أبحاث

الثالوث القدوس والمنطق – مينا كيرلس

الثالوث القدوس والمنطق – مينا كيرلس

الثالوث القدوس والمنطق - مينا كيرلس
الثالوث القدوس والمنطق – مينا كيرلس

الكثير ممن لا يؤمنون بالثالوث يهاجمون عقيدة الثالوث لأسباب متعددة:

١- ايمانهم بأن عقيدة الثالوث ليست صحيحة.

٢- ايمانهم بأن هناك عقائد اخرى أفضل واصح من الايمان بعقيدة الثالوث.

٣- حب الخير للغير ولذلك يريدون من الاخرين اتباع نفس العقائد التي يعتقدون بصحتها.

٤- الثالوث غير منطقي.

 

وربما هناك اسباب اخري مهمه للبعض وغير مهمة للبعض الاخر.

 

لنناقش السبب الرابع وهو ان الثالوث غير منطقي، لكن قبل ذلك يجب ان نوضح بعض الامور.

 

ما المقصود بالمنطق؟

يكتب لويس كارول “إذا كان الأمر كذلك، فقد يكون كذلك؛ وإذا كان الأمر كذلك، فسيكون كذلك؛ ولكن لأن الأمور ليست كذلك، فهي ليست كذلك. هذا منطق.”[١]

 

عُرف المنطق بتعاريف مختلفة منها أنه:

(۱) هو علم قوانين الفكر.

(۲) هو علم القوانين السورية أو الضرورية للفكر.

(۳) هو قانون تعصم مراعاته الذهن من الخطأ في الفكر (4) هو علم الاستدلال.

(٥) فن توجيه الفكر الى الصراط المستقيم في اكتساب العلم بالأشياء.

(6) علم يبحث فيه عن القوانين العامة للتفكير، وغايته البحث في الأحوال والشروط التي يتوافرها يستطيع المرء الانتقال من قضايا مسلم بصحتها إلى قضايا أخرى جديدة، فهو خاص ببيان الطرق الصحيحة التي بها يحصل التفكير الصحيح من غير نظر الى المواد الواقع عليها التفكير ويراد بقانون الفكر الاطراد الحاصل والذي يجب أن يحصل في الكيفية التي بها يفكر كل ذي عقل سليم والقوانين الفكرية قوانين طبيعية لا يستطيع أن يؤثر فيها أي امرئ أو يغير فيها بخلاف القوانين الاجتماعية أو الادارية فإنها من وضع الانسان فهي قابلة التعديل والتغيير. [٢]

 

المنطق هو دراسة الأساليب والمبادئ المستخدمة للتمييز بين التفكير الجيد (الصحيح) والسئ (غير الصحيح). [٣]

 

ما المقصود بالثالوث؟

لم ترد كلمة «الثالوث» في الكتاب المقدس، حيث لا يذكر الكتاب المقدس هذا اللفظ بالذات تعبيرا عن مفهوم أنه ليس هناك سوى الله الواحد الحقيقي، وأن في وحدانية الله ثلاثة أقانيم هم واحد في الجوهر ومتساوون في الأزلية والقدرة والمجد، لكنهم متمايزون في الشخصية. وعقيدة الثالوث عقيدة كتابية، ليس باعتبار ورودها نصا في الكتاب المقدس، لكن باعتبارها روح الكتاب المقدس.

والتعبير عن عقيدة كتابية بعبارات كتابية أفضل لحفظ الحق الكتابي وتظهر عقيدة الثالوث في نسيج الأسفار المقدسة، لا في صيغة محددة وإنما في إشارات متفرقة. وعندما نتحدث عن عقيدة الثالوث فإننا لا نخرج عن دائرة الكتاب ولكننا نجمع شتات هذه الاشارات في مفهوم عقائدي واضح. وقد نعبر عن هذه العقيدة بأسلوب فلسفي وبعبارات فنية لكنها لا تخرج بذلك عن كونها عقيدة كتابية.

 

إن أساس عقيدة الثالوث هو الاعلان الإلهي، فهي تجسد الحق الذي لم يقدر العقل البشري الطبيعي أن يكتشفه، ولن يقدر من ذاته، لأن الانسان بكل ثاقب عقله، ليس في مقدوره أن يكتشف أمور الله العويصة. [٤]

الثالوث القدوس والمنطق - مينا كيرلس
الثالوث القدوس والمنطق – مينا كيرلس

فيكون الاستنتاج كالاتي:

إذا كانت القوانين الفكرية قوانين طبيعية لا يستطيع ان يؤثر فيها الانسان بخلاف القوانين الاجتماعية والادارية وبما ان علم المنطق قائم على قوانين الفكر، النتيجة تصبح انه لا يمكن وضع حدود معينه او قوانين لماهية طبيعة الله، ولا اعتقد ان هناك قانونا طبيعيا يمكن ان يصف طبيعة الله، لان الله هو خالق الطبيعة وواضع القوانين.

 

وبالتالي:

يحاول الإنسان أنْ يضع الثالوث الأقدس، سرّ الله كلّه، في ميزان عقله. وقد يكون هذا طموحًا، إنْ لم يكن غرورًا وكبرياءً، إذ كيف يستطيع الإنسان المحدود، بعقله المحدود، أنْ يقيِّم ويضع في ميزان عقله سرّ الثالوث الأقدس، الذي هو سرّ الله؟ [٥]

 

صحيح انه لا يمكننا الحكم على طبيعة الله من خلال المنطق البشري الا انه احيانا نقوم بارتكاب مغالطات منطقية عندما نفعل ذلك.

