سؤال وجواب

نظرة أصحاب لاهوت التحرر إلى معجزات الله في العهد الجديد

نظرة أصحاب لاهوت التحرر إلى معجزات الله في العهد الجديد

نظرة أصحاب لاهوت التحرر إلى معجزات الله في العهد الجديد

نظرة أصحاب لاهوت التحرر إلى معجزات الله في العهد الجديد
نظرة أصحاب لاهوت التحرر إلى معجزات الله في العهد الجديد

 

72- كيف نظر أصحاب مدرسة النقد الأعلى وأتباعهم من أصحاب لاهوت التحرُّر إلى معجزات الله في العهد الجديد؟

ج: يُعتبر ” هيرمان ريماروس ” Herman S. Reimarus (1694 – 1778م) أول من بدأ النقد العالي للعهد الجديد، ففي كتابه Fragments سنة 1778م أنكر المعجزات، بل وتطاول على كتَّاب العهد الجديد قائلًا أنهم يثبتون بما أوردوه من قصص المعجزات أنهم ” مزورون أتقياء”(1).

وقد قسَّم أصحاب لاهوت التحرُّر المعجزات التي أجراها السيد المسيح إلى أربعة أقسام هي(2):

1- معجزات الشفاء.. كيف تمت..؟ استطاع يسوع عن طريق بصيرته الدينية القوية وعمقه الروحي أن يُشخّص المرض ويعطيه العلاج وكأنه من أطباء العصر الحديث.

2- معجزات مثل مشي يسوع فوق المياه تدخل في نطاق الإدراك الحسي الخاطئ للتلاميذ.

3- معجزات جاءت من نسج الخيال، فهي وليدة الخيال الديني المسيحي ولكنها لم تحدث حقيقة.

4- معجزات لا تحمل عنصر الإعجاز بالمعنى المفهوم.

إذًا حاول أصحاب لاهوت التحرُّر اختزال المعجزات في حياة السيد المسيح لتصبح أمرًا ثانويًا يدخل تحت الإدراك الحسي الخاطئ أو أنها من نسج الخيال، وقال ” أدولف هارناك ” Adolf Harnak.. ” أن قصص المعجزات الواردة في الأناجيل تعكس خيالات عالم بدائي، أكثر من كونها حقائق تاريخية”(3)(11).

ولا يصدق ” هيرمان ريدربوس ” الميلاد العذراوي للسيد المسيح، ولا أزلية المسيح، ولا حتى خلود الإنسان فيقول ” من غير المقنع بالنسبة للفكر الحديث إمكانية قيام إنسان من الموت وأن يعود طبيعيًا مرة أخرى، لأن المفكر الحديث تعلَّم أن يفهم جيدًا نظام الجسد البشري.. لن يقتنع بما يسمعه من أعمال الفداء، لأن هذه تتعامل مع الإنسان وهو حقيقة طبيعية في عالم طبيعي وداخل منظومة كونية طبيعية. ومشابه لذلك الحبل بالمسيح، ووجوده السماوي السابق، ونقل الإنسان إلى عالم من النور حيث يلبس جسدًا سماويًا، هذه الأمور ليست فقط غير قابلة للتحقق من مصداقيتها..”(4)(5).

ويرى ” ف. بوركت ” في معجزة الخمس خبزات والسمكتين أن الذي كان معه طعامًا أعطى من لم يكن معه، فأكلوا جميعًا وشبعوا، ويقول في كتاب “يسوع المسيح”.. “أعترف بأنني لا أجد سبيلًا لفهم موضوع إشباع الخمسة آلف إلاَّ بالمنطق الصريح.. الحل الوحيد الذي يروق لي هو أن يسوع أخبر تلاميذه أن يوزعوا مخزونهم الضئيل، وكان تصرفهم هذا داعيًا لأن يوزع من يمتلك طعامًا مما عنده على من لا يحوز شيئًا”(6)(7) .

