آبائيات

تعليم الخطية الجدية في كتابات آباء الكنيسة الجامعة – د. أنطون جرجس

تعليم الخطية الجدية في كتابات آباء الكنيسة الجامعة - د. أنطون جرجس

تقييم المستخدمون: 4.45 ( 1 أصوات)

تعليم الخطية الجدية في كتابات آباء الكنيسة الجامعة – د. أنطون جرجس

تعليم الخطية الجدية في كتابات آباء الكنيسة الجامعة - د. أنطون جرجس
تعليم الخطية الجدية في كتابات آباء الكنيسة الجامعة – د. أنطون جرجس

 

تجميعة لآراء أهم الأساتذة والباحثين اللاهوتيين في العالم حول تعليم وراثة الخطية الجدية أو الأصلية بين اللاهوت اليوناني الشرقي واللاهوت اللاتيني الغربي من مختلف المذاهب والكنائس والطوائف والمدارس اللاهوتية على مستوى العالم.

سأستعرض رأي واحد من أهم شراح تاريخ العقيدة في العالم وهو جوزيف تكسرون (ﻻهوتي كاثوليكي) في كتابه “تاريخ العقائد” في اختلاف وجهة نظر آباء الشرق عن المفهوم اﻷوغسطيني في موضوع “وراثة الخطية اﻷصلية أو الجدية”، حيث يقول:

“من ناحية أخرى، أكد مجمع أفسس في خطابه إلى البابا كليستينوس على الحرمان الذي أصدره زوسيموس ضد البيلاجيين (epist. XX,3, 6, PL., L, 518, 522) وتبين هاتان الحقيقتان إن الشرقيين – منذ مجمع ديوبوليس- قد انتبهوا بعض الشيء إلى تلك المسألة، ولكننا بالرغم من ذلك، سنرى حاﻻً إنهم في العموم كانوا بعيدين جدًا عن المشاركة في آراء ق. أوغسطينوس” (History of dogmas vol.3 p198-199). هنا يؤكد جوزيف تكسرون على اختلاف اللاهوت الشرقي عن الغربي في موضوع “وراثة الخطية الجدية” يعني الموضوع محسوم في اﻷوساط اﻷكاديمية وليس إدعاءات النيوباترستيك neo-patristics بحسب إدعاء البعض.

 

يستكمل جوزيف تكسرون قائلاً:

“ينطوي السقوط في النظرية اﻷوغسطينية واللاتينية عن الخطية اﻷصلية على مرحلتين ودرجتين، أو بكلمات أخرى، سقوطين مختلفين. حيث لم يرث أبناء آدم ببساطة المأسي المادية (الموت واﻷلم …إلخ) والمأسي اﻷخلاقية (الجهل والشهوة) التي هي عقوبات الخطية، بل يرثون الخطية نفسها: إنهم مولودون خطاةً، ﻷنه بالنسبة لهم، ﻻ يوجد سقوط فقط، بل ذنب أيضًا” (Ibid, p2oo). هنا يؤكد جوزيف تكسرون أن أوغسطينوس واللاتين يؤمنون بوراثة الخطية نفسها، يعني يؤمنون بوراثة الذنب الشخصي ﻵدم.

يتحدث جوزيف تكسرون عن اللاهوتيين اليونانيين قائلاً:

“ثم بناءً على هذه النقطة، ﻻ توجد أية صعوبة، بل إن نفس اللاهوتيين (اليونانيين) الذين يؤكدون بكل وضوح أننا نقاسي عقوبة خطية آدم، هم أقل تأكيدًا إلى حد بعيد جدًا في التشديد على أننا نرث تلك الخطية عينها” Ibid, p201 وهنا يؤكد جوزيف تكسرون أن اﻵباء اليونانيين ﻻ يؤمنون بوراثة الخطية اﻷصلية كما شدّدنا كثيرًا على ذلك، وليس كما يدّعي البعض. 

يتحدث جوزيف تكسرون عن الكُتاب اﻷنطاكيين قائلاً:

“الكُتاب اﻷنطاكيون -على وجه الخصوص- الذين كانوا مشغولين جدًا بدعم وتأييد حقوق وسلامة الطبيعة البشرية، ﻻبد أنهم قد شعروا بالنفور أكثر من تبني وجهة النظر اﻷوغسطينية” Ibid, p201 هنا يؤكد جوزيف تكسرون على أن اللاهوتيين اﻷنطاكيين قاوموا وعارضوا المفهوم اﻷوغسطيني حول “وراثة الخطية اﻷصلية” ويعتقد البعض أن المدرسة اﻷنطاكية كانت تؤمن بوراثة الخطية اﻷصلية كما شرحها أوغسطينوس، وهذا للأسف عكس منهجية تلك المدرسة في التشديد على عدم وراثة الخطية الأصلية.

