آبائيات

القديس باسيليوس الكبير – حياته، رهبنته، قوانينه – د. عصام سامي زكي

القديس باسيليوس الكبير – حياته، رهبنته، قوانينه – د. عصام سامي زكي

القديس باسيليوس الكبير - حياته، رهبنته، قوانينه - د. عصام سامي زكي
القديس باسيليوس الكبير – حياته، رهبنته، قوانينه – د. عصام سامي زكي

حياة القديس باسيليوس الكبير:

كان القديس باسيليوس الكبير أبا ومعلما وراعيا لكنيسة قيصرية كبادوكية. ولد في قيصرية كبادوكية حوالي عام330 من عائلة مسيحية نبيلة وثرية وتقية، قدمت للكنيسة العديد من اللاهوتيين ورجال الكنيسة. وقد أصبح أسقفا لقيصرية، وبرز من المثقفين والمتعلمين في عصره وكان على دراية واسعة للعلوم الكلاسيكية واللاهوتية.

عاش حياة طاهرة وبارة وقاوم بحماس وشدة الهرطقات والبدع التي كانت متفشية آنذاك، درس العلوم الكلاسيكية في القسطنطينية وأثينا حيث تعلم الآداب والبلاغة والفلسفة، وقد برز في تلك العلوم حتى أصبح فيما بعد مدرسا للبلاغة ذو شهرة واسعة في قيصرية.

وعندما أصبح خادما في الكنيسة عاش كل وقته تقريبا في البرية حيث انصرف لدراسة اللاهوت وكرس جهوده لتنظيم حياة الرهبنة. ولما صار كاهنا عمل في قيصرية علي مكافحة الآريوسية.

وفي عام 370 أصبح أسقفا لقيصرية، وعارض بشدة محاولات الإمبراطور فالين_ المؤيد لأتباع آريوس _ لفرض سياسته الخاطئة على الكنيسة. كما قاوم أبوليناريوس الذي انتشرت آراؤه في تلك الفترة، ونجح في توحيد أراء العديد من الأساقفة في موقف محدد ضد الآريوسية، ولتأييد التعاليم التي أقرها المجمع المسكوني الأول الذي ُعقد في نيقية.

ولما كان هو نفسه راهبا، بذل جهوده في سبيل وضع الإطار الصحيح لحياة الرهبنة وإلحاقها ضمن بوتقة الكنيسة. فنقل الرهبان إلى المدن ووضعهم تحت إشراف وتصرف ورعاية الأساقفة، وكلفهم بمهام البر والإحسان، وإنشاء مدينة باسيليادة بالقرب من قيصرية، وهي عبارة عن مجموعة من المنشأت والمؤسسات الخيرية يعمل فيها الرهبان فقط. ووهب القديس باسيليوس كل ثروته التي ورثها عن والديه لهذا المشروع العظيم. ومن ضمن مؤلفاته التي كتبها “القوانين التي أصبحت فيما بعد أساسا للرهبنة المسيحية”.

كتب العديد من الكتب والخطابات، وكذلك كتب أكثر من 350 رسالة. وُلقب بالمعلم المسكوني للكنيسة وأحد “أقمار” الكنيسة الثلاثة[28]

القديس باسيليوس الكبير - حياته، رهبنته، قوانينه - د. عصام سامي زكي
القديس باسيليوس الكبير – حياته، رهبنته، قوانينه – د. عصام سامي زكي

مثاليات الرهبنة لدى القديس العظيم باسيليوس الكبير:

يعتبر القديس باسيليوس أحد المؤسسين للرهبنة المسيحية. فالقوانين التي وضعها مازالت سارية حتى اليوم مع بعض التعديلات التي أدخلها عدد من القديسين الذين جاءوا بعده.

وبالطبع فإن القديس باسيليوس الكبير لم ينشغل بموضوع الرهبنة من موقع الهاوي، بل أصبح بنفسه راهبا وعاش حياة الرهبنة لسنوات عديدة وحتى حين كان لا يزال يدرس في أثينا، كان قد بدأ يخطط مع صديقه القديس غريغوريوس اللاهوتي لكي يذهبا إلى الصحراء معًا للنسك والتعبد بعد انتهاء دراسته وقد اعتبر فيما بعد فترة دراسته هذه، أنها كانت مَضيعة للوقت.

لقد كتب إلى أوستانيوس السباستي قائلا: “إني ضيعت وقتا طويلا في التفاهات، وبددت كل شبابي تقريبا بلا نتيجة، فضاع هذا الوقت وأنا منشغل في حفظ تعاليم الحكمة التي فقدت معانيها أمام تعاليم الله. وفي لحظة ما، عندما استيقظت مما كان أشبه بنوم عميق، نظرت إلى ضوء الحقيقة المُدهش النابع من الإنجيل، فأدركت عندئذ تفاهة حكمة أسياد الدهر الحاضر البائدين، وُفجعتُ لمدى حقارة حياتي، وتمنيت أن تتاح لي فرصة الدخول في عقائد التقوى.

لقد بدأت قبل كل شئ في إصلاح أخلاقي بقدر استطاعتي، بعد أن كانت قد فسدت بسبب مخالطتي للفاسدين. وبقراءتي للإنجيل، وجدت فيه التعاليم التي تقول أن أهم شروط لبلوغ الكمال، هي أن يبيع الإنسان كل ما لديه ويعطي ما له لإخوته الفقراء، وكذلك عدم الاهتمام بالحياة الحاضرة والأمور الدنيوية ولذلك صليت لربي أن أجد شخصا ما من بين الأخوة، يكون قد اختار هذا الدرب في الحياة، لكي أرافقه وأعبر معه عاصفة الحياة القصيرة هذه”[29]

لكن صديقه غريغوريوس ـ بالرغم من الاتفاق الذي تم بينهما ـ لم يرافقه للتعبد في البرية، فذهب وحده عام 360 إلى بنطس، بعد أن وزع أكبر قدر من ثروته على الفقراء. وتوجه هناك إلى مكان من أرض تملكها عائلة بالقرب من نهر إيريس حيث كانت أمه وأخته مترهبتين هناك. وكان في ذلك المكان قد تم إنشاء مركزين للرهبنة، أحدهما للرجال والآخر للنساء.

لقد طلب منه صديقه غريغوريوس إعلامه عن أحواله، وكيف يقضي وقته في مكان تعبده في البرية، فأجابه باسيليوس في رسالة وجهها إليه (رسالة2)، وكتب فيها ول قوانينه في الرهبنة ولذلك نعتقد أنه من المفيد أن ندرجها في النصوص التي سنعرضها الآن. في بداية الرسالة يقول القديس باسيليوس الكبير في لهجة متواضعة أنه يخجل أن يكتب عما يفعله في البرية، لأنه قد ذكر العالم المادي فعًلا، إلا أنه لم ينكر نفسه، فقد ذكر قائًلا: “إني شَخصيًا أخجل أن أكتب عما أفعله ليًلا ونهارًا في هذه البقعة النائية، فقد تخليت عن شئون المدينة لأنها كانت سببا للكثير من المساوئ لكنني لم أستطع أن أذكر نفسي”[30] .

لكنه يضيف قائلاً: أن الهدف الأول والرئيسي بالنسبة له هو السير على خُطى المسيح الذي دل العالم على دَرب الخلاص عندما قال: ” إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني[31] ولهذا السبب فهو يحاول مع أصدقائه الرهبان تطبيق كل أساليب الحياة التي ستجعلهم قادريين على تتبع خُطى المسيح.

وتلك هي:

1ـ يجب أن يبقى العقل في حالة من الهدوء والسكينة. فكما أن العين يجب أن ترى بوضوح أمامها، وألا تنشغل بالنظر هنا وهناك، كذلك فإن العقل عندما ينشغل بصغائر الأمور الدنيوية لا يمكن تجنبها إلا بالابتعاد عن العالم المادي. إن ترك العالم المادي لا يعني مجرد الانتقال الجسدي منه، وإنما نزع الروح عن تعلقها بالجسد، لدرجة يتحول فيها المرء إلى شخص بلا مدينة، وبلا مادة، وبلا أملاك، وبدون ثروة شخصية، وبدون سبل المعيشة اليومية، وجاهًلا حسب تعريف العلم لدى البشر, ومستعد لقبول التعاليم الإلهية في قلبه.

إن إعداد القلب لتقبل كلمة الله يكون بانتزاع التعاليم الشريرة من داخله، لأنه لا يمكن للمرء أن يكتب على لوح الشمع إذا لم يطمس قبل ذلك كل الحروف السابقة التي كانت موجودة عليه، وكذلك الروح لا يمكن تغذيتها بالتعاليم الإلهية إذا لم تنزع منها قبل ذلك كل الأفكار السيئة والتعاليم الشريرة الموجودة فيها. إن البرية مفيدة من أجل هذا الهدف لأنها تساعد على تهدئة الشهوات وتعطي الفرصة للمنطق كي ينزع جذورها من النفس تماما.

لأنه كما أن الوحوش الضارية تسهل السيطرة عليها عندما تُروض، كذلك فإن الشهوات، والغضب، والأحزان، وكل شرور النفس، عندما يتم تهدئتها بواسطة الهدوء والسكينة، تتوقف عن ثورتها وهيجانه تجاه كل إثارة، وتصبح من السهل السيطرة عليها بقوة المنطق والعقل السليم. وكذلك يقول القديس باسيليوس الكبير أن المكان يجب أن يكون تماما مثل هذا المكان الموجود فيه، خاليا من كل وسائل الاتصال بالبشر، بشكل يسمح بمواصلة النسك والتعبد دون أن يقاطعه أي عمل خارجي.

