سؤال وجواب

التوفيق بين حقيقة الخلق ونظرية التطور

التوفيق بين حقيقة الخلق ونظرية التطور

التوفيق بين حقيقة الخلق ونظرية التطور

التوفيق بين حقيقة الخلق ونظرية التطور
التوفيق بين حقيقة الخلق ونظرية التطور

233- كيف حاول البعض التوفيق بين حقيقة الخلق ونظرية التطوُّر؟

وفي ختام هذا الفصل نريد أن نتطرق إلى محاولة البعض للتوفيق بين حقيقة الخلق ونظرية التطوُّر، ورأي الكنيسة الكاثوليكية في نظرية التطوُّر، وحكم الإسلام فيها:

ج: قال البعض أن بعض رجال الكنيسة قد اعتقدوا بفكر التطوُّر قبل داروين بمئات السنين، وذكروا على سبيل المثال القديس أوغسطينوس (353 – 430م) وتوما الأكويني، فيقول د. أنور عبد العليم”.. وتوماس الأكويني (1225 – 1274م) حاولوا أن يوفقوا بين نظرية النشوء والتطوُّر وبين قصة الخلق في الكتاب المقدَّس بتفسيرات اجتهادية، ومن ذلك قول أكويناس (توما الأكويني) وكان من رجال الدين البارزين في عصره {إن الله لم يخلق النباتات كاملة في اليوم الثالث من أيام الخلق، وإنما هو منح الأرض في ذلك اليوم القدرة على إنبات الأعشاب فبدأت تنبت نباتها، وتطورت النباتات من البسيطة التركيب إلى المعقدة}”(1) 

ومن المعروف أن نظرية التطوُّر والنشوء لم تكن قد تبلورت بعد، فعلى ما يبدو أن توما الأكويني كان يتأمل في الترتيب الزمني لقول الكتاب ” فأخرجت الأرض عشبًا وبقلًا يبزر بزرًا كجنسه وشجرًا يعمل ثمرًا بذره فيه كجنسه” (تك 1: 12) فالأرض أخرجت أولًا عشبًا لأن القشرة الأرضية التي بردت كانت مازالت رفيعة، وعندما ازداد سٌمك هذه الطبقة أنتجت الأرض بقلًا لأن جذور البقول أطول من جذور العشب، ثم أنتجت الأشجار الضخمة ذات الجذور العميقة، وكلام الكتاب المقدَّس الذي آمن به توما الأكويني بكل قلبه إن كل نوع ينسل كجنسه، ولو كان توما الأكويني يقصد تطوُّر نوع إلى نوع آخر لأوضح ذلك بأفصح العبارات، ولكن هذا لم يحدث.

واختلف رد فعل الناس من جهة قبولهم نظرية التطوُّر، فبعض الذين قبلوا هذه النظرية لم يقبلوها لإقتناعهم بها، ولكن بسبب كراهيتهم للتعاليم الدينية، وآخرون صدموا بها، فيقول دكتور ” موريس بوكاي ” لأنه كانت هناك كراهية متأصلة للتعاليم الدينية لذلك تقبَّل الناس هذه النظرية، وقد ذهب الناس بها أبعد مما ذهبت إليه النظرية ذاتها، وكانت نظرية داروين صدمة عميقة للمتمسكين بتعاليم العهد القديم، الذين يعتقدون أن الله هو الذي خلق الإنسان، فلم يعد مقبولًا بأن الكتاب المقدَّس مُوحى به جملة وتفصيلًا، وظهرت فكرة جديد للوحي وهي أن الله ألهم الكتَّاب الذين كتبوا بأفكار عصرهم(2) وبهذا المنطق قبلوا نظرية التطوُّر ورفضوا فكرة الخلق الإلهي، ووصل بهم الحال إلى الإلحاد، ولذلك يمكن أن نقسم الناس من جهة قبولهم ورفضهم لنظرية التطوُّر أو محاولة توفيقهم بينها وبين نظرية الخلق إلى ثلاث فئات هي:

الفئة الأولى: الذين قبلوا نظرية التطوُّر ورفضوا وجود الله الخالق، فسقطوا في الإلحاد، واقتنعوا أن الحياة انبعثت من الخلية الأولى التي وُجِدت تلقائيًا، وتكوَّرت وتنوعت إلى كل هذه التي نراها الآن.

الفئة الثانية: الذين قبلوا نظرية التطوُّر، ولكنهم تمسكوا بحقيقة الله الخالق، فقالوا إن الله خلق كل الكائنات الحيَّة عن طريق التطوُّر، فالله خلق صور بسيطة للحياة وأعطاها القدرة على التطوُّر، فالتطوُّر في نظرهم هو أسلوب الله في الخلق.