يتحدث لويس بيركهوف (لاهوتي بروتستانتي) عن مفهوم الآباء اليونانيين للخطية الأصلية كالتالي:

“لقد تأثرت نظرتهم للخطية أولاً – على وجه التحديد- كثيرًا وبشكل واسع بمعارضتهم ومقاومتهم للغنوصية وتأكيدها على الحتمية المادية للشر؛ وإنكارها لحرية الإرادة. لقد ركزوا على حقيقة أن خلق آدم على صورة الله لم يؤثر في كماله الأخلاقي، بل في الكمال الأخلاقي لطبيعته فقط. يستطيع آدم أن يخطئ، ولقد فعل الخطية، وهكذا صار تحت سلطان إبليس؛ والموت؛ والفساد الشرير. لقد انتقل هذا الفساد المادي في الجنس البشري، ولكنه ليس الخطية نفسها، ولم يؤثر في الجنس البشري بالذنب.

لا يوجد أي خطية أصلية بالمعنى الدقيق للكلمة.  لم ينكروا اشتراك وتضامن الجنس البشري؛ بل اعترفوا بارتباطه المادي مع آدم. ويتعلق هذا الارتباط بالرغم من ذلك بالطبيعة المادية والحسية فقط؛ التي تنتقل بالولادة من الأب إلى الابن، ولا يتعلق بالجانب الأسمى والعاقل للطبيعة البشرية؛ الذي يكون في كل حالة هو خلق مباشر من الله. لم تمارس (الطبيعة) أي تأثير مباشر على الإرادة؛ بل تؤثر فقط على تلك (الإرادة) بشكل متوسط من خلال العقل، تنبع الخطية دائمًا من الاختيار الحر للإنسان؛ ونتيجة للضعف والجهل. وبالتبعية؛ لا يمكن اعتبار الأطفال مذنبين؛ لأنهم قد ورثوا فقط الفساد المادي” The History of christian doctrines – Anthropology of the Greek fathers

لويس بيركهوف هو من أهم شراح تاريخ العقيدة ويؤكد بكل حيادية وموضوعية أنه لا يوجد ما يسمى بـ ” وراثة الخطية الأصلية” عند الآباء اليونانيين؛ وهو لاهوتي بروتستانتي وليس نيوباترستيك.

كما يتحدث عالم الآبائيات جوهانس كواستن (لاهوتي كاثوليكي) عن مفهوم الخطية الأصلية عند ق. يوحنا ذهبي الفم، موضحًا الاختلاف الشديد بين القديسين يوحنا ذهبي الفم وأوغسطينوس في مفهوم وراثة الخطية الأصلية كالتالي:

“يشير ق. ذهبي الفم بالتفصيل في عظته” إلى المعمدين الجدد” (Ad neophytos) التي أعاد هايداشر اكتشافها إلى مفاعيل المعمودية قائلاً: “وبالتالي هل نعمد أيضًا الأطفال الصغار، بالرغم من أنهم ليس لديهم خطايا (άμαρτήματα)”. وقد استخلص يوليانوس أسقف إكلانوم البيلاجي أن ق. ذهبي الفم قد أنكر الخطية الأصلية، ويرد ق. أوغسطينوس في (Contra Julianaum 1, 22) أن كلا من الجمع “خطايا” والسياق يثبتان أن ق. ذهبي الفم قد قصد الخطايا الشخصية (propria peccata) ويدعم حجته بثمان اقتباسات إضافية من أعمال أخرى للقديس يوحنا ذهبي الفم ليوضح بأنه قد علّم بوضوح بوجود الخطية الأصلية. ومع ذلك، ففي كل هذه الفقرات، لا يتطابق مفهوم ق. يوحنا ذهبي الفم تمامًا مع أفكار ومصطلحات ق. أوغسطينوس*.

