آبائيات

الهرطقة البيلاجية ومجمع أفسس المسكوني ٤٣١م – د. أنطون جرجس

الهرطقة البيلاجية ومجمع أفسس المسكوني ٤٣١م - د. أنطون جرجس

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)

الهرطقة البيلاجية ومجمع أفسس المسكوني ٤٣١م – د. أنطون جرجس

الهرطقة البيلاجية ومجمع أفسس المسكوني ٤٣١م - د. أنطون جرجس
الهرطقة البيلاجية ومجمع أفسس المسكوني ٤٣١م – د. أنطون جرجس

الهرطقة البيلاجية ومجمع أفسس المسكوني ٤٣١م

 سوف أعتمد في هذا البحث عن العلاقة بين الهرطقة البيلاجية ومجمع أفسس المسكوني ٤٣١م على البروفيسور كارل جوزيف هيفيليه Karl J. Hefele الأسقف الكاثوليكي لروتنبرج وأستاذ اللاهوت بجامعة توبينجين Tubingen بألمانيا، وأبو التاريخ المجمعي، وصاحب موسوعة “تاريخ مجامع الكنيسة” التي تعد المرجع الأهم والأول في تاريخ، وأحداث، وأعمال، وقوانين المجامع الكنسية عبر العصور.

 سوف نتتبع سويًا العلاقة بين مجمع أفسس المسكوني ٤٣١م برئاسة البابا كيرلس السكندري والهرطقة البيلاجية، لنعرف هل تم بالفعل هرطقة أتباع بيلاجيوس وكالستوس من البيلاجيين بسبب إنكارهم لوراثة خطية آدم الأصلية أم لا؟

 سوف نبدأ حيث يروي البروفيسور كارل هيفيليه عن عدم انصياع نسطوريوس لتحذيرات البابا كيرلس السكندري والبابا كليستينوس الروماني، بل وحمايتهم للبيلاجيين عنده في القسطنطينية، حيث يقول هيفيليه التالي:

“لم يلتفت نسطوريوس إلى التحذيرين من كيرلس، وإن كان الآن يرفض طاعة هذا التحذير الثالث، فلا بد من استبعاده من الكنيسة الجامعة المسيحية. فلم تكن مفاجأةً للبابا (كلستينوس) حماية نسطوريوس للبيلاجيين، لأنه كان أسوأ منهم. بالرغم من أنه كان من المرجو ألا يقضي على وحدة الكنيسة، فكانت علامة منه على تحسن موقفه، أن يستدعي أولئك جميعًا ليطردهم من الكنيسة، من أجل خاطر المسيح (أي بناءً على رواية أرثوذكسيتهم). فإن لم يحرم (نسطوريوس) بدعته عديمة التقوى خلال عشرة أيام، فلا بد من قطعه عن شركة الكنيسة الأرثوذكسية كلها، ويجب على كيرلس إعلان هذا الحكم ممثلاً عن البابا (كلستينوس)”.

Hefele, Charles J., History of The Councils of The Church Vol. III (431 A. D. To 451 A. D.), (Edinburgh: T & T Clark, 1986), p. 30.

 ثم يستطر هيفيليه في سرد أحداث مجمع أفسس المسكوني ٤٣١م مؤكدًا على وجود البيلاجيين في صف النساطرة مقابل المجمع برئاسة البابا كيرلس السكندري والأساقفة الذين معه والبابا كلستينوس وأسقفية أفريقيا كلها كالتالي:

“علاوة على ذلك، منذ وقت قريب، كان هناك العديد من الأساقفة الذين كانوا حتى هذه اللحظة في صف نسطوريوس، وقد صارت لهم رؤية أفضل للأمور، إلا أنهم استخفوا بالمجمع، وظل حتى الأن حوالي ٣٧ أسقفًا فقط مع نسطوريوس ويوحنا (الأنطاكي)، كان هؤلاء في الغالب بسبب خوفهم من العقاب لأجل ارتكابهم المخالفات، أو لأنهم كانوا هراطقة مثل البيلاجيين. في المقابل، كان كلستينوس أسقف روما وأسقفية أفريقيا كلها في صف المجمع، بالرغم من عدم حضورهم بشكل شخصي”.

Ibid, p. 59.

 ثم يروي هيفيليه أمر في منتهى الغرابة ألا وهو قراءة قرارات الغرب بحرم أتباع بيلاجيوس وكالستوس ويوليان وغيرهم من البيلاجيين، ولكنه يؤكد على عدم معرفة في أي جلسة تم ذلك، وأية قرارات تمت قراءتها في هذه الجلسة المجهولة، بل والأدهى لم يأت أي ذكر بحرم بيلاجيوس وكالستوس ويوليان وأتباعهم بسبب وراثة الخطية الأصلية بحسب المفهوم اﻷوغسطيني اللاتيني.

فأين وراثة الخطية الأصلية التي يملأ البعض الدنيا صياحًا بأنها كانت محور مجمع أفسس المسكوني، وكأن ق. كيرلس السكندري والمجمع ترك هرطقة نسطوريوس وأحداث المجمع المتصارعة، ولم يكن في بالهم سوى مناقشة موضوع وراثة الخطية الأصلية بحسب المفهوم اﻷوغسطيني، التي لم يأت أي ذكر عنها لا من قريب ولا من بعيد، فكيف نهرطق الآخرين على حدث غامض ومجهول، ليس لدينا أدلة كافية وواضحة عنه ألا وهو حرم بيلاجيوس وأتباعه بسبب وراثة الخطية الأصلية بالتناسل؟ حيث يسرد هيفيليه التالي:

“والأكثر أهمية هو الإضافة، أي قراءة قرارات الغرب بحرم البيلاجيين والكالستوسيين، أتباع بيلاجيوس وكالستوس ومؤيديهم، يوليان، وبيرسيديوس Persidius، ومارسيللينوس Marcellinus، وأورينتيوس Orentius …إلخ في مجمع أفسس (بالرغم من عدم إخبارنا في أية جلسة تم ذلك)، وقبول الحكم البابوي عليهم على مستوى العالم”.

