سؤال وجواب

هل يمكن إلقاء الضوء على نشأة داروين، ورحلته، ومؤلفاته؟

222

هل يمكن إلقاء الضوء على نشأة داروين، ورحلته، ومؤلفاته؟

هل يمكن إلقاء الضوء على نشأة داروين، ورحلته، ومؤلفاته؟
هل يمكن إلقاء الضوء على نشأة داروين، ورحلته، ومؤلفاته؟

ثانيا: داروين (1809 – 1882م) والانتخاب الطبيعي

ج: ولد شارلز روبرت داروين Charles Robert Darwin في 12 فبراير 1809م من أب طبيب وأم من أسرة غنية، فهو الابن الثاني من الزوجة الثانية ” سوزان ودجوود ” Syzan Wedgewood التي كانت تشجعه على البحث رغم أنها توفيت وهو في الثامنة من عمره، وفي أحد الأيام كانت قد أعطته زهرة وأخبرته أنه يستطيع أن يعرف صفة النبات بالنظر إلى داخله، وكان جده دكتور ” أراسموس داروين ” Erasmus Darwin الطبيب المشهور يؤيد أفكار التطور التي إعتنقها ” دي ميل ” De Mille والتي تعتبر مقدمة لظهور مذهب ” دي لامارك ” وقد أصدر د. أراسموس داروين كتابا بعنوان ” أسماء الحيوانات”.

أمضى شارلز سبع سنوات في مدرسة ” شروزبوي ” حيث إقتصر التعلم على الحفظ عن ظهر قلب فكره الدراسة، واتهمه مدرسوه بأنه بليد الذهن، فانصرف إلى الرياضة واقتناص الفئران، وكان شارلز داروين شغوفا بإجراء التجارب الكيميائية مع شقيقه الأكبر حتى أطلق عليه زملاؤه لقب ” السيد غاز ” Mr. Gas كما كان شغوفا بالأدب ولاسيما بكتابات ” شكسبير” و”والترسكوت ” و” بيرون ” وحتى سن السادسة عشر لم يكن وضعه يبشر بنجاح، فقد كان يهوى الصيد ومطاردة الكلاب، وجمع عينات الأصداف والأحياء البحرية والحشرات والطيور، ووجد فرصته لممارسة هواياته في مزرعة أخواله.

ثم ألحقه والده مع أخيه بكلية الطب جامعة أدنبرة باسكتلندا ليخلفاه مهنة الطب، ولكن ما أن رأى شارلز غرف العمليات وجثث الموتى حتى كره الكلية.. تصادق شالز داروين مع ” كولد ستريم ” Cold Stream و” جرانت ” Grant، وقد صار الاثنان من علماء الحيوان، وتعرف أيضا شارلز على عالم الطيور ” ماك جلفاري ” Mac Galvery، و” أوزوبون ” Ozobun الذي كان مغرما بدراسة الطيور، وكان يرسمها في صورها المختلفة، وبعد سنتين أرسله والده إلى كامبريدج Cambridge في أكتوبر 1827م ليدرس اللاهوت، ويحصل على مؤهلا يؤهله لأن يكون أحد رجال الدين، وبعد ثلاث سنوات حصل شارلز على المؤهل إكراما لوالده، بينما لم يكف عن ممارسة هوايته المفضلة في الصيد ودراسة التاريخ الطبيعي،

وأثناء دراسته في كامبريدج التحق بشعبة النبات لحبه في الرحلات العلمية المرحة التي كان يقوم بها أستاذه المحبوب ” جون هنسلو ” وقد تصادق داروين مع عالم النباتات المشهور هذا، حتى عرف داروين بالشاب الذي يمشي مع البروفسور هنسلو، وقرأ داروين في السنة الأخيرة من دراسة اللاهوت كتاب ” إسكندر فون همبولت ” عن رحلاته لأمريكا الجنوبية خلال المدة 1799 – 1804م، فحفزه هذا على السفر والرحلات، كما قرأ كتاب ” مقدمة الفلسفة الطبيعية ” لصاحبة السير ” جون هرشل ” فحفزه على دراسة التاريخ الطبيعي وعلم طبقات الأرض.