ويضيف القديس باسيليوس الكبير قائًلا: أن التدريب الروحي يغذي النفس بالفكر الإلهي. فهل هناك أفضل من أن يتشبه المرء على الأرض بالملائكة؟ فيندفع في الفجر للصلاة، ليمجد الخالق بالتسابيح والتماجيد، فيحلي مذاق العمل بالأناشيد الروحية مثلما يحسن بالملح مذاق الطعام؟. فالأناشيد والصلوات تعزي النفس و تجعلها فرحة وتدفع عنها الأحزان، فالهدوء والسكينة كما يقول القديس باسيليوس الكبير هما بداية تطهير الروح .

لأن الإنسان في البرية لا يتعب لسانة في نقاش مشاكل وأمور البشر، ولا ينهك عينيه في النظر إلى الأشياء التي لا يحب رؤيتها. ولا يشد انتباهه سماع أصوات لا يحب سماعها. وهكذا فإن العقل عندما لا يتشتت في التفكير بالأمور الدنيوية، يتركز حول النفس ومنها يعلو ساعيا للوصول إلى معنى الله. وبعد أن يستنير بذلك الجمال، وتلك الروعة الإلهية، ينسى طبيعته البشرية. وتجدر الإشارة إلى أن آباء الكنيسة النساك، قد استخدموا كثيرا هذا النص الأخير للقديس باسيليوس الكبير لكي يصفوا ويشرحوا أسس الصلاة.

2ـ وينتقل القديس باسيليوس الكبير من موضوع الابتعاد عن العالم المادي سعيا للهدوء والتأمل إلى مسألة أخرى فيضيف قائًلا أن من الضروري أيضا أن تتم قراءة ودراسة الكتاب المقدس ونصوصه المتضمنة للوحي الإلهي، التي تحتوي أيضا على وصايا الله حول ما يجب أن نفعله، كما تروي لنا سيرة الأنبياء التي تجسد صورة حية للأخلاق والطبائع والأعمال المباركة من الله التي يجب علينا اتباعها وتقليدها.

وهكذا يجد كل إنسان في نصوص الكتاب المقدس مثاًلا يتبعه ليكون دواءً يشفي النواقص والعلل في نفسه. فيمكن لأحد ما أن يتمثل بيوسف الصديق، فيكون عاقًلا مثله، والآخر يمكنه أن يتمثل بالنبي العظيم أيوب فيتعلم منه الصبر، ويمكن لثالث أن يكون كالنبي الجبار موسى في طيبته، أو أن يتمثل بداود النبي في شجاعته وإقدامه وطيبته معًا.

3ـ الصلاة يجب أن تكون في كل حين، ولكن بعد قراءة الكتاب المقدس ودراسة نصوصه، يأتي الدور على الصلاة التي تتحرك النفس بواسطتها في لهفة ساعية إلى الله.

إن الصلاة الصحيحة هي تلك التي تزرع في النفوس المعاني الإلهية الصافية. إن تواجدنا مع الله يعني أن يكون الله حاضرًا في نفوسنا وعقولنا، وأن نذكره دائمًا، فعند ذلك نصبح الهيكل الذي يسكن فيه الروح القدس. وبشكل خاص عندما تكون ذاكرتنا متواصلة في فكر الله، فلا تنقطع بالتفكير في الشئون الدنيوية، ولا يتأثر العقل بتأثيرات النزوات المفاجئة. إن من يريد التقرب إلى الله يسعى إليه متجنبًا كل ما من شأنه أن يقوده إلى السوء، ويكون متمسكا بكل شئ يقوده إلى الفضيلة.

4ـ ويركز القديس باسيليوس الكبير على نقطة هامة، وهي أن المرء يجب أن يتجنب التصرفات السيئة التي تدل على الجهل خلال الحديث، فيجب أن يطرح أسئلته على محادثة دون إثارة الخلافات والنزاعات، وأن يجيب على الأسئلة دون تكبر واعتداد في الرأي، وأن لا يقاطع محادثه، أو يحاول إقحام رأيه معترضا سير الحديث. ويجب على المرء أيضا أن يتعلم دون خجل، وأن يتكلم بصوت متوسط النبرة.

ويجب عليه أيضا أن يعبر عن أفكاره بعد تفكير عميق في كل كلمة يريد قولها. وأن يكون طريفا في حديثه وحلوًا في كلامه، فيتخلى عن القساوة دائما حتى عندما يضطر إلى محاسبة الآخرين أو عتابهم. لأنه إذا كان المرء يتمتع بالتواضع سيكون محبوبا ومقبولا لدى الشخص الآخر الذي يحتاج لمساعدته.

5ـ ويجب أن يرافق التواضع نظرة منكسة، ومظهر بسيط ولباس حقير. عباءة مشدودة بحزام على الجسد، ومشية ليس فيها ارتخاء كما لو دلت على شلل الروح، ولا تكبر أو اعتلاء كما لو دلت على اندفاع النزوات.

الهدف من اللباس تغطية الجسد وحمايته من برد الشتاء وحر الصيف، فيجب ألا يكون فاقعا أو رقيقا أو طريا.

6ـ وكما أن المرء يسعى للضروري في لباسه، علية أيضًا أن يسعى للضروري في مأكله. خبز وماء ونباتات تكفي لتغذية الإنسان والمحافظة على صحته. إلا أن القديس باسيليوس الكبير يوضح ضرورة القيام بالصلوات المناسبة قبل وبعد كل وجبة، لشكر الله على تقديمه لكل ما هو ضروري من المواد الغذائية. ومن الضروري أن تكون الوجبات في ساعات محددة وثابتة كل يوم، بشكل تكون فيه تلك الساعات هي الوحيدة المخصصة للعناية بالجسد، أما باقي الساعات فتكون مخصصة للعناية بالروح.

7ـ وأخيرًا يتكلم القديس باسيليوس عن النوم فالنوم يجب أن يكون متناسبًا مع الطعام. كما أن من المستحسن أن نقاطع نومنا لدراسة المشاكل الكبرى. أن عادة النوم العميق تؤدي إلى الموت الروحي. إن النساك يصحون من نومهم في منتصف الليل حيث يغلب الهدوء في تلك الساعة، مما يمنح النفس سلام، لأن العينين والأذنين في هذا الوقت لا يبثون إلى القلب رؤى ومسامع ضارة، وإنما يبقى العقل وحده الذي يتصل مع الله.

هذا تقريبا مضمون رسالة القديس باسيليوس الكبير التي ذكرناها، وهي تتعلق كما رأينا بترك حياة المدن والانتقال إلى البرية وهدوئها، وبقراءة ودراسة الكتاب المقدس، وبالصلاة، وبالمناقشات الروحية، وبحياة التقشف من حيث المأكل والملبس، وبقصر ساعات النوم، من أجل وصول الإنسان إلى الكمال وعندما أصبح القديس باسيليوس الكبير فيما بعد كاهنا، ومن ثم أسقفا لقيصرية، تابع حياة النسك والرهبنة، وأسس العديد من مراكز الرهبنة المنعزلة عن المدينة، وكان لها أسلوب حياة صارم.

القديس باسيليوس الكبير - حياته، رهبنته، قوانينه - د. عصام سامي زكي
القديس باسيليوس الكبير – حياته، رهبنته، قوانينه – د. عصام سامي زكي

وقد كتب في تلك الفترة كتابي:

 

القوانين الموسعة والقوانين المتعمقة:

وهي قوانين نتجت عن اجتماعات خاصة عقدها القديس مع رؤساء مراكز الرهبنة في منطقته. ويعالج في هذه القوانين بشكل موسع ومتعمق، وفي صورة أسئلة وأجوبة، جميع المواضيع المتعلقة بحياة الرهبنة.

وسنتطرق هنا إلى اثنين من القوانين الموسعة (القانون 7،6):

في القانون ـ6ـ يناقش موضوع الانعزال عن العالم أو عدمه. ويجيب القديس باسيليوس عن هذا التساؤل بقوله أن مكان الرهبنة المنعزل يساعد الروح على تجنب دخولها تجربة. لأنه من المضر أن يعيش المرء مع الآخرين اللذين لا يأبهون أو يستهزئون باتباع وصايا الله بشكل دقيق وصارم. ولذلك يقول القديس، يجب علينا أوًلا أن نسعى لإيجاد مسكن منعزل، بعيدا عن الناس، لكي لا نتعرض لمؤثرات تدفعنا لارتكاب الخطيئة، إن كان عن طريق النظر، أو عن طريق السمع، وكذلك لا نتعود على الخطيئة بشكل لا شعوري، ولكي نستطيع بواسطة الصلاة اكتساب القدرة على الصبر والتحمل. لأنه بهذه الطريقة سوف نستطيع قهر عاداتنا السابقة التي عشنا ضمنها حياة بعيدة عن وصايا المسيح.

وكذلك فإننا بهذه الطريقة سنطهر أنفسنا من شوائب الخطيئة بواسطة الصلاة المستمرة والقراءة الدؤوبة لوصايا الله. ولا يمكننا القيام بالصلاة والقراءة المستمرتين عندما نكون منشغلين بالعديد من الأمور التي تشد انتباهنا وتبعد نفوسنا عن الله. فكيف يستطيع الإنسان تطبيق الآية: إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه “، إذا كان يعيش ضمن الأجواء التي ذكرناها؟ إذن لكي نتبع وصايا المسيح يجب أن ننكر أنفسنا ونحمل صليبنا ونتبعه. وإنكارنا لنفسنا يعني أن ننسى كل ما يتعلق بالماضي ونتخلى عن شهواتنا ومطالبنا، وهو شئ صعب جدا، إذا لم نقل أنه من المستحيل أن يتحقق من خلال العيش في المجتمع مع بقية البشر.

والحياة الدنيوية المليئة بوسائل الراحة والملذات يشكل حاجزا أمام المرء لكي يحمل صليبه ويتبع المسيح. فأن يحمل المرء صليبه، يعني أن يكون أيضا مستعدا حتى الموت من أجل المسيح، ولقتل أعضاءه الترابية، وليكون مستعدًا لمواجهة كل أنواع الأخطار لأجل المسيح، وألا يكون مباليا لحياته الحاضرة. وكل هذه الأمور التي ذكرناها تقف الحياة الاجتماعية عائقًا أما إتمامها.