الفئة الثالثة: الذين يعتقدون إن جميع النباتات والحيوانات وكل الكائنات ماعدا الإنسان جاءت نتيجة التطوُّر، فالله خلق الإنسان خلقًا مباشرًا، فهم لا يعتقدون أن الإنسان بقدراته الذهنية والروحيَّة والأدبية قد تطوَّر من القردة،  ويقول ” هيربرت وولف”.. ” لقد رفضت أغلبية المسيحيين استنتاجات داروين نظرًا لتعارضها الواضح مع ما جاء في سفر التكوين، ولكن في نفس الوقت نجد محاولات من البعض لإيجاد نوع من التوفيق بين نصوص الكتاب المقدَّس وما يؤمن به أصحاب نظرية التطوُّر، وذلك بإرجاعهم بداية عملية الخلق إلى الله، كما يتحدث المؤيدون للحل الوسط عن إمكانية توافق سفر التكوين مع وجهة نظر أصحاب نظرية التطوُّر، ولقد مكَّنت الأبحاث العديدة التي أُجريت في السنوات الأخيرة العلماء من فهم أعمق للتغيرات البيولوجية والفيزيائية التي تحدث للأنواع، ولقد أدت هذه الدراسة إلى وجود اصطلاحين متضادين لبعضهما وهما تطوُّر محدود microevolution، وتطوُّر على مجال كبير macroevalation، ونجد أن هناك أعدادًا متزايدة من المسحيين على استعداد لقبول فكرة التطوُّر المحدود داخل الأنواع، وفي نفس الوقت يرفضون فكرة أن الحياة ككل تطوَّرت من مادة غير عضوية، وإنها تطوَّرت عبر عصور حتى انتهت أخيرًا بظهور الإنسان”(3)(4).

كما يقول “هيربرت وولف” أيضًا “لقد حاول بعض المؤمنين أن يقوموا بعملية مزج بين ما ذُكر في الكتاب المقدَّس وبين رؤية نظرية التطوُّر دون التنكر لصحة ولصواب كل منهما، وبالرغم من قبولهم الله الذي خلق الكون إلاَّ أنهم يعتقدون بأن الله استخدم آلية التطوُّر في خلق وإيجاد هذا التنوع والاختلاف الذي يسود حياتنا، وإن عملية الخلق ليست بالضرورة عملية مضادة كلية لعملية التطوُّر إذ أن الله ذاته هو الذي أوجد ما يحرك عملية التطوُّر هذه. إن هؤلاء الذي يمزجون نظرية التطوُّر مع الإيمان بوجود الله يفسرون الإصحاحات الأولى من سفر التكوين بطريقة مجازية، وعلى هذا فإن كان سفر التكوين يعطينا وصفًا عامًا للبدايات الأولى إلاَّ إنه من المرونة بدرجة إنه يمكن أن يتعايش جنبًا إلى جنب مع نظرية التطوُّر، وبسبب التفاصيل الكثيرة والمذكورة عندما خلق الله الإنسان يرى بعض الباحثين أن التطوُّر انتهى قبل أن يظهر آدم على مسرح الأحداث كخليقة الله، بينما يعتقد آخرون بأن الجزء الجسماني من آدم تطوَّر إلى ما هو عليه مأخوذًا من الحيوانات الأكثر تميزًا في خلقها، ثم في وقت ما منح الله ذلك المخلوق روحًا وجعله على صورته”(5)(6).

