سؤال وجواب

أليس الختان الذي صوَّره سفر التكوين على أنه عهد بين الله وشعبه، هو في حقيقته بقايا عادات وثنية؟

459- أليس الختان الذي صوَّره سفر التكوين على أنه عهد بين الله وشعبه، هو في حقيقته بقايا عادات وثنية، لأنه رمز لتقديم الأجساد البشرية قرابين للآلهة، فيتم الاكتفاء بقطع جزء من الجسد وتقديمه قربانًا عوضًا عن الجسد كله؟

يرى ناجح المعموري أن الذبائح الحيوانية تطوّرت إلى تقدمة الخمر والخبز، وأيضًا الذبائح البشرية تطوّرت إلى عملية الختان، فيقول ” لقد حدث تطوُّر على القربان الحيواني بأن استبدل دم الأضحية بالنبيذ ” دم الكرمة ” واللحم الآدمي بالخبز، مثلما يشهد على ذلك القربان المسيحي وأشار (فرويد) أيضًا إلى أن الختان ظاهرة وجدت عند كثير من الشعوب، وهي شاهد آخر على التحوُّل الذي طرأ على فكر التضحية بالبشر.. حيث يكتفي الإله هنا ” في طقس الختان ” بأخذ جزء من كلٍ ويتحقق فعل التضحية التي قام بها الأب فإنه يتقرَّب -بواسطة ابنه- إلى ربه ومعبوده المقدَّس”(1) 

كما يقول ناجح المعموري أيضًا ” والختان في النص التوراتي، يمثل بديلًا قربانيًا، اختصر ذلك المعتقد وهذا واضح من النص، لأن صفورة أدركت بالذي أراده الرب آنذاك، فحملت حجرًا صوانيًا وقطعت القلفة ومست بالدم رجليه، حيث تحقق للرب عرس، من خلال الدم، عرس الإله اليهودي الذي يقيم أفراحه على الأضاحي والقرابين البشرية، والختان نموذجها المختزل بجزء بسيط من الجسم ليكون تعويضًا عن الكل، واستعمال الحجر يشير إلى المرحلة المبكرة التي ساد فيها الختان كمعتقد عند العبران، وهي مرحلة الاستعانة بحجر الصوان”(2)

وإن كان الله أعطى إبراهيم عهد الختان قائلًا ” فيكون عهدي في لحمكم عهدًا أبديًا. وأما الذكر الأغلف الذي لا يختن في لحم غرلته فتقطع تلك النفس من شعبها إذ قد نكث عهدي” (تك 17: 13، 14)، أي أن الختان وصية إلهية، حتى أن من يخالفها يُقطع أي يُقتل، فلماذا لا يلتزم المسيحيون بهذه الوصية، مع أن المسيح قد خضع لطقس الختان، ويوجد عيد للختان يحتفل به المسيحيون ؟ وكيف يبطل بولس الرسول هذا العهد قائلًا ” لأن اليهودي في الظاهر ليس هو يهوديًا ولا الختان الذي في الظاهر في اللحم ختانًا. بل اليهودي في الخفاء هو اليهودي. وختان القلب بالروح لا بالكتاب هو الختان” (رؤ 2: 28، 29)(3).

ج:

1- انتشرت عادة الختان قديمًا لدى بعض الشعوب، فتمَّمه الشعب المصري كعادة صحية كما قال هيروديت، ولكن الشعوب التي عاشت في منطقة فلسطين لم تكن تمارس هذه العادة، ولذلك تعتبر علامة الختان تمييز بين شعب الله والشعوب المحيطة بهم في المنطقة، وصار الختان هو العلامة التي تميز شعب الله عن بقية الأمم، فدُعي اليهود بأهل الختان، وكان لفظ ” الختان ” يكفي للإشارة لليهود، ولفظ ” الغرلة ” يكفي للإشارة للأمم.. فالختان في اليهودية ليس بقايا عبادات وثنية، والجزء الذي يقطع لا يُحرق على المذبح لكيما يُقدم قربانًا، إنما يُلقى فيتلف ويتحلل ويعود للتراب، وظن البعض أن الختان يعد احتفالًا طقسيًا بالشخص الذي وصل إلى مرحلة البلوغ، وإعلان حقه في الزواج، ولكن شعب الله لم يمارس الختان بهذا المفهوم قط، لأنه مارس الختان في اليوم الثامن لولادة الطفل.