ويضيف القديس باسيليوس الكبير قائلاً: أن النفس عندما ترى جملة السلبيات في حياتها، فهي من جهة لا تجد الوقت المتاح أمامها لكي تحس بخطاياها وتعترف بها وتتوب عنها، ومن جهة أخرى فهي تعتقد خطأ أنها بالمقارنة مع الخاطئين الآخرين استطاعت تحقيق بعض الإيجابيات. وعلاوة على ذلك فإن النفس ضمن إنشغالات الحياة اليومية تنشغل عن الاتصال الدائم بالله، وهي بالتالي تصبح محرومة من الفرح الكبير في الله، والتمتع بحلاوة الاتحاد به.

ولكي يكتمل ما كتبة القديس باسيليوس الكبير في القانون السادس من “القوانين الموسعة”، فهو يضيف أيضا ما جاء في القانون السابع من تلك القوانين قائلاً: “إن الإنسان الذي سيترك عالم المدينة ليصبح ناسكا من الأفضل أن يعيش مع آخرين من أخوته المتعبدين وألا يبقى وحيدا”. فالتعايش بين العديد من الأشخاص الذين يتشاركون في الأفكار والمبادئ مفيد للعديد من الأسباب منها:

1ـ لا أحد يستطيع البقاء وحده معتمدا اعتمادا كليا على طاقاته فقط من أجل الاكتفاء الذاتي وتغطية حاجاته الجسدية والنفسية والروحية.

فكما أن أقدام الإنسان لديها بعض القوة لتقوم بمهام معينة إلا أنها تنقصها القوة الإضافية لتقوم بمهام أخري لوحدها، لذلك فهي لا تستطيع القيام بها إلا بمساعدة الأعضاء الأخرى في الجسد.

وهكذا يكون الإنسان أيضا عندما يعيش لوحدة، وحتى أن ما لدية في تلك الحالة يتعطل كما أن ما يحتاج إلية لا يجده. ذلك لأن الله قد وضع فينا احتياج الواحد منا لمعونة الآخر لكي نرتبط ببعضنا البعض، فإن المحبة لا تطلب ما لنفسها[32].

والمرء عندما يعيش لوحدة يكون هدفه إرضاء حاجاته فقط، وهذا ما يعارض قانون المحبة كما يقول بولس الرسول كما أنا أيضا أرضي الجميع يمقت ابنُه وَمن أحبهُ أطلب له التأديب [33]. لكن مثل هذا الشخص من المستحيل أن يوجد لمن يعيش وحيدا. ويحدث عندئذٍ ما ذكر في الكتاب المقدس “ويل لمن هو وحده إن وقع إذ ليس ثانٍ ليقيمهُ”.

أيضا عندما تكون هناك مجموعة يعيش ضمنها الكثيرون معا يكون من الأسهل تطبق عدد اكبر من الوصايا، بينما لا يمكن أن يتم ذلك من قبل شخص يعيش لوحده، لأنه في الوقت الذي يطبق فيه أحد الوصايا لا يمكنه تطبيق وصية ثانية. فمثلاً عندما يزور مريض لا يمكنه في الوقت نفسه أن يستقبل الغريب. وعندما ينشغل بضرورات الحياة لا تبقى لديه الرغبة للاهتمام بأعمال أخرى. وهكذا فان الجائع لا يطعم والعاري لا يكسى وبالتالي فان الجماعة تكمل بعضها البعض، وتخدم المسيح عن طريق المحتاجين.

3ـ ويتعمق القديس في أقواله من الناحية اللاهوتية ذاكرا أننا نحن البشر الذين قد دعانا المسيح لأتباعه، قد أصبحنا جسدا واحدا ورأسنا هو المسيح ونحن جميعنا نشكل بقية أعضاء هذا الجسد. فإذا لم نتفق فيما بيننا للارتباط بالروح القدس في انسجام تام ضمن جسد واحد، بل أَصر كل واحد منا على البقاء لوحده دون أن يعمل بما فيه مصلحة الجماعة كما يرضى الله، فكيف يمكننا عندئذ متفرقين هكذا أن نحافظ على العلاقة بيننا كأعضاء لجسد واحد؟ أو كيف بالأحرى يمكننا أن نخضع (لرأس) هذا الجسد الذي هو المسيح؟ إننا في هذه الحالة لا نفرح مع فرح الآخرين ولا نحزن لأحزانهم، لأننا لا يمكننا معرفة شئون الآخرين.

4ـ من جهة أُخرى، فإن إنسانًا واحدا لا يكفي ليتقبل جميع المواهب الروحية.

إن نعمة الروح القدس تقدم لكل واحد منا بمقدار إيمانه. أما بالنسبة لهؤلاء الذين يعيشون معًا ضمن جماعة، تكون الموهبة خاصة لكل واحد ملكًا للجماعة بأكملها ” فإنه لواحد يُعطى بالروح كلامُ حكمة. ولآخر كلام علم بحسَبِ الروح الواحد. ولآخر مواهب شفاء بالروح الواحد ….. الخ[34]. فكل موهبة من تلك المواهب يملكها الفرد ليس لنفسه فقط وإنما لمنفعة الجماعة، بحيث لا يكتسب الواحد لوحده نعمة الروح القدس بل تكتسبها الجماعة بأكملها.

أما الشخص الذي يعيش منفردا فإذا كانت لديه موهبة ما فإنه قد يعطلها بسبب كسله أو طمعه، وجميع المؤمنون يعرفون، مقدار الخطر الذي يكمن في ذلك. ولكن حين يعيش الإنسان مع الجماعة فإنه يستفيد من مواهبه ويعززها فتزداد عن طريق إفادة الغير بها، بالإضافة إلى استفادته من الخيرات الناتجة عن مواهب الآخرين أيضًا.

5ـ إذن، فإن الحياة ضمن الجماعة تكون أغنى بالخيرات، لأن الجماعة تكون أقدر من الفرد على حماية الخيرات التي يعطيها الله لنا. بالإضافة إلى ذلك فإن الساهرين ضمن الجماعة ينذرون النيام لينهضوا من نومهم لمواجهة خطر نوم الموت الذي تكلم عنه داود النبي: ” أنر عينيّ لئَلا أنام نوم الموت[35]. وبالإضافة إلى ذلك فإن الخاطئ يتخلص من الخطيئة بشكل أسهل ضمن الجماعة لأنه يشعر بالخجل أما الآخرين بسبب خطيئته بينما الإنسان الذي يسعى دائمًا للابتعاد عن خطيئته يشعر بثبات أكبر في سعيه هذا ضمن الجماعة بسبب تشجيع ومشاركة الآخرين معه فعندما “تقوم كل كلمة على فم شاهدين أو ثلاثة”[36] فكيف بالأحرى لا تعزز شهادة الكثيرين موقف من يفعل الخير.

6ـ وهناك أيضًا خطر يلازم الإنسان الذي يعيش منفردًا، وهو خطر الغرور. فبسبب كونه وحيدًا وبعيدًا عن أعين الآخرين وانتقاداتهم، يظن نفسه أنه قد وصل إلى درجة الكمال في تطبيق الوصايا. وطالما أنه كونّ شخصيته دون تدريب صحيح للنفس والروح والجسد، فإنه يجهل بالتالي حجم السلبيات فيه ونقص أعمال الخير لديه لأنه ابتعد عن كل فرصة للعمل على اتباع وصايا المسيح.

7ـ كيف يستطيع الإنسان الذي يحيا منفردًا أن يدرب نفسه على التواضع طالما أنه لا يوجد أي إنسان آخر أمامه ليشعر تجاهه بتواضعه؟ ولمن سيُظهر عطفه ومحبته؟ وكيف سيدرب نفسه على التسامح ومغفرة خطايا الآخرين؟ وبالطبع إذا ادعى شخص ما أنه يستطيع الاكتفاء بتعاليم الكتاب المقدس ليصل بنفسه إلى الكمال فإنه يشبه من يتعلم فن البناء لكنه لا يبني أي مبنى، ويشبه أيضًا مَن يتعلم فن صنع النحاس لكنه لا يمارسه إطلاقًا.

عن شخص كهذا تكلم بولس الرسول قائلاً: ” لأن ليس الذين يسمعون الناموس هم أبرار عند الله بل الذين يعملون بالناموس هم يُبررّون[37]. والرب نفسه دل البشر على طريق البر ولم يكتف في تعاليمه بالقول بل اتزر بمنشفة وغسل أقدام تلاميذه ليكون لهم قدوة في التواضع، وليريهم أين تصل درجة الكمال في المحبة. فمن إذن سيخدم مَن عندما يكون الإنسان وحيدًا منعزلاً عن العالم؟ ومَن سيكون الأول ومن الأخير إذا كان الشخص وحده ولا أحد غيره؟

وينتهي القانون السابع بالاستنتاج التالي: إن التعايش بين الأخوة في الجماعة هو وسيلة للتدريب المستمر والنسك والقراءة المستمرة لوصايا الله وتطبيقها حيث أن هذا التعايش في الجماعة يهدف من جهة إلى تمجيد الله حسب وصية المسيح : ” فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السماوات[38]. ومن جهة أخرى، فإن هذا التعايش هو استمرار لما ورد في أعمال الرسل: ” وجميع الذين آمنوا كانوا معًا عندهم كل شئ مشتركًا[39]، ” وكان لجمهور الذين آمنوا قلب واحد ونفس واحدة. ولم يكن أحد يقول إن شيئًا من أمواله له، بل كان عندهم كل شئ مشتركًا[40].

ويجدر بنا قبل ختام هذا البحث أن نذكر شيئاً بسيطاً عن قوانين الرهبنة[41]، حيث يتوجه القديس باسيليوس الكبير في حديثه إلى الرهبان واصفًا الحياة الجماعية في الدير بأنها الحياة الأكثر كمالاً والمجتمع المثالي للبشر.