ثم أوضح ” هيربرت وولف ” بأن القول بأن جسد الإنسان تطوَّر من الحيوانات الراقية يتعارض مع ما جاء في سفر التكوين، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فقال ” إن أي دراسة متأنية للإصحاحين الأولين من سفر التكوين تثير تساؤلات خطيرة عن مدى صحة هذا الرأي الأخير عن أصل الإنسان إذ تذكر الآية تك 2: 7 ” وجبل الرب الإله آدم ترابًا من الأرض ” ولم يذكر أبدًا في أي مكان آخر ما يعني بأن التراب يمكن أن يكون حيوانًا أو ما يشبه الحيوان، وإذا أمكن تفسير كلمة تراب لغويًا على إنها استعارة لكلمة حيوان فيمكن تفسير ” وصار آدم نفسًا حيَّة ” بأنه كحيوان قد مُنح روحًا تجعله يمثل ” صورة الله” (تك 1: 27) وعند ذلك تحوَّل آدم إلى إنسان. إن هذا الرأي لا يتوافق أبدًا مع استخدام تعبير كائن حي أي ” Living Being ” والتي تسري أيضًا على مجموع المخلوقات والحيوانات الأخرى (تك 1: 24) حيث أنها تُرجمت إلى ” Living Creatures ” أي مخلوقات (تك 1: 20، 21) ومن ذلك يتضح أن ” Living Being ” تشير إلى الحياة الطبيعية أكثر مما تعني المقدرة العقلية أو الروحية، ونفس الشيء يسري على استخدام ” ونفخ فيه نسمة حياة ” وعلى هذا فإن آدم لم يكن له أي كيان أو حياة بما تعنيه هذه الكلمة من معنى قبل أن يُشكّله الله، وإنه بسبب الخطية سيعود آدم إلى نفس التراب الذي جُبل منه (تك 2: 12) وذلك إشارة إلى الموت الجسدي.

ثم إننا نجد أنه بعد أن خلق الله آدم خلق له حواء من ضلع من ضلوعه، وهنا نجد أن النص الإنجيلي لا يتوافق بأي حال من الأحوال مع افتراضات نظرية التطوُّر، فالكتاب يذكر كيف أن حواء خُلقت سريعًا وكخليقة منفصلة عن آدم (تك 2: 22) وإن المنزلة الأولى المؤقتة التي كانت لآدم قبل وجود حواء تؤكد أن نظرية التطوُّر لا تتمشى أبدًا مع نظرية أصل الإنسان لداروين”(7)(8).

لقد رأى البعض أنه لا يوجد خلاف بين نظرية التطوُّر وحقيقة الخلق، وربط بروفسور طومسون بين الهدف من الخليقة والعقل الخالق فقال “{أينما تفتح صنبور الطبيعة العضوية، يبدو أنها تفيض بهدف}(9) ويقول أيضًا {لو أن هناك لوجوس (عقل) في نهاية عملية التطوُّر الطويلة المنتهية بالإنسان، فيمكننا أن نجزم بأنه كان في البداية أيضًا عقل}(10) فحيثما يوجد هدف، لا بُد من وجود عقل يعمل لهدف ولغاية محددة، فحيثما يوجد عقل فيمكن أن توجد خليقة في البداية، ومتى سلمنا بالخليقة، فيمكن أن نقبل بوجود العناية المهيمنة.. لا بُد أن الدوق أرجيل كان على صواب في قوله {إن الخلق والتطوُّر – عندما يُنقي هذان التعبيران من البلبلة الذهنية – ليسا مفهومين متضادين يعارض أحدهما الآخر، بل متوافقين ومتممين أحدهما للآخر”(11).

ورأى البعض أن ما دعاه البعض بالطفرة أو القفزة يتمشى مع قصة الخلق كما وردت في سفر التكوين، فجاء في دائرة المعارف الكتابية ” نادى – حديثًا – البروفسور ” هوجو دي فريس ” من أمستردام ” بنظرية الطفرة ” وهو تعبير استخدمه هو للدلالة على عملية نشأة أنواع جديدة.. فقد أقر ” ليل ” في كتابه ” العصور القديمة للإنسان ” وقد أصبح شيئًا فشيئًا من أنصار نظرية داروين بإمكانية حدوث طفرات واسعة أحيانًا، وثغرات في سلسلة متصلة من التغيرات السيكولوجية وبذلك تخطى الإنسان – في قفزة واحدة – الفجوة الفاصلة بين أعلى مراتب الحيوان خامل الذكاء، وبين أول وأدنى صور العقل النامي في الإنسان.

بل أن البرفسور هكسلي -وهو من أقوى أنصار نظرية دارون- أقرَّ بأن {الطبيعة تقفز من حين لآخر قفزات واسعة}.. وبالتأكيد أن نظرية التطوُّر تتعرض لتعديلات كثيرة قد يكون لها أهمية خاصة في تفسير قصة سفر التكوين عن الخلقة، وبخاصة من جهة نشأة الإنسان، وعليه فالإنسان من وجهة نظر علمية بحتة – قد يكون كائنًا جديدًا تمامًا لم ينتج عن ارتقاء بطئ متدرج من قرد شبيه بالإنسان. قد يكون الإنسان قد وُجِد في طفرة، لا كنصف حيوان بدوافع بهيمية، ولكن ككائن عقلاني أخلاقي {متوافق داخليًا له إمكانات النمو بلا خطية، ولكنه قضى عليها بتصرفه الحر} ومتى قُبلت النظرية الجديدة عن التطوُّر بالطفرة، فإن الرأي الكتابي عن أصل الإنسان يصبح ثابتًا ليس هنا ما يدحضه.. ” وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا.. فخلق الله الإنسان” (تك 1: 26، 27) إن القفزة عند ليل وهكسلي أو الطفرة عند فريس، ما هي إلاَّ أسماء تختفي في القصة البسيطة أمام العبارة المفعمة بالمعاني ” وقال الله ” لقد أعطى علماء اللاهوت المشهورين صبغة إيمانية لنظرية التطوُّر”(12)(13).

