سؤال وجواب

أسطورة خلق الآلهة والكون السومرية

أسطورة خلق الآلهة والكون السومرية

أسطورة خلق الآلهة والكون السومرية

أسطورة خلق الآلهة والكون السومرية
أسطورة خلق الآلهة والكون السومرية

274- هل يمكن إلقاء الضَوء على أسطورة خلق الآلهة والكون السومرية؟

ج: كتب الكثيرون عن أساطير سومر، وقد سجل “خَزْعَل الماجي ” ملحمة سومر ونشرها في كتابة “إنجيل سومر ” كما سجل ملحمة “إنيوما إيليش ” ملحمة الخلق البابلية ونشرها في كتابه ” إنجيل بابل ” ورغم أنه يقول “استخدمت كلمة “إنجيل في عنوان الكتاب على أساس معناها القاموسي (البشارة) فهذا الكتاب بشارة سومر..

أي إنني استخدمت هذه الكلمة بمعنى أدبي وليس ديني مما يستوجب التنويه ورفع اللبس” (إنجيل سومر ص10) لكنني أشعر أن الكاتب قد جانبه الصواب في اختيار عنوان الكتاب، لأن كلمة “إنجيل ” عندنا نحن المسيحيين هي بشارة مفرحة بالخلاص الذي تم بالمسيح يسوع، فما علاقة مقدساتنا بهذه الأساطير والخرافات؟! ومن يطالع ملحمة الخلق السومرية، لا يلاحظ فيها أي بشارة مفرحة للإنسان، فلماذا يخلط الكاتب بين مقدساتنا الحاضرة وأساطير وخرافات الماضي البعيد؟!!

وتحكى أسطورة الخلق السومرية عن خلقة الآلهة، ففي البدء كان الإلهة “نمو ” NAMU التي تعتبر البحر الأزلي، فهكذا رأت بعض الشعوب القديمة أن خروج كل شيء من الماء، مثلما يخرج الجنين من الماء الرحمى للأم، وقد اعتقد السومريون أن البحر الأزلي ولد ابنه “آن ” الذي يمثل السماء أو إله السماء، وابنته “إنكى ” التي تمثل الأرض أو إلهة الأرض، وتزوج “آن ” من أخته “إنكى ” فكان يحنو عليها ولا يفارقها، ويغمرها بالمطر، فولدت “إنكى ” ابنها “أنليل ” إله الهواء، الذي لم يطق أن يعيش في السجن الضيق مع أبيه “آن ” وأمه “كى”، فدفع بأبيه “آن ” إلى أعلى، وبذلك اتسعت المساحة بين السماء والأرض، وراح “أنليل ” يلهو ويمرح، وعندما جلس “آن ” على عرش السماء خلق “الأنانوكى ” أي مجلس للآلهة ليحكم الكون بالعدل، وظهر من الآلهة السومرية سبعة آلهة كبار وخمسون إلهًا صغيرًا.

أما “آن ” فكان هو الأكبر والأعظم في الآلهة، له العرش والتاج والغلبة فهو إله السماء، وقد أورث ابنه “أنليل ” قوته وبطشه، وفوضه في حكم الأرض، فصارت كلمة “أنليل ” مقدَّسة على الأرض، وتصوَّر السومريون الأرض (إنكى) قرصًا منبسطًا تحده الهند شرقًا، والبحر المتوسط غربًا، والأناضول شمالًا، وجزيرة العرب جنوبًا، ويقع أسفل الأرض العالم السفلى (مقر الأموات).

ثم ولد “أنليل ” إله الهواء ابنه “نانا ” إله القمر، وولد “نانا ” ابنه “أوتو ” إله الشمس الذي فاقه في الضياء. ثم خلقت الآلهة الكواكب والنجوم، وظهرت معالم الحياة على الأرض، والحقيقة أنه لا توجد ملحمة واحدة متكاملة توضح نشأة العالم في الفكر السومري، ويمكن تلخيص أسطورة الخلق السومرية في النقاط السبع الآتية:

1- في البدء كانت الإلهة “نمو” ولا أحد معها، وهي المياه الأولى التي انبثق عنها كل شيء.

2- أنجبت الإلهة “نمو ” ولدًا وبنتًا. الأول “آن ” إله السماء الذكر، والثاني “كى” إلهة الأرض المؤنثة، وكانا ملتصقتين مع بعضهما، وغير منفصلين عن أمهما “نمو “.

3- ثم أن “آن ” تزوج “كى ” فأنجبا بكرهما “أنليل ” إله الهواء الذي كان بينهما في مساحة ضيقة لا تسمح له بالحركة.

4- “أنليل ” الإله الشاب النشط، لم يطق ذلك السجن، فقام بقوته الخارقة بإبعاد أبيه “آن ” عن أمه “كى”. رفع الأول فصار سماء، وبسط الثانية فصارت أرضًا، ومضى يرتع بينهما.

