سؤال وجواب

هل هناك نصوص قرآنية تثبت تحريف الكتاب المقدس؟

 318- هل هناك نصوص قرآنية تثبت تحريف الكتاب المقدس؟

نناقش هنا النصوص القرآنية التي ذُكر فيها التحريف (البقرة 75، 76، آل عمران 78، النساء 46، المائدة 12، 13، المائدة 41) لنتبصر الأمور ونرى أن المقصود من هذه النصوص ليس تحريف التوراة على الإطلاق كقول بعض الأخوة من الكتَّاب المسلمين.

1- ” أفتطمعون (أيها المؤمنون) أن يؤمنوا (اليهود) لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفوه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون. وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنَّا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون” (البقرة 75، 76) فهنا فريق من اليهود سمعوا القرآن وخدعوا المسلمين قائلين آمنَّا، ثم حرَّفوا كلام القرآن بعد أن عقلوه، وعندما اجتمعوا ببعضهم وبخ أحدهم الآخر قائلين: لماذا تخبرون المسلمين بكلمات التوراة، فإنهم سيستخدمونها ضدكم؟ وقال الطبري في تفسير هذا النص ” يحرفونه.. أي يبدلون معناه وتأويله“.

2- ” وإن منهم لفريقًا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون” (آل عمران 78) وهذا يعني أن اليهود لووا نطق الكلمات وهم يقرأونها، ليفهم المسلمون معنى يختلف عن المعنى الأصلي.

3- ” من الذين هادوا يُحرّفون الكلم عن موضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسْمَعْ غير مُسْمَعٍ وراعنا ليًّا بألسنتهم وطعنًا في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسْمَع وانظرنا لكان خيرًا لهم وأقوَّم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلاَّ قليلًا” (النساء 46) فالاتهام هنا موجه إلى بعض اليهود الذين حوَّروا كلام القرآن ومحمد، وقال الطبري في تفسيره ” إن اليهود كانوا يسبون محمدًا ويؤذونه بأقبح القول ويقولون له ” اسمع منا غير مسمع ” كقول القائل للرجل يسبه ” اسمع لا أسمعك الله ” أما كلمة ” راعنا ” فقد فسرها بالإسناد عن ابن وهب بأن الراعن هو الخطأ في الكلام.. وبناء على هذا لا يكون اليهود قد حذفوا شيئًا من نصوص الكتاب، أو زادوا عليه شيئًا، بل حوَّروا معنى الكلام بلي اللسان” (الطبري 8: 433) وفسَّر الرازي هذا النص بأن قومًا من اليهود اعتادوا أن يدخلوا على محمد ليسألوه المسألة فيجيبهم عليها، ومتى خرجوا من عنده يحرفون كلامه.

وقال عبد الله يوسف علي مترجم القرآن للإنجليزية في تفسير هذا النص كان من مكر اليهود أنهم يلوون الكلمات والتعبيرات ليسخروا من جدية تعاليم الإسلام، فبدل أن يقولوا سمعنا وأطعنا يقولون بصوت عالٍ سمعنا ثم بصوت خفيض وعصينا، وكان يجب أن يقولوا باحترام نسمع، ولكنهم يقولون في سخرية غير مُسَمْعٍ.. إنهم استخدموا كلمة مبهمة ظاهرها طيب، بنية سيئة، فكلمة راعِنا عربية تقدم الاحترام، ولكن بلي اللسان في نطقها يصير معناها سيئًا وهو خُذنا لمحل الراعي أو في العبرية أنت السيء فينا(1).

4- ” ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبًا.. فبما نقضهم ميثاقهم لعنَّاهم وجعلنا قلوبهم قاسية يُحرّفون الكلم عن مواضعه ونسوا خطأ مما ذُكّروا به ولا تزل تطَّلع على خائنة منهم إلاَّ قليلا منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يُحبُّ المحسنين” (المائدة 12، 13).

فالنص يتحدث عن اليهود أصحاب القلوب القاسية الذين نقضوا الميثاق وحرَّفوا الكلم عن مواضعه، ونسوا عمدًا جزءًا من شريعتهم إذ أخفوا بعض الآيات وقرأوا البعض الآخر منفصلا عن قرينته، وهذا التحريف تحريف معنوي أي تحريف في المعنى، وليس تحريفًا لفظيًا أي تغيير في الألفاظ، ولكن اليهود لم يغيروا شيئًا من النص.

5- ” يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكُفر من الذين قالوا آمنَّا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سمَّاعون للكذب سمَّاعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه ليقولون قد أُوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا..” (المائدة 41) فبعض اليهود سمعوا كلام الكذب وروجوا له، وبهذا حرَّفوا الكلام كلام القرآن أو الرسول عن القصد منه، فالتحريف هنا تحريف المعنى وليس تحريف الألفاظ، وقال الرازي في المجلد الثالث عن تفسير القرآن ” إن المراد بالتحريف هو إلقاء الشُبه الباطلة والتأويلات الفاسدة، وصرف اللفظ عن معناه الحق إلى معنى باطل بوجوه الحيل اللفظية كما يفعل أهل البدع في كل زمان بالآيات المخالفة لمذاهبهم“.

ومن أقوال أئمة المسلمين في استحالة التحريف قول فخر الدين الرازي ” إن تحريف التوراة والإنجيل ممتنع لأنهما كانا كتابين بلغا من الشهرة والتواتر إلى حيث يتعذر ذلك فيهما“.

وقال البيضاوي ” ومهيمنًا عليه أي رقيبًا يحفظه من التغيير”، وفي تفسير البيضاوي للنص ” وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنًا عليه” (المائدة 48) قال ” مهيمنًا ” أي رقيبًا على سائر الكتب يحفظها من التغيير ويشهد لها بالصحة والثبات.

_____

(1) راجع وليم كامبل – القرآن والكتاب المقدس في نور التاريخ والعلم – الفصل الأول من القسم الثاني.

 

 318- هل هناك نصوص قرآنية تثبت تحريف الكتاب المقدس؟