آبائيات

مفهوم البدلية العقابية في اللاهوت اللاتيني – د. أنطون جرجس

مفهوم البدلية العقابية في اللاهوت اللاتيني - د. أنطون جرجس

مفهوم البدلية العقابية في اللاهوت اللاتيني – د. أنطون جرجس

مفهوم البدلية العقابية في اللاهوت اللاتيني - د. أنطون جرجس
مفهوم البدلية العقابية في اللاهوت اللاتيني – د. أنطون جرجس

سأبدأ أولاً من عند ق. أوغسطينوس، الذي يعتبره الكثير من الباحثين أبو اللاهوت اللاتيني، نجده يتحدث عن مفهوم البدلية العقابية كالتالي:

”لأن الله نفسه لم يكن علة الموت، بل أُصيب الخاطئ بالموت بالدينونة العادلة جدًا، تمامًا مثلما يوقع القاضي العقوبة على المذنب، ولكنها ليست عدالة القاضي، بل استحقاق الجريمة هو علة العقاب […] وبالتالي كما أن موتنا هو عقوبة الخطية، هكذا قد صار موت المسيح ذبيحةً لأجل الخطية“

(الثالوث 4: 12: 15).

*وهنا يتحدث ق. أوغسطينوس عن المسيح كذبيحة كفارية لتسديد عقوبة الخطية.

كما يتحدث في موضع آخر عن ترضية وتسكين غضب الله على البشرية بموت المسيح الذي سنراه بأكثر وضوحًا عند أنسلم الكانتربري، فيقول التالي:

”هل كان هذا بالحقيقة عندما غضب الله الآب علينا، فرأى موت ابنه لأجلنا فرضى عنا؟ وهل كذلك كان ابنه بالفعل راضيًا عنا جدًا، لأنه تنازل ليموت عنا، ولكن مازال الآب غاضبًا جدًا، لأنه من دون موت ابنه عنا، كان لن يرضى علينا؟ […] فأقول أن الآب بالفعل كان راضيًا عندما بذل ابنه، ولم يشفق عليه لأجلنا“

(الثالوث13: 11: 15).

*وهنا يتجلى واضحًا التعليم بالترضية وتسكين غضب الآب على البشرية عن طريق بذل ابنه عنا.

ثم نتحول إلى البابا غريغوريوس الكبير وأحد أهم أعلام اللاهوت اللاتيني في الغرب، يشرح مفهوم البدلية العقابية كالتالي:

”لأن مخلص الجنس البشري، مَن صار وسيطًا بين الله والإنسان في الجسد، بيد أنه ظهر وحده بارًا بين البشر، وبالرغم من أنه بلا خطية، ولكنه أُؤخذ مع ذلك إلى عقوبة الخطية، وقام بدور كل من الإنسان المذنب، والذي لم يخطئ، وظلّ الإله الذي لا يعذب؟ أعطى مثالاً للبراءة، واحتمل عقوبة الخطية. وهكذا عن طريق الألم، أرضى كل من الواحد والآخر، بحيث أنه أدان خطية الإنسان عن طريق إلهام البر، وهدأ غضب القاضي باجتياز الموت، وبالتالي، بحسب العمل الذي دبّره بيده، يعطي البشر أمثلةً لكي ما يتبعوها، مقدمًا لله في ذاته تلك الأعمال؛ التي يمكن أن يتصالح بها مع البشر“

(الأخلاق، تفسير سفر أيوب 9: 39).

*نرى هنا أيضًا عند غريغوريوس الكبير مبدأ ترضية الله بموت المسيح مخلص البشرية وتهدئة غضب الله بعقاب المسيح عنا.

ثم نتوقف قليلاً عند أنسلم رئيس أساقفة كانتربري للحديث عن مفهوم الترضية والبدلية العقابية عنده. يتحدث أولاً عن ماهية الخطية كإهانة لله، وسلب لحقه في الإكرام، وحط من قدره كالتالي:

”فمَن لا يؤدي واجب الإكرام هذا لله، يكون قد سلب الله حقه، وحطّ من كرامته […] وكذلك مَن حطّ من كرامة صاحبه، فلا يكفي أن يرد له الإكرام الواجب، ينبغي عليه أيضًا التعويض الكافي عن طريق ترضيته عن الاهانة. ومن الملاحظ في هذا الشأن أن المغتصِب الذي يرد المال المغتصَب، ينبغي عليه أن يعطي شيئًا، لم يطالب به، لو لم يعتد على غيره في ماله. وبالتالي، ينبغي على كل مَن يفعل الخطية أن يرد لله الإكرام الواجب الذي سلبه. وهذا هو الإيفاء المطلوب من الخاطئ لله“

(لماذا تجسد الله؟ 1: 10)

ثم يقول في موضع آخر:

”لا يليق بالله أن يغفر خطية من دون عقاب عليها“

(المرجع السابق 1: 11).