 

مغالطة الإحراج الزائف (القسمة الثنائية الزائفة):

يقع المرءُ في هذه المغالطة عندما يبنى حجته على افتراضِ أن هناك خيارين فقط او نتيجتين ممكنتين لا أكثر، بينما هناك خيارات أو نتائج أخرى. إنه يغلق عالم البدائل الممكنة أو الاحتمالات الخاصة بموقف ما، مبقياً على خيارين اثنين لا ثالث لهما أحدهما واضحُ البطلان والثاني هو رأيه دام فضلهُ. [٦]

 

مثل السؤال الاتي…. هل الثالوث غير منطقي؟ فتكون الإجابة نعم او لا بينما الإجابة هي ثالثة (الثالوث) فوق المنطق بينما يفترض السائل ان الاجابة الاصح هي لا… الثالوث غير منطقي.

 

ما هي تعاليم اباء الكنيسة عن الله واسراره (سر الثالوث على وجه الخصوص)؟

 

يقول القديس ثاوفيلس الأنطاكي:

فكما أن النفس في الإنسان لا تُرى، فهي غير مرئية للناس، بل تُدرك من خلال

حركة الجسد، لذلك لا يمكن رؤية الله بالعين البشرية، ولكن يمكن رؤيته وإدراكه

من خلال عنايته وأعماله. [٧]

 

يقول القديس ارينيئوس في وصف الله:

ولكن لو كانوا قد عرفوا الكتب المقدسة، ولو كانوا قد تعلموا من الحق، لكانوا قد عرفوا – بلا شك – أن الله ليس مثل البشر، وأن أفكاره ليس مثل أفكار البشر. لأن أب الكل هو على مسافة شاسعة عن تلك العواطف والأهواء التي تعمل بين الناس. هو كائن بسيط غير مركب، بدون أعضاء متعددة، وهو متماثل ومساو لنفسه تماما، حيث إنه كله فهم، وكله روح، وكله فكر، وكله ذكاء، وكله عقل، كله سمع، وكله نظر، وكله نور، والينبوع الكلي لكل ما هو صالح – بقدر ما يرغب المتدينون والأنبياء أن يتكلموا عن الله.

وهو فوق لكل هذه الخصائص، ولذلك، فهو غير قابل للوصف، لأنه يمكن حسنا وبصواب أن يدعى ” فهم ” الذي يدرك كل الأشياء؛ ولكنه ليس على هذا الأساس مثل فهم البشر، وبصواب تام يمكن أن يدعي ” نور ” ولكنه ليس مثل ذلك النور الذي نعرفه. [٨]

 

كما يقول العلامة أوريجانوس عن سر التجسد (الذي هو أحد اسرار الله)

 

يجب التأمل في هذا السر بكل مخافة وورع حتى يتم الكشف عن حقيقة كل من الطبائع في كائن وحيد، لئلا يفتكر أحد بشيء ما مهين وشائن بشأن هذا الكائن ذي الجوهر الإلهي الذي لا يوصف، أو يعتقد بنقيض ذلك أن ما جاء به وهم تخيل خاطئ. إن بسط هذا على مسامع البشر وشرحه عبر كلمات يتخطى أشواطاً طاقات قدرتنا وموهبتنا وحديثنا. بل أجزم بأنه يفوق حتى قياس الرسل القديسين. ولعل شرح هذا السر أعسر مثالاً على قوات المعمورة السماوية قاطبة. فلا عن تهور، وإنما من أجل تتمة التبسط، نعرض في وجيز الكلام ما يشتمل عليه إيماننا بدلاً من طروحات العقل البشري، مقدمين ما يتهيأ لنا أكثر مما هو ثابت طرحه. [٩]

الثالوث القدوس والمنطق - مينا كيرلس
الثالوث القدوس والمنطق – مينا كيرلس

وكانت معرفه الله مرتبطة بمعرفه عقيدة الثالوث فيقول أرستيدس عن اليهود:

 

“هم يعبدون الأن ايضاً الله الواحد والضابط الكل، لكن من دون أن يعرفوه، لأنهم ينكرون المسيح ابن الله”.

 

ثم يُكمل:

“يرجع المسيحيون في أصلهم إلى الرب الذي جاء من السماء بالروح القدس لخلاص البشرية وتعترف بأنه ابن العلي، ووُلد من العذراء بدون زرع بشر وأتخذ جسدا بغير فساد، وظهر بين الناس ليدعوهم من خطأ الوثنية، وعندما أتم مهمته العجائبية، ذاق الموت بإراته الحرة على الصليب لهدف سام، ثم عاد إلى الحياة ثانية بعد ثلاثة أيام وصعد إلى السماء.

 

ومن الممكن لك أيها الملك أن تتعلم لتعرف خبر مجيئه في الإنجيل المقدس المكتوب كما ننادي به، ويمكن لنا أن نقدم لك نسخة منه. وكان له اثنا عشر تلميذا الذين ذهبوا بعد صعوده إلى السموات إلى بلاد العالم ليعلموا بعظمته، وبهذه الطريقة جاء واحدا منهم إلى الأماكن التي حولنا يعلن عن عقيدة الحق. ومنذ ذلك الوقت فالذين استمروا يدركون الحق الذي بشر به تلاميذه يدعون مسيحيين.