وقال البعض أن الزوجات هن اللاتي أعددن الطعام لأزواجهن المزمعون أن يصعدوا للجبل لسماع عظة السيد المسيح، ويستنكر الشيخ رأفت زكي هذا الموقف الذي ينادي به بعض القسوس البروتستانت قائلًا ” يقف قسيس (هكذا يُطلق عليه) على المنبر في إحدى المؤتمرات ليطعن الكتاب المقدَّس في مصداقيته، فمثلًا يقول {أن معجزة السمكة والخبز مجرد خرافة من خيال التلاميذ، فمعروف أن الجموع ستتوجه إلى الجبل لسماع يسوع، وأعدّت كل زوجة لزوجها غذاءه في منديل، ولما فرغ المعلم من خطابه أمر التلاميذ أن يجلسوهم ليأكلوا ففتح كلٍ منديله وأخذ يأكل من الطعام الذي سبق وصرته له زوجته}”(8).

وقال البعض أن معجزات السيد المسيح تمت بالإيحاء.

ج: 1- سجلت الأناجيل خمسًا وثلاثين معجزة من المعجزات التي أجراها السيد المسيح، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. والتي تُظهر سلطانه على الأمراض مهما كانت شدتها وخطورتها، وسلطانه على الأرواح لإعادتها للأجساد التي فارقتها، وسلطانه على الأسماك والنباتات، وسلطانه على الطبيعة، كما تُظهر هذه المعجزات أنه الله الخالق(9).

2- الذين يقولون أن السيد المسيح شخَّص المرض ببصيرته الدينية القوية وعمقه الروحي، وأعطى العلاج وكأنه من أطباء العصر الحديث.. ليقولوا لنا أي طبيب في العصر الحديث، مهما وصل من تقدم علمي يقدر أن يمنح الشفاء في لمح البصر؟!

مَن من أطباء العصر يقدر أن يبرئ الأبرص بلمسة واحدة ” فمدَّ يسوع يده ولمسه قائلًا أريد فأطهر وللوقت طهر من برصه” (مت 8: 3).

مَن من أطباء اليوم يستطيع أن يعالج رجل مشلول منذ ثمان وثلاثين عامًا بكلمة واحدة ” قم ” ويتم الشفاء في لمح البصر.. ينهض المشلول بل يحمل سريره ويمشي ” قال له يسوع قُم. أحمل سريرك وأمشِ. فحالًا برئ الإنسان وحمل سريره ومشى” (يو 5: 8، 9)..؟!! أين الأدوية والعلاج الذي ظن أصحاب النقد أن يسوع أعطاه للمريض؟!! وأين جلسات العلاج الطبيعي التي من المفروض أن تمتد إلى أسابيع وشهور؟!.

مَن من أطباء العصر الحديث يقدر أن يهب البصر للمولود أعمى..؟! أي طبيب يقدر أن يخلق له عينين..؟! وأي طبيب يقدر أن يفعل هذا بطين الأرض؟!! ” قال هذا وتفل على الأرض وصنع من التفل طينًا وطلى بالطين عيني الأعمى. وقال له أذهب أغتسل في بركة سلوام. فمضى وأغتسل وأتى بصيرًا” (يو 9: 6، 7).0 أليس من المفروض أن الطين يزول بالماء؟! فكيف يثبت بل ويتحوَّل إلى أنسجة حية؟!!

3- الذين يقولون أن بعض معجزات السيد المسيح مثل المشي على الماء تدخل في إطار الإدراك الحسي الخاطئ للتلاميذ.. ليقولوا لنا هل التلاميذ جميعًا بدون استثناء اختل إحساسهم إلى هذه الدرجة، فتصوَّرا أن السيد المسيح أقبل إليهم ماشيًا على الماء وهذا لم يحدث؟!

وهل هؤلاء الرجال جميعًا بعد أن اختل إدراكهم اتفقوا على حقائق معينة مثل:

أ – تحديد الوقت الذي جاء فيه ” وفي الهزيع الرابع من الليل مضى إليهم يسوع ماشيًا على البحر” (مت 14: 25).

ب- انزعاجهم بمجرد رؤيته لأنهم ظنوا أنهم رأوا خيالًا فصرخوا ” فلما أبصره التلاميذ ماشيًا على البحر اضطربوا قائلين أنه خيال. ومن الخوف صرخوا” (مت 14: 26).

جـ- وهل بطرس الذي نزل من السفينة، وسار على الماء، وعندما شك بدأ يغرق فصرخ ” يا رب نجني. ففي الحال مدَّ يسوع يده وأمسك به وقال له يا قليل الإيمان لماذا شككت” (مت 14: 30، 31).. هل كل هذا من وحي الخيال؟!

