سؤال وجواب

هل تعرضت التوراة للضياع؟

 321- هل تعرضت التوراة للضياع؟

س321: هل تعرضت التوراة للضياع خلال الأحداث الآتية:

1- تسلط الأعداء على بني إسرائيل خلال فترة القضاة مرارًا وتكرارًا.

2- في أيام سليمان كانت التوراة قد فقدت باستثناء لوحي العهد ” لم يكن في التابوت إلاَّ لوحا الحجر اللذان وضعهما موسى هناك في حوريب حين عاهد الرب بني إسرائيل عند خروجهم من أرض مصر” (1مل 8: 9).

3- سقط الشعب مرارًا وتكرارًا في عبادة الأوثان، ولاسيما أن كثير من ملوكهم كانوا أشرارًا.

4- في عهد الملك رحبعام بن سليمان تعرَّض الهيكل للغزو من قبل شيشق ملك مصر ” وفي السنة الخامسة للملك رحبعام صعد شيشق ملك مصر إلى أورشليم. وأخذ خزائن بيت الرب وخزائن بيت الملك وأخذ كل شيء وأخذ جميع أتراس الذهب التي عملها. فعمل الملك رحبعام عوضًا عنها أتراس نحاس” (1 مل 14: 25 – 27).

5- عندما غزا نبوخذ نصر ملك بابل أورشليم حرق هيكلها بما فيه “ وأحرقوا بيت الله وهدموا أسوار أورشليم وأحرقوا جميع قصورها بالنار وأهلكوا جميع أنيتها الثمينة. وسبى الذين بقوا من السيف إلى بابل” (2 أي 26: 19، 20).

6- في أيام المكابيين اضطهد أنطيوخس الرابع ملك سوريا اليهود وخرَّب هيكلهم “وما وجدوه من أسفار الشريعة مزَّقوه بالنار. وكل من وجد عنده سفر من العهد اتبع الشريعة فإنه مقتول بأمر الملك” (1 مك 1: 59).

7- في سنة 70م حاصر تيطس القائد الروماني أورشليم، واقتحم جنوده الهيكل وأحرقوه بكل ما فيه، بل هدموه فلم يبق حجر على حجر لم ينقض.

ج:

1- كانت التوراة محور اهتمام الله وموسى رئيس الأنبياء، ولذلك:

أ – أوصى موسى صراحة أكثر من مرة بأن يكتب الشرائع (خر 17: 14، 34: 27).

ب- أمر موسى اللاويين بأن يضعوا التوراة بجوار تابوت العهد (تث 31: 24، 26).

جـ- أوصى الله الشعب على فم موسى ” ولتكن هذه الكلمات التي أنا أوصيك بها اليوم في قلبك. وقصها على أولادك وتكلم بها حين تجلس في بيتك وحين تمشي في الطريق وحين تنام وحين تقوم. وأربطها علامة على يدك ولتكن عصائب بين عينيك. واكتبها على قوائم بيتك وعلى أبوابك” (تث 6: 6 – 8).

د – أمر موسى الكهنة بقراءة التوراة على الشعب كله في عيد الإبراء الذين يقع كل سبع سنوات (تث 31: 9 -12).

هـ- أوصى موسى شيوخ إسرائيل متى عبروا الأردن يقيموا حجارة كبيرة ويشيدوها بالشيد ويكتبون عليها كلمات الناموس (تث 7: 1- 8).

و – أوصى موسى بنسخ نسخ من التوراة لتكون لدى الكهنة، وأن يحتفظ كل ملك بنسخة من التوراة (تث 17: 18 – 20) وقال يوسيفوس المؤرخ اليهودي في القرن الأول الميلادي بأن موسى النبي أمر بتوزيع نسخة من التوراة على كل سبط من الأسباط الاثني عشر.

ز – ختم موسى خطابه الوداعي بقوله للشعب ” وجّهوا قلوبكم إلى جميع الكلمات التي أنا أشهد عليكم بها اليوم لكي توصوا بها أولادكم ليحرصوا أن يعملوا بجميع كلمات هذه التوراة” (تث 32: 46).