 

وهؤلاء هم الذين فوق جميع شعوب الأرض، وجدوا الحق. لأنهم يعترفون بالله خالق وصانع كل شيء في الابن المولود الوحيد وفي الروح القدس. “[١٠]

 

وكما يقول اللاهوتي ويليام چي. تي. (Willam G. T Shedd): عقيدة الوحدة الالهية هو حقيقة الدين الطبيعي، اما عقيدة الثالوث هي حقيقة الدين المُعلن. [١١]

 

هل يكون ايماننا بسر الثالوث اعمى بدون فهم او منطق بشري؟

“سر” في المسيحية لا يعني أن يتقبل المؤمن عقائد غامضة دون فهم، أو أن هذه العقائد غير مقبولة عقليا؛ فعندما نتحدث عن الأسرار الإلهية الخاصة بجوهر الله وطبيعته وأعماله، إنما نعني أن الله يعلن لنا عن هذه الأمور بكوننا كائنات عاقله، واهبا إيانا الاستنارة الإلهية التي تكشف لنا عن المعرفة الإلهية التي هي بحق فائقة السمو. تبقى عقولنا عاجزة عن استيعاب هذه الأسرار طبيعيا دون تدخل نعمة الله وإعلانه. فالسر لا يضاد العقل الإنساني، لكنه بدون معونة الله يبقى فائقا بعيد الإدراك.

 

خلقنا الله كائنات عاقلة لا كائنات بهيمية. وهو يعلن لنا عن ذاته وعن أعماله لا ليلغي عقولنا، ولكن ليسمو بها، فتقبله طبيعتنا البشرية وتتعرف على أسراره. أعطي لكم أن تعرفوا سر ملكوت الله ” (مر 11: 4). ” إذ عرفنا بسر مشيئته حسب مسرته التي قصدها في نفسه (أف 9: 1). الله الذي يحب البشر ككائنات عاقلة، تحدث مع موسى كما يكلم الرجل صاحبه (خر ۱۱:۳۳) وهو يشتاق أن يدخل في حوار مع كل مؤمن. [١٢]

 

ويعلم القديس باسيليوس الكبير

لننتبه إلى حكمة الرب: «لنصنع الإنسان على صورتنا … وليتسلط …..» هناك ترابط محكم العروة بين صنع الإنسان على صورة الله وبين السلطان على سمك البحر وطير السماء والبهائم وجميع الأرض وكل الدبابات الدابة على الأرض. ومن الطبيعي ان هذا التسلط لا يكون إلا بواسطة العقل. فجسد الإنسان هو أضعف من جسد الحيوان، ولا يقدر على الحيوان بواسطة الجسد، بل بواسطة العقل. [١٣]

 

لماذا لا يمكن ان نفهم الثالوث بالمنطق البشري؟

 

ربما يجيب على هذا السؤال الفيلسوف المسيحي سي أس لويس (C.S Lewis) فيقول:

تعلمون أنكم في الفضاء (أو الفراغ) تستطيعون أن تتحركوا في ثلاثة اتجاهات: إلى اليسار أو اليمين، إلى الوراء أو الأمام، إلى فوق أو إلى تحت. وكل اتجاه فهو إما واحدُ من هذا الثلاثة، وإما منزلة وسط بينها. وتُدعى هذه الاتجاهات “الأبعاد الثلاثة”. فلاحظ ما يلي الآن.

 

إذا كنت تستخدم بُعداً واحداً فقط، يمكنك أن ترسم فقط خطاً مستقيماً. وإذا كنت تستخدم بُعدين، يمكنك أن ترسم شكلاً مُسطّحاً، كالمربع مثلاً. والمربع يتكون من أربعة خطوط مستقيمة. ولنخط الآن خطوة أخرى إلى الأمام. إذا كان لديك ثلاثة أبعاد، ففي وسعك عندئذ أن تبني ما ندعوه شكلاً مجسّماً، كالمكعب مثلاً: شيئاً يُشبه النرد (زهر الطاولة) أو مكعب السُكر. ومعلوم أن المكعب يتكون من ستة مربعات.

 

هل فهمت المقصود؟ إن عالماً ذا بعد واحد من شأنه أن يكون خطاً مستقيماً. وفي عالم ذي بُعدين، ما تزال تحصل على خطوط مستقيمة، ولكن بضعة خطوط تكون شكلاً ما. أما في عالم ثلاثي الأبعاد، فإنك ما تزال تحصل على أشكال، ولكن بضعة أشكال تكوّن مجسّماً واحداً. وبكلمة أخرى: إذا تقدمت إلى مستويات أكثر واقعية وأكثر تعقيداً، فأنت لا تتخلى عن الأشياء التي وجدتها على المستويات الأبسط، بل ما تزال تلك لديك إنما متشكلة بطرق جديدة… بطرق ما كنت لتتصورها لو لم تعرف سوى المستويات الأبسط.

والآن، فالفكرة المسيحية عن الله تنطوي على المبدأ عينه تماماً. ذلك أن المستوى البشري مستوى بسيط وفارغ بالأحرى. فعلى المستوى البشري، الشخص الواحد كائن واحد، وأي شخصين هما كائنان منفصلان، تماماً كما أنه في بُعدين (على ورقة مُسطحة مثلاً) يكون المربع الواحد شكلاً واحداً، وأي مُربعين اثنين يكونان شكلين منفصلين.

 

أما على المستوى الإلهي، فما تزال تجد شخصيات، غير أنك هنالك تجدها متحدة بطرق جديدة لا يمكننا، نحن الذين لا نعيش على ذلك المستوى، أن نتصورها. ففي البعد الإلهي، إذا جاز التعبير، تجد كائناً ذا ثلاث شخصيات (أقانيم) فيما يبقى كائناً واحداً، كما أن المكعب هو ستة مربعات فيما يبقى مكعباً واحداً. طبعاً ليس في وسعنا أن نتصور تماماً كائناً كهذا: تماما لما لو أننا كنا مخلوقين على نحو لا يمكننا من إدراك سوى بُعدين فقط في الفضاء، أو الفراغ، لما كان في وسعنا أبداً أن نتخيل مُكعباً بالطريقة الصحيحة. [١٤]

 

لكن اذا كان سر الثالوث يفوق قدراتنا العقلية البشرية، لماذا نستعمل التشبيهات؟

 

يرد على هذا السؤال القديس هيلاري أسقف بواتيه…

لو أننا في نقاشنا عن طبيعة وميلاد الله نقدم تشبيهات جزئية محدده، فلا يجب أن يفترض أحد أن مثل هذه المقارنات مضبوطة وكاملة. لا يمكن أن يكون هناك مقارنة بين الله والأمور الأرضية، ومع ذلك فإن ضعف فهمنا يدفعنا للبحث عن صور إيضاحية من عالم أقل لأجل شرح قصدنا بخصوص أفكار أكبر. إن طريقة الحياة اليومية تظهر كيف أن خبرتنا بالأمور الاعتيادية تُمكننا من تكوين استنتاجات بخصوص موضوعات غير مألوفة.

