شرح أمثال 8: 22 “الرب قناني أول طريقه” ج4 – أثناسيوس الرسولي
شرح أمثال 8: 22 "الرب قناني أول طريقه" ج4 – أثناسيوس الرسولي
شرح أمثال 8: 22 “الرب قناني أول طريقه” ج4 – أثناسيوس الرسولي
شرح أمثال 8: 22 “الرب قناني أول طريقه” ج4 – أثناسيوس الرسولي
44- لقد سبق أن عالجنا النص الذي جاء في الأمثال داحضين خرافاتهم الملفقة الخارجة من قلوبهم، لكي يعرفوا أنه من غير اللائق أن يقولوا أن ابن الله مخلوق، وأن يتعلموا أيضاً أن يقرأوا جيداً النص الذي جاء في سفر الأمثال والذى يحمل المعنى المستقيم. لأنه قد كُتب: “الرب خلقنى (قنانى) أول طرقه لأجل أعماله”(1). وحيث أنها أمثال وكتبت على شكل مثل التعبير، فليس من الواجب تفسير أية عبارة بطريقة ارتجالية أو ببساطة هكذا، بل يجب أن نتقصى أولاً عن الشخص ثم ننسب المعنى إليه بورع وتقوى. لأن كل ما يقال بأمثال لا يقال بطريقة واضحة، بل يعلن بطريقة غامضة، مثلما علَّم الرب نفسه في الإنجيل بحسب يوحنا قائلاً: “قد كلمتكم بهذه الأشياء بأمثال، ولكن تأتى ساعة حين لا أكلمكم فيما بعد بأمثال… بل علانية”(2). ولذلك ينبغى كشف معنى القول والتقصى عنه لكونه خفياً، وألا يفسر ببساطة كما لو كان قد قيل علانية، لكى لا نضل عن الحقيقة عندما نسئ الفهم.
إذن، فإن كان المكتوب يشير إلى ملاك أو أى كائن آخر من المخلوقات، كما لو قيل عن أى واحد منا نحن المصنوعون. فإنه يمكن أن يقال “خلقنى (قنانى) ektice“، ولكن إن كان الكلام عن حكمة الله الذي به قد خُلِقَت جميع المخلوقات، فما الذي يجب أن يفهمه الواحد منا سوى أنه عندما يقال “خلق” فإنه لا يقصد شئ آخر مضاد للفظ “وَلَدَ” egennece”. ولا يُحسب الحكمة بين المخلوقات كأننا ننسى أنه هو الخالق والمصّور أو ننكر الفرق بين الخالق والمخلوقات.
ولكن الحكمة لها معنى آخر يبدو مخيفاً في الأمثال، وليس ظاهراً علانية، وهي التي أوحت إلى القديسين أن ينطقوا بالوحى الإلهى. بينما هي تعطى في الأمثال بعد قليل معنّى موازياً لـ “قنى” فنقول بألفاظ أخرى “أن الحكمة بنت لنفسها بيتاً”(3). وواضح أن بيت الحكمة هو جسدنا الذي عندما إتخذه الكلم صار إنساناً. وقال عنه يوحنا بحق “الكلمة صار جسداً”(4). وبواسطة سليمان تقول الحكمة عن ذاتها بإدراك وتبصر: ليس أننى أنا مخلوق، بل قالت: “الرب قنانى أول طرقه من أجل أعماله”، دون أن تقول: “إنه قنانى لكى أوجد، وليس لأن لى بداية وميلاد كمخلوق”.
45- لأن الكلمة هنا لم يتحدث من خلال سليمان مشيراً إلى جوهر ألوهيته ولا إلى ميلاده الأزلى والحقيقى من الآب، ولكنه يشير إلى ناسوته وعمل تدبير خلاصنا. ولهذا – كما سبق أن قلت – فإنه لم يقل إلى “مخلوق” أو “صرت مخلوقاً”، بل قال فقط “قنى” (أو خلق) أى أن المخلوقات حيث أنها ذات جوهر مخلوق، فإنها تنتمى إلى المخلوقات، ويقال عنها أنها تُخلقَ. وبديهى فإن المخلوق يُخلَق. ولكن اللفظة المذكورة “خَلقَ” لا تعنى الجوهر أو الولادة إطلاقاً. بل توضح أن شيئاً آخر قد حدث لذاك الذي يشير إليه، فليس كل ما يقال عنه أنه يُخلَق يكون مخلوقاً بحسب الطبيعة والجوهر.
والكتاب الإلهى يعرف هذا الفرق عندما يتحدث عن المخلوقات قائلاً “امتلأت الأرض بخليقتك”(5) و “الخليقة تئن وتتوجع معاً”(6). ويقول في الرؤيا “ومات ثلث الخلائق الحية التي في البحر التي لها نفوس”(7). ويقول بولس أيضاً “كل خليقة الله جيدة، ولا يُرفض أى شئ عندما يؤخذ مع الشكر”(8). أما في سفر الحكمة فقد كتب “بحكمتك صوّرت الانسان كى يسود على الخلائق التي تكوَّنت بك”(9). ولأن هذه خلائق فإنه يقول أنها تُخلَق. وهكذا أيضاً يمكننا أن نسمع الرب وهو يقول: “منذ البدء صنعهما ذكراً وأنثى”(10).
