سؤال وجواب

قصة الخلق على لسان موسى النبي

قصة الخلق على لسان موسى النبي

قصة الخلق على لسان موسى النبي

قصة الخلق على لسان موسى النبي
قصة الخلق على لسان موسى النبي

 

 164- عندما ذكر الوحي قصة الخلق على لسان موسى النبي لماذا لم يخاطبنا بلغة العلم الحديث؟

ج: قد يظن البعض أن هناك خصومة بين العلم والدين، لأن العلم يخاطب العقل بينما الدين يخاطب العاطفة، ولكن الحقيقة أن العلم الصحيح يتناسق مع الدين الصحيح، لأن كليهما من الله، والإيمان يأخذ بيد العقل القاصر ويحلق به في سماء الروح، فالعلم هو نعمة إلهيَّة أنعم بها الله على الإنسان من أجل التيسيّر عليه وتسهيل أمور الحياة، فالعلم وليد العقل، والعقل عطية الله للإنسان، لأن الله خلق الإنسان عاقلًا على صورته.

وهناك مئات الآيات الكتابية تحدثنا عن تطويب المعرفة وتشجعنا على تحصيل العلم الصحيح – وليس العلم الكاذب الذي ينفخ – ولذلك وجد العلماء مددًا وتشجيعًا من مثل هذه الآيات ” السموات تُحدث بمجد الله والفلك يخبر بعمل يديه. يوم إلى يوم يذيع كلامًا وليل إلى ليل يبدي علمًا” (مز 19: 1، 2).

أما عن كون الكتاب المقدَّس لم يخاطبنا بلغة العلم الحديث، ولم يستعمل المصطلحات العلمية، فذلك للأسباب الآتية:

1- لم يُكتَب الكتاب المقدَّس للعلماء فقط، إنما كُتب لكل البشرية في كل زمان وكل مكان، ولذلك جاء بأسلوب بسيط يدركه كل إنسان، ويفرح به البسيط والعالِم، ويعيش به كل السائرين في دروب الملكوت.

2- العلم يتغيَّر ولغته تتبدل ومفرداته ومصطلحاته لا تثبت على حال، فما كنا نعتبره بالأمس من الثوابت العلمية، ربما يعتبر اليوم من الجهالات، وقال ” بيتر ” و. ستونر”.. ” وضع أي نظرية هو المساعدة على ترتيب الحقائق في ذهن الدارس، وتمكين العالِم أو المهندس من التنبؤ بالحوادث المرتبة على سلوك معين، وحين تُكتَشف حقائق جديدة فإنه يُعاد النظر في هذه النظرية، حتى تغطي هذه الحقائق الجديدة، أو تُستبدَل بنظرية جديدة، وهذه التغيُّرات المستمرة في النظريات لا تضايق العلماء لأنها دائمًا تقود في النهاية إلى النظرية الصحيحة”(1).

فلو صيغ الكتاب المقدَّس بأسلوب علمي لوجب إعادة صياغته مرة على الأقل في كل جيل، لأن العلم لا يثبت على حال، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ففي الماضي مثلًا كانوا يقولون أن المادة لا تُفنى ولا تستحدث ولا تُخلق من عدم، أما اليوم فالعلم يقول أن هناك إمكانية في تحوُّل المادة إلى نشاط إشعاعي أو إلى أي صورة من صور الطاقة مثل الضوء أو الحرارة..

في الماضي كان العلم يقول أن الذرة أصغر وحدة بنائية للمادة وأنها مصمتة، أما اليوم فالعلم يقول أن الذرات تشمل إلكترونيات وبروتونات ونيوترونات، كما أن معظم حجم الذرة فراغ، فهي ليست مصمتة كما كانوا يتصوَّرون..

