آبائيات

عقول يابسة _ أثناسيوس الرسولي

عقول يابسة _ أثناسيوس الرسولي

عقول يابسة _ أثناسيوس الرسولي

عقول يابسة _ أثناسيوس الرسولي
عقول يابسة _ أثناسيوس الرسولي
 
 
” ثم دخل ايضا الى المجمع. وكان هناك رجل يده يابسة. فصاروا يراقبونه هل يشفيه في السبت.لكي يشتكوا عليه. فقال للرجل الذي له اليد اليابسة قم في الوسط. ثم قال لهم هل يحل في السبت فعل الخير او فعل الشر.تخليص نفس او قتل، فسكتوا، فنظر حوله اليهم بغضب حزينا على غلاظة قلوبهم وقال للرجل مد يدك، فمدها فعادت يده صحيحة كالاخرى. فخرج الفريسيون للوقت مع الهيرودسيين وتشاوروا عليه لكي يهلكوه” (مر 3)
 
 
في مجمع اليهود كان هناك رجل يده يابسة. فإذا ما كان هذا الرجل ذا يد يابسة، فإن الحاضرين هناك كانوا ذوي عقول يابسة. فلم ينظروا إلى الرجل الموجود هناك، ولم ينتظروا أن تتم المعجزة على يد الصانع.
 
لكن المخلص، قبل إتمام المعجزة العجيبة، كان يحرثُ عقولهم بكلامه. ولمعرفته بشر عقلهم وعمق مرارته، عزَّاهم بأقواله أولاً مريداً أن يُروِّض وحشية فهمهم. فسألهم: 
 
“هل يحلَّ في السبت عمل الخير أم عمل الشر؟
 إنقاذ نفس أم إهلاكها؟”.
 
فلو قال “نعم، يحلُّ العمل” 
لقالوا فورا: “أنت تتكلم بخلاف الشريعة”.
 
ثم حدثهم عن قصد الشريعة، فمؤسس شريعة السبت أضاف: “أن الوصية تستثنى ما يفعل من أجل إنقاذ النفس”. فإذا وقع أحدهم في حفرة يوم السبت فيحل لليهود أن يخرجوه (لو 9: 6) وهذا لا يقتصر على الإنسان، بل ينطبق على الثور أو الحمار أيضاً. بهذه الطريقة تبيح الشريعة القيام بهذه الأعمال، ولذلك يتناول اليهود طعامهم يوم السبت.
 
ثم سألهم عن نقطة لا يختلفون في شأنها: “أيحل عمل الخير؟”، فلم يقولوا “نعم”، لأنهم لم يكونوا ذوي إرادة صالحة. 
 
…….
 
لكن يسوع حزن في قلبه حزناً عميقاً لقسوة قلوبهم، وقال للإنسان الذي شفاه: 
 
“فليُحدِّق فيك أولئك الذين يُبصرون وليفعل الذين أصمُّوا آذانهم ما يشاؤون.
وليُصبح حجارة أولئك الذين غلُظت قلوبهم.
ولتُصبح يمينك ليِّنة. قُم ولا تتسول بعد الآن.
 
لا تتسول بعد الآن، لأن يمينك عادت صحيحة سليمة وبدأت بالعمل،
أمددها للفقير.
قُم وقف في وسط الجموع.
 
صِر مشهداً للذين يُبصرون.
فيك يُحلُّ الخلاف حول يوم السبت.
قف في وسطهم، لكي يقف العُرج إن كانوا يسمعون أو يرون.
 
قف في وسطهم وكلم اليهود بأنه يحلُّ فعل ذلك … 
أمدد يدك.
إني لا ألمسك لئلا يُوجه اليهود إلى تُهمة. 
 
أحادثك بالكلمة لئلا يظنوا أن اللمس هو عمل تمنعه الشريعة. 
لم يقل الله “لا تتكلم يوم السبت”
ولكن إن كان الكلام قد أصبح عملاً من الأعمال، فليتعجب المتكلم
أمدد يدك”.
 
ومع أن اليد اليابسة شُفيت إلا أنَّ عقول اليهود اليابسة لم تُشف!
فهم خرجوا في الحال، استناداً إلى قوله، وتشاوروا في ما سيفعلون بيسوع. 
 
أتتشاورون في ما ستفعلون؟
 
أعبُدوه كرب. اسجدوا له كإله، اسجدوا لصانع العجائب.
 
اسجدوا للإنسان الذي يعمل أعمالاً تفوق قدرة الإنسان. فهو لم يَجبِر اليد بالجصّ، ولم يٌطرِّها بالمستحضرات. ولم يُحضر المراهم الطبية. ولما وقف في وسطهم قام بهذا العمل على مرأى من الجميع، وليس في مكان مخفي لئلا يقولوا: “إنه أحضر عقاقير نباتية وجبرها بالجصِّ”
 
 
 
المرجع: التفسير المسيحي القديم للكتاب المقدس، تفسير إنجيل مرقس، منشورات جامعة البلمند
 
 
Reference: Athanasius, Homilia de semente 28; TLG 2035.069; PG 28:144
 

عقول يابسة _ أثناسيوس الرسولي