 

لذا يجب أن نعتبر أية مقارنة كأنها مساعدة للإنسان أكثر من كونها تصويرا الله، بما أنها توحي بالمعنى الذي نريده، أكثر من كونها تعالجه. لكن لا يجب اعتبار تلك المقارنة أمرا شديد الوقاحة، حينما تضع الطبائع الجسدية مع الروحية جنبا إلى جنب، والأمور غير المرئية مع الملموسة، لأنها تجاهر بنفسها كمعونة ضرورية لضعف العقل البشري، وتستنكر الإدانة الناتجة عن تشبيه جزئي ناقص. [١٥]

 

والبعض قد يقول ان استخدام التشبيهات في المنطق هنا هي مغالطة منطقية تسمى (التفكير التشبيهي) او (الأنالوجي الزائف) والتي يقع فيها الضعيف عندما يعقد مقارنة بين أمرين ليس بينهما وجه للمقارنة، أو أمرين بينهما مجرد تشابه سطحي وليس بينهما وجه شبه يتصل بالشأن المعني الذي تريد الحجة أن تُثبته.

ويتألف “الأنالوجي الزائف” من افتراض أن الأشياء المتشابهة في وجه من الوجوه لابد من أن تكون متشابهة في وجوه أخرى. وعليه فمادام شيئان، أ وب، متماثلين في جانب من الجوانب فإنهما، إذن، متماثلان في جوانب أخرى، أو في جميع الجوانب.

أما اهميتها:

من الحق أن قدراً كبيراً من معرفتنا يقوم على إدراك التشابه بين الأشياء، ومن ثم تصنيفها في فئات، ويقوم على التعميم من أمثلة محددة إلى صور عامة أو مبادئ مجرده، وعلى التعلم من سابقات الوقائع من اجل تعزيز الفائدة وتجنب الضرر، وعلى تطبيق معرفتنا بشئٍ ما – في تناولنا لشئٍ آخر مشابه.

 

وليس من قبيل المبالغة أو الغلو أن نقول إن كل صور الاستدلال وإعمال العقل، وكل ضروب الإدراك الحسي والذهني، إنما تستند إلى قدرتنا على تمييز أوجه التشابه ذات الصلة ومعاينة القواسم المشتركة من خلال هذا التدفق الكاليدوسكوبي لأشياء العالم وأحداثه ومرائيه.

 

أما حدود الأنالوجي ومخاطره:

غير أن الأشياء (وكذلك المواقف والاحداث والتصورات) لا يمكن أن تتماثل تماماً، وإلا لكانت العلاقة بينها علاقة “هوية” identity لا مجرد “تماثل” analogy. فهناك دائما نقطة ينهار عندها التماثل ويبدأ تدفق الاختلافات. ثمة دائماً نقطة فراق مادام أعضاء كل فئة إنما يجمعهم التماثل لا الهوية.

 

كما ان الأنالوجي المجازي (البيانى/التصويرى) Figurative analogy:

هو الصور البيانية، من تشبيه وإستعارة…إلخ، وسائط ضرورية لنقل الأفكار وتوصيل المعلومات وتقريبها إلى الاذهان. تتيح لنا الصور البيانية أن نتحدث عن مفاهيم جديدة غير مألوفة للمستمعين في حدود قديمة مألوفة لديهم، استناداً إلى وجه شبه معين بين الفكرة المجهولة التي نريد إيضاحها لهم والفكرة المألوفة التي يعرفونها من الأصل، امتدادا بخصائص أخرى للمألوف لكي توازى خصائص أخرى للمجهول. تضطلع هذه الملكةُ التصويرية البيانية بدور كبير في التفكير والتواصل، وتمثل عنصراً حيوياً من عناصر الفهم والإفهام.

 

غير أن الصور البيانية لا يمكن أن تستخدم استخداماً مأموناً إلا كوسيلة إيضاح لمعنى معين يرمى إليه المتحدث. إنها أدوات للتعبير وليست مصادر للمعرفة؛ إنها وسائل لتقريب الأفكار لا للبرهنة عليها، وسائط للتوصيل لا للتدليل، للإفهام لا للإفحام. [١٦]

 

وهذا بالضبط ما نقوم به منطقياً كما وضح القديس هيلاري.

 

الحقيقة ان الاغلبية من المشككين والمهاجمين يهاجمون فكره مشوهه عن الله المثلث الأقانيم وليس ايمان الكنيسة القويم في الثالوث، وهذه مغالطة منطقية اخرى تُسمى بمهاجمة رجل من القش.