وبالرغم من أن ق. ذهبي الفم يؤكد مرارًا وتكرارًا أن نتائج وعواقب خطية آدم لم تؤثر فقط على والدينا الأولين، ولكن أيضًا على نسلهما، إلا أنه لم يذكر صراحةً أن ذريتهم قد ورثوا الخطية نفسها*، وأنها قد أصبحت موروثة في طبيعتهم*. وهو يعلق على (رو٥: ١٩) على سبيل المثال قائلاً:

“ما هي المشكلة؟ هي القول إنه بمعصية واحد جُعل كثيرون خطاة. لأن المبدأ أنه حينما أخطأ (آدم) وأصبح فانيًا، فهؤلاء الذين من نسله يجب أن يكونوا كذلك، ليس شيئًا غريبًا. ولكن كيف يكون أنه بمعصيته (آدم) يصبح آخر (المسيح) خطية؟ لأنه في هذه الحالة، لا يستحق كهذا عقابًا، لأنه لم يصبح خاطئًا من نفسه. إذًا، ماذا تعني هنا كلمة “خطاة”؟ بالنسبة لي يبدو أنها تعني خاضعًا لحكم الدينونة ومحكومًا عليه بالموت”

(Hom. 10 in Rom. 1. 2. 4, LFC).”

جواهانس كواستن، علم الآبائيات “باترولوجي” مج ٣، ترجمة: الراهب غريغوريس البراموسي ود. نادر مدحت، مراجعة: د

جوزيف موريس ود. عماد موريس، (القاهرة: مركز باناريون للتراث الآبائي)، ص ٦٢٣، ٦٢٤.

 

نستعرض رأي أدولف فون هارناك Harnack (لاهوتي بروتستانتي) وهو أحد شراح العقيدة المسيحية المعتبرين في العالم حيث يشرح المفهوم الأوغسطيني عن “وراثة الخطية الأصلية” كالتالي:

“رُسم تعليم الخطية والسقوط والحالة الأولى من وجهة نظر النعمة الحرة والمسبقة، إنه يتبع تعليم النعمة؛ حيث أن الخطية تصف الجنس البشري كما هم موجودون حاليًا. تعلن الخطية عن نفسها بالأساس كوجود من دون الله (إنعدام وجود الله Carentia dei) نقص إرادي في القدرة على الوجود والكينونة، والفشل في امتلاك معية الله أي إنعدام الخير (Privatio boni)؛ وتمثل الخطية عدم ملازمة الله، وبالتالي يكون بالحقيقة المفهمومان – المفهوم الميتافزيقي أن الخطية هي نقص الكينونة، والمفهوم الآخر الأخلاقي الذي هو نقص الصلاح- متطابقين كما نفكر فيهما؛ تمامًا كما عند فحص النعمة يتألف ويتفق دائمًا العنصران الميتافزيقي والأخلاقي الديني (أي إيجاد الوجود من العدم).

تلك الخطية هي حالة: حيث تعجز الحتمية البائسة الرديئة عن الامتناع عن ممارسة الخطية. الحرية بمعنى “حرية الاختيار” لم تتلاشى تمامًا؛ بل الحرية التي مازالت موجودة دائمًا ما تقود إلى الخطية؛ وتلك الحالة هي الأكثر رهبةً وبغضةً بالتمام. حيث توجد معرفة محددة بالخير، بل وحتى رغبة ضعيفة له؛ ولكنها مستسلمة دائمًا. (نجد عند أوغسطينوس مسألتين هما: أن الخاطئ لا يريد الصلاح؛ وإنه مازال تحت تأثير حافز أعمى يسعى نحو النعم والبركات، بل وحتى نحو الخير، ولكن من دون الحصول عليهم أبدًا).

الشيء الإيجابي، مع ذلك، أن حالة الخطية تعلن عن نفسها إنها بمثابة سلطان إبليس على البشر من خلال الكبرياء (الكبرياء هو الميل إلى اللاكينونة والعدم وهو دائمًا في نفس الوقت السعي نحو الاستقلالية والانفصال؛ ويعتبر شيئًا خاطئًا؛ وينتهي بلا نتيجة) والشهوة (الكبرياء هو شهوة النفس، بينما الشهوة هي بالأساس شهوة الجسد التي تسود على النفس؛ والتطور الداخلي للخطية من انعدام الخير إلى الجهل والشهوة والإثم والحزن والخوف واختيار الموت “أنظر الانخيريديون : ٢٣” وما كان يعتبره أوغسطينوس كثيرًا في الخطية هو المرض والجرح).

ينتج من هذا الأساس إنه ينبغي خلاص الإنسان من الخارج بحيث يمكن مساعدته (عمل مسيح التاريخ هو بالأساس الخلاص من سلطان إبليس). الكبرياء هو فيما يتعلق بالله، وتبين الشهوة أن الإنسان خاطئ نفسًا وجسدًا؛ ومازال التأكيد إلى الآن يقع على الشهوة (يدخل هنا العنصر الجامع الشائع والمنتشر؛ ومازال يبرزه أوغسطينوس بالأكثر على الرغم من ذلك كما جاء في الانخيريديون: ١١٧).