ويذكر القديس قائلاً أن المجتمع المثالي بالنسبة له هو المجتمع الخالي من المنافقين، وحيث لا توجد خلافات في الرأي، وحيث لا توجد خلافات في الرأي، وحيث تختفي جميع الاضطرابات والنزاعات، وحيث يكون كل شئ مشتركا: النفوس والأجساد واحدة متماثلة، وكل ما تقتات به الأجساد واحد، أي أن الله يكون مع الجميع، وكنز البر يشاركه الجميع، فينالون الخلاص جميعًا، ويكون جهادهم مشتركًا، وأهدافهم مشتركة، والتاج واحد على رؤوسهم. الكل في واحد، والواحد ليس وحيدًا، وإنما ضمن الكثيرين.

ويضيف القديس باسيليوس الكبير متسائلاً: ما هي الحياة التي تضاهي في جمالها الحياة الجماعية في الدير؟ وما هي تلك التي تتجاوز تلك الحياة في امتيازاتها؟ وهل هناك أجمل من أن تتبلور الأخلاق والنفوس على نمط واحد؟ أن يجتمع أناس من شعوب وبلدان مختلفة بإرادة واحدة وتتطابق وانسجام كاملين ليصبحوا أشبه بروح واحدة تحتل أشخاصًا عديدة أصبحت أدوات لرأي واحد. فالمريض في الجسد لديه الكثيرون ممن يساعدوه ويخففوا عن آلامه ومرضه، والمريض في النفس والضعيف في الروح لديه الكثيرون ممن سيعتنون به من أجل شفائه وتقويته.

إنهم جميعًا أحباء الواحد للآخر، وخدام الواحد للآخر، تلك الخدمة التي لم تأت تحت أي نوع من الضغوط أو الاستبداد أو الضرورة، وإنما تشكلت بالمحبة وحرية الرأي. ذلك لأن المحبة تجعل الواحد عبدًا للآخر دون أن تحرمه من حريته، وإنما هي الحرية بذاتها. هكذا أرادنا الله منذ البداية ولذلك خلقنا. فالبشر الذين يعيشون معًا في المحبة ضمن حياة ارهبنة الجماعية يسترجعون الخير الأول ويقدمونه للإنسان الحالي. لأنه لو لم تفرق الخطية البشر لما كانت هناك خلافات وحروب بين الناس.

إذن فالرهبان الذين يعيشون معًا حياة جماعية، يتمثلون بحياة المسيح المخلص على الأرض، الذي علم تلاميذه كيف يعيشون معًا حياة المساواة ولم يستتن نفسه من ذلك، ولهذا فهم أيضًا (الرهبان) يطيعون رئيس الدير فيحتذوا في ذلك تلاميذ المسيح.

ويختتم القديس باسيليوس الكبير حديثه عن حياة الشركة قائلاً: كيف يمكن أن نعطي تشبيهًا لحياة الشركة بين الرهبان، مما نستخدمه من تشبيهات لغوية، إننا ما يمكننا فعله هو أننا ننظر إلى السماء حيث المسيح جالس ينظر إلينا فرحًا وسعيدًا بحياة الشركة بين الرهبان ونكمل بعد ذلك كما هو واضح من تعاليمه المقدسة.

القديس باسيليوس الكبير - حياته، رهبنته، قوانينه - د. عصام سامي زكي
القديس باسيليوس الكبير – حياته، رهبنته، قوانينه – د. عصام سامي زكي

الكتاب المقدس والتقليد لدى القديس باسيليوس الكبير

 

لم يكن القديس باسيليوس الكبير أحد الشخصيات المعتادة، بل كان سيدًا بالروح، كما كان سيدًا بالأصل والمنشأ. يمكن اعتباره بلا جدال أحد عمالقة الفكر، فقد كانت قوة وغزارة فكره كالشلال الذي ينبع بالأفكار بلا توقف. لقد كان يحلق في أفكاره كالنسر في الأعالي، ويتعمق فيها ليصل إلى أعمق معاني المعرفة. وكان في الوقت ذاته مفكرًا رقيق الإحساس، واستخدم في كتاباته لغة سلسة الفهم تتميز بالبلاغة والجمال في الشكل والمضمون. لقد كان باختصار رجلاً عظيمًا.

ويغلب على كل دارس لأعمال القديس باسيليوس الكبير إحساس مباشر بما يبثة الروح القدس من شعور بالإنتعاش والنعمة. وهذا ما يغلب على كل أعماله التفسيرية والإيمانية والتعليمية والعقائدية وكذلك على مجمل رسائله وبقية كتاباته التي قد وصلت إلينا. وكلما يتعمق المرء في دراسة نتاج ما كتبته يداه يشعر بنشوة غامرة من تلك المعاني الروحانية التي تنصب من كل صفحة من الصفحات.

إن دراسة أعماله أشبه بنزهة في مروج الفردوس حيث يتمتع المرء بعطر الأزهار الذي يفوح في كل مكان.

ويقرأ المؤمن في الكتب اللاهوتية أن للإيمان المسيحي منبعين هما: الكتاب المقدس والتقليد. لكن ذلك لا يعبر بدقة عن الحقيقة، فلا يمكن اعتبار الكتاب المقدس والتقليد منبعين للإيمان، بل هما وجهان مختلفان لشئ واحد، هما شكلان يتخذهما سرّ حياة الكنيسة نفسه. فالإيمان المسيحي ينبع من منبع واحد وهو الكنيسة، أي المسيح، الإله المتجسد، والصورة التي كشف بها الله لنا عن نفسه.

وهكذا يمكن إرجاع منبع إيماننا إلى الله بذاته، الذي عرفناه عندما عرفنا يسوع المسيح فالمسيح هو صورة الأب وإشعاعه، إنه وسيط العهد الجديد. والكنيسة هي حافظة لذلك العهد، تعيش إلى أبد الدهر، إن رأسها-المسيح ـ يعيش إلى أبد الدهر، ويعطي الحياة لأعضائها الذين يؤمنون به، أي هؤلاء الذين نالوا سر المعمودية باسمه. وحياة الكنيسة هذه، يسلمها كل جيل إلى جيل الآخر، كما أن الآباء عندما يلدون أبنائهم يسلمونهم الحياة ويحافظون على إستمراريتها. وكل شئ يُسلمُ من جيل إلى جيل يصبح “تقليداً” مستمراً يدوم مع الأجيال.

إن هذا “التقليد” له وجهان: الوجه الأول مكتوب وهو الكتاب المقدس. والوجه الثاني هو ما يقوم الآباء القديسون بكرازته، وتطبِّقه الكنيسة بأعمالها. ويمكننا تسمية الكتاب المقدس بالتقليد “المكتوب”، كما يمكننا تسمية التقليد بالكتاب المقدس “غير المكتوب”. هذا ما تم التعبير عنه بدقة في المجامع المسكونية. فالإيمان المسيحي هو كل ما ينبع من العهد القديم والعهد الجديد والتقليد الكنسي وتعاليم الآباء والرسل.

ويمكننا أن نجد هذه الوحدة بين الكتاب المقدس والتقليد في مؤلفات وكتابات آباء الكنيسة، وبشكل خاص فيما كتبه القديس باسيليوس الكبير. وبالطبع فإن هذه الوحدة لا تلغي التنوع والإختلاف. فقطعة النقد لها وجهان مختلفان، وإنما القطعة هي واحدة بذاتها. لكن القديس باسيليوس الكبير عندما يتكلم عن الكتاب المقدس فهو يعتبره جزءاً لا يتجزأ من التقليد، وحيثما يتكلم عن التقليد الكنسي فهو يعتبره استمراراً للتقليد المكتوب في الكتاب المقدس.

بعد هذه التوضيحات، نستعرض الأن موقف القديس باسيليوس الكبير تجاه الكتاب المقدس والتقليد.

فيما يتعلق بالكتاب المقدس، يتبع القديس تعاليم الكنيسة الثابتة والصريحة التي تصف الكتاب المقدس بأنه مُلهم من الله[42].

ليس لأحد الحق بأن ينقد ما هو مكتوب فيه، أو يُدخل إليه ما هو غير مكتوب، أي أنه ليس لأحد الحق في أن يضيف أو يحذف شيئاً من الكتاب المقدس[43].

إن الواجب الأساسي على كل مؤمن، وفقًا لما قاله القديس باسيليوس الكبير، هو أن يتعمق في دراسة الكتاب المقدس[44]. فمن الواجب الحكم على كل كلمة أو كل عمل على أساس الكتاب المقدس المستوحي من الله[45]. فالكتاب المقدس هو “العيادة المشتركة للنفوس” حيث يجد كل إنسان الشفاء لمرضه[46].

ويجب على المرء ألا يهتم بالكتاب المقدس بشكل عرضي أو ثانوي، بل بالعكس يجب عليه “أن يبحث عن المعنى المتخفي في كل كلمة وفي كل حرف فيه”. وذلك هو عمل عظيم للمسيحي الذي يدرك تمام الإدراك ما هي ميوله، ولا يسلك في الخطأ، فهدف حياته هو التشبه بالمسيح، لا يمكن أن يتم بدون المعرفة الروحية الصحيحة. ولذلك فإن المعرفة لا يمكن إكتسابها خارج تعاليم الإنجيل الأصيلة[47].

ويضيف القديس العظيم قائلاً أن كلمة الحق يمكن إدراكها بالجهد الكبير فقط، الذي يقوده الروح القدس. وهي تفلت بسهولة مما لا ينتبه. ولكن لهذا السبب فإن الروح القدس قد دبر الأمور هكذا بحيث تكون هذه الكلمة “موجزة وقصيرة” حتى يدل معناها على “الكثير في القليل”، أي ما قل ودل. وهكذا يكون من السهل حفظها في النفس وفي الذاكرة[48]. هذا وبالرغم من أن الدراسة والتدريب الملائم للنفس والعقل، لكي يصلا إلى الكمال هو عمل يقع على عاتقنا، إلا أن فهم الأسرار الإلهية هو هدية وهبة من الله يهبها إيانا، وشعاع نور لنا من الروح القدس[49].