د – سجود الذين كانوا في السفينة للسيد المسيح واعترافهم بلاهوته ” قائلين بالحقيقة أنت ابن الله” (مت 14: 33) وهل القديس متى الإنجيلي الذي عاش هذا الحدث وسجله له كان فاقد الإدراك أيضًا؟!!

4- الذين يقولون أن بعض معجزات السيد المسيح جاءت من نسج الخيال.. ليقولوا لنا ما رأيهم في شهود العيان لهذه المعجزات الباهرات..؟! أنظر إلى معجزة تحويل الماء إلى خمر ممتاز في عرس قانا الجليل.. ألم يذق هذا الخمر المدعوين مع رئيس المتكأ ” فلما ذاق رئيس المتكأ الماء المتحوّل خمرًا ولم يكن يعلم من أين هي.. دعى رئيس المتكأ العريس وقال له. كل إنسان إنما يصنع الخمر الجيدة أولًا ومتى سكروا فحينئذ الدون. أما أنت فقد أبقيت الخمر الجيدة إلى الآن” (يو 2: 9، 10)؟!!.

مئات اليهود الذين شاهدوا لعازر الميت وقد قام من بين الأموات بنداء فريد من رب المجد عندما ” صرخ بصوتٍ عظيم لعازر هلمَّ خارجًا. فخرج الميت ويداه ورجلاه مربوطات بأقمطة ووجهه ملفوف بمنديل” (يو 11: 43، 44).. وما ترتب على هذه المعجزة العظيمة ” فعلم جمع كثير من اليهود أنه هناك فجاءوا ليس لأجل يسوع فقط بل لينظروا أيضًا لعازر الذي أقامه من الأموات. فتشاور رؤساء الكهنة ليقتلوا لعازر أيضًا. لأن كثيرين من اليهود كانوا بسببه يذهبون ويؤمنون بيسوع” (يو 12: 9 – 10).. هل كل هذا من نسج الخيال؟!!.

5- الذين قالوا أن السيد المسيح صنع معجزات خيالية من عنصر الإعجاز بالمعنى المفهوم.. ليدلونا على معجزة واحدة من الخمس والثلاثين معجزة التي سجلتها الأناجيل تنطبق عليها ما يدَّعون..؟!! عبثًا يحاولون تضليل عدالة السماء التي تقف لهم بالمرصاد، وإن كانت تطيل أناتها عليهم، لكنهم لن يفلتوا من قبضتها قط.

6- قول ” هارناك ” أن قصص المعجزات الواردة في الأناجيل تعكس خيالات عالم بدائي أكثر من كونها حقائق تاريخية.. قول يتعارض مع المنطق والعقل لأن هذه المعجزات التي أجراها السيد المسيح والتلاميذ لم يسجلها كاتب واحد، بل سجلها أناس قديسون مسوقين من الروح القدس، ومعصومين من الخطأ أثناء تسجيلهم لهذه الأحداث، وهم متى ومرقس ولوقا ويوحنا.. كلٍ منهم على مستوٍ عالٍ من الكفاءة، فمتى كان عشارًا تعود على وزن الأمور بالأرقام، ولوقا كان طبيبًا بارعًا يقدر أن يحكم حكمًا صائبًا دقيقًا في تشخيص المرض وإتمام المعجزة، ولاسيما أنه كان شاهد عيان للمعجزات العظيمة التي صنعها بولس الرسول.

7- أنكر ” هيرمان ريدريوس ” الميلاد العذراوي، متغافلًا نبوة إشعياء النبي التي نطق بها بوحي الروح القدس قبل ميلاد السيد المسيح من العذراء مريم بنحو سبعمائة عام، عندما قال ” ولكن يعطيكم السيد نفسه آيةً. ها العذراء تحبل وتلد إبنًا وتدعو أسمه عمانوئيل” (أش 7: 14).. عجبًا أن غير المسيحيين يؤمنون بالميلاد العذراوي، ومن يدَّعون أنهم مسيحيون ينكرونه..!! جاء في القرآن أن مريم العذراء ” قالت آني يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولك أكُ بغيًا. قال كذلك قال ربك هو عليَّ هينٌ ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرًا مقضيًا” (سورة مريم 20، 21) أما الذين ينكرون أزلية المسيح فإنهم ينكرون الشمس في رابعة النهار(10) والذين ينكرون خلود الإنسان إنما يساوونه ببهائم الأرض.