هي تلك المغالطة العتيدة التي يعمد فيها المرءُ إلى مهاجمة نظرية اخرى غير حصينة بدلاً من نظرية الخصم الحقيقة. وذلك تحت تعميةٍ من تشابه الأسماء أو عن طريق إفقار دم النظرية الأصلية وتغيير خصائصها ببترها عن سياقها الحقيقي أو بإزاحتها إلى ركن قَصِىَّ متطرف. ويشبه هذا الجهد العقلي العقيم، سواء حسنت النية أو ساءت، أن يكون رمياً لخصم من القش بدلاً من الخصم الحقيقي….. إنه لأيسرُ كثيراً أن تنازل رجلاً دُميةً من أن تُنازل رجلاً حقيقياً. [١٧]

 

والان لنتحدث عن بعض المجادلات السخيفة التي يستخدمها البعض لنقد عقيدة الثالوث:

 

الفرضية الاولى:

المسيحية تقوم على ٣ آلهة.

وهذا منطق غريب، المسيحية المولودة في حضارة وبيئة يهودية اساسها “«اِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ.” (تث 6: 4). مروراً بكل النصوص والعبارات في الكتاب المقدس حتى قانون الايمان المسيحي الذي يبدأ بـ(بالحقيقة نؤمن بإله واحد) المكتوب في مجمع نيقية عام ٣٢٥م.

 

ولأننا في عصر غريب قد انتشر فيه الجهل والخرافات رغم التطور التكنولوجي، فقد نادى البعض بأن أباء الكنيسة كانوا يُعلِمون بعقائد لا تمس الكتاب المقدس ولا تعاليم المسيح بصله، فربما يقضي الشخص الغير مؤمن أكثر من ٢٠ عاماً في دراسة المسيحية وينتهي به الامر جاهلاً بالعقائد المسيحية والتاريخ المسيحي.

 

نادى البعض بأن اريوس كان موحد اما أثناسيوس فقد كان ينادى ب ٣ آلهة وهو شيء لم نسمعه من قبل، بل وان المجمع كله كان مع اريوس ولكن الملك قسطنطين اجبرهم على الاعتقاد بنفس عقيدة أثناسيوس ونشر هذا المذهب في الإمبراطورية.

 

اولا: يكتب نيافة الانبا بيشوي عن مجمع نيقية:

انعقد المجمع المسكوني بأمر الملك قسطنطين خوفا من الانقسام الحاد الحادث في الامبراطورية بسبب بدعة أريوس، وكان انعقاده سنة ٣٢٥ م في نيقية بعدد 318 أسقفا، كما ذكر القديس أثناسيوس الذي كان شاهد عيان وأحد أعضاء المجمع في خطاب له. في البداية كان 16 أسقفا مؤيدين لأريوس، و۲۲ أسقفا مؤيدين للبابا ألكسندروس، والباقي لم يكن موقفهم قد تحدد بعد.

 

أما بنهاية المجمع فقد ظل أسقفين فقط مؤيدين لأريوس وهما سيكوندوس وثينوناس اللذين رفضا التوقيع على إيمان المجمع مع الكهنة الملتصقين بهما، وفي أيام القديس إبيفانيوس كانت توقيعات الـ 318 الحاضرين في نيقية لازالت موجودة. هذا كان بفضل شرح القديس أثناسيوس للإيمان ورده على إفتراءات أريوس، وفي هذا نرى مدى عظمة الدفاع السكندري في المجمع. ولم يكن الوصول لقرار المجمع بالأمر الهين بل استدعى الأمر مجهودا رهيباً. [١٨]

 

ويقول هرنك إن تعاليم أريوس انتشرت بسرعة في العهد القسطنطيني بين الوثنيين المتعلمين وأنصاف المتعلمين الذين انضموا الى الكنيسة في ذلك الوقت. لأنها كانت تتفق الى حد كبير مع بعض الأفكار الوثنية التي تنادى بأن الله واحد سام ولا يمكن مقارنته بأحد، والذي منه خرجت عدة آلهة. [١٩]

 

ويقول القديس البابا أثاناسيوس:

فالثالوث ليس مخلوقا، بل هو أزلي، بل يوجد لاهوت واحد في ثالوث، وهناك مجد واحد للثالوث القدوس. وأنتم تتجاسرون على تمزيقه إلى طبائع مختلفة. [٢٠]

 

ومن هذه الاقتباسات الثلاثة يتضح ان بعض الافكار المُتسللة الى عقولنا هي بلا سند او اساس صحيح. فالاريوسية تنادي ان الثالوث الذي نقدم اليه العبادة والاكرام هو مخلوق بسبب اختلاف الجواهر والطبائع، فطبيعة الاب ليست طبيعة الابن وطبيعة الاب والابن ليست هي طبيعة الروح القدس وهذا هو المعنى الحقيقي ل ٣ آلهة والذي رفضه القديس البابا أثناسيوس.

 

لا يمكننا ان نجد في كتابات الاباء والتي تعكس ايمان الرسل المُدون في الكتب المقدسة، أي شيء عن ٣ آلهة، بل بالأحرى، نجد إله واحد له طبيعة ثالوثية، وسأعرض بعض الامثلة.

 

يقول القديس ارينيئوس:

إذ نحن متأكدون بصواب إن الكتب المقدسة هي كاملة حقا، لأن الذي نطق بها هو كلمة الله وروحه، أما نحن فطالما نحن أقل من كلمة الله وروحه، وجئنا إلى الوجود بعده، فإننا لهذا السبب معدمون من معرفة أسراره. [٢١]

 

يكتب القديس اغناطيوس الانطاكي:

توقوا إذن أن تثبتوا في وصايا الرب والرسل، حتى في كل ما تعملون تنجحون جسديا وروحيا، في الإيمان والمحبة، في الابن والآب وفي الروح، في البداية وفي النهاية، مع أسقفكم الكثير الورع وذلك الإكليل المزدان بجمال روحي الذي هو مجمع القساوسة والشمامسة الروحيين. [٢٢]

 

يكتب القديس كليمندس الروماني:

أليس لنا إله واحد، مسيح واحد، روح نعمة واحد ينسكب علينا؟ [٢٣]

 

يصلي القديس بوليكاربوس اثناء استشهاده:

لأجل كل شيء، أُسبحك وأُباركك وأُمجدك برئيس الكهنة الأبدي السماوي، بيسوع المسيح ابنك الحبيب الذي له المجد معك ومع الروح القدس الآن وفي الدهر الآتي. آمين. [٢٤]

 

والكثير من أباء الكنيسة في القرون اللاحقة. لكني اختم باقتباس أخير، ومن يقول بغير ذلك وُجب عليه إبراز الدليل.

