سؤال وجواب

هناك مدلولات جغرافية تؤكد أن الأسفار الخمسة وضعت في عصر لاحق لموسى النبي.. ما هي هذه المدلولات؟

37- قال بعض النقاد أن هناك مدلولات جغرافية تؤكد أن الأسفار الخمسة وضعت في عصر لاحق لموسى النبي.. ما هي هذه المدلولات؟ وكيف يمكن توضيحها؟

9- مدلولات جغرافية:

ج- من أهم المدلولات الجغرافية التي استدل بها أصحاب مدرسة النقد الأعلى على أن موسى النبي لم يكتب التوراة ما يلي:

بيت إيل – حبرون – قرية أربع – عبر الأردن – لايش-دان – حووث يائير – أرض العبرانيين

 

أ – بيت إيل – لوز: قال كاتب سفر التكوين عن إبراهيم ” ثم نقل من هناك إلى الجبل شرقي بيت أيل” (تك 12: 8) فقال النقاد إن ” بيت إيل “كان اسمها أولًا ” لوز”، ولم تعرف ببيت إيل إلا بعد أيام موسى، فيقول يشوع بن تون وهو من سبط بنيامين ” وعبر التخم من هناك إلى لوز إلى جانب لوز الجنوبي. هي بيت إيل” (يش 18: 13) واستكشف بيت يوسف عن بيت إيل.. وكان اسم المدينة أيلا لوز” (قض 1: 23).

تعليق: تسمية ” لوز ” ببيت إيل عرف قبل موسى بمئات السنين، والذي دعاها هكذا يعقوب أب الآباء، فعند هروبه من أخيه عيسو قاصدًا خاله لابان وبعد حلمه “فاستيقظ يعقوب من نومه وقال حقًا إن الرب في هذا المكان وأنا لم أعلم. وخاف وقال ما أرهب هذا المكان. ما هذا إلا بيت الله، وهذا باب السماء. وبكر يعقوب في الصباح وأخذ الحجر الذي وضعه تحت رأسه وأقامه عمودًا وصب زيتًا على رأسه. ودعا اسم ذلك المكان بيت إيل. ولكن اسم المدينة أولًا كان لوز” (تك 28: 16-19) وتكرر الموقف بعد عشرين سنة عند عودة يعقوب من عند خاله إذ ظهر له الله وغير اسمه من يعقوب إلى إسرائيل ” ودعا يعقوب اسم المكان الذي فيه تكلم الله معه بيت إيل” (تك 35: 15).

 

ب- حبرون – قرية أربع: قال كاتب سفر التكوين ” فنقل أبرام خيامه وأتى وأقام عند بلوطات ممرا التي في حبرون” (تك 13: 18) وقال النقاد إن اسم “حبرون” لم يكن معروفًا أيام موسى لآن كان اسمها ” قرية أربع “يقول الكتاب ” وماتت سارة في قرية أربع التي في حبرون” (تك 23: 2).. واسم حبرون قبلًا قرية أربع” (يش 14: 15) وكذلك (يش 15: 13).

تعليق: أطلق على هذه المدينة ثلاثة أسماء ممرا، وقرية أربع، وحبرون، وكانت الأسماء الثلاثة معروفة منذ أيام موسى النبي، ودعيت ” ممرا “لأنه سكن فيها أمير عظيم اسمه “ممرا” وكان صاحب حلف مع إبراهيم فخرج معه ليحرر لوط، وعندما عاد إبراهيم وأراد ملك سدوم أن يكافئ إبراهيم رفض وقال ” ليس لي غير الذي أكله الغلمان. وأما نصيب الرجال الذين ذهبوا معي.. وممرا فهم يأخذون نصيبهم” (تك 14: 24) وسميت ” قرية أربع “نسبة لمن أسسها وهو رجل جبار اسمه أربع ” وأسم حبرون قبلًا قرية أربع الرجل الأعظم من العناقيين” (يش 14: 15) وسميت “حبرون” بمعنى صحبة، ولأنها عرفت منذ أيام موسى بهذا الاسم، لذلك دعى بعض الرجال في عصر موسى بهذا الاسم، مثل عم موسى ” وبنو قهات عمرام وبصهار وحبرون..” (خر 6: 18) ودعى كالب بن يفنه أحد أبنائه باسم حبرون (1 أي 2: 42) وبعد دخول أرض الموعد قال كالب ليشوع بن نون ” فالآن أعطني هذا الجبل.. إن العناقيين هناك والمدن عظيمة محصنة. لعل الرب معي فأطردهم كما تكلم الرب. فباركه يشوع وأعطى حبرون لكالب يفنة ملكًا” (يش 14: 12، 13).