في الماضي كان العلم يخبرنا باستحالة انقسام أو انشطار الذرة، أما اليوم فقد علمنا أن الذرة قابلة للانشطار في العناصر ذات النشاط الإشعاعي، وأيضًا يمكن شطر الذرة في المفاعل الذري لنستخدم الطاقة الهائلة الناتجة من الانشطار في الوسائل السلمية مثل توليد الكهرباء أو الوسائل الحربية مثل تصنيع القنابل الذرية، وبعد أن ظلت كلمات الكتاب المقدَّس عن انحلال العناصر موضع هجوم شديد ” وتنحل العناصر محترقة.. فبما أن هذه تنحل” (2 بط 3: 10، 11)

عرف الإنسان الحقيقة التي أخبر بها الكتاب المقدَّس منذ عشرين قرنًا خلت، وحقًا قال مستر “هاري ريمار” Harry Rimmer في كتابه “الانسجام بين العلم والكتاب” أن مكتبة اللوفر بباريس تحتوي على ثلاثة أميال ونصف من صفوف كتب العلم التي بطل استعمالها، وأي كتاب عن الفلك مضى عليه خمسون عامًا صار ضئيل الفائدة جدًا(2).

3- مع أن الكتاب المقدَّس ليس بكتاب علم، إلاَّ أنه خالٍ من أية أخطاء علمية، لأنه كُتب بإرشاد روح الله القدوس، ويقول نيافة المتنيح الأنبا غريغوريوس ” إن الكتاب المقدَّس ليس كتاب علمٍ إنما هو كتاب دين، هدفه توجيه الإنسان إلى خالقه، وتعريفه بالحق الإلهي، وبالغاية من وجوده، يُعرّفه بمصيره الأبدي، وبما يجب أن يصنعه من الخير حتى يحيا سعيدًا في الدارين ويحقق هدف الخالق من وجوده.

ومع ذلك تناول عَرَضًا معلومات فلكية عامة غاية في الأهمية، كلها حق، وكلها صدق، لا من أجل معرفتها في ذاتها بل من أجل بيان جلال الإله الذي خلق هذا الكون غاية في الكمال”(3).. الله يُعلن ذاته لكل البشرية من خلال كتابه المقدَّس.

4- تُرى لو كُتِب الكتاب المقدَّس بلغة القرن الواحد والعشرين العلمية.. من كان يفهمه في القرون الماضية..؟! يقول ” أ. ف. كيفين ” E. F. Kevan ” لو سُجل ما كُتِب عن الخليقة بالاصطلاحات العلمية للقرن العشرين لظل أمرًا غير مفهوم للجميع حتى وقتنا هذا، وحتى الآن ما كان في الإمكان أن يفهمه إلاَّ الذين درسوا العلوم. أضف إلى هذا إنه لو كُتب بحيث يتفق مع الآراء العلمية في عصرنا، فمن المؤكد أنه سيصبح باليًا وغير صحيح بعد قرن من الزمان.

إن ما ذكره سفر التكوين عن الخليقة لم يوضع في قالب علمي، وهذا أحد الأدلة الجوهرية على أنه مُوحى به من الله. وقد يتساءل البعض إن كانت الكتابة علمية في مادتها وإن لم تكن علمية في دقتها، فأجيب: كم من المرات تسرَّع البشر في الحكم على ما كُتِب في الكتاب المقدَّس بأنه خطأ من الناحية العلمية، وكم من صراع نشأ بين النتائج العلمية غير الكاملة وبين المعاني العلمية التي تصوُّروا أن الكتاب يتضمنها، لكن البحث أظهر غالبًا النتائج العلمية أو عدم فهم الاصطلاحات العلمية المذكورة في الكتاب المقدَّس على حقيقتها”(4).

_____

(1) ترجمة أنيس إبراهيم – العلم يشهد ص 32.

(2) راجع برسوم ميخائيل – حقائق كتابية جـ 1 ص 8، 9.

(3) مقالات في الكتاب المقدَّس جـ1 ص 112.

(4) تفسير الكتاب المقدَّس – مركز المطبوعات المسيحية جـ 1 ص 143.

قصة الخلق على لسان موسى النبي