ح – ما أكثر تحذيرات الله من أي زيادة أو حذف لكلمته المقدَّسة:

” لا تزيدوا على الكلام الذي أنا أوصيكم به ولا تنقصوا منه لكي تحفظوا وصايا الرب إلهكم التي أنا أوصيكم بها” (تث 4: 2).

” كل الكلام الذي أوصيكم به احرصوا لتعملوه. لا تزد عليه ولا تنقص منه” (تث 1: 32).

” كل كلمة من الله نقية. ترس هو للمحتمين به. لا تزد على كلماته لئلا يوبخك فتُكذَّب” (أن 30: 5، 6).

” فتشوا في سفر الرب واقرأوا. واحدة من هذه لا تُفقَد. لا يغادر شيء صاحبه لأن فمه هو قد أمر وروحه هو جمعها” (أش 34: 16).

” إن كان أحد يزيد على هذا يزيد الله عليه الضربات المكتوبة في هذا الكتاب. وإن كان أحد يحذف من أقوال كتاب هذه النبوءة يحذف الله نصيبه من سفر الحياة ومن المدينة المقدَّسة ومن المكتوب في هذا الكتاب” (رؤ 22: 18، 19).

2- بعد موت موسى أوصى الله يشوع قائلًا “لا يبرح سفر هذه الشريعة من فمك. بل تلهج فيه نهارًا وليلًا” (يش 1: 8). وكتب يشوع التوراة على الحجارة أمام بني إسرائيل، وقرأها على الشعب (يش 8: 32 – 35).

3- كانت التوراة قائمة أيام القضاة، فكان الأعداء “لامتحان إسرائيل بها لكي يعلم هل يسمعون وصايا الرب التي أوصى بها آباءهم عن يد موسى” (قض 3: 4).

4- كانت التوراة قائمة أيام داود النبي الذي تغنى بشريعة الرب في المزمور الكبير (مز 119: 97) ومدح من يلهج ليل نهار بناموس الرب (مز 1: 1) وأوصى ابنه سليمان بحفظها (1مل 2: 3).

5- القول بأن لوحيّ العهد وُضعا بالتابوت أيام سليمان لا يعني ضياع بقية التوراة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فبحسب وصية الله أن يوضع لوحي العهد في التابوت (خر 25: 16) وتوضع التوراة بجوار التابوت (تث 31: 24 – 26) فضلًا عن أنها كانت محفوظة لدى الكهنة واللاويين.

6- كانت التوراة موجودة في فترة حكم الملوك، فقد ندَّد الكتاب برحبعام بن سليمان الذي ترك العمل بشريعة الرب (2 أي 12: 1)، ومدح الكتاب المقدَّس أيضًا آسا بن أبيا بن رحبعام الذي حرَّض الشعب للعمل بحسب الشريعة والوصية (2 أي 14: 4)، وأمر الملك يهوشافاط الكهنة أن يجولوا في جميع المدن ويعلموا الشعب الشريعة (2 أي 17: 7 – 9)، وقطع يواش الملك بن أخزيا بن يهورام بن يهوشافاط ويهوباراع الكاهن عهدًا مع الشعب للعمل بكل ما هو مكتوب في شريعة الرب (2 أي 23: 18)، وأمصيا بن يواش قتل الذي قتلوا أبيه ” وأما بنوهم فلم يقتلهم بل كما هو مكتوب في الشريعة في سفر موسى حيث أمر الرب قائلًا لا تموت الآباء لأجل البنين ولا البنون يموتون لأجل الآباء” (2 أي 25: 4)، وكانت التوراة موجودة أيام حزقيا الملك الرابع بعد أمصيا (2 أي 31: 3، 4).

7- بعد سبي مملكة إسرائيل وإحلال شلمناصر لشعوب غريبة في السامرة، هاجمتهم الوحوش فأمر بإرسال أحد الكهنة ليعلمهم شريعة الله (2 مل 17: 26 – 28)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.

8- كلَّف الله أرميا النبي بالكتابة قائلًا ” خذ لنفسك دّرْج سفر وأُكتب فيه كل الكلام الذي كلمتك به” (أر 36: 2) وعندما وصل هذا السفر إلى يهوياقيم ملك يهوذا استاء جدًا من نبوءة أرميا النبي من مجيء ملك بابل إلى أورشليم، فأحرق السفر، ولم يصمت الله إنما أمر أرميا النبي بإعادة الكتابة ثانية (أر 36: 27 – 28) وعاقب الله يهوياقيم بأن لا يقوم من نسله ملوك بعد بل يكونوا عبيدًا، وأن تُطرح جثته لحر النهار وبرد الليل (أر 36: 30 – 31).