2- لا يعد القربان المسيحي تطوُّرًا للذبائح الحيوانية التي كانت تُقدم في العهد القديم، إنما كانت هذه الذبائح رمزًا لذبيحة السيد المسيح على عود الصليب من أجل خلاص البشرية، وسر القربان المقدَّس يعتبر امتداد لذبيحة الصليب.

3- ليس معنى القطع أي القتل، بل معناه تجريد الإنسان من هويته الدينية كفرد في جماعة الله، وقطع النفس أي رفضها من شعب الله.

4- قيل عن الختان أنه “عهدًا أبديًا” أي سيستمر مدة طويلة لحين مجيء السيد المسيح، حيث يبطل الختان بالمعمودية، فبعد أن كان الختان إشارة وعلامة للدخول في شعب الله، صارت المعمودية هي باب الدخول للمسيحية. فلم يعد الختان له قيمة غير فائدته الصحية.

5- يقول القمص تادرس يعقوب في بدء خلق الله للإنسان أقام الله العهد مع الإنسان على أساس الحب، دون أي علامة ظاهرة، إذ كان الإنسان كصورة الله متجاوبًا مع خالقه بالحب، يشتاق إليه ويجري نحوه ليسمع صوته ويفرح برؤيته، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وبعد السقوط والطوفان أعطى الله العهد لنوح ونسله ووضع قوس قزح كعلامة لهذا العهد. وإذ أراد الله أن يدخل في ميثاق مع ابرام ونسله جعل علامة في جسم كل ذكر، وعقب هذا العهد غيَّر الله اسم ارام إلى إبراهيم وساراي إلى سارة(4).

6- كان الختان علامة عهد مع الله، والالتزام بوصاياه، فهو أمر جسدي قُصد به أمرًا روحيًا، وهذا ما أوضحه موسى النبي لشعبه قائلًا ” فاختنوا غرلة قلوبكم ولا تصلّبوا رقابكم” (تث 10: 16).. ” ويختن الرب إلهك قلبك وقلب نسلك لكي تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك لتحيا” (تث 30: 6) وشكى أرميا الشعب لله قائلًا ” مَن أُكلمهم وأنذرهم ليسمعوا. ها أن أُذنهم غلفاء فلا يقدرون أن يصغوا” (أر 6: 1) وفي العهد الجديد أوضح بولس الرسول بأن الختان لا يفيد الإنسان الذي لا يطيع الوصايا (الناموس) فيقول ” فإن الختان ينفع إن عملت بالناموس. ولكن إن كنت متعبدًا الناموس فقد صار ختانك غرلة” (رو 2: 25).

7- كان الختان رمزًا للمعمودية، ومتى جاء المزمور إليه بطل الرمز، فبعد موت السيد المسيح وقيامته نحن نشاركه هذه الأحداث بالمعمودية، وبذلك بطل الختان، ويوضح هذا الأمر معلمنا بولس الرسول قائلًا ” وبه أيضًا خُتنتم ختانًا غير مصنوع بيد بخلع جسم خطايا البشرية بختان المسيح مدفونين معه في المعمودية التي فيها أُقمتم أيضًا معه” (كو 2: 11، 12) وكما كان الختان هو الباب للدخول إلى شعب الله قديمًا، هكذا المعمودية هي باب الدخول إلى شعب الله في العهد الجديد.

_____

(1) موسى وأساطير الشرق ص 197.

(2) المرجع السابق ص 174.

(3) راجع ليوتاكسل – هل التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير؟ ص 85، 86، وأحمد ديدات – عتاد الجهاد ص 18.

(4) راجع تفسير سفر التكوين ص 177، 178.

أليس الختان الذي صوَّره سفر التكوين على أنه عهد بين الله وشعبه، هو في حقيقته بقايا عادات وثنية؟