إنها الرغبة الدنيئة والشهوة الحسية التي تعلن عن نفسها فوق كل شيء في شهوة الجسد. تعلّمنا الحركة الجنسية المعتمدة على الإرادة أن الطبيعة فاسدة، ولكنها لم تصبح رذيلةً أو فسادًا؛ بل فاسدة natura vitiata. المقالات المنفرة جدًا عن الزواج والشهوة في الكتابات الجدلية ضد يوليان؛ كذلك أيضًا في مدينة الله: ١٤ هي – كما فهم الأخير (يوليان) حقًا- مستقلة بشدة عن مانوية أوغسطينوس: (أقتفى يوليان أثر النظرية التوالدية traducianism وأرجعها إلى المانوية see op.imperf.III. 172)

علاوة على ذلك، تظهر المانوية بالفعل عند الحديث عن تعليم “الخلق من العدم” Ex nihilo كما لو كانت كيانًا شريرًا – وفي رأيي- لم تشرح الأفلاطونية المحدثة وحدها ذلك المفهوم؛ حيث لا يمكن إثبات الركيزة أعلاه بدقة (See Loofs, D. Gesch., 3Ed., p. 215) وليست المقالات بالتأكيد مجرد عمل في النسق الأوغسطيني؛ بل تخص محوره ومركزه.

الصفة المميزة جدًا في نطاق النشاط الجنسي كانت – في رأيه- لا إرادية الحافز؛ ولكن بدلاً من استنتاج إنه لا يمكن أن يكون خاطئًا بالتالي – ولا ينبغي أن يكون ذلك هو الاستنتاج بالحفاظ على المبدأ القائل: كل خطية هي من الإرادة- يستنتج (أوغسطينوس) بالحري إنه هناك خطية خاصة بالطبيعة أي خاصة بالطبيعة الفاسدة، ولا تخص نطاق الإرادة.

وتبعًا لذلك؛ يفهم الخطية على أنها متجذرة في الطبيعة بالتأكيد في الشكل الذي قد أتخذته؛ الخطية التي تنقل نفسها عن طريق الولادة في طبيعتنا، وإنه لمن السهل الآن إثبات إنه أثناء التفكير في الخطية الموروثة، كان ينظر بشكل رئيسي لتلك الخطية عينها أنها شهوة الإنجاب؛ ولكنه من غير العملي اقتباس تلك المادة هنا، وبالتالي فإنه من الواضح أن الخطية الموروثة هي أساس كل شر؛ وإنها في وضع مختلف تمامًا عن الخطايا الفعلية؛ لأنه في الخطية قد صارت الطبيعة شريرة؛ وتصيب الكيان بأكمله.

ولكنه من الواضح أن هذه كانت رواية مجهولة في الكنيسة، ولابد من شرحها وتفسيرها بالرجوع إلى المانوية. لم يقصد أوغسطينوس بالطبع أن يكون مانويًا؛ إنه يميز بوضوح بين الفساد والطبيعة الفاسدة (الزواج والشهوة: ٣٦؛ op. imp. III. 188 etc., etc.,) لقد كان يحاول إدخال “الإرادة” حتى إلى الخطية الموروثة (الاستدراكات ١: ١٣: ٥) ولكن لم يتم التغلب ببساطة على الثنائية dualism بالاعتقاد أن الطبيعة قد صارت شريرة mala ومازالت تنقل نفسها بالتناسل كشر، والإرادة هي مجرد تأكيد.

تقع الثنائية في الاعتقاد أن الأطفال لديهم خطية أصلية؛ لأن أبويهم قد أنجبوهم بالشهوة – ومن خلال هذا الاعتقاد الذي يتوقف على تعليم الخطية الأصلية (الزواج والشهوة ٢: ١٥)، وبالتالي المسيح لديه أيضًا عصمة من الخطية منسوبة إليه؛ لأنه لم يُولد من زواج (الانخيريديون ٤١: ٣٤)؛ وتصوّر أوغسطينوس الزواج الفردوسي في جنة عدن؛ حيث يُولد الأطفال بلا شهوة، أو كما يقول يوليان ساخرًا، بالاهتزاز من الأشجار. وكل ما يؤكده ويثبته هنا قد فهمه منذ زمن بعيد ماركيون والغنوسيون.

حيث قد يكون المرء – في الحقيقة- فظًا جدًا وعاجزًا عن – أي من دون المانوية- الانسجام مع هذا الشعور؛ بل للتسليم به كما فعل أوغسطينوس من دون رفض الزواج بالتبعية- يمكن أن يحدث فقط في الوقت حينما كانت التعاليم مشوشة في القرن الخامس. ولقد زاد أولئك بالحقيقة التشويش أكثر حتى الآن؛ الذين قد أعتقدوا إنهم يستطيعون الحفاظ على تعليم أوغسطينوس عن الخطية الموروثة، بينما يرفضون تعليمه بخصوص الشهوة.

