آبائيات

مفهوم البدلية العقابية في اللاهوت البروتستانتي ج1 – د. أنطون جرجس

مفهوم البدلية العقابية في اللاهوت البروتستانتي ج1 - د. أنطون جرجس

مفهوم البدلية العقابية في اللاهوت البروتستانتي ج1 – 

 

مفهوم البدلية العقابية في اللاهوت البروتستانتي ج1 - د. أنطون جرجس
مفهوم البدلية العقابية في اللاهوت البروتستانتي ج1 – د. أنطون جرجس

مفهوم البدلية العقابية في اللاهوت البروتستانتي أو المصلح بصفة عامة، واللاهوت اللوثري بصفة خاصة من خلال عرض أفكار ومفاهيم أحد أهم شخصيتين ممثلتين لذلك اللاهوت اللوثري وهما: مارتن لوثر، وفيليب ميلانكتون.

نبدأ أولاً بمارتن لوثر، حيث ترد أهم الإشارات إلى مفاهيم البدلية العقابية بأجلى صورها ومفهوم ترضية الله الآب بمعاقبة وموت المسيح في عظاته وشروحاته على رسالة بولس إلى أهل غلاطية، حيث يفسر لوثر آية (غلا٣ :١٣) “اَلْمَسِيحُ افْتَدَانَا مِنْ لَعْنَةِ النَّامُوسِ، إِذْ صَارَ لَعْنَةً لأَجْلِنَا، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ” كالتالي:

“ولذلك صوره ناموس موسى العام بريئًا، بالرغم من أنه كان في شخصه الخاص، لأنه وجده (الناموس) وسط الخطاة واللصوص […] ولذلك حينما وجده الناموس وسط اللصوص، لعنه وقتله مثل لصٍ”

Commentary on Galatians (1535).

ثم يستطرد لوثر في شرح نفس الآية موضحًا عمل المسيح في حمل عقوبة الخطية قائلاً:

“قد وُضعت الخطية عليه (المسيح)، ويأتي الناموس ويقول: فليمت كل خاطئ. فلذلك إن كنت قد تذللت، أيها المسيح، كونك بديلاً، ومذنبًا، وحملت العقوبة، وحملت أيضًا الخطية واللعنة”

Ibid.

ثم يستمر لوثر أيضًا في شرح نفس الآية مفسرًا ماهية الإبدال العقابي الذي أتمه الله في المسيح بعد طغيان الناموس علينا قائلاً:

“وعندما رأى الآب الرحيم أن الناموس طغى علينا، ووُضعنا تحت اللعنة، ولا يوجد أي شيء يمكنه أن يحررنا منها، أرسل ابنه إلى العالم، ووضع عليه جميع خطايا كل البشر، وقال له: كن أنت، بطرس ذاك الناكر، وبولس ذاك المضطهد والمجدف والعنيف، وداود ذاك الزاني، وذاك الخاطئ الذي أكل من التفاحة في الفردوس، ذاك اللص على الصليب، باختصار، كن أنت شخص كل البشر، الذي قد صنع خطايا كل البشر، وبالتالي، فلتدرك أنت، كيف أنك تدفع وتصنع ترضية لأجلهم.

ثم يأتي الناموس ويقول: وجدت ذاك الخاطئ آخذًا عليه خطية جميع البشر، ولا أرى خطية أكثر من ذلك إلا فيه، لذا فليمت على الصليب. وهكذا يهاجمه الناموس ويقتله، وهذا مصنوع من أجل تطهير العالم كله من كل خطيئة، وصُنع الكفارة، وبالتالي أيضًا، هل تحرر من الموت، ومن كل أسقامه”.

Ibid.