ولم يكتف القديس باسيليوس الكبير بذكر أقواله هذه للآخرين، وإنما برهن على حقيقتها بطريقة الحياة التي اتبعها. فبالرغم من معارفه الواسعة وإطلاعه الكبيرعلى معرفة عصرة من العلوم الكلاسكية والفلسفية اليونانية القدسمة، فهو يعتبر أن كل هذه المعارف فانية لا قيمة لها أمام ما يقدمه الإنجيل من حقيقة. فقد كتب رسالة وجهها إلى أوستاثيوس السباستيني يقول “إني بعد أن هدرت وقتاً طويلاً في الأمور الفانية وضيعت شبابي كله تقريباً في ذلك.

عندما كنت أتابع دروس الفلسفة التي لا يفضلها الله، استيقظت في لحظة ما كما لو كنت غارقاً في نوم عميق[50] ورأيت نور حقيقة الإنجيل العجائبي، فعرفت عندئذ مدى تفاهة حكمة أسياد الدهر الحاضر هذا، الذين قد ألغيت سيادتهم فبكيت كثيراً على حياتي التعيسة ورجوت المساعدة لكي أنضم إلى صفوف تلاميذ المسيح. وبالطبع فإني قبل كل شئ قد سعيت لتحقيق بعض الإصلاحات في حياتي بعد أن توقفت لوقت طويل عن مخالطة الفاسدين.

وعندما قرأت الإنجيل ورأيت فيه أن أهم شروط لكي يصل المرء إلى الكمال هو أن يبيع كل ما لديه وأن يقدم ماله لأخوته الفقراء، وأن لا يبالي المرء بشكل عام لحياته الحاضرة، وألا يكون للنفس شهوة لأمور الدنيا، صليت لكي أجد أحد الأخوة الذين اختاروا هذا الطريق في الحياة، لكي أجتاز معه عاصفة الحياة القصيرة هذه.

وبالفعل قد وجدت الكثيرين منهم”[51]. وهكذا فإن قراءة الإنجيل قد جعلت القديس باسيليوس الكبير فقيرًا ماديًا، وغنيًا روحيًا وجعلته أيضًا مشيدًا لمدينة باسيليادة، ورافضًا للملذات الدنيوية، ودفعته لتنظيم حياة الرهبنة، فأصبح دليلاً للنفوس، وبطلاً وقديسًا عظيمًا.

لقد صار القديس باسليوس الكبير من أكبر المتعمقين لدراسة الكتاب المقدس، الذي استخدمه بسخاء في كرازته وفي كتاباته، ليس فقط في التفسير، وإنما في أمور ومواضع العقيدة أيضًا، وفي جميع مؤلفاته الأخرى وفي الخطابات والرسائل. لقد شكّل الكتاب المقدس المركز، ونقطة الإنطلاق، ونقطة الانتهاء، ومادة البناء لمؤلفاته. لقد كان أيضًا الترسانة (الكتاب المقدس) الذي أخذ منها كل أسلحته ليحارب الهرطقة.

لقد كان الكتاب المقدس الكنز الثمين الذي أمده بكل ما كان يحتاج إليه من المادة التي اعتمد عليها، وبنى بها عمله. وإليه كان يلتجئ لحل كل التساؤلات، ولدعم وإثبات أفكاره العقائدية حول الإيمان، ولتنظيم حياة الرهبنة، ولأخذ المشورة في عمله الرعوي، وليستلهم الكلمات لكتابة رسائله الرقيقة المليئة بالمشاعر الإنسانية والعزاء الإلهي.

ويبدي القديس باسيليوس الكبير اهتمامًا خاصًا في المزامير. وهو يقول في كتاباته، أن أسفار الأنبياء تفيدنا بأشياء تختلف عما تفيدنا به الأسفار التاريخية، وهذه الأخيرة تفيدنا بأشياء تختلف عن القسم المتعلق بالناموس في الكتاب المقدس، كما أن الأمثال لها فائدة أخرى. لكن المزامير قد لخصت كل أقسام العهد الجديد لأنها تتنبأ بالمستقبل، وتذكر التاريخ، وتشرع للحياة، وتدلنا على الأعمال المقدسة وباختصار ” هى كنز التعاليم المقدسة المتوفرة للجميع “[52].

ولنرى الآن طريقة تفسير القديس باسيليوس الكبير للكتاب المقدس.

من المعروف أنه خلال القرون المسيحية الأولى تشكلت مدرستان رئيسيتان لتفسير الكتاب المقدس هما:

المدرسة الأولى: مدرسة الأسكندرية.

المدرسة الثانية: مدرسة أنطاكية.

لقد استخدمت الأولى المنهج الرمزي Allegoric في تفسير الكتاب المقدس[53]. ووفقًا لهذا المنهج، فإن المفسّر بالرغم من أنه عادةً لا يرفض أهمية المعنى الحرفي للنص الذي يقوم بتفسيره، إلاّ أنه يعتبر أن هناك معانٍ أعمق وأسمى، تكون هى الحقيقة الواقعية، وتكمن وتتخفى وراء الحروف والكلمات في كل نص. ولم يكن منهج التفسير الرمزي على خطأ عندما سلط الانتباه إلى التعابير البشرية في الكتاب المقدس.

فقد ذكر أوريجينوس وهو من أهم ممثلي المدرسة الأولى، في إشارة إلى قصة خلق العالم التي وردت في سفر التكوين، قائلاً: ” مَن من البشر ممكن له تفكير عاقل سيتخيل يومًا أولاً، وثانيًا، وثالثًا، وليلة أولى، وثانية، وثالثة، ونهارًا وليلاً دون أن تكون قد تكونت الشمس والقمر والنجوم بعد؟ وكذلك أن يتخيل اليوم الأول المزعوم دون أن تكون هناك سماء؟ ومن هو “أحمق” لهذه الدرجة ليظن أن الله زرع جنة شرق عدن كإنسان مزارع، وخلق شجرة للحياة منظورة وملموسة، بشكل يمكن فيه أن يتم الحصول على الحياة من طعم الثمر وبأسنان الجسد “؟[54].

إن تلك الملاحظات صحيحة فعلاً، والقديس باسيليوس الكبير بنفسه وكل آباء الكنيسة كانت لديهم نفس الطريقة في التفسير، حيث يعتبرون أن الكتاب المقدس يستخدم هذه التعابير البشرية، لأنه ليس من الممكن بأية طريقة أخرى أن ينقل إلينا فكرة تتعلق بالله، الذي يتعذر على العقل البشري إدراكه. لكن المنهج الرمزي وصل إلى درجة المبالغة حتى أنه صار يرفض بعض الأحيان الحقيقة التاريخية للقصص الواردة في أسفار الكتاب المقدس.

فمثلاً بالنسبة لقصة إشباع الخمسة آلاف شخص من خمسة أرغفة، يرى مفسرو المنهج الرمزي في الأرغفة الخمسة، الحواس الخمس، وفي الاثنتى عشرة سلة المملوءة من الفتات، الرسل الاثنى عشر.

أما مدرسة أنطاكية فقد تجنبت المبالغة التي كانت تتصف بها مدرسة الأسكندرية. فبينما كانت المدرسة الأسكندرية متأثرة بأفكار أفلاطون، كانت المدرسة الأنطاكية متأثرة بأفكار أرسطوطاليس. فمدرسة الأسكندرية كانت تتوخى المثالية، أما المدرسة الأنطاكية فتتصف بالعملية، وكان التفسير فيها يتبع المنهج الحرفي ـ التاريخي، دون أن يعني ذلك تجنب محاولة التعمق في فهم الكتاب المقدس.

إذًا فإن أهم مميزات منهج التفسير الذي اتبعته المدرسة الأنطاكية هى بحث ودراسة حرف الكتاب المقدس على أساس المنطق العقلاني والوضوح في عرض نتائج هذا لبحث وتلك الدراسة.

وبعد استعراضنا لمميزات هاتين المدرستين نتناول التساؤل الآتي:

أية طريقة اتبع القديس باسيليوس الكبير في تفسيره للكتاب المقدس؟ بمعزل عن أنه زار مدرسة الأسكندرية وربما تتلمذ فيها لفترة ما، مما يسمح لنا بتصنيفه من بين اللاهوتيين الأسكندريين، مع كل من غريغوريوس النزينزي وغريغوريوس النيسي، وأوسابيوس القيصري، وأثناسيوس وكيرلس وديديموس الضرير وإيسيخيوس المقدسي فهؤلاء يشكلون نجوم مدرسة الأسكندرية في القرن الرابع. إلاّ أن تأثير المدرسة الأنطاكية ساهم في تجاوزه وإهماله لدرجة كبيرة للتفسير الرمزي ولاستخدامه لها لأهداف بناءة فقط. بينما كان يفضل في المواضيع العلمية استخدام منهج التفسير الحرفي ـ التاريخي.

وهذا ما يسمى بالمدرسة الأسكندرية الحديثة[55]. ففي إطار هذه المدرسة ينتقد القديس باسيليوس الكبير بشدة مبالغات المنهج الرمزي، لكن ذلك لا يمنعه من استخدامه للمنهج نفسه حيث يجد ذلك مناسبًا لشرح تعاليمه، كما أنه كان يشير إلى التعابير البشرية في الكتاب المقدس ويوضح حقيقة أن المفاهيم الإلهية بعيدة عن متناول العقل البشري. هذا ولم يتجنب القديس باسيليوس الكبير التفسير، الذي يرى في الأحداث والشخصيات التاريخية للعهد القديم تصويرًا أوليًا للمستقبل، ولأحداث أهم وأكثر كمالاً من تلك التي حدثت في العهد القديم[56].