ج- 

عبر الأردن: قال كاتب التوراة أنه كان في ” عبر الأردن “وفي ” عربات موأب “وفي ” عبر أريحا “وفي ” أردن أريحا “أي في أرض فلسطين بالضفة الغربية من نهر الأردن، مما يدل على أن الكاتب شخص آخر غير موسى، ومن أصحاب هذا الرأى البروتستانتي المشيخي الفرنسي ” إيزك دى لوبيرير “في القرن السابع عشر الميلادي، ومما يذكر أن كتابه تعرض للحرق، وتعرض هو للسجن ولم يفرج عنه إلا بعد أن تحول إلى الكاثوليكية.

تعليق:

جاء في سفر التثنية ” في عبر الأردن في أرض موآب ابتداء موسى يشرح..” (تث 1: 5).. ” وأخذنا في ذلك الوقت من يد ملكي الأموريين الأرض التي في عبر الأردن من وادي أرنون إلى جبل حرمون” (تث 3: 18) وجاء في سفر العدد ” وارتحل بنو إسرائيل ونزلوا في عربات موآب في عبر أريحا” (عد 22: 1).. ” هذه هي الوصايا والأحكام التي أوصى بها الرب إلى بني إسرائيل عن يد موسى في عربات موآب على أردن أريحا” (عد 36: 13) والحقيقة أن عبارة ” عبر الأردن “يمكن أن تطلق على الضفتين سواء الشرقية أو الغربية بحسب موقع المتكلم، ويقول ” رافين “Raven أن تعبير ” عبر الأردن “يمكن أن يستخدمه (الكاتب) إذا كان في الضفة الغربية مشيرًا بذلك للضفة الشرقية أو العكس، أي يمكن لموسى أن يستخدمه وهو في الضفة الشرقية مشيرًا للضفة الغربية.

ويقول القمص تادرس يعقوب في قوله (عبر الأردن) قاصدًا (شرقي الأردن) لا يعنى بالضرورة أن الكاتب موجود في غرب الأردن حتى يعبر عن شرق الأردن هكذا، إنما هو اصطلاح كان جاريًا منذ القديم عن تسمية خاصة بـ”شرق الأردن”ولا زال هذا الاصطلاح مستخدمًا في عصرنا هذا.. وردت هذه العبارة 18 مرة في التثنية ويشوع للتعبير عن جانب من الأردن أو الجانب الآخر أو كل دائرة الأردن، وهي تعنى في 12 مرة منها الجانب الشرقي وفي الست الأخرى الجانب الغربي، وتضاف بعض التوضيحات لتحدد الجانب المقصود(1).

ومن الآيات التي وردت فيها عبارة ” عبر الأردن ” وتشير للضفة الغربية التي لم يعبرها موسى ” حتى يريح الرب أخوتكم مثلكم ويمتلكوا هم أيضًا الأرض التي الرب إلهكم يعطيكم في عبر الأردن” (تث 3: 20) وتضرع موسى لله قائلًا ” دعني أعبر وأرى الأرض الجيدة التي في عبر الأردن هذا الجبل الجيد ولبنان” (تث 3: 25).. ” ولما سمع جميع الملوك الذي في عبر الأردن في الجبل وفي السهل وفي كل ساحل البحر الكبير إلى جهة لبنان الحثيون والأموريون والكنعانيون والفرزيون والحويون واليبوسيون” (يش 9: 1) ومن المعروف أن هذه الشعوب كانت تعيش في الضفة الغربية التي لم يعبر إليها موسى.

وقد ألقى موسى خطابه في ” عربات موآب ” وكلمة ” عربة ” كلمة عبرية معناها ” الفقر”، وعربات موآب أي ” سهل موآب “حيث منطقة رعى غير مأهولة كان قد حط فيها بنو إسرائيل في السنة الأربعين لخروجهم من أرض مصر بعد رحلة طويلة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ويقصد بعربات موآب المنطقة المنخفضة من البحر الأحمر إلى شمال البحر الميت (تث 1: 1) أو الأرض المحيطة بالبحر الميت وبحر الجليل وفي (حز 47: 8) قصد بها شمال البحر الميت إلى خليج العقبة وطولها مائة ميل.