 

يكتب القديس كيرلس السكندري:

لأننا قد تعمدنا باسم الأب والابن والروح القدس، وبالطبع لا نقول إننا نؤمن بثلاثة آلهة، لكن بألوهة واحدة ممجدة في الثالوث القدوس. “[٢٥]

 

لذلك فمن الواضح ان المسيحية لا تعترف بتعدد الآلهة بل وايضاً لا تقبل الاعتقاد بتعدد الآلهة. فمصطلح الثالوث في الانجليزية يعنى Trinity أصله Tri-unity يعنى ثلاثة أقانيم متحدين وليس Tritheism والذي معناه ثلاثة آلهة.

 

الفرضية الثانية:

في المسيحية ١+١+١=١

وفي الحقيقة لم أجد هذه الفرضية في أي من مصادر التعليم في الكنيسة، ولا اعتقد ان من اخترع هذه الفرضية كان مسيحياً، صحيح ان سر الثالوث هو فوق العقل، لكن الله يتعامل مع الإنسان بعقلانية، مع ان المنطق البشري له حدود، فالله ليس لو حدود وليس لديه مستحيلات، لكن الله ليس ضد العقل وليس ضد المنطق بل يسمو عن العقل والمنطق البشري.

 

اما الذي وضع هذه الفرضية وألصقها بالمسيحية، فقد اراد فقط ان يشوه العقيدة الثالوثية وترك انطباع انها غير منطقية، وبهذا وقع هذا الشخص في مغالطة منطقية تُسمى (سرير بروكُرست): يشير إلى نزعة إلى “فرض القوالب” على الاشياء (او الأشخاص، أو النصوص…) أو لَىِّ الحقائق وتشويه المعطيات وتلفيق البيانات لكي تنسجم قسراً مع مخطط ذهني مسبق. [٢٦]

 

يكتب الكاردينال فالتر كاسبر (Walter Kasper):

من الواضح أن عقيدة الثالوث الكنسية لم تؤيد قط القول غير المعقول تماماً، والذي ما برح اتهاماً يتردد: أن ١ يساوي ٣. وهذا لن يكون واقعاً إلا أذا قيل: شخص واحد يساوي ثلاثة أشخاص، أو جوهر إلهي واحد يساوي ثلاثة جواهر إلهية، وإذا قيل بالتالي إن في الله الوحدة والثالوث هما من حيثية واحدة. فذلك يكون ضد مبدأ عدم التناقض الذي يقول باستحالة أن يكون نفس الشيء الوحيد، في الوقت عينه، واحداً وثلاثة من الحيثية ذاتها.

 

والواقع أن المقبول في الاعتراف الثالوثي هو وحده الجوهر وثلاثية الأقانيم (الاشخاص)، أو وحدة الجوهر في ثلاثية الأقانيم، فالكلام إذن يتناول الوحدة والثلاثية من جهتي نظر مختلفتين، وعليه ينتفي التناقض الداخلي.

 

ويُكمل ان الوحدة هي التحديد الأول والأساسي للكائن، فالوحدة كتحديد متعالٍ للكائن ليست إذن العدد، بل هي بالأحرى إمكانية الترقيم وقياس الأعداد. والوحدة الكمية القابلة للعد ليست سوى شكل سُفلي، متفرع، يفترض من قبل أشكالاً أسمى للوحدة. إذ لا يمكن التفكير في عدد كبير من الكائنات إلا بفضل وحدة النوع والجنس المتعالية.

 

والكلام على ثلاثة أو أربعة رجال لا معنى له إلا إذا كان هؤلاء الثلاثة أو الأربعة يشتركون في ذات إنسانية وحيدة، وبالتالي إذا افترضنا من قبل الوحدة النوعية ومفهوم الإنسان العام القائم عليها. وبالتالي فالوحدة العددية تفترض من قبل وحدة النوع والجنس. إذ بدون وحدة كهذه تشمل الكل، على تعدد مجالات الواقع، لا يكون العالم سوى كومة من الكُناسات مرمية بلا تبصر، ولا نظام لها ولا سبب.

 

ألا يكون الله بدون مثل هذا التعدد في الوحدة، كائناً منفرداً جدا، يحتاج بالضرورة إلى العالم كشريك، فينقذ هكذا ألوهيته؟ أفكار كهذه تؤدي إلى هذا الاستنتاج: أن تأكيد الوحدة الإلهية يتضمن مسألة الثالوث، وليس فقط لا يستبعدها.

 

كما انه لا يمكن التفكير في “أنا” بدون “أنت”، فهل يكون الإنسان أو البشرية أو الشعب هو المقابل حيال الله؟ فلو لم يكن حيال الله سوى الإنسان لكان هذا شريكاً حتمياً له. وحينئذ لن يكون الإنسان محبوباً في المحبة التي يُسبر غورها، الحرة، المجانية، ولن تكون محبة الله للإنسان نعمة، بل حاجه الله شخصية، واكتماله الخاص.

 

يعطينا العهد الجديد جواباً واضحاً عن السؤال المطروح في العهد القديم في شأن من هو حيال الله: يسوع المسيح، ابن الله، هو ال “انت” السرمدي للآب. نحن في الروح القدس مقبولين في شركة محبة الآب والابن.