فمثلاً، فإن الألإعى النحاسية التي رفعها موسى في البرية هى تصوير أولي للمسيح المرفوع على الصليب، والمّن هو تصوير أولي لخبز الحياة، وآدم هو تصوير أولي للمسيح أو آدم الجديد … الخ. ولقد اتبع المسيح نفسه ذلك المنهج، وكذلك كل من الرسولين بولس وبطرس، والكنيسة الرسولية وآباؤها. والقديس باسيليوس الكبير كما ذكرنا من قبل، كان يتبع هذا المنهج كثيرًا.

ومما يترك هذا الانطباع لدى قارئي أعمال القديس باسيليوس التفسيرية، كذلك بقية أعماله الأخرى، أنه يتميز بشدة بالطابع العلمي والصفة الاجتماعية في تفسيراته. فتدل أعماله، مثل كتاب “حول الروح القدس” أو الأعمال التي دحض فيها الأعمال الخاصة بسر الاعتراف ليونوميوس، على العمق النظري الغير معتاد.

ففي تلك المؤلفات النظرية يندهش القارئ لمدى عمق معرفته للكتاب المقدس. لكنه عندما يفسر الكتاب المقدس يترك التحليق في المجال النظري ويتبع الطريق العملي فهو يستخدم قدراته الفذة في فن الخطابة ويستغلها في خطبة وفي مؤلفاته ليعبر بوضوح تام عن أفكاره، ويعالج المشاكل اليومية، والأخلاقية والعملية والاجتماعية.

ويستخدم لغة معزية أو نظرية، وفقًا لما يتطلبه الأمر في كل مرة، ويداوي الجروح، أو ينتقد انتقادًا لاذعًا، أو يهدئ من النفوس أو يشجعها. ومن خلال تفسيراته، يعبر عن الأفكار القائلة بأن الإنسان كمخلوق اجتماعي، لا يمكنه إرساء مجتمعه إلاّ على المحبة فقط، وبالمحبة فقط يمكنه تحديد علاقاته مع أخيه الإنسان. وهذه المحبة تنبع من الله، وتستند إلى كلمة الله، التي يتضمنها الكتاب المقدس. أما الخيرات المادية فليس لها قيمة مطلقة بل نسبية والثروات والغنى والمال، تخدم الإنسان من الناحية الاجتماعية فقط.

والإنسان التقي يعتبر أن ما يملكه من الغنى، ليس ملكًا له أكثر مما هى ملك لأي شخص بحاجة إليها[57]. فمن يخزن الخيرات، ولا يعطي لأحد ممن يحتاج إلأيها وفقًا لحاجاته، فهو يحرم المحتاجين منها، ويحرم نفسه من ملكوت السموات. فالخبز والكساء والمال، هى للجائع والعاري والفقير. فمن يخفيها ويحجبها عنهم يكون “كاللص” الذي يسطو على الناس ويسلبهم. لأنه ليس هو المالك لما لديه، وإنما الله هو المالك لكل شئ.

أما الإنسان الغني لا يكون سوى مستخدم أمين لتلك الخيرات وخادم لله بها. يستخدم تلك الخيرات “بتدبير” لا “بتبذير”، من أجل خدمة اخوته البشر، وليس من أجل أن يتمتع هو بنفسه بها[58].

ونختتم هذا القسم بالاشارة إلى “القوانين الأخلاقية” أو “الأخلاقيات” للقديس باسيليوس الكبير. وهذا العمل هو مجموعة من القوانين الأخلاقية تبلغ 233 قانونًا، مُصنفة في 80 فصلاً. وتشمل هذه القوانين كل زوايا الحياة لدى البشر[59]، ويتألف كل واحد منها من قانون أخلاقي يتبعه فصول من العهد الجديد تدعمه وتؤكد مضمونه[60]. ويندهش القارئ من المعرفة العميقة والشاملة للقديس باسيليوس الكبير لنصوص العهد الجديد.

ويضع قواعد السلوك والأخلاق والحياة الروحية للمسيحي. وقد كانت محاولة فريدة من نوعها لوضع الأسس الأخلاقية للحياة المسيحية، وخاصةً الحياة الرهبانية وفقًا لتعاليم العهد الجديد[61].

أما فيما يتعلق بالتقليد، يجدر بنا أن نتوقف لنرى كيف يرى القديس باسيليوس الكبير التقليد المقدس بحد ذاته، وعلاقته بالكتاب المقدس. ويصنف القديس باسيليوس التقليد إلى نوعين:

تقليد مكتوب، وتقليد غير مكتوب. والتقليد غير المكتوب هو العقيدة، أما التقليد المكتوب فهو الكرازة. والكرازة يتضمنها الكتاب المقدس ومؤلفات آباء الكنيسة. أما العقيدة فهى التفسير غير المكتوب للكرازة، والتعمق في حقائق الإيمان، التي لا يمكن أن تتم بكلمات، وإنما يحياها المرء في أسرار الكنيسة، وفي العبادة وفي حياة الكنيسة بشكل عام.

وكل هذه تتسلمها الأجيال من جيل إلى جيل بدءًا من الرسل وبشكل مكتوب وهو الكتاب المقدس، أو بشكل شفهي غير مكتوب من خلال الحياة داخل الكنيسة، ولذلك فهى تشكل التقليد الرسولي. ويقول القديس باسيليوس الكبير إن كل مشكلة أو صعوبة تواجه لامؤمن، تنشأ من الابتعاد عن هذا التقليد، وعن حقيقة الإنجيل وعن بساطة الإيمان[62].

إن أهم أعمال القديس باسيليوس الكبير التي عرض فيها آراءه حول التقليد وعلاقته بالكتاب المقدس هو كتابه: ” حول الروح القدس”. وفيه يستعرض موضوع الروح القدس وتساويه بالجوهر مع الأقنومين الأولين للثالوث الأقدس أى مع الآب والابن، وكذلك يدحض آراء الهراطقة ويبني مفهوم الثالوث الأقدس مستندًا إلى الكتاب المقدس والتقليد[63].

ووفقًا لآراء القديس باسليوس الكبير، فإن حفظ التقليد، لا يتم فقط عن طريق التمسك بما هو موجود فيه، وإنما برفض كل ما هو غير موجود فيه. فقد هاجم القديس بشدة هؤلاء الذين يرفضون ألوهية الروح القدس بسبب قبولهم إثباتات الكتاب المقدس فقط وعدم اهتمامهم بالشهادات الشفهية غير المكتوبة للآباء، باعتبارها على حد اعتقادهم ليست ذات أهمية[64].

واستند باسيليوس في إثباتاته إلى العبارة المستخدمة في صلاة المعمودية: ” باسم الآب والابن والروح القدس ” ويتساءل إذا كنا نحن قد عرفنا الخلاص بالمعمودية هكذا، فهل نستطيع التخلي عن هذه العبارة المسلمة إلينا من التقليد، ونأخذ عبارة أخرى لا توجد في هذا التقليد؟ ويستطرد القديس باسيليوس الكبير في نصوصه حول الروح القدس قائلاً: ” إننا إذا فعلنا سنكون عندئذٍ بعيدين عن الخلاص، بالرغم من الزمن الذي آمنا فيه. لأن تلك الأشياء التي قبلناها في ذلك الزمن، نرفضها الآن.

كما أن الإنسان الذي مات بدون أن يقبل المعمودية يتعرض لنفس الضرر الذي يتعرض إليه الإنسان الذي يقبل شيئًا غير موجود في التقليد. إن من لا يطبق إلى الأبد اعترافه بإيمانه الذي أعلنه عندما دخل في الكنيسة وقبل المعمودية يجعل من نفسه إنسانًا غريبًا عما وعد به الله الإنسان، ويحارب نفسه بنفسه، إذا ينقض عهده الذي قطعه على نفسه عندما اعترف بإيمانه خلال المعمودية. إذًا فالإنسان الذي يضيف أو يحذف أى شئ من التقليد فهو بالتأكيد سيستثني من الحياة الأبدية “[65].

وفي الفصول الأخيرة من الكتاب المذكور يعرض القديس باسيليوس الكبير بشكل مفصل كل آراءه فيما يتعلق بالتقليد فيذكر قائلاً ” من العقائد والكرازات التي حفظت الكنيسة، منها ما يكون لدينا مسجلاً في التعليم المكتوبة والآخر يكون من تقليد الرسل المنقول إلينا بالأسرار. وكلاهما له نفس الأهمية من أجل الإيمان. فإذا حاولنا التخلي عن شئ مما هو غير مكتوب بحجة أنه ليس له أهمية كبيرة، فإننا عندئذٍ سنصير بالجوهر ذاته.

فعلى سبيل المثال نتساءل، مَن علم الممسيحيين رسم إشارة الصليب؟ وأن يتوجهوا إلى الشرق عند الصلاة؟ أى نص مكتوب يعلم ذلك؟ وأى قديس ترك لنا كلمات الصلاة لتقديس خبز الشكر؟ ومن أى نص مكتوب نأخذ كلمات تقديس المعمودية وزيت الميرون؟ ألسنا نأخذه من تقليد الأسرار الصامت؟ ومن أين أخذنا أنه من الواجب أن يغطس الإنسان ثلاث مرات في المعمودية؟ أليس كل ذلك مأخوذ من تعاليم الأسرار غير المكتوبة قائلاً أن نوع من أنواع الصمت أيضًا هو الغموض الذي يستخدمه الكتاب المقدس في تعابيره، مما يسبب صعوبة في فهم العقائد.

والتقليد بدوره يقوم بفك الغموض. ويشرح القديس باسيليوس الكبير بقوله إننا جميعًا نتوجه إلى الشرق عند الصلاة لكن القليلين فقط يعرفون أننا بذلك نبحث عن وطننا القديم، الجنة، التي زرعها الله شرق عدن. وكذلك فإننا ننهض واقفين ونصلي يوم الأحد، لكننا لا نعلم جميعًا أن صلاتنا هذه ونحن منتصبين وقائمين في اليوم الذي حدثت فيه القيامة، نذكر أنفسنا بالنعمة التي أعطيت لنا، ليس فقط بكوننا سنقوم من بين الأموات مع المسيح، وإنما يكون ذلك بشكل ما، تصويرًا للحياة المستقبلية.