والمقصود بـ”عبر أريحا” أو “أردن أريحا” أي الجزء من النهر الذي تقع عليه مدينة أريحا، فهم حطوا شرقًا، وكانت مدينة أريحا غرب الأردن من أول المدن التي قصدها بنو إسرائيل بعد عبورهم إلى الضفة الغربية.

د- لايش- دان: أطلق كاتب التوراة على مدينة ” لايش” (قض 18: 7) مدينة ” دان” (تك 14: 14، تث 34: 1) مع أن هذه المدينة لم تعرف باسم دان إلا بعد نصرة بنى دان عليها بعد عصر موسى (قض 18: 19).

تعليق:

كان هناك مدينتان باسم دان، الأولى ورد ذكرها في سفر التكوين، والثانية في سفر التثنية والقضاة، فجاء في سفر التكوين ” فلما سمع ابرام أن أخاه سبى جر غلمانه المتمرنين ولدان بيته تلث مئة وثمانية عشر وتبعهم إلى دان” (تك 14: 14) ودان هذه غير دان التي كان اسمها لايس وأقدم منها، وتقع بالقرب من مخارج الأردن ومعناها ” قضاء “والدليل على ذلك أن اسم ” الأردن “مؤلف من كلمتين ” الأرو “ومعناها نهر،و ” دان “ومعناها ” قضاء “. أما ما جاء في سفر التثنية ” وصعد موسى من عربات موآب إلى جبل نبو إلى رأس الفسجة التي قبالة أريحا بآراه الرب جميع الأرض من جلعاد إلى دان” (تث 34: 1) فدان هذه كان يدعى اسمها أولًا ” لشم “أو ” لايس “وتقع شمال فلسطين قرب منابع الأردن، ومن المعروف أن الإصحاح الأخير من سفر التثنية كتبه يشوع بن نون بعد موت موسى ولكنه ضم إلى سفر التثنية ليكون ختامًا لفترة موسى رئيس الأنبياء، ولذلك دعاها باسمها الجديد دان، وجاء في سفر يشوع “وخرج تخم بقى دان منهم وصعد بنو دان وحاربوا لشم (لايش) وأخذوها وضربوها بحد السيف وملكوها وسكنوها ودعوا لشم دان كاسم دان أبيهم” (يش 19: 47) وهذا ما أكده سفر القضاة ” ودعوا اسم المدينة دان باسم دان أبيهم الذي ولد لإسرائيل ولكن اسم المدينة أولًا لايش” (قض 18: 29).

وقال رافين Raven أنه ليس من الضروري أن تكون دان المذكورة في (تك 14: 14) هي لايش، إنما قد تكون مدينة أخرى حملت اسم دان. أما ما كتب في (تث 34: 1) فجاء لاحق لعصر موسى، لقد كتب هذا الإصحاح يشوع بن نون تلميذ موسى.

ويقول المرحوم نجيب جرجس ” دان بمعنى ” قاض “وربما تكون قد دعيت هكذا لاجتماع القضاة فيها للقضاء، وهنا رأيان بخصوصها، ففريق يرى أنها نفس مدينة (دان) التي دعاها الدانيون باسم أبيهم وكانت تدعى أولًا (لشم) أو (لايش) (يش 19: 47، قض 18: 27-29) وتقع شمال فلسطين قرب منابع الأردن، وفي هذه الحالة يكون موسى قد كتبها باسم ” لايش”، ويكون عزرا قد كتبها بإرشاد من الله باسمها الجديد (دان) لتكون معروفة للناس. أما الرأي الثاني وهو الأرجح فهو أن (دان) المذكورة هنا مدينة أخرى خلاف دان التي سكنها الدانيون وكانت بالقرب من مخارج الأردن أيضًا(2).

ه- حووث يائير: قال كاتب التوراة ” يائير ابن منسى أخذ كل كورة أرحوب إلى تخم الجشوريين والمعكيين ودعاها على اسمه باشان حووت يائير إلى هذا اليوم” (تث 3: 14) وأسم ” حووث يائير “جاء متأخرًا بعد موت موسى كما هو واضح من سفر القضاة (قض 10: 4).