ويرى دكتور كمال شرقاوي غزالي رئيس قسم العلوم البيولوجية والجيولوجية بكلية التربية جامعة الإسكندرية أن داروين كان عبئا على أسرته، فقد بدأ في دراسة الجيولوجيا بعد أن قرأ كتاب ” مبادئ الجيولوجية ” للجيولوجي الاسكتلندي ” تشارلز لايل ” Charles Lyell وأعجب بسهولة أسلوبه، ووصف داروين نفسه بأنه أصبح جيولوجيا، لكنه ما لبث أن سئم الجيولوجيا فتركه واصفا إياه بأنه علم فاتر وممل، وعندما التحق بكلية الطب بأدنبرة أخفق في دراسته وتركها بعد عامين، وبعد أن أمضى ثلاث سنوات في دراسة علم اللاهوت في كمبردج قال إن وقته قد ضاع هباءا وإنه معرض للضياع، فاتجه لممارسة الرياضة مع مجموعة من الشباب، ولكنه هجرها إلى الموسيقى، وعندما فشل في التمييز بين نغمة وأخرى هجرها أيضا، حتى إنه أحس أنه قد فشل في جميع الميادين(3).

رحلة داروين: زكى ” جون هنسلو ” تلميذه داروين ليصحب السفينة الحربية الصغيرة ” إتش. إم. إس. بيجل ” H. M. S. Peagle بقيادة القبطان ” متزوري ” وأقلعت السفينة من ميناء ” ديفون بورت ” يوم 27 ديسمبر 1831م إلى جنوب المحيط الأطلنطي والمحيط الهادي لمدة خمس سنوات، وهي تحمل على متنها داروين كباحث بدون راتب، وعندما رست السفينة في ميناء برايا Praia في 16 يناير 1833 رأى داروين لأول مرة أشجار التمر الهندي والموز والنخيل، ولاحظ داروين أن هناك طبقة من طبقات الأرض بيضاء ترتفع مئات الأمتار وتمتد عدة أميال، ووجد بها بعض الأصداف البحرية التي تشبه الأصداف الموجودة في بحر تلك المنطقة،

فتأكد داروين أن هذه الطبقة كانت في يوم ما غارقة في قاع البحر، وبذلك قال أن البيئة المحيطة هي في حالة تغير مستمر، وقطعت السفينة الرحلة إلى البرازيل، وداروين يجمع الحيوانات وعظامها والنباتات البحرية ويدرسها، بالإضافة إلى ما شحنه إلى إنجلترا من عظام ونماذج ليدرسها على مهل.

وعند مجاري الأنهار في الأرجنتين أكتشف حفرية الحيوان المنقرض ” توكسودون ” Toxodon الذي يصل حجمه إلى حجم الفيل، وله أسنان كأسنان الخرتيت، وأذنين وعينين وأنف كفرس البحر، فقال أن هذه إثباتات أن هذا الحيوان المنقرض كان يعيش في الماء، وعندما وصلت السفينة إلى ميناء ” تيراويل فويجو ” قرب القطب الجنوبي رأى بعض البشر الذين يسيرون عراة في مياه شديدة البرودة، فقال لا بد أن هؤلاء البشر قد ذودوا باستعداد بيولوجي لتحمل عذاب هذا الماء البارد.

وعندما وصل داروين إلى جزر جلاباجوس Galapagas الست المعزولة عن قارات العالم، والتي تقع على بعد نحو 1200 كم من شواطئ الأكوادور بأمريكا الجنوبية رأى أنوعا ضخمة من السحالي يصل وزن بعضها إلى مائة كيلوجرام، فسجل في مذكراته وصفا دقيقا لتلك السحالي والطيور وفي 2 أكتوبر 1836م انتهت رحلة السفينة بيجل، وعاد داروين إلى وطنه وقد بلغ عمره سبعة وعشرون عاما(2).

كما شاهد داروين بهذه الجزر بعض النباتات القليلة، وعندما تساءل بينه وبين نفسه: كيف نبتت هذه النباتات في هذه البيئة المالحة؟ ومن أين أتت؟ ثم أخذ بعض البذور من هذه النباتات ووضعها في ماء مالح بارد ثم زرعها فوجدها تنمو طبيعيا، فعلم أن هذه البذور قد جاءت إلى هذا المكان المنقطع عن طريق أمواج المحيط، فمن السهل أن تنتشر النباتات عبر البحار بعدة طرق مختلفة، فقد تحمل الأمواج البذار أو أفرع الأشجار اليابسة المحملة بالبذار، كما ذكرنا أيضا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. 