وتكون فترة العنصرة بكاملها أيضًا عبارة عن تذكير بالقيامة المستقبلية التي ننتظرها، وبهذه القيامة علمتنا الكنيسة أن نفضل بالوقوف أثناء الصلاة، لننقل بذلك عقولنا من الحاضر إلى المستقبل. وفي كل مرة نركع فيها ثم نقوم واقفين، نتذكر من الناحية العملية أننا قد سقطنا بسبب الخطية إلى الأرض، ثم نهضنا من جديد وصعدنا إلى السماء بفضل محبة الله خالقنا لنا.

وكما أن الكتاب المقدس يرتكز على التقليد، والتقليد يفسره، وكما أن التقليد حفظ لنا الكتاب المقدس، كذلك فإن التقليد بدوره يعتمد على الكتاب المقدس. والكتاب المقدس يدعونا لحفظ التقليد. ويذكر القديس باسيليوس الكبير أن الرسل قد علمونا أيضًا أن نتمسك بالتقليد الشفهي غير المكتوب.

إن موضوع “الكتاب المقدس والتقليدد لدى القديس باسيليوس الكبير” موضوع مستجد ويحافظ على حداثته دائمًا. ففي كل العصور كان هناك مسيحيون بالاسم فقط، يجهلون ما في الكتاب المقدس، ولا يبالون بالتقليد. ودائمًا هناك أشخاص يستخدمون الكتاب المقدس للطعن في التقليد. وهناك دائمًا أتباع الهرطقات الذين يرفضون التقليد، فيقوضون بذلك دعائم الكنيسة.

فشكرًا للرب الذي حفظ لنا كتابات هؤلاء القديسين لنرتوي بها ونشرب من ينابيعها الثمينة. هؤلاء الذين دافعوا عن العقيدة والإيمان الصحيح.

 

شخصية القديس باسيليوس الكبير ومقارنتها بشخصيات الأنبياء والرسل

 

وصف القديس غريغوريوس اللاهوتي صديقه القديس باسيليوس الكبير، في الكتاب الذي كتبه خصيصًا لرثائه، بأنه كان شخصية عظيمة، وقارنه بشخصيات الأنبياء والقديسين في الكتاب المقدس، مثل آدم ونوح وإبراهيم واسحق ويعقوب ويوسف وسليمان ودانيال والمكابين السبع ويوحنا الإنجيلي والرسولين بطرس وبولس والتلاميذ أبناء زبدي.

لقد كان الهدف الذي سعى إليه القديس باسيليوس الكبير، أن يكتسب “قضائل جميع القديسين”. وبالفعل فقد اكتسب وداعة موسى، واستعداد بطرس للاعتراف بخطئه، وموهبة يوحنا في الفكر اللاهوتي، وأناة بولس في العناية والتدبير، ليس من أجل خير ومصلحة الكنيس فقط، وإنما من أجل خير ومصلحة جميع أفراد رعيتها من المؤمنين.

 

الهدف من وجود الإنسان وفقًا للمفاهيم المسيحية:

إن الهدف من وجود الإنسان وفقًا لمفاهيم غير المسيحيين قد يكون أحد أشياء عديد مثل المعرفة، أو العمل والنشاط، أو الحياة الرغيدة، أو الملذات .. الخ. أما بالنسبة لمفاهيم المسيحيين فهدف وجود الإنسان هو الحياة الطوباوية في الدهر الآتي بملكوت الله[66]. أى بمعنى آخر، فإن الهدف الأساسي والرئيسي لوجود الإنسان هو مجد الله.

ولكن بالرغم من أن تمجيد الله هو الهدف الرئيسي لوجود الإنسان، فإن الإنسان بتمجيده لله يتمجد هو أيضًا، وذلك لأن الإنسان مخلوق على صورة الله. ” إننا سنصبح على صورة الله بالقدر الذي تسمح طبيعتنا البشرية بذلك لنا “[67]. إن تشبه الإنسان بالله مسألة ذات أهمية جوهرية، لأنها ستجعله يعيش هو أيضًا الحياة الإلهية التي تغير الوجود الإنساني تغييرًا جذريًا.

يصف القديس باسيليوس الكبير في خاتمة كتابه “الأخلاقيات”، صفات المسيحي الحقيقي فيرسم صورته بشكل ما. فصفات المسيحي الحقيقي باختصار هى: الإيمان بالله الذي يظهر في صورة محبتنا له وتقبلنا لنعمته، والتجديد الذي تحدثه المعمودية في الإنسان، والطهارة الأخلاقية، ومحبة الإنسان لأخيه الإنسان، والتمجيد المستمر للمسيح، والاستعداد الروحي الدائم. إن هدف الإنسان المجاهد هو الانضمام إلى حياة الإله المتجسد، لأنه من الضروري في سبيل تحقيق الحياة المثلى أن يمتثل الإنسان بالمسيح فيتّبع خطاه في حياته ويتألم مثلما تألم[68].

فحياة الإنسان المؤمن يجب أن تكون المسيح بذاته، وهذا يعني أن كلامه سيكون عن المسيح، وتفكيره سيتركز في المسيح، وكل عمل سيقوم به سيكون مرتبطًا بوصايا المسيح، وروحه ستتشكل حسب روح المسيح وتعاليمه[69]. وهكذا نرى أن الخاصية الأساسية للحياة الروحية هى التشبه بالله، والطريق المؤدي لذلك هو اغتناء الروح بالمسيح.

ومما ذكرناه أعلاه، نستنتج أنه من أجل أن يكتسب الإنسان شخصية حقيقية يجب أن يعيش متحدًا بالثالوث الأقدس، وأن يكون عضوًا حيًا في هذا المجتمع الإلهي المقدس برفقة جميع القديسين.

 

مقارنة القديس باسيليوس بالنبي موسى:

هذا بالضبط ما فعله القديس باسيليوس. لقد حاول أن يقتدي بهدوء ووداعة النبي موسى، وأن يكتسب جميع فضائله. لقد كان موسى كاهن الله. كان الكاهن الأعظم لأنه عاقب أهل فرعون على سوء تصرفاتهم وقاد شعب إسرائيل إلى درب النجاة بمعجزات كبيرة وعظيمة قام بها، ودخل في السحابة فأعطى شعبه ناموسًامزدوجًا، الناموس المكتوب _الخارجي) وناموس الروح (الداخلي).

لقد أصبح موسى النبي نموذجًا ومثالاً للقديس باسيليوس فهاجم أعداء الكنيسة من الهراطقة في مصر، معذبًا إياهم ليس بالسوط الذي يسئ للجسد، بل بكل الأسواط الروحية والفكرية. وقاد شعب الله المختار إلى أرض الميعاد، ممتلئًا حماسًا واندفاعًا للعمل الصالح، وواضعًا لنواميس والألواح التي لا يهددها خطر التدمير والتحطيم، أى تلك النواميس الروحية الأصيلة التي تبقى إلى أبد الدهر. وكان يدخل إلى أقدس المقدسات، ليس مرة واحدة كل سنة، وإنما مرات عديدة، لينهل منها القوة ويكشف لنا أسرار الثالوث الأقدس، ويطهّر شعبه بالطهارة الأبدية.

لننظر إذًا ونتمعن في حياة القديس باسيليوس الكبير، التي مر من خلالها في العديد من التجارب القاسية، دون أن تحبط عزيمته تلك الصعاب التي واجهها، ودون أن تحد من اندفاعه وحماسه في كرازة الإنجيل وفي العمل على زيادة عدد المؤمنين من أعضاء الكنيسة والدفاع عن تعاليم الإيمان الحقيقي.

 

مقارنة القديس باسيليوس الكبير بالقديسين بطرس ويوحنا:

لقد إحتذى القديس باسيليوس الكبير حذو بطرس الرسول في اعترافه. فلقد قضى حياته في اعتراف مستمر بإيمانه بالمسيح المخلّص وبمحبته له، وذلك منذ اللحظة الأولى التي عرفه فيها من خلال صفحات الإنجيل، وحتى الساعة التي أسلم فيها روحه إليه. لقد كان همه اليومي وعنايته الأساسية نشر تعاليم الرب وكلمته، وكرازة الإنجيل ليكون المسيح الإله المخلّص الشخصي للإنسان الذي هو في أمس الحاجة إلى الخلاص.

وبالطبع فإن عمل القديس باسيليوس الكبير هذا، الذي هو عمل الكنيسة وتعاليمها الموجهة إلى العالم، ليس عملاً سهلاً. إن الخدمة والكرازة هى العمل الذي بمقتضاه ييتم تفسير حياة الكنيسة، وتتم من خلاله دعوة البشر للمساهمة في عمل الله.

وأمام هذا لاعمل الصعب وهذه المسئولية العظيمة فيما يتعلق بالكرازة يتساءل القديس باسيليوس الكبير: ” ما هو الأمل الذي سيدور حوله نقاشنا “؟ وذلك لأن الكرازة بحد ذاتها هى نقاش داخلي، وعهد بين الله والإنسان. الله يتكلم والإنسان ينصت ويتقبل كلام الله بحرية. ولذلك يتساءل النبي قائلاً: ” من صدّق خبرنا “؟[70]. فلأن الإنسان يسمع بحرية، ويتحاور مع الله في سره، لذلك فإنه إذا رفض كلام الله لن يكون رفضه هذا بدون عواقب.