تعليق:

يقول القمص تادرس يعقوب ” يرى البعض أن يائير هذا ربما يكون من نسل يائير المذكور في سفر العدد (32: 41)(3). وجاء في سفر العدد ” فأعطى موسى جلعاد لماكير بن منسى فسكن فيها. وذهب يائير ابن منسى وأخذ مزارعها ودعاهن حووت يائير” (عد 32: 40،41) ويائير هذا هو يائير بن سجوب بن حصرون من سبط يهوذا، ونسب إلى منسى لأنه تزوج من امرأة من نسل ماكير بن منسى، وكان يائير هذا من زمن موسى قد تشجع وفتح ستين مدينة شرقي الأردن ومن بينها عدد من المدن في جلعاد، وقد دعاها وقتئذ ” حووث يائير ” وجاء في سفر يشوع ” وأعطى موسى لنصف سبط منسى. وكان تخمهم من محنايم كل ياشان كل مملكة عوج ملك باشان وكل حووث يائير التي في باشان سنين مدينة” (يش 13: 29،30) وحووث أي قرى، وباشان أي أرض مستوية أن ممهدة، فحووث يائير أي قرى يائير، وباشان حووث يائير أي الأرض المستوية لقرى يائير أو قرى يائير المستوية.

أما ما جاء في سفر القضاة ” يائير الجلعادي (أحد القضاة).. كان له ثلاثون ولدًا يركبون على ثلاثين جحشًا ولهم ثلاثون مدينة، منهم يدعونها حووث يائير إلى هذا اليوم، هي في أرض جلعاد” (قض 10: 3،4) وحووث يائير المذكورة هنا قد تكون ثلاثين مدينة غير التي كانت في أيام موسى النبي، ودعاها أولاد يائير القاضى باسم أبيهم تمثلًا بيائير القديم. وقد تكون الثلاثين مدينة المذكورة هنا في سفر القضاة من بين المدن الستين القديمة، وبقيت على اسمها القديم ” حووث يائير “ووهبها يائير الجلعادي القاضي لأولاده وهذا هو الأرجح(4).

و- أرض العبرانيين: قال كاتب التوراة على لسان يوسف الصديق ” لأني قد سرقت من أرض العبرانيين” (تك 40: 15) فقالوا أن العبرانيين لم يكونوا قد امتلكوا الأرض في عصر موسى إنما امتلكوها بعد هذا، وهذا دليل على أن كاتب التوراة ليس هو موسى.

تعليق: ما معنى كلمة “عبراني”؟ تعنى انه غير مستقر في مكان معين، بل هو عابر من مكان إلى آخر، ولذلك دعى إبراهيم بـ”عابر”، فإبراهيم عاش كعابر أي غريب عن هذه الأرض ” فأتى من نجا ابرآم العبراني” (تك 14: 13) وقال الرب لإسحق “تغرب في هذه الأرض. فأكون معك وأباركك” (تك 26: 3) وقال يعقوب لشمعون ولاوى ” كدرتماني بتكريهكما إياي عند سكان الأرض الكنعانيين والفرزيين” (تك 34: 30) ودعت امرأة فوطيفار يوسف العبراني ” أنظروا. قد جاء إلينا برجل عبراني ليداعبنا.. ودخل إلى العبد العبراني الذي جئت به إلينا لداعبني” (تك 39: 14،17).

وقد دعى إبراهيم عبراني نسبة إلى عابر أحد أجداده، أو لأنه جاء إلى أرض كنعان عابرًا نهر الفرات، وكلمة ” عبراني “قد تكون من ” العبيرو “أو ” الخابيرو “والتي وجدت مكتوبة على الآثار المصرية ومعناها البدو أو الرحل (نجيب جرجس- تفسير سفر التكوين ص 157) وفي جميع الأحوال يتضح أن كلمة عبراني كانت معروفة من قبل، وبالتالي أرض العبرانيين أي الأرض التي عاش فيها الآباء البطاركة الأولين، وكان لهم فيها شأنًا عظيمًا، فإبراهيم قال عنه وكيل بيته ” الرب قد بارك مولاي جدًا فصار عظيمًا. وأعطاه غنمًا وبقرًا وفضة وذهبًا وعبيدًا وإماء وجمالًا وحميرًا” (تك 34: 35) وقيل عن إسحق ” وزرع في تلك الأرض فأصاب في تلك السنة مئة ضعف وباركه الرب. فتعاظم الرجل وكان يتزايد في التعاظم حتى صار عظيمًا جدًا” (تك 26: 12،13) وكان ليعقوب وبنيه رهبة لدى سكان كنعان ” ثم رحلوا، وكان خوف الله على المدن التي حولهم” (تك 35: 5).

_____

(1) شرح سفر التثنية ص 45.

(2) تفسير سفر التكوين ص 155، 156.

(3) تفسير سفر القضاة ص 100.

(4) نجيب جرجس- تفسير سفر القضاة ص 155.