ويستمر لوثر شارحًا نفس الآية للوقوف على أفضل تصوّر للترضية التي صنعها المسيح لأجلنا نحن البشر كالتالي:

” وهذا ما رآه جميع الأنبياء، أن المسيح كان ينبغي أن يكون جميع البشر، أعتى لص، وقاتل، وزاني، وسارق، ومجدف، وملعون… إلخ مما مَن لم يكن هناك أعتى منه في العالم أبدًا في أي وقت، ولأنه الآن لم يحمل شخصه، والآن ليس هو ابن الله، المولود من العذراء، بل خاطئ لديه ويحمل خطية بولس الذي كان مجدفًا ومضطهدًا وعنيفًا، وخطية بطرس الذي أنكر المسيح، وخطية داود الذي كان زانيًا وقاتلاً، والذي جعل الأمم يجدفون على اسم الرب، باختصار، الذي لديه ويحمل في جسده كل خطايا جميع البشر -وليس لأنه ارتكبها، بل لأنه أخذ على جسده الأشياء التي فعلناها من أجل عمل ترضية لأجلهم بدمه”.

Ibid.

ويوضح لوثر أيضًا مفهوم البدلية العقابية وحمل المسيح لعنة الناموس عن الخليقة كلها في سياق شرحه لنفس الآية قائلاً:

” هذا هو بالحقيقة تصادم عجيب، حيث يتصادم الناموس هكذا ضد الخليقة مع خالقها، وضد كل حق، ويمارس على ابن الله كل طغيانه، الذي مارسه علينا، نحن أبناء الغضب. وبالتالي، لأن الناموس أخطأ بشكل مروع جدًا وبعدم تقوى شديدة ضد إلهه، فإنه يُستدعى من أجل اللعنة، ويُلعن […] وبالتالي، الناموس، الذي لعن وقتل جميع البشر من قبل، عندما لم يكن لديه القدرة على الدفاع عن نفسه، أو تطهير نفسه، فهو بدوره قد لُعن وقُتل كذلك، لكي ما يفقد كل حقه، ليس فقط ضد المسيح، الذي أهانه وقتله هكذا بدون وجه حق بشكل جائر، بل ضد جميع المؤمنين به أيضًا”.

Ibid.

*نرى هنا بوضوح عند لوثر مفهوم البدلية العقابية،حيث يعاقب الله في شخص المسيح كل الخطاة كبطرس وبولس وداود وجميع البشر الخطاة، كما نرى مفهوم تقديم الترضية لله بموت وعقاب المسيح لأجلنا.

ننتقل الآن إلى فيليب ملانكتون سكرتير لوثر ومساعده وصديقه، وأحد أهم رجالات الاصلاح البروتستانتي عامةً، واللوثري خاصةً، حيث يتحدث في كتابه المعنون ب “اعتراف أوجسبرج” عن التبرير والاستحقاق بالإيمان بموت المسيح، وغفران خطايا البشر جميعًا بترضية المسيح لله لأجلنا كالتالي:

“لا يمكن تبرير البشر أمام الله بقواهم، أو استحقاقاتهم، أو أعمالهم، بل يتم تبريرهم صراحةً من أجل المسيح بالإيمان، وحينما يعتقدون أنهم مقبلون على النعمة،وغُفرت خطيتهم من أجل المسيح، الذي بموته قد صنع ترضيةً من أجل خطايانا. وينسب الله هذا الإيمان من أجل البر أمامه”

Augsburg confession, Art. 4.

ويتحدث ملانكتون في نفس الكتاب عن المصالحة بيننا مع الله بذبيحة المسيح من أجل غفران الذنب الأصلي والخطايا الفعلية،حيث يقول:

” لقد تألم حقًا، وصُلب، ومات، ودُفن، لكي ما يصالح الآب معنا، ولكي ما يكون ذبيحةً ليس فقط من أجل الذنب الأصلي، بل من أجل جميع الخطايا الفعلية للبشر أيضًا”

Augsburg confession, 3

ثم يتحدث ملانكتون بوضوح جدًا عن مفهوم البدلية العقابية وتسديد الدين عن الإنسان المدان من أجل تبريره كالتالي:

“من أجل التبرير، وبحسب العرف القانوني، يشير هنا إلى تسديد دين المتهم، وإعلانه بارًا، ولكن على حساب بر الآخر، أي المسيح، حيث يتصل بر الآخر بنا عن طريق الإيمان”

Apology of Confession of Augsburg. P. 125, ap. Hagenbach, op. cit 3, 112.