والحقيقة أن الأخذ بأي مرحلة من مراحل التطوُّر، بمعنى ظهور نوع من نوع آخر، يخالف قول الكتاب أن كل نوع ينسل كجنسه، كما يخالف قوانين الوراثة التي وضعها الخالق في الكائنات الحيَّة، ويقول ” هنري م. موريس”.. ” فلو كان الله قد خلق الكون بما فيه من كائنات حيَّة بطريقة التطوُّر وكان هدفه النهائي خلقة الإنسان، فما الداعي إذًا لأن تتحكم الديناصورات وتجول في الأرض لملايين السنين، وتموت قبل مدة طويلة من ظهور الإنسان؟! وإذا كان المفروض أن التطوُّر قد حدث نتيجة الصراع من أجل الحياة والبقاء للأصلح، فإنه إذا صح ذلك، يكون معناه أن الله وضع قانونًا يعتمد في تنفيذه على أحقية القوي في القضاء على الضعيف. لذلك فلابد أن الملايين من الحيوانات قد هلكت خلال عملية التطوُّر لا لسبب مفهوم سوى أن يكون الإنسان هو الهدف النهائي من العملية، وبالتالي فإن المحاولة التي قام بها علماء التطوُّر المؤمنون (الذين اعتقدوا أن الله استخدم أسلوب التطوُّر في الخلقة) تعتبر فاشلة. وكما قال أحد الأساتذة الملحدين {يكشف تاريخ التطوُّر ويشهد بأنه لا يوجد عقل وراء هذه العملية، فلا يمكنك أن تفهم نظرية التطوُّر وتؤمن بالله في نفس الوقت}”(14).

ويقول العالِم الألماني ” فون رينكه”.. ” إذا سلمنا أن المادة الحيَّة أتت من المواد الغير الحيَّة في زمن من الأزمنة، فإني أعتقد أن عقيدة الخلق هي النظرية الوحيدة التي يقبلها المنطق.. لأنها تجيب على كل سؤال يسأله طالب الحقيقة الغير مغرض، واسمع ما يقوله الفيلسوف الألماني والعالم البيولوجي الشهير الأستاذ هانس دريش في صدد النمو الجنيني: إنه لا يمكن للعوامل الطبيعية بمفردها أن تفسر النمو الجنيني”(15).

_____

(1) قصة الحياة ونشأتها على الأرض ص 10، 11.

(2) راجع ما أصل الإنسان؟ ص 15، 16.

(3) AN INTRODUCTION TO THE OLD TESTAMENT PENTATEUCH, P89.

(4) ترجمة خاصة بالبحث بتصرف قام بها الأستاذ الفاضل بشرى جرجس خليل أستاذ اللغة الإنجليزية بإكليريكية طنطا.

(5) AN INTRODUCTION TO THE OLD TESTAMENT PENTATEUCH, P 93.

(6) ترجمة خاصة بالبحث بتصرف قام بها الأستاذ الفاضل بشرى جرجس خليل أستاذ اللغة الإنجليزية بإكليريكية طنطا.

(7) AN INTRODUCTION TO THE OLD TESTAMENT PENTATEUCH, P93, 94.

(8) ترجمة خاصة بالبحث بتصرف قام بها الأستاذ الفاضل بشرى جرجس خليل أستاذ اللغة الإنجليزية بإكليريكية طنطا.

(9) كتاب الطبيعة ص 25.

(10) ص 86.

(11) دائرة المعارف جـ 1 ص 434.

(12) أنظر فلنت في ” الإيمان بالله ” ص 195.

(13) دائرة المعارف جـ 1 ص 436.

(14) ترجمة نظير عريان ميلاد – الكتاب المقدَّس ونظريات العلم الحديث ص 58، 59.

(15) تصدع مذهب داروين والإثبات العلمي لعقيدة الخلق ص 178.

التوفيق بين حقيقة الخلق ونظرية التطور