Ibid, p. 65.

 ثم يستطر في نفس السياق مؤكدًا على تحالف واتحاد  البيلاجيين مع النساطرة ضد المجمع المسكوني برئاسة ق. كيرلس السكندري، مما جعل المجمع المسكوني يحرمهم ويقطعهم بسبب انضمامهم لنسطوريوس وجماعته، لأنه كان هدف المجمع بالأساس هو حرمان نسطوريوس وأتباعه. حيث يروي قائلاً:

“بالإضافة إلى ذلك، هناك الكثيرون بين هؤلاء الثلاثين – الذي قد حُرِموا في السابق، الكثير من البيلاجيين والنساطرة. وبالتالي يجب على الإمبراطور تثبيت وتفعيل ما قد قرره المجمع المسكوني المقدس ضد نسطوريوس وتعليمه عديم التقوى”.

Ibid.

 ثم يروي هيفيليه بكل وضوح أسباب حرم مجمع أفسس المسكوني ٤٣١م برئاسة البابا كيرلس السكندري للبيلاجيين، ولم يأت أي ذكر لحرمهم بسبب إنكار وراثة الخطية الأصلية كما يدّعي البعض، حيث يقول التالي:

“وقد حرم (المجمع) بالأحرى بشكل أكبر – وهذا ايضًا يمكن شرحه فقط على خلفية الخداع – أسماء يوحنا الأنطاكي ومؤيديه، وأولئك أيضًا الذين من أتباع كالستوس (البيلاجيين)، فبالرغم من حرمان المجمع المسكوني لهم، إلا أنه تم ضمهم بين أساقفة المجمع، وخاطبتهم المراسم الأمبراطورية كأنهم أساقفة من المجمع. ثم تم تقديم رواية مختصرة عن علاقتهم بالأنطاكيين، التي نحن على علم بها بالفعل، وبتاريخ انفصالهم عن المجمع، مع الإشارة إلى احتمالية عدم قبولهم جزئيًا في شركة الكنيسة، لأنهم لم يقبلوا عزل نسطوريوس*، وكانوا على اتفاق علني معه تمامًا*، وجزئيًا بسبب إهانتهم لرئيسي المجمع (أي بحكمهم ضد كيرلس وممنون*)، ولأنهم انتهكوا القوانين*، وإلى حد ما لأنهم قد تجرأوا على الكذب وخداع الأباطرة*”.

Ibid, p. 78.

 ويستطرد هيفيليه في نفس السياق موضحًا سبب حرمان البيلاجيين في مجمع أفسس المسكوني ٤٣١م برئاسة القديس كيرلس السكندري، ولم يأت أيضًا على ذكر موضوع وراثة الخطية الأصلية من قريب أو من بعيد، حيث يقول التالي:

“قبل كل شيء، ينبغي عليك رفض الشركة مع يوحنا الأنطاكي ومجمعه المارق، لأنهم رفضوا الاشتراك معنا في عزل نسطوريوس، ولأنهم كانوا حلفائه حتى وقت مغادرتك، ولأنهم تجرأوا على انتهاك جميع القوانين من أجل حرم كيرلس وممنون، بل بشكل خاص، لأنهم حتى هذا اليوم يدافعون عن تعاليم نسطوريوس، بالإضافة إلى أن الكثير منهم كانوا من أتباع كالستوس (البيلاجيين)*، ولهذا السبب هم محرمون**، في الأخير، لأنهم لم يترجعوا عن الافتراء على مجمع العالم كله باعتباره مجمعًا هرطوقيًا”.

Ibid, p. 87.

 وتظهر هنا الحقيقة بجلاء أن مجمع أفسس المسكوني ٤٣١م برئاسة البابا كيرلس السكندري عمود الدين لم يقم بحرم البيلاجيين بسبب إنكارهم لوراثة الخطية الأصلية، بل لأنهم تحالفوا مع النساطرة ضد المجمع المسكوني، وانضموا إلى مجمع يوحنا الأنطاكي الموازي المناهض للمجمع المسكوني برئاسة ق. كيرلس السكندري وممنون أسقف أفسس، هذا بالإضافة إلى انتهاكهم لقوانين المجمع واستخفافهم به وبقرارته، ورفضهم عزل نسطوريوس وقطعه من شركة الكنيسة.

وفي هذا كله لم تأت سيرة وراثة الخطية الأصلية لا من قريب ولا من بعيد، بل جُل ما في الأمر هو تحالف البيلاجيين وانضمامهم في صف النساطرة ورفضهم القبول بعزل نسطوريوس. رجائي إلى مَن يقومون بهرطقة الآخر أن يكفوا عن ذلك، ويفيقوا إلى ضمائرهم لعلهم يستدركون أخطاءهم تفاديًا للمزيد من الانقسامات والانشقاقات في الكنيسة.

الهرطقة البيلاجية ومجمع أفسس المسكوني ٤٣١م – د. أنطون جرجس