ولكن تاريخ العقيدة هو تاريخ التشويشات المتزايدة دائمًا والاختلافات الناجمة ليس عن الجهل فقط؛ بل وعن التناقضات أيضًا؛ لأن الكنيسة كانت قادرة بصعوبة فحسب على التخلي عن كل شيء موجود في التقليد.

ويصعب القول أيضًا أن أوغسطينوس بنظريته قد عبّر ببساطة عن النزعة النسكية (قد ذهب چيروم في الحقيقة بعيدًا تمامًا في رفضه للزواج “أنظر مقالة ضد جوفينيان” See lib. Adv. Jovin.) لأن تلك كانت نزعة وليست نظرية. تقع النقطة المنطقية في تعليم أوغسطينوس في الدينونة التي يمر بها ابن الله في نفسه أي إنه يصير بائسًا من دون الله؛ وهذا البؤس هو الذنب، ولكن هذا التناقض الظاهري في رأي الإيمان ليس المفتاح لفهم التاريخ. وبالتالي فإنها (الطبيعة) تنقل الخطية بالولادة”.

Harnack, A. V., History of dogma Vol. 5, Ch. IV, p 210-212.

كما يتحدث البروفيسور ويليام شيدد William G. T. Shedd (ﻻهوتي بروتستانتي) وهو أستاذ تاريخ العقيدة واﻷدب الكتابي في معهد الاتحاد اللاهوتي بنيويورك أمريكا عن الاختلاف الجوهري في عقيدة وراثة الخطية اﻷصلية والأنثروبولوجي أي التعليم المسيحي عن اﻹنسان بين اللاهوت اليوناني الشرقي واللاهوت اللاتيني الغربي، حيث يقول التالي:

“اﻷنثروبولوجي المشار إليه في هذه اﻷقوال لكليمندس وأوريجينوس، بشكل متغير، صار نوعًا من التعليم في الكنيسة الشرقية بوجهٍ عامٍ.

ولكنه تغير في ثلاث تحديدات وهي:

١. تم رفض نظرية الوجود السابق للأرواح، وحلت محلها النظرية الخلقية.

٢. كان هناك اعتراف أكثر باﻵثار غير المباشرة لتعدي آدم على النفس ذاتها بما فيها اﻹرادة πνεϋμα.

٣. كان هناك تأكيد محدد أكثر على القدرة على القداسة في اﻹنسان الساقط. حيث تظهر هذه التغيرات بوضوح في كتابات المدرسة السكندرية المتأخرة، المكونة من أولئك اللاهوتيين اليونانيين الذين قد أدركوا تأثير أوريحينوس أي: أثناسيوس، وباسيليوس، وغريغوريوس النزينزي، وغريغوريوس النيسي، وكيرلس اﻷورشليمي، وكيرلس السكندري.

حيث سعى هؤلاء اﻵباء إلى إبراز التعليم عن عمومية الخطية في علاقتها بخطية آدم، ولكنهم لم يتبنوا عقيدة انتقال خطية اﻹرادة πνεϋμα بالتناسل التي سوف نقابلها في اﻷنثروبولوجي اللاتيني*. فلا تستحق الخطية اﻷصلية، عندهم أيضًا، اللوم*. ﻷنها فقط عبارة عن مرض أو سقم موروث للطبيعة الشهوانية، التي تصدر عنها الغواية، وتذعن اﻹرادة لها، بل لا توجد أية خطية، كما تُدعى من المفترض، في اﻹنسان حتى حدوث هذا الفعل اﻹرادي”.

ثم يستطرد البروفيسور ويليام شيدد متحدثًا عن المدرسة اﻷنطاكية واتفاقها مع المدرسة السكندرية، واختلافها عن المدرسة اللاتينية الغربية بخصوص تعليم وراثة الخطية اﻷصلية، حيث يقول التالي:

“لقد تبنت المدرسة اﻷنطاكبة، ممثلةً في ثيؤدور الموبسوستي، وذهبي الفم، ثيؤدوريت، باﻷساس نفس اﻷنثروبولوجي مع السكندريين المتأخرين. لقد نادوا بعقيدة العلاقة بآدم فقط فيما يتعلق بالطبيعة الجسدية، وعلموا بأنه هناك شر أو فساد موروث، ولكنهم لم يعلموا بخطية موروثة*. أفضل ممثل لهذه المدرسة هو ذهبي الفم.