ثم يستطرد قائلاً:

”لا يوجد شيء ينبغي الحفاظ عليه عند الله أكثر من كرامة مقامه“ ثم يتساءل: ”أنسلم: هل يبدو لك إذا سمح الله بحدوث هذا النهب، ولم يسترد الشيء المنهوب، ولم يعاقب الناهب، أنه بذلك يحافظ على كرامته العالية المحافظة الحقيقية التي لا يشوبها أي شيء. بوزو: لا أستطيع قول ذلك. أنسلم: بناءً على ذلك، ينبغي أن يسترد الكرامة المهانة، أو يفرض العقاب، وإلا لن يسير كل من العدالة والقوة الإلهية في مسارهما، ولا يمكن تصور ذلك على الإطلاق“.

(المرجع السابق 1: 12)

ثم يشرح بمثال إيفاء المسيح لهذا القصاص كالتالي:

”حيث كان من الصعب لأحد غيره أن يجد منفذًا من حكم القصاص. وكان ابنه الأمين والصادق هذا له مكانة عظيمة عند ذلك الأب، وهو يحب كثيرًا أولئك الأولاد المجرمين، فأراد بما له من القدرة أن يصالح كل الذين يثقون بمشورته مع الأب بعمل خدمة مرضية جدًا، حيث كان عليه واجب أن يعملها في يوم محدد بحسب مشيئة الأب […] وحيث كان من الصعب على الذين يريدون الخلاص أن يحضروا جميعًا حينما أكمل المسيح ذلك الفداء، كانت قوة موته فعّالة بهذا القدر، حتى أن غير الموجودين في الزمان والمكان، يمكنهم استنتاج ذلك“

(المرجع السابق 2: 15).

ثم ننتقل إلى برنارد من كليرفو وهو أحد اللاهوتيين اللاتين المعروفين في العصر الوسيط، والمتأثرين بأنسلم متحدثًا عن مفهوم الخلاص بالدم ورافضًا لمفهوم بيير أبيلارد غريمه أن موت المسيح على الصليب هو ذبيحة حب من الله للإنسان كالتالي:

” لم يطالب الآب بدم الابن، ولكنه قَبِله مع ذلك عند تقديمه، غير متعطشًا للدم بل للخلاص؛ لأنّ الخلاص كان بالدم -الخلاص بالطبع، وليس كما يعتقد ويكتب ذاك الأحمق إنه الإعلان المجرد عن الحب. لأنه يلخص سلسلة الإهانات؛ التي يتقيأها بعدم تقوى وبدون حذر ضد الله، بالقول إن السبب الحقيقي من أجل ظهور الله في الجسد كان لتعليمنا، أو كما يقول أدناه؛ لإرشادنا من خلال كلمته ومثاله. لقد كان السبب الحقيقي من أجل آلامه وموته هو الإعلان أو التأكيد على محبته تجاهنا“

(الرسالة إلى البابا إينوسنت الثاني 190:

*نرى هنا جليًا فكرة الخلاص بقبول الآب لدم الابن، ومعارضة مفهوم أبيلارد عن موت المسيح كذبيحة حب لنا.

ويقول في موضع آخر متحدثًا عن مفهوم الترضية التالي:

” حيث قد تُنسَب ترضية الواحد للجميع، حتى لو حمل الواحد خطايا الجميع، وليس واحد أخطأ، وآخر صنع الترضية؛ لأنّ الرأس والجسد مسيح واحد. ولذلك صنع الرأس الترضية من أجل الأعضاء“.

(المرجع السابق: 6).

كما يشرح هيو من سان فيكتور أحد أعلام اللاهوت المدرسي، وأحد المتأثرين بأنسلم، مفهوم البدلية العقابية وتسديد المسيح الدين لله عن البشرية كالتالي:

” لقد أعطى الله بحرية للإنسان؛ ذاك الذي قد يدفعه الإنسان كدين لله، ولذا أعطى للإنسان هذا الإنسان (المسيح) الذي يستطيع أن يدفع للإنسان؛ الذي يُصنع به ما يستحق المجازاة. لم يكن مساويًا له، بل أعظم من الإنسان السابق. حيث يمكن إعطاء هذا الإنسان (المسيح) الأعظم من أجل الإنسان، لذا صار الله إنسانًا من أجل الإنسان.

وهكذا دفع المسيح بميلاده دين الإنسان للآب، وكفّر بموته عن ذنب الإنسان، وبالتالي، حيث أنه أجتاز من أجل الإنسان الموت؛ الذي لم يكن مدينًا به، لكي ما يهرب الإنسان بعدلٍ من خلال ذلك الموت من الموت؛ الذي كان مدينًا به. وهكذا لا يجد إبليس أي سبب للشكوى، بما أنّ السلطان على الإنسان لم يكن من حقه، واستحق الإنسان حريته“.

(حوار حول الأسرار: 4).

مفهوم البدلية العقابية في اللاهوت اللاتيني – د. أنطون جرجس