 

ويعنى التقابل بين سر الإنسان وسر الله أولا أنه بإمكان العقل أن يبين أن السر الثالوثي ليس فيه تناقض وليس فيه حمق بحد ذاته. وهو لا يؤدي إلى القول اللامعقول بأن الواحد يساوي ثلاثة أو حماقات أخرى. [٢٧]

 

للتبسيط:

عندما نتعامل مع كائنات محدودة نشير اليها بوحدات تحددها الجنس او النوع ومن ثم العدد ….

يمكننا ان نجمع اشياء من نفس النوع بمعنى

برتقالة واحدة مع برتقالة واحدة اخرى تساوى برتقالتين اثنتين.

لكن

برتقالة واحده مع تفاحه واحده مع موزة واحدة لا تساوي ثلاث برتقالات، بسبب اختلاف الوحدات.

 

أما عندما نُشير الى الله بمعادلة حسابية فتكون المعادلة كالآتي

١×١×١=١

وذلك لأن الابن في الأب والأب في الابن (أَنَا فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ. إنجيل يوحنا 14: 10)

مما يعنى ان الأقانيم ليست منفصلة عن الأخرى كما يؤكد الأسقف كاليستوس وير (Kallistos Ware) الآتي:

الأب والابن والروح واحد في الجوهر، لا بمعنى فقط أن الثلاثة هم أمثله لنفس المجموعة أو الجنس العام، بل بمفهوم أنهم يشكلون معا حقيقة واحدة فريدة وخاصة. وفي هذا الصدد هناك فارق هام بين معنى أن أشخاص الله الثلاثة هم واحد، ومعنى أن يدعى ثلاثة أشخاص من البشر واحدا. فالأشخاص الثلاثة من البشر بطرس ويعقوب ويوحنا، ينتمون إلى نفس الجنس العام، جنس ” الإنسان “.

 

وبرغم أنهم متقاربون معا متعاونون معا، فإن لكل واحد منهم إرادته الخاصة وقدرته الخاصة، يعمل كل واحد بمقتضى قوته الخاصة المنفصلة في اتخاذ القرار أو المبادرة. باختصار، هم ثلاثة رجال وليس رجلا واحدا. لكن في حالة أشخاص الثالوث الثلاثة ليس الأمر هكذا.

 

هناك تمايز، لكن ليس هناك انفصال على الإطلاق. فالأب والابن والروح كما يؤكد القديسون – تابعین شهادة الكتاب المقدس ـ لهم إرادة واحدة فقط وليست ثلاث إرادات. لهم طاقة واحدة وليست ثلاثا. لا أحد من الثلاثة يعمل منفردا، بمعزل عن الاثنين الآخرين. هم ليسوا ثلاثة آلهة، بل إله واحد.

 

وأيضا أن إله المسيحيين ليس مجرد وحدة Unit من الوحدات بل هو اتحاد، ليس مجرد وحدة بل شركة. هناك في الله شيء ما مماثل لل “المجتمع”. هو ليس شخصاً فردياً يحب ذاته وحده، وليس جوهراً فردياً monad او “الواحد”. بل هو ثالوث أو وحدة ثالوثية Triunity: ثلاثة اشخاص متساوون. كل شخص يوجد في الإثنين الآخرين بفضل حركة محبة متبادلة لا تتوقف.

 

كما يوضح إن الغاية الأخيرة من الطريق الروحي أننا نحن البشر يجب أن نكون أيضاً جزء من الوجود الحي المتبادل في الثالوث، إذ تجذبنا بالكامل دائرة الحب القائمة في داخل الله. هكذا صلى المسيح لأبيه ليلة صلبه “لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا” (يو 17: 21).

كما أن التشبيه الافضل الذي يساعدنا ليس ذلك الذي نجده في العالم الطبيعي خارجنا، بل في القلب البشري، إن التشبيه الأفضل هو ذلك الذي بدأناه ألا وهو خبرتنا بالاهتمام الشديد بشخص آخر ومعرفتنا أن محبتنا تُرد لنا بمحبة مثلها. [٢٨]

 

و اذا كان المعترض من محبي علم الرياضيات فيمكن ان يستعمل المعادلة الآتية

لا نهائي × لا نهائي × لا نهائي = لا نهائي

لأن الأقانيم ليست فردية او مُفصله

وإن كان يعشق عمليات الجمع فله ما يريد

لا نهائي + لا نهائي + لا نهائي=لا نهائي.

 

الفرضية الثالثة:

أنه بسماع او قراءه ما يعتقده الآخرون أياً كان معتقداتهم فهذا يدل على صحة المعتقد الآخر وفساد صحة الاعتقاد بالثالوث.

وهذه هي المغالطة المنطقية الأخرى التي يقع فيها الكثير من الناس وهي (مغالطة المنشأ) وهكذا عرفها

 

چيروم ستولينتز:

“وبالاختصار فإن منشأ س شيء وس ذاتها شيء آخر، وما إن تبدأ س في الوجود حتى تصبح لها حياة خاصة بها، إن جاز التعبير، وسوف يصبح لها – شأنها شأن النظرية أو الكائن البشري – تركيب وقيمة، وتدخل في علاقات مع الأشياء الأخرى، لا يمكن فـهـمـهـا تماما من خلال أصلها الأول، فلا بد لنا من دراسة هذه السمات لكي نعرف كنهها”[٢٩]

 

قوة الفكرة لا تكمن في الأصل الذي ينميها بل في المنطق الذي يُزكيها. وصواب الفكرة لا يحدده مصدرها الذي اتت بل الدليلُ الذي إليه تستند. [٣٠]

 

لذلك فمن المنطقي الاستدلال بنصوص مقدسة (حسب ايمان بعض الاشخاص) لتوضيح وشرح إيمان الشخص لكن هذا لا يعنى ان يكون هذا الايمان صحيح، وبالتالي توجد طُرق أُخرى لإثبات الايمان او المعتقدات.