9- أثناء ترميم البيت في عصر يوشيا الملك الصالح سنة 623 ق.م. عثر حلقيا الكاهن على نسخة التوراة التي كتبها موسى النبي بيده فسلمها لشافان الكاتب الذي سلَّمها للملك، وعندما قرأ فيها مزَّق ثيابه، وقطع عهدًا مع الله ليحفظ وصاياه (2 أي 34: 19 – 30) وليس معنى هذا أنه لم يكن هناك نسخ أخرى بيد الكهنة والملوك، بل كان معهم نسخ أخرى ولكن لم تكتب بيد موسى إنما بيد النساخ.

10- كان اهتمام الملوك الغُزاة مثل شيشق ملك مصر، ونبوخذ نصر ملك بابل سلب الكنوز الثمينة من آنية الذهب والفضة (2 أي 12: 9، 26: 28) وليس الاستيلاء على الكتب أو حرقها، وحتى لو استولى هؤلاء الغُزاة على نسخ التوراة التي كانت في الهيكل، فإن هناك نسخ أكثر وأكثر خارج الهيكل، والدليل على ذلك أن الشعب حمل كتب التوراة معه إلى السبي، ويقول دانيال ” أنا دانيال فهمت من الكتب عدد السنين التي كانت منها كلمة الرب إلى أرميا النبي” (دا 9: 2) وقال أيضًا ” كما كُتب في شريعة موسى قد جاء علينا كل هذا الشر” (دا 9: 13).

11- عندما عاد الفوج الأول من سبي بابل بقيادة زربابل ” وبنوا مذبح إله إسرائيل ليصعدوا عليه محرقات كما هو مكتوب في شريعة موسى رجل الله” (عز 3: 2) وعندما كمل بناء بيت الرب ” أقاموا الكهنة في فرقهم واللاويين في أقسامهم على خدمة الله التي في أورشليم كما هو مكتوب في سفر موسى” (عز 6: 18) وكان عزرا كاتبًا ماهرًا في شريعة الرب (عز 7: 6) وقرأ على العائدين من السبي الشريعة (نح 8: 1-3).

12- انتشرت المجامع اليهودية في المدن اليهودية، وبين الجاليات اليهودية في شتى الأماكن التي عاشوا فيها، وكان بكل مجمع توجد نسخة من التوراة تقرأ على مدار العام، وذكر سفر الأعمال بعض هذه المجامع في دمشق (أع 9: 20) وسيلاميس بقبرص (أع 13: 5) وأنطاكية بسيدية (أع 13: 14) وتسالونيكي (أع 17: 1) وكورنثوس (أع 18: 4) وأيقونية (أع 14: 1) وبيريه (أع 17: 10) وأفسس (أع 18: 19) وأشهرها جميعًا مجمع كفر ناحوم حيث ذهب إليه السيد المسيح كثيرًا وفي مجمع الناصرة دُفع إليه سفر إشعياء (لو 4: 16) ويقول بطرس الرسول ” لآن موسى منذ أجيال قديمة له في كل مدينة من يكرز به إذ يقرأ في المجامع في كل سبت” (أع 15: 21) بل كانت التوراة في متناول يد الشعب.

13- في القرن الخامس قبل الميلاد قام عزرا بالاشتراك مع الأنبياء زكريا وحجي وملاخي بجمع الأسفار المقدَّسة، فتم جمع الأسفار باستثناء أسفار عزرا ونحميا وملاخي، وهذه قد أُضيفت بمعرفة شمعون الورع أحد أعضاء المجمع اليهودي.

14- تُرجمت الأسفار المقدَّسة إلى اللغة الكلدانية ثم اليونانية في القرن الثالث قبل الميلاد، ومن أشهر الترجمات اليونانية هي الترجمة السبعينية، والتي انتشرت في العالم كله وفرح بها يهود الشتات الناطقين باليونانية، مما أدى إلى استحالة تحريفها.