ورغم أنها تمضي أياما طويلة في المياه المالحة ولكن عدد كبير منها يمكنه أن ينبت بعد ذلك، وأجرى داروين مع السيد ” بيركلي ” Mr. Berkley بعض التجارب فوجد 64 صنفا من إجمالي 87 صنفا يمكنها أن تنبت بعد غمرها في المياه المالحة لمدة 28 يوما، بل أن القليل منها أنبت بعد غمره في المياه المالحة لمدة 137 يوما، ولوحظ أن ثمار البندق اليانعة تغوص في المياه المالحة، بينما التي تعرضت للجفاف فإنها تستطيع أن تطفو على الأمواج لمدة 90 يوما، ثم تنبت بعد هذا..

كما أنه يمكن لبعض البذور أن تنتقل بواسطة الطيور المهاجرة، وذلك بأن تلتصق بأرجلها أو منقارها، أو قد تكون في حوصلتها وتتعرض للموت نتيجة الرحلة الشاقة، وقد لا تتعرض هذه البذار للهضم وتنزل مع زرق الطيور ويمكنها أن تنبت(1).

مؤلفات داروين: أخذ داروين يدرس الملاحظات التي دونها أثناء الرحلة، ولم يكن بعد قد إقتنع أن الكائنات الحية هي كائنات متحولة إلا بعض مضي سنتين أو ثلاث، ولم تكتمل نظرية ” نشأة الأنواع الحية ” في عقل داروين إلا سنة 1844م. ثم ظل طيلة خمسة عشر عاما يجمع الحقائق العلمية التي تؤيد نظريته قبل نشرها لأول مرة في 24 نوفبمر 1859م، وكان داروين قد نشر عدة كتب قبل هذا التاريخ، وأخرى بعد هذا التاريخ، وهي:

1- كتابا عن الجزر البركانية سنة 1844م.

2- صحيفة البحوث العلمية في رحلة بيجل سنة 1845م.

3- كتابا عن المريجيات إلى الحيوانات النباتية كالأسفنج سنة 1846م.

4- ” إخصاب الزهور ” مقال مهم سنة 1857م.

5- وسائل التخصيب المختلفة للسحلبيات بواسطة الحشرات سنة 1862م.

6- النباتات المفترسة سنة 1875م.

7- النباتات المتسلقة سنة 1875م.

8- تأثير التهجين والإخصاب الذاتي في المملكة النباتية سنة 1876م.

9- الأشكال المختلفة للزهور في النباتات التابعة كنوع واحد سنة 1877م.

10- القدرة على الحركة في النباتات سنة 1880م.

11- التعبير عن الانفعالات.

12- تكوين الفطريات بفعل الديدان.

أما أهم الكتب التي ألفها داروين وأثارت ضجة كبيرة، فهي كتاب ” أصل الأنواع ” الذي ظهرت طبعته الأولى التي تقع في 490 صفحة في 24 نوفمبر 1859م، حيث طبع منه 1250 نسخة نفذت في نفس اليوم الذي طرحت فيه، ومازال يعاد طبع الكتاب بلغات عديدة حتى اليوم، وكتاب ” نشأة الإنسان ” الذي طبع سنة 1871م.

وكان قد أصيب داروين بمرض غريب سنة 1834م في ميناء ” فلباريزو ” ورغم أنه برأ منه إلا أنه ترك آثاره على جسده، فكانت تعاوده نوبات من دورات متعاقبة من الغثيان والشعور بالألم والتعاسة، وفي سنة 1839م تزوج داروين، وفي سنة 1842 م ترك لندن إلى مقاطعة ” كنت ” حيث اشترى منزلا ومزرعة واستمر في دراساته وتأليف كتبه.

_____

(1) راجع أصل الأنواع ص 595 – 603.

(2) راجع مقدمة سمير حنا صادق لكتاب أصل الأنواع – ترجمة مجدي محمود المليجي ص 17 – 20.

(3) راجع التطور بين الضلال وممارسة حق النقد ص 20، 21، 71.

هل يمكن إلقاء الضوء على نشأة داروين، ورحلته، ومؤلفاته؟