 

أما عن استخدام هذه الفرضية على مواقع التواصل الاجتماعي فإنها تُفهم من وجهه نظر مسيحية يُمكن ان تستخلص في كلمات نيافة الانبا بيشوي:

“مشكلة البعض هو أنهم يريدون أن يحوّلوا الله إلى حالة صنمية لا يكون فيها إمكانية أن يكون الآب ينبوع تفيض منه الحكمة وتفيض منه الحياة.”[٣١]

 

[١] Lewis Carroll: Through the Looking Glass CHAPTER 4: TWEEDLEDUM AND TWEEDLEDEE p. 28

[٢] علم المنطق تأليف احمد عبده خير الدين، الطبعة الاولى ص١١

[٣] Introduction to Logic by Irving Copi and Carl Cohen (Prentice Hall, 2004), eighth edition p.3

[٤] دائرة المعارف الكتابية، المجلد الثاني، ص ٤٢٨

[٥] منطق الثالوث بقلم الاب هنري بولاد اليسوعي، الطبعة الرابعة، العقل والحقائق الايمانية: ص ٨

[٦] المغالطات المنطقية تأليف عادل مصطفى، الفصل الرابع عشر ص ١٢٩

[٧] Ante-Nicene Fathers, Volume 2 by Philip Schaff, Theophilus to Autolycus, Chapter V.—The Invisible God Perceived Through His Works. p. 180

[٨] ضد الهرطقات للقديس ارينيؤس، الكتاب الثاني، الفصل الثالث عشر ص١٧٩

[٩] في المبادئ للعلامه اوريجانوس، المقاله الثانية: تجسد المخلص ٢-٦-٢، ص١٩٦

[١٠] الثالوث القدوس قبل نيقية ل أ/ امجد بشارة،الثالوث القدوس وفقاً لأرستيدس، ص١٥٦-١٥٧

[١١]NPNF1-03. On the Holy Trinity; Doctrinal Treatises; Moral Treatises by Philip Schaff, Introductory Essay By William G. T. Shedd, D.D. 6

[١٢] كاتيكيزم الكنيسه القبطيه الارثوذكسيه، الجزء الثاني: العقائد المسيحية، القمص تادرس يعقوب والشماس بيشوي، ص ٤٠

[١٣] سلسلة الفكر المسيحي بين الامس واليوم، القديس باسيليوس الكبير:حياته- ابحاث عنه – مواعِظه، ص٣٢٤ (عظه على اصل الانسان ١: ٦ و٧)

[١٤] C.S. Lewis and Mere Christianity: The Trinity (The Three-Personal God)

[١٥] “عن الثالوث” للقديس هيلاري، الكتاب الاول ص ٢١٠-٢١١

[١٦] المغالطات المنطقية تأليف عادل مصطفى، الفصل السابع عشر ص ١٥٣-١٥٥

[١٧] المغالطات المنطقية تأليف عادل مصطفى، الفصل الثامن عشر ص ١٦٣

[١٨] مذكرة المجامع: المجامع المسكونية (الجزء الاول، الطبعه الخامسة)، ص ٨

[١٩] تاريخ الفكر المسيحي للقس حنا الخضري، الجزء الرابع، الفصل الثالث عشر، ص ٦٣٧

[٢٠] ضد الأريوسين للبابا أثناسيوس الرسولي، ترجمه د. نصحي عبد الشهيد واخرون، المقاله الاولى، الفصل السادس، ص ٦٧

[٢١] ضد الهرطقات للقديس ايرينيؤس، الكتاب الثاني،الفصل الثامن والعشرون، ص٢٥٠

[٢٢] الاباء الرسوليين (رسائل أغناطيوس الانطاكي)، ترجمه د. جرجس كامل يوسف، الرسالة الى مغنيسيا ١٣:١، ص ٤٦

[٢٣] Ante-Nicene Fathers, Volume 1 by Philip Schaff, Clement of Rome, Chapter XLVI.—Let us cleave to the righteous: your strife is pernicious. p.57

[٢٤] Ante-Nicene Fathers, Volume 1 by Philip Schaff, Polycarp, Chapter XIV.—The prayer of Polycarp. p.122

[٢٥] حوار حول الثالوث، ترجمة د. چوزيف موريس فلتس، الحوار الثالث، ص ٩٨-٩٩

[٢٦] المغالطات المنطقية تأليف عادل مصطفى، الفصل الثامن والعشرون ص ٢٤٩-٢٥٠

[٢٧] اله المسيحيين تأليف ڤالتر كاسبر، القسم الثالث (سر الله الثالوثي) ص ٢٤٦ – ٢٩١

[٢٨] الطريق الأرثوذكسي ل كاليستوس وير، ترجمه د. نصحى عبد الشهيد، الفصل الثاني (الله ثالوث) ص ٣٧-٤٤

[٢٩] جيروم ستولنيتز “النقد الفنى – دراسة جمالية وفلسفية” ترجمة د. فؤاد زكرياء الطبعة الثانية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ۱۹۸۱، ص ٢٤

[٣٠] المغالطات المنطقية تأليف عادل مصطفى، الفصل الثاني (مغالطة المنشأ) ص ٤١

[٣١] الرد على بعض الأسئلة التشكيكية الموجهة ضد العقيدة المسيحية لنيافة الأنبا بيشوي، ص ١٠

 

الثالوث القدوس والمنطق – مينا كيرلس