حيث يقر بأنه يمكن ﻵدم المائت أن يلد أبناء مائتين، ولكن لا يمكن ﻵدم الخاطئ أن يلد أبناء خاطئين*.  حيث تنطبق عقيدة الانتقال بالتناسل، وفقًا له، على طبيعة اﻹنسان الجسدية، ولكنها لا تنطبق على طبيعته الروحية واﻹرادية. فقد جلبا الجدان اﻷوﻻن للجنس البشري الفساد، أي الشهوة الفاسدة، ولكنهما لم يجلبا اﻹرادة الخاطئة لمجموعات من البشر، وهكذا أتبعها هؤلاء فيما بعد (أي الشهوة)، وأستفحلوا فيها، عن طريق حرية إرادتهم الشخصية الراسخة”.

William G. T. Shedd, A History of Christian Doctrine vol. ii, (New York: Charles Scribnger’s Sons, 3rd ed., 1868), p. 36-37, 39-40.

كما يتحدث البروفيسور رينهولد سيبرج Reinhold Seeberg (لاهوتي بروتستانتي) وهو أستاذ اللاهوت في جامعة برلين ألمانيا (من المدرسة اللاهوتية الألمانية) عن الاختلاف بين الكنيسة الشرقية والكنيسة الغربية بخصوص تعليم وراثة الخطية الأصلية والنعمة الإلهية، واختلاف آباء الشرق في مفاهيمهم اللاهوتية بخصوص تعليم الخطية الجدية عن مفاهيم أوغسطينوس وبيلاجيوس بخصوص نفس التعليم، حيث يقول التالي:

“لقد تحدث الرجال (أي آباء الشرق) عن الخطية والنعمة بنفس التقوى البسيطة، أو العقلانية غير المعقدة في القرون التالية، كما في تلك القرون السابقة على الفترة النيقية. فلم تترك المشكلات التي استحوذت على اهتمام أوغسطينوس أدنى أثر في الشرق*. بل سيكون من الخطأ اعتبار الكنيسة الشرقية بأنها بيلاجية*، لأن المشكلة التي تنازع عليها بيلاجيوس وأوغسطينوس لم تأت حتى في عقولهم*.

حيث تم رسم حالة الإنسان الساقط في الخطية، بعد ذلك كما قبل الفترة النيقية بأبهت الألوان. لقد استحوذ الشيطان على النفس، وتحل الحية كنفس ثانية داخل أنفسنا (عظات مكاريوس، عظة ١٥: ٣٥، ٤٩): ‘وبنفس هذه الطريقة قد كسا الرئيس الشرير، النفس وكل جوهرها بالخطيئة، ولوثها كليتها، وأخذها بكليتها أسيرة إلى ملكوته، أو لم يدع عضوًا واحدًا منها حرًا منه، لا الأفكار، ولا القلب، ولا الجسد، بل كساها كلها بأرجوان الظلمة … فالشرير كسا النفس كلها التي هي الجزء او العضو الأساسي في الإنسان، كساها بشقائه الخاص، الذي هو الخطيئة، ولذلك أصبح الجسد قابلاً للألم والفساد (الاضمحلال)’ (عظات مكاريوس، عظة ٢: ١؛ ماركوس إرميتا Marcus Eremita، ضد نسطوريوس: ١٨).

وبالتالي اصطبغ الإنسان كله، بكل قواه بالخطيئة. لأنه منفصل عن الله، فتسلط الشيطان على نفسه. حيث تسيطر الشهوة على العقل. فيصير الإنسان، المعد في الأصل لعدم الموت، فانيًا وخاضعًا للموت – في كل الأشياء المضادة في حد ذاتها لسمته وحالته الأصلية (غريغوريوس النيسي، العظة التعليمية الكبيرة، ٥؛ أثناسيوس، ضد الوثنيين، ٣؛ ديونيسيوس الأريوباغي، الرتب الكنسية، ٣: ٣: ٢).

لقد أضاع النعمة والثبات نحو الله، وفاز لنفسه ‘بالموت وثقل الجسد’. ‘حُكم عليه بالموت’، وصار ‘عرضة للموت والهلاك’ (يوحنا الدمشقي ٣: ١)، وتم التأكيد في النهاية على الرأي الأخير. حيث لم يتم فهم الخطيئة في الوقت نفسه من جانب الذنب أكثر من جانب العجز أو الضعف – من جانب الهلاك والموت*. وهذا الاتجاه مختلف عن اتجاه الغرب*.