5- ولكن “أنليل ” كان يعيش في ظلام دامس، فأنجب “أنليل ” ابنه “نانا ” إله القمر، فيبدد “نانا ” الظلام في السماء وينير الأرض.

6- “نانا ” إله القمر أنجب بعد ذلك “أوتو ” إله الشمس الذي بزه في الضياء.

7- بعد أن أُبعدت السماء عن الأرض، وصدر ضوء القمر الخافت، وضوء الشمس الدافئ، قام أنليل ” مع بقية الآلهة بخلق مظاهر الحياة الأخرى”(1).

 (وكذلك أورد نفس المعنى السابق الأب سهيل قاشا في كتابه أثر الكتابات البابلية في المدوَّنات التوراتية، وأيضًا في كتابه التوراة البابلية).

ويرى الأب سهيل قاشا أن أفكار السومريين عن الخلق والتكوين لم تكن أفكارًا بدائية، بل أفكارًا ناضجة بالدرجة التي تتيحها معارف تلك الفترة من بداية حضارة الإنسان(2).

ويرى الباحث الأمريكي “جيم بريتشارد ” أن هناك أمورًا مشتركة بين أسطورة الخلق السومرية وقصة الخلق الواردة في سفر التكوين، مثل نشوء السماء، والأجسام السماوية، وعزل الماء عن اليابسة(3).

ويقول فراس السواح “والآن إذا حرَّرنا هذه السلسلة الأسطورية من رموزها ومفرداتها الميثولوجية، وترجمناها إلى لغتنا العلمية الحديثة، ظهر لنا منطقها المتماسك والملاحظات العلمية التي قادت لها:

1- في البدء لم يكن موجود سوى المياه التي صدر عنها كل شيء وكل حياة.

2- في وسط هذه الحياة الأولى ظهرت جزيرة يابسة على هيئة جبل قبته هي السماء، وقاعدته هي الأرض، ومن لقاء القبة بالقاعدة ظهر الهواء، العنصر المادي الثالث بعد المياه والتراب.

3- من الصفات الأساسية لهذا العنصر الجديد التمدد، ويتمدد هذه المادة الغازية، تباعدت السماء عن الأرض.

4- لم يكن القمر السابح في الهواء إلاَّ نتاجًا للهواء وأبنًا له، وربما كان من نفس العنصر أيضًا. أما الشمس فهي الابن الذي فاق أباه القمر قوة، وخلَّفه على عرش السماء فيما بعد.

5- بعد أن ابتعدت السماء عن الأرض، وغمرت أشعة الشمس الدافئة وجه البسيطة، تهيأت الشروط اللازمة للحياة، فظهرت النباتات والحيوان وتم خلق الإنسان”(4).

ويرى فراس السواح أيضًا أن بعض جوانب الأسطورة تتطابق مع الواقع، فولادة القمر من الهواء تقترب من النظريات القاتلة بتشكُل الأجرام السماوية من السحب الغازية، وصدور الأشياء من الماء يشابه نشأة الحياة وتطورها ابتداء من البحر.

والحقيقة أن هؤلاء الكتَّاب يغفلون نقطة جوهرية قامت عليها الأسطورة، وهي تعدد الآلهة وتزاوجها وتناسلها، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وتغافلوا أن عبادة السومريين قامت على “الأروحية ” أي أن لكل شيء روح سواء كان كائن حي أو جماد، حتى جعلوا إلهًا للمسمار وآخر لقالب الآجر..

إلخ وتغافل هؤلاء الكتَّاب أيضًا أن السومريين قد عبدوا الأشباح، فجاء في دائرة المعارف الكتابية “إنه يمكننا أن نقول أن في أعماق هذا الشعب القديم، وخلف إيمانهم بالآلهة، كان يستقر الإيمان ” بالأرواحية” (Animism – أي مذهب حيوية المادة) فقد اعتقدوا أن كل شيء، حيًّا كان أو غير حي له “زى” (Zi أي روح).. وإلى جانب هذا الاعتقاد بالأرواحية يبدو أن السومريين الأوائل اعتقدوا في وجود أشباح أو أرواح لها علاقة بعالم الأموات، تمامًا كما أن الروح (Zi) لها علاقة بعالم الأحياء، وكان “ليل” (Lil) أو الشبح (الروح) الشيطاني عند السومريين عاش على مر تاريخ الديانة البابلية”(5).

وحيث أن هناك تشابهًا كبيرًا بين جميع الأساطير السومرية والبابلية لذلك نرجئ التعليق على الأساطير ككل، ومناقشة الإدعاء بأن سفر التكوين إقتبس منها إلى السؤال رقم (280).

_____

(1) فراس السواح – مغامرة العقل الأول ص 26، 27.

(2) راجع أثر الكتابات البابلية في المدوَّنات التوراتية ص131.

(3) راجع زينون كوسيدوفسكى – الأسطورة الحقيقية في القصص التوارتية ص13.

(4) مغامرة العقل الأولى ص 27.

(5) دائرة المعارف الكتابية ج2 ص 34.

أسطورة خلق الآلهة والكون السومرية