8- الذين ينكرون معجزة الخلق التي أجراها السيد المسيح عندما أشبع الخمسة آلاف رجل ماعدا النسوة والأولاد من خمس خبزات وسمكتين، وهم يتوهمون أن السيد المسيح أمر تلاميذه بأن يجودوا بما عندهم، وتمثلت بهم البقية. أو أن كل رجل أحضر غذاءه معه.. فليقولوا لنا من أين أتوا بهذه الأوهام..؟! ما هي أسانيدهم وما هي حججهم..؟! ومن أين جاءت الاثني عشرة قفة المملوءة بالكسر..؟! وهل كل هؤلاء الألوف توقعوا أنهم سيمكثون مع السيد المسيح ثلاثة أيام فأعدوا العدة لهذه الرحلة. أم أن زوجاتهم تحولنَ إلى نبيات علمنَ بأن المدة ستطول فأعطوا أزواجهنَّ طعامهم كلٌ في منديله..؟!! وهل الطعام الذي حمله هؤلاء الآلاف من الرجال كان مؤونة يوم واحد أم ثلاثة أيام..؟! ولو كان معهم هذا الطعام فلماذا ظلوا ثلاثة أيام لا يأكلون..؟! وإن كان هؤلاء النقاد يؤمنون أن السيد المسيح هو الله المتجسد خالق كل شيء وضابط كل شيء، فلماذا يستكثرون عليه هذه المعجزات..؟!! الأمر العجيب أن غير المسيحيين يؤمنون بمعجزات السيد المسيح ” إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرًا بإذن الله وأُبرئ الأكمة والأبرص وأُحي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين” (سورة آل عمران 49) بينما الذين يدَّعون أنهم مسيحيون ينكرون هذه المعجزات!!!

9- الذين يقولون أن معجزات السيد المسيح تمت بالإيحاء.. فليقولوا لنا هل الإيحاء يجدي مع إنسان مجنون فقد قدرته على التفكير الصحيح ..؟!

وهل الإيحاء يجدي من مريض غائب مثل ابن خادم الملك (يو 4: 5) وابنة الكنعانية (مر 7: 9) التي لم تحضر للسيد المسيح، ولم تسمع منه، إنما برئت إثر كلمة نطق بها..؟!

وهل الإيحاء يجدي من إنسان قد مات وتعطلت حواسه..؟! هل هذا الإيحاء قادر أن يقيمه من الموت حتى لو أنتن؟!

وهل يجدي الإيحاء مع الرياح التي يأمرها فتهدأ، وأمواج البحر التي يأمرها فتسكن؟!

وهل الإيحاء يجدي مع الأسماك، وشجرة التين؟!

وهل الإيحاء يخلق خبزًا وسمكًا، ويخلق عينين للمولود أعمى؟!

وكيف يفسرون لنا المعجزات التي تمت بمجرد الإرادة وبدون كلمة واحدة، كما حدث في تحويل الماء إلى خمر؟!!

وهل الإيحاء يصلح مع جميع الناس بنفسياتهم المختلفة؟

_____

(1) ايريل كيرنز – المسيحية عبر العصور ص 487.

(2) راجع القس أندريه زكي – المسيح والنقد الكتابي ص 12، 13.

(3) Adolf Harnak , What is christianity ? Trans. Thomas Beiley Saunders, New York: Harper , 1957 P.19.

(4) Ridderbos B , 18.

(5) أورده جوش مكدويل في كتابه برهان يتطلب قرارًا ص 328.

(6) Burkitt , JC , 32.

(7) أورده جوش مكدويل في كتابه برهان يتطلب قرارًا ص 329.

(8) مقال عن لجنة الكرازة المشتركة.

(9) راجع دائرة المعارف جـ 5 ص 196، 197.

(10) راجع كتابنا: أسئلة حول 5 – ألوهية المسيح.

(11) القس أندريه زكي في كتابه المسيح والنقد التاريخي ص 14.

نظرة أصحاب لاهوت التحرر إلى معجزات الله في العهد الجديد