حيث لا تركز الأفكار فقط على غفران الخطايا*، بل على التأمل في حالة الخطية وسيادتها عن طريق حياة داخلية جديدة*. ويتم الاعتراف بأن الجنس البشري كله ساقط في هذه الحالة عن طريق سقوط آدم. بل، وعلى الرغم من ذلك، قد تبدو فكرة وراثة الخطية أنها فكرة متطورة في بعض الأوقات (غريغوريوس النيسي، العظة التعليمية الكبرى، ١٦): ‘حيث يعلم ألم الولادات البشرية اللذيذ…

لقد اجتازت بداية الموت، الذي قد صار بالواحد، إلى الطبيعة البشرية كلها’ (de orat. 5): ‘للحديث مجددًا عن الديون العامة للطبيعة البشرية، حيث يتحمل كل واحد والجميع مشترك في جزء من الطبيعة جزءًا’ (Oehler 3, 300. Dionys. Ar. Eccl. Hier. 3: 3: 2:’ لديها أصلها في الولادات الفاسدة، فتسير بالطبيعة في مسارها في طريق مشابه لبدايتها’) ، ولكن المقصود فقط، بعد كل شيء، أنه بسبب آدم، قد صار الجنس البشري عرضة للفساد.

وبالتالي في ضوء الصراع بين الاتجاهات الروحية والشهوانية في الإنسان، فإنه من الصعب، أو من غير الممكن تمامًا الامتناع بشكل كامل عن الخطية (Greg. Nyss. I, c., p. 302). وبالتالي نادرًا ما نجد الإشارة إلى طفل حديث الولادة بأنه ‘معصوم’ (Cyril. Cat. 4, 19 init.) ، أو نقرأ عن ‘الكثيرين’ الذين قد حفظوا أنفسهم ‘أحرارًا من الخطية’ (مثل إرميا ويوحنا) ، أو الرأي الذي يتم التعبير عنه بأن هذا قد كان ممكنًا لو قد تمت إطاعة الناموس (Athanas. C. Arianos Serm. 3, 33; de incarn. 12). بينما مفسرًا آية (رو٥: ١٩)، يعلق ذهبي الفم بأنه من المستحيل أننا قد صرنا خطأةً عن طريق خطية آدم*، بل قد صرنا أمواتًا أيضًا من خلال ارتكاب آدم للخطيئة وصيرورته مائتًا.

فلا يعني ذلك أن الجميع هم خطأة في آدم*، بل قد صرنا من خلاله مائتين، وهكذا فقدنا القدرة على منح الروح السيادة على الشهوة. فلم يكن الأمر الرهيب هو الذنب*، بل القابلية للموت*. [….] وبالتالي يمكن الحديث بشكل صحيح عن وراثة الموت فقط*، وليس وراثة الخطية*. […] فالنفس حرة وسيدة نفسها، ولا يمكن لإبليس أن يقودها إلى فعل أي شيء ضد إرادتها*، ولا يفعل الله كذلك، إذ لن ينل البر إكليله المستحق بطريقة أخرى (Cyril. Cat 4, 21. Macar. Hom. 15, 40; 27. 9, 11. Joh. Dam. 2, 25 f). وبالتالي مازال يوجد شيء صالح في كل إنسان. أي طبيعته الداخلية، أو عقله، أو حرية إرادته*”.

Reinhold Seeberg, Text-book of the History of doctrines Vol. i, Trans. By Charles E. Hay, (Philadelephia: Luthran Publication Society, 1905), p. 292-294.

وهكذا يؤكد البروفيسور رينهولد سيبرج Seeberg أحد أعلام اللاهوت في المدرسة الألمانية على أن اللاهوت الشرقي لا يعرف شيء اسمه وراثة الخطية الأصلية، وبالتالي لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبار الكنيسة الشرقية بأنها بيلاجية، وإنه لم يخطر ببالهم أبدًا المشكلات والقضايا التي حدثث بين أوغسطينوس وبيلاجيوس في الغرب، بل قضيتهم الأساسية هي وراثة الموت أو القابلية للفساد والموت، وليست وراثة الخطية الأصلية كما في الغرب، ويختلف الاتجاه الشرقي عن الاتجاه الغربي في تركيزه على التأمل في حالة الخطية وسيادتها على الإنسان، وليس على غفران الخطايا فقط كما في الغرب. كما أن فكرة وراثة الخطية الأصلية هي فكرة متطورة عن اللاهوت الشرقي.

