إضافة كلمة أو كلمات أو حذفها. والقليل جدًا منها يمكن أن يعتبر هامًا، ولكن أبحاث العلماء دلتنا على القراءة الصحيحة الموثوق فيها”.

3- روبرتسون T. Robertson A. قال أن 0,1 % (واحد في الألف) من هذه القراءات لها مغزى، و99,9 % خال من الاختلافات التي لها مغزى.

4- فيليب شاف Philip Schaff (1890 م) وهو المؤرخ الكنسي المشهور قارن بين العهد الجديد باللغة اليونانية التي كُتب بها والترجمة الإنجليزية، فوجد أن 400 قراءة مختلفة فقط تؤثر على المعنى، وإن خمسين فقط منها له تأثير حقيقي، ولا توجد قراءة واحدة تؤثر على عقيدة أو حقيقة إيمانية أو واجبات المسيحي إذ يوجد ما يماثلها في أماكن أخرى من القراءات الواضحة والأكيدة.

5- فريدريك كينون: يقول “إننا نؤكد بكل يقين إنه لا توجد عقيدة مسيحية مبنية على قراءة موضع اختلاف.. ويمكن للمسيحي أن يمسك بالكتاب المقدس كله في يده ويقول دون خوف أو تردد إنه يمسك بكلمة الله الحقيقية التي سُلِمت عبر القرون من جيل إلى جيل بدون أن يفقد شيء من قيمتها”(1).

ثانيًا: عندما يكون هناك خلاف في قراءة كلمة معينة كيف يمكن ضبطها؟

يمكن ضبط القراءات المختلفة بمقارنة المخطوطات المختلفة ويقسم العلماء المخطوطات إلى أجيال، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فمثلًا المخطوطة الأصلية تعتبر الجيل الأول، وعندما يتم نسخ عدد من النسخ منها وليكن ثلاث نسخ فهي تعتبر الجيل الثاني، وهذه النسخ الثلاث عندما يتم نسخ 13 نسخة منها تعتبر الجيل الثالث، ويجب ملاحظة أنه مثلًا عند نسخ الجيل الثاني لو أن هناك كلمة حدث خطأ في نقلها فبلا شك أن هذا الخطأ لا يتكرر في النسختين الأخريين، وهكذا عندما نقارن الأجيال المتعاقبة من المخطوطات نصل للقراءة الصحيحة، مع ملاحظة أن المخطوطة الأقدم هي الأفضل بالإضافة إلى الاعتماد بالأكثر على المخطوطة الأصعب في القراءة لضمان عدم محاولة تبسيطها، والمخطوطات التي وُجِدت في أماكن متفرقة، والأخذ في الاعتبار المخطوطة التي تم النقل منها، فربما مخطوطة متأخرة نُسِخت في القرن الثاني عشر ولكنها نُسِخت من مخطوطة يرجع تاريخها إلى القرن الثاني، فهذه تفضل عن مخطوطة نُسِخت في القرن الثامن من مخطوطة يرجع تاريخها للقرن السابع، وكل هذه المقارنات تتم أيضًا مع ما ورد من اقتباسات الآباء، وعندئذ يكون من السهل ضبط هذه القراءات المختلفة، ولكننا في النهاية نؤكد القول إنه لا توجد قراءة مختلفة واحدة تؤثر على عقيدة مسيحية قط، لأن العقيدة المسيحية لا تُبنى على آية واحدة فقط.

_____

(1) راجع الكتاب المقدس.. هل هو كلمة الله؟ القس عبد المسيح بسيط ص 77- 80 و”برهان يتطلب قرارًا”.