15- وقد أمر أنطيوخس الرابع سنة 170 ق.م. بحرق الأسفار المقدَّسة (1 مك 1: 59) ولكن هذه الأسفار المختلفة لم تختفِ من الوجود، بل ظلت في أيدي الشعب (1 مك 12: 9) وقد أخفى اليهود كتبهم في الكهوف، وأغلقوا عليها، فلم يتمكن أنطيوخس من التوصل إليها، وخير شاهد على هذا مخطوطات وادي قمران التي اُكتشفت سنة 1947م.

16- لا يمكن أن نتغافل دور الأنبياء في الحفاظ على الأسفار المقدَّسة، ودورهم أيضًا في الحض على العمل بالشريعة الإلهية.

17- شهد السيد المسيح لهذه الأسفار المقدَّسة، بل وأيدها واقتبس منها، وكذلك الرسل الأطهار. وفي القرن السابع الميلادي شهد القرآن للتوراة وصحتها، وأنها كانت متوفرة لدى الشعب اليهودي كما رأينا من قبل، مما يقطع الطريق على القائلين أنها تعرضت للضياع أو تعرَّضت للتحريف ” كيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله” (المائدة 43).

18- قال يوسيفوس المؤرخ ” ليس لدينا من الكتب ما لا يحصى، أو يتناقض بعضها بعضًا، وكل ما لدينا اثنان وعشرون كتابًا تحوي سجلًا كاملًا عن الأزمنة القديمة نؤمن بها عن حق. ولقد كُتبت سجلات كثيرة منذ أيام الملك أحشويروش حتى يومنا هذا، إلاَّ أننا لا نستطيع أن نتخذ منها مرجعًا لنا لأن هذه الكتابات لم تصل إلينا نقلًا عن نبي إلى آخر، ومنذ أجيال عديدة لم يجسر أحد أن يضيف إلى هذه الكتب أو يحذف منها أو يثيُّر فيها شيئًا لأنها تعتبر حاوية تعاليم سماوية لا ريب في أنها من وحي الله، وقد كُتبت جميعها في زمن الأنبياء فهي وحدها المقدَّسة والتي لا تُنتهك حرمتها”(1) ولقد أحصى يوسيفوس الأسفار باثنين وعشرين سفرًا وذلك لدمج بعض الأسفار معًا، فالاثني عشر سفرًا للأنبياء الصغار دُمِجوا في سفر واحد، وعندما خرَّب تيطس القائد الروماني أورشليم سنة 70 م استأذن يوسيفوس من بيلاطس للحصول على النسخة المعتمدة للأسفار المقدَّسة والتي كانت في الهيكل.

19- مع نهاية القرن الأول سنة 90 م. اجتمع ما تبقى من الفريسيين في مجمع “جمينا” جنوب شرق يافا على البحر المتوسط، وقد أنشأوا بالقرية مدرسة بهدف إنقاذ التراث اليهودي من الضياع، ولا سيما أمام امتداد المسيحية بقوة، ففي سنة 50 م قرر الربيون برئاسة حنانيا بن زكا الأسفار القانونية، وحذروا كل من يُدخل بيته كتبًا غير هذه الأسفار فإنه يأتي على نفسه وعلى بيته بالبلية (مدراش الجمعة 12: 12)(2).

20- أنشأ اليهود المدارس التي تهتم بدراسة التوراة بدقة، مثل مدرسة طبرية التي أُنشئت في القرن الثاني الميلادي، وشهد القديس جيروم أنها كانت قائمة حتى القرن الخامس الميلادي، وقد أقرت قانون النساخة، فحددت عدد الحقول في الصفحة، وعرض كل حقل (عمود)، وعدد السطور في كل حقل، وعدد الكلمات في كل سطر. ثم خصصت لجنة للمراجعة والتصحيح والحكم بقبول النسخة الجديدة أو رفضها.

_____

(1) أورده أ. زكي فلتاؤوس – الكتاب المقدَّس عبر العصور جـ 1 ص 46.

(2) راجع زكي فلتاؤوس – الكتاب المقدَّس عبر العصور جـ 1 ص 67، 68.

 321- هل تعرضت التوراة للضياع؟