سأستعرض الآن تعليقات وآراء الباحثين والدارسين المعتبرين في العالم حول تفسير نص (رو٥: ١٢) واستخدام أوغسطينوس له ومن قبله أمبروسياستير الذي تأثر به أوغسطينوس في تعليمه حول وراثة الخطية الأصلية كالتالي:

 يؤكد البروفيسور N. P. Williams على ضعف الأساس الكتابي الذي ترتكز عليه رؤية ق. أوغسطينوس في تفسيره لنص (رو٥: ١٢) “حيث أن القارئ العادي يدرك أن النصوص الكتابية الخمسة التي يرتكز عليها مفهوم أوغسطينوس للخطية الأصلية ثلاثة منها على الأقل هي عبارة عن أخطاء في الترجمة اللاتينية الشعبية (Itala) الإيتالا التي كان يعتمد عليها ق. أوغسطينوس وكان دائم الشكاوى منها خاصةً في خطاباته المتبادلة مع جيروم وبالرجوع إلى التقليد نلاحظ أن أغلب الآباء الذين اعتمد عليهم أوغسطينوس في تفسيره كانوا غربيين” The ideas of the fall and Original Sin, London 1927, P. 379.

كما يؤكد البروفيسور J. M. Rist ذلك قائلاً: “لقد أسأ أوغسطينوس بصورة متكررة اقتباس الآيات من عند ق. بولس الرسول عن أثر الخطية على الجميع في آدم” Journal of Theological Studies XX 1969, P 430.

يتحدث البروفيسور جون كيلي J. Kelly عن أمبروسياستير الذي تأثر أوغسطينوس بعد ذلك به في تفسيره لنص (رو٥: ١٢) قائلاً: “تعليم أمبروسياستير يستحق الملاحظة والتمعن فيه بشكل خاص ومحدد لأنه مبني على تفسير نص (رو٥: ١٢) الذي رغم ذلك خاطئ ويعتمد على قراءة خاطئة صارت المحور الأساسي لعقيدة الخطية الأصلية.

يسير نص ق. بولس اليوناني كالتالي: وهكذا سار الموت إلى جميع البشر لأن έφ ώ الجميع ولكن الترجمة في النسخة اللاتينية القديمة التي استخدمها أمبروسياستير كانت تحتوي على ترجمة خاطئة كالتالي: فيه in quo أخطئ الجميع وبالتالي نجد تعليقه على نص (رو٥: ١٢) فيه أي في آدم أخطأ الجميع” Early Christian Doctrines, 1964, p 354 ويعلق كيلي في موضع آخر عن أوغسطينوس قائلاً: “قد وجد (أوغسطينوس) برهانًا كتابيًا عن الخطية الأصلية في (رو٥: ١٢) [حيث مثله مثل أمبروسياستير يقرأها فيه]” Ibid, p 363.

يعلق البروفيسور جوزيف تكسرون J. Tixeront في نفس السياق قائلاً: “لأنه “فيه” بعد التردد قليلاً لقد أشار (أوغسطينوس) بها إلى الإنسان لقد أصر دائمًا على ترجمتها “فيه” أي في آدم مهملاً المعنى الدقيق”. ويعلق البروفيسور تكسرون في حاشية رقم ١٢٥ من ص ٤٦٣ على هذا الموضوع قائلاً: “قرائنا الآن يعرفون أن المفسرين والمعلقين لا يتفقون مع أوغسطينوس في هذه النقطة”. History of Dogmas II, p 462, 463.

الخلاصة:

لقد اعتمد ق. أوغسطينوس على ترجمة خاطئة في إثبات مفهمومه وطرحه وعقيدته حول وراثة الخطية الأصلية.

أضم لهذه المجموعة من الآراء والاقتباسات من علماء اللاهوت في العالم، لينك رأي أستاذ تاريخ العقيدة في جامعة برون Brown وجامعة يال Yale الأمريكيتين البروفيسور الأمريكي جورج فيشر بيكر George Fisher Baker (لاهوتي بروتستانتي) عن الجدل الأوغسطيني والصراع النصف بيلاجي.

الجدل حول وراثة الخطية الجدية – د. أنطون جرجس

 

وأضيف إلى آراء هؤلاء الأساتذة المعتبرين لينك بحثي المتواضع في تعليم الخطية الجدية بين آباء الشرق وأوغسطينوس بعنوان “وراثة الذنب الشخصي أم وراثة الفساد والموت” للوقوف على أفضل تصور عن تعليم الخطية الجدية عند الآباء اليونانيين واختلافه عن التعليم الغربي حول وراثة الخطية الأصلية.

الجدل الأوغسطيني والصراع النصف بيلاجي – د. أنطون جرجس

تعليم الخطية الجدية في كتابات آباء الكنيسة الجامعة – د. أنطون جرجس