ثم يتحدث ملانكتون عن كيفية إرضاء المسيح وتهدئته لغضب الله الواقع عليه لأجلنا كالتالي:

“وُضعت خطة الله العجيبة، فبالرغم من أنه عادل، وغاضب على الخطية بشكل رهيب، ولكنه على الأقل سوف يكون مستعدًا من أجل تهدئة واسترضاء غضبه الأكثر عدلاً، لأن ابنه صار يتوسل ويتضرع عنا، ولقد أنزل الغضب عليه، وصار كفارةً وذبيحةً لأجلنا”.

Declamatio, C. R., 11, p. 779, ap. Ritschl, op. cit. P. 202.

كما يشرح ملانكتون في دفاعه عن إيمان كنائس ساكسونيا كيف كانت ذبيحة المسيح من إرضاء عدل الله وغضبه على الجنس البشري من أجل المصالحة بينه وبين البشر كالتالي:

” ولكن ابن الله، يسوع المسيح ربنا، الذي هو صورة الآب الأزلي، صار وسيطًا، وشفيعًا، وفاديًا، ومبررًا، ومخلصًا. وبالتالي يتم تهدئة وإرضاء غضب الله فقط من خلال طاعته واستحقاقه […] ويُرى في تلك الذبيحة عدل الله، وغضبه ضد الخطية، وجزيل رحمته نحونا، والمحبة في الابن نحو الجنس البشري كله. مثل هذا هو قسوة عدله، حيث لا تتم المصالحة إلا بدفع العقوبة تمامًا.

مثل هذا هو عظم غضبه، حيث لا يمكن تهدئة واسترضاء الآب الأزلي إلا باستعطاف وموت الابن. مثل هذه هي رحمته، حيث أُعطي الابن لأجلنا. مثل هذا الحب كان في الابن تجاهنا، حيث أنه صب جم غضبه الحقيقي على نفسه”

Confessio. Ecclesia. Sax., 1550, in Melanchton’s Corpus Doctrinae Christianae, Leipzig, 1560.

يستطرد ملانكتون أيضًا في نفس السياق قائلاً:

” بالنسبة للقلب الذي يشعر حقًا بأن الله غاضب، ولا يستطيع أن يحب الله، ما لم يُستعلن إرضاؤه وتهدئته. بينما يخيفنا ويظهر أنه يطرحنا إلى موت أبدي، ولا تستطيع الطبيعة البشرية أن ترتقي بنفسها لكي تحب مَن هو غاضب، ويدين، ويعاقب”

Apology. Conf. Aug. P. 71.

كما يعدّد ملانكتون أيضًا هبات وعطايا الله على البشرية من خلال عمل المسيح الكفاري لأجلنا كالتالي:

” هبات وعطايا الله هي كالتالي: حمل الذنب والموت الأبدي، أي تهدئة واسترضاء عظم غضب الله”

Loci Praeripui. Theologici., p. 603.

ّويعرّف ملانكتون الموت الأبدي بأنه:

” هو الشعور باستمرار غضب الله الرهيب والفائق الوصف”

Ibid.

كما يوضح ملانكتون أن موت المسيح وليس طقوس الناموس هو الترضية الحقيقية لله من أجل خطايانا:

“لكي ما نعرف أن موت المسيح وليس طقوس الناموس هو الترضية أو الكفارة الحقيقية من أجل خطايانا”

Ibid, De Sacrificio, p. 572.

ثم يشرح ملانكتون عمل المسيح على الصليب بأنه:

” عمل مضمون للآخرين، أي مغفرة الذنب، والصفح عن العقاب الأبدي، وعمل المصالحة مع الله، وتهدئة غضب الله من أجل الآخرين، وصُنع ترضية من أجل الذنب والعقاب الأبدي”

Ibid, p. 571.

مفهوم البدلية العقابية في اللاهوت البروتستانتي ج1 – د. أنطون جرجس