ونحن المسيحيون يجب أن ننتبه إلى ذلك. وبشكل خاص من كان منا يكثر من الاستماع إلى الكرازة والوعظ، فيهتم للكم لا للموضوع. ماذا نستفيد إذا سمعنا كلام الله بكثرة، لكننا حالما نننخرج من الكنيسة أو من مكان الكرازة نرفض التعاليمم التي علمتنا إياها؟ إننا نتحاور مع الله الذي يتكلم بلسان الواعظ أو الكاهن الذي يقوم بالكرازة، وبين المؤمنين الذين يستمعون إلى كلام الله.

فإذا رفضنا كلمة الله في نهاية الأمر، فإننا سنحاسب أمامه على ذلك. ومن هذا المنطلق لكان من الأفضل لنا أساسًا أن نستمع إلى عظة واحدة فقط، ونحاول تفسيرها تفسيرًا صحيحًا ونطبقها في حياتنا وأعمالنا، بدلاً من أن نستمع إلى العديد من المواعظ وأن نرفضها دون تفكير ودراسة. لأنه حيث تكون الحرية بمتناول أيدينا، تكون المسئولية الملقاة على عاتقنا أكبر وأعظم.

لقد اكتسب القديس باسيليوس الكبير “لاهوت يوحنا” أيضًا. إن تلميذ الحبيب “الذي اتكأ على صدره”[71] وقت العشاء السري، قد تعلم اللاهوت يسماعه لقلب وروح اللاهوت من الرب. ولم يتعلم اللاهوت فقط بل أصبح معلّمًا له، وسجله في إنجيله. ولكن أين تعلم القديس باسيليوس اللاهوت؟ لقد تعلمه من خلال متابعته الدروس في مدرسة الصلاة والدموع والتنسك، عندما ذهب مع صديقه غريغوريوس إلى البنط للتنسك والتعبد لفترة زمنية معينة.

لقد تعلم اللاهوت عندما سهر تحت أقدام المسيح المصلوب المضرجة بالدماء، وعندما نظر إلى جنبه المطعون بالحرية، فرأى أن منه قد “خرج دم وماء” .. “ماء” المعمودية. لقد تعلم اللاهوت عندما كان يتأمل “جرح” يسوع الذي كان ينبع منه “إكسير” الحياة الأبدية، الذي شفى به “الجرح” الأعظم، الذي هو الإنسان[72]. لقد تعلم اللاهوت أيضًا من خلال خدمته ككاهن في الكنيسة، فكان الخبز والخمر يتحولان في يدهه إلى جسد ودم المسيح.

 

 

مقارنة القديس باسيليوس ببولس الرسول:

لقد احتذى أيضًا القديس باسيليوس حذو بولس الرسول، في عنايته ورعايته التي قدمها “من أجل جميع الكنائس”، وليس ذلك فقط، بل في عنايته ورعايته لأخيه الإنسان. فإذا كان بولس الرسول قد قال: ” من يضعف وأنا لا أضعف؟ من يعثر وأنا لا ألتهب “؟[73].

وقال أيضًا: ” إني ثلاث سنين ليلاً ونهارًا لم أفتر عن أن أُنذِر بدموع كل واحد”[74]

وكذلك قال: ” كأولادي الأحباء أنذركم “[75]، فإن القديس باسيليوس الكبير يعرض العمل الذي قام به في حياته فبارك الله عمله هذا. ففي مدينة باسيليادة، بذل جهودًا جبارة وساعد كل المحتاجين وخفف عن آلامهم، حيث كان الآلاف من اليتامى يلقون العطف والحنان الأبوي منه، وكانت الأرامل يلقين الحماية، وكان الفقراء يلقون الاحسان، وكان المرضى يلقون التطبيب والعناية والاستشفاء. وفي الوقت الذي كان يغيب فيه القديس باسيليوس عن مذبح الكنيسة وعن الصلاة والخدمة الإلهية، كنت تلقاه في خدمة الاخوة من الرعية ممن كانوا بحاجة لمسعدته.

 

 

خاتمة:

لقد حاولنا هنا التطرق باختصار إلى بعض الجوانب المتعددة لشخصية القديس باسيليوس الكبير، التي تزيينها كل خصال القداسة. ولكن ينتابنا شعور بأننا لم نتكلم عن فضائله الأخلاقية العديدة، ومنها التقشف، والابتعاد عن الملذات، والطهارة، والبتولية، وعن موقفه تجاه خصومه وأعدائه ومن اتهموه بالباطل وهاجموه ولاحقوه. كما أننا نتكلم أيضًا عن مزاياه العقلانية وعن بلاغة لسانه، واقتداره في الكتابة والتأليف، وعن مواقفه المفحمة وحجة لسانه وعبقريته اللاهوتية في مواجهة الهرطقة والدفاع عن العقيدة المسيحية والإيمان الحقيقي.

لقد كان القديس باسيليوس الكبير نموذجًا حيًا للفضيلة، وقد ذكر صديقه غريغوريوس اللاهوتي أن فضائله كانت تستحق التمجيد لدرجة أنه حتى بعض السلبيات الصغيرة التي كانت موجودة فيه اعتبرت من قبل الكثيرين مزايا تجلب المجد لصاحبها. وهذا ما بدا واضحًا عند وفاته وخلال جنازته، حيث إن السوق وجميع أروقة المدينة ومبانيها كانت مكتظة بالناس من سكتن المدينة والغرباء الذين جاءوا للمشاركة في الجنازة والحزن ظاهر على وجوههم. لقد حملوه على أكتافهم وتسابق في ذلك المسيحيون مع غير المسيحيون، اليونانيون مع اليهود، سكان المدينة مع الغرباء.

وبسبب الازدحام الشديد مات الكثيرون، فرافقوه في رحلته الأخيرة إلى جوار ربه. لقد حدث كل ذلك بسبب تلك الشخصية المكتملة التي امتد إشعاعها إلى جميع الآفاق، فأثرت بالمؤمنين وغير المؤمنين، بالمسيحيين والوثنيين، بالأصدقاء والأعداء.

ويجدر بنا إذًا، نحن الذين نسعى للتقوى، وللتعمق باللاهوت والحكمة، أن نمجد هذا القديس العظيم، وأن نمدحه جزيل المديح، وأن يذكر الواحد منا للآخر فضائله هذه، لنكتسب منها جميعًا، من أجل خير مجتمعنا بأكمله.

 

[28] الأقمار الثلاثة هم ذهبي الفم، وباسيليوس الكبير، وغريغوريوس اللاهوتي

[29] انظر:سلسلة “أباء الكنيسة اليونانية” أعمال القديس باسيليوس الكبير، المجلد الثاني، صفحة71.

[30] انظر المرجع السابق، المجلد-1، صفحة60.

[31] أنظر متى24:16.

[32] 1 كو 13:5.

[33] أمثال 24:13.

[34] ا كو 8:12-10

[35] مزامير 3:13

[36] متى 16:18

[37] رومية 13:2

[38] متى 16:5

[39] أعمال الرسل 44:2

[40] أعمال الرسل 32:4

[41] أنظر المرجع السابق، المجلد ـ 9ـ الفصل ـ 18ـ .

[42] انظر كتابات القديس باسيليوس حو الإيمان-1- MPG31,680 وأيضاً خطاب حول الرهبنة-2- MPG31,888 ، وانظر أيضاً MPG31,1264,MPG31,908.

[43] كتابات باسيليوس حول الإيمان-1- MPG31,680.

[44] أنظر باسيليوس الكبير في خطاب في الأيام الستة 1،2 في MPG29,28-29.

[45] أخلاقيات 1،26 لباسيليوس في MPG31,744

[46] خطاب لباسيليوس حول المزمورالأول-1 في MPG29,209

[47] أنظر باسيليوس حول الروح القدس 2،1 MPG32,69

[48] أنظر باسيليوس الكبير في موضوعه حول الإنتباه على النفس 1 في (MPG31,200) وأيضاً حول القديس أشعياء 246،MPG30,552.

[49] أنظر القديس باسيليوس حول القديس أشعياء 9،1،MPG30132.

[50] “أنر عيني لئلا أنام نوم الموت”

[51] أنظر رسالة القديس باسيليوس إلى أوستاثيوس السباستيني 2، 223 في MPG 32, 824

[52] انظر خطاب في المزمور الأول 2، ضمن كتابات باسيليوس في MPG 29, 212-213

[53] انظر البروفيسور في كتاباته مواضيع الفلسفة المسيحية والبيزنطية، أثيينا 1952، ص39.

[54] انظر البروفيسور تاتاكيس في كتاباته مواضيع الفلسفة التاريخية والبيزنطية، أثينا 1952، ص39.

[55] انظر (الصفحة 221)، 1951 B.Altaner, Patrologie, freiburg

[56] ان\ر (ص18ـ19) Goppeli, Typos

[57] انظر القديس باسيليوس الكبير، حول الطمع ـ 5، MPG 31,384

[58] انظر القديس باسيليوس الكبير، إلى الأغنياء ـ3، MPG31,288

[59] انظر البروفيسور خريستو، للقديس باسيليوس الكبير، تسالونيكي 1978، ص168.

[60]

[61]

[62]

[63] حول الروح القدس 16، 22، 108، MPG 32, 93,96

[64] حول الروح القدس ـ 25 MPG 32, 112

[65] حول الروح القدس ـ 28 MPG 32, 117

[66] القديس باسيليوس الكبير: خطاب حول المزامير 48، “آباء الكنيسة اليونانيون” 5، 1.

[67] القديس باسيليوس الكبير: حول الروح القدس “آباء الكنيسة اليونانيون” 10، 1ـ2.

[68] القديس باسيليوس الكبير: حول الروح القدس “آباء الكنيسة اليونانيون” 15، 35.

[69] القديس باسيليوس الكبير: رسالة 159، “آباء الكنيسة اليونانيون” 10، 1.

[70] إش1:53.

[71] يو20:21.

[72] انظر مدائح صلاة المساء ليوم أحد القديس توما.

[73] ب ـ كورنثوس 28:11ـ29.

[74] أع31:20.

[75] كورنثوس 14:4.

تقييم المستخدمون: 5 ( 2 أصوات)