أما موسى فقد كتب في أنشودته “فاسأل عن الأيام التي كانت قبلك من اليوم الذي خلق الله فيه الانسان على الارض، ومن أقصاء السماء إلى أقصائها”(11). ويقول بولس في رسالته إلى أهل كولوسى “الذى هو صورة الله غير المنظور بكر كل خليقة، فإنه فيه خُلِقَ الكل ما في السموات وما على الارض، ما يُرى وما لا يُرى سواء كان عروشاً أم سيادات أم رئاسات أم سلاطين. كل الأشياء خُلِقَت به وله. الذي هو قبل جميع الأشياء”(13).
46- إذن فتلك الأشياء ذات الجوهر المخلوق بالطبيعة، تسمى مخلوقات وتُخلقَ. وما ذكرناه من آيات الكتاب يكفى لإثبات ذلك. وقد قيلت هنا للتذكير والتنبيه. ولكن الكتاب مملوء بأمثالها. أما عندما يُقال اللفظ “خَلَقَ” فهو لا يقال عن الجوهر إطلاقاً، ولا يعنى الولادة. فداود يترنم: “ليُكتَب هذا لجيل آخر وشعب عندما يُخلَق سيسبح الرب”(13). ويقول أيضاً: “قلباً نقياً اخلق في يا الله”(14). ويقول بولس في رسالته إلى أهل أفسس: “مبطلاً ناموس الوصايا في فرائض لكى خلق الاثنين في نفسه إنسانا واحداً جديداً”(15). وأيضاً “البسوا الانسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق”(16).
فإن داود لم يشر إلى أى شعب مخلوق بحسب الجوهر، ولا كان يتضرع لكى يحصل على قلب آخر غير القلب الذي كان له. بل كان يقصد التجديد ونوال الحياة بحسب الله. وبولس أيضاً لم يكن يقصد شخصين مختلفين مخلوقين في الرب بحسب الجوهر. ولا كان يوصينا بأن نلبس أنساناً آخر، لكنه دعا الحياة بحسب الفضيلة أنها “الانسان بحسب الله”، أما الاثنان المخلوقان في المسيح فيقصد بهما شعبين مُجدّدين به. وهذا مشابه لما يقوله أرميا: “خلق الله خلاصاً لأجل زرع جديد الذي به سيتجول الناس في أمان”(17).
وعندما قال هذا لم يقصد أى جوهر خاص بمخلوق، بل هو يتنبأ بالخلاص المتجدد بين البشر، ذلك الخلاص الذي صار بالمسيح لأجلنا. وحيث أن هناك فرقاً بين المخلوقات وبين القول المذكور “خَلَقَ”(18)، فإن وجدتم الرب يُدعى مخلوقاً في أى موضع في الكتاب فأوضحوه وحاربوا. أما إن لم يكن قد كُتب في أى موضع أنه مخلوق سوى ما قاله عن ذاته في الأمثال “الرب خلقنى” فأخجلوا إذن من الفرق السابق ذكره.
ومن الآن فصاعداً لا تستمعوا إلى لفظ “خلقَ” على أن معناه أنه هو مخلوق، بل أفهموا به الطبيعة البشرية الخاصة بالرب، لأن لهذه الطبيعة خاصية مميزة لها وهي أنها مخلوقه. وكيف لا تكونون ظالمين ما دمتم عندما تسمعون لفظ “خَلَقَ” من داود ومن بولس لا تفهمون به الجوهر والكيان، بل التجديد بينما عندما تسمعون لفظ “خَلَق” من الرب فإنكم تحسبون جوهره في عداد المخلوقات؟ وأيضاً عندما تسمعون القول: “الحكمة بنت لنفسها بيتاً وأقامت سبعة أعمدة”(19).
فإنكم تفهمون “بيتاً” بمعنى مجازى. أما لفظ “خلق” فتقبلونه كما هو(20)، وتحوَّلونه إلى معنى “مخلوق” فكونه هو نفسه خالقاً ليس كافياً لإقناعكم، وكذلك لم تخشوا كونه هو وحده مولوج الآب الذاتى، بل تحاربون بغير اكتراث كما لو كنتم تسجلون هذه الألفاظ ضده، وتعتبرونه أنه أقل بكثير من البشر.
47- لأن نفس العبارة توضح أيضاً إنه إختراع منكم أن تقولوا أن الرب مخلوق. لأن الرب حيث أنه يعرف جوهره وأنه هو الحكمة وحيد الجنس ومولود الآب وأنه مختلف عن الأشياء الصائرة والمخلوقة بالطبيعة، وأنه هو محب للبشر فهو يقول الآن: “الرب خلقنى أول طرقه” كما لو كان يقول “الآب هيأ لى جسداً”(21) وخلقنى للبشر من أجل خلاص الناس. لأنه كما أننا عندما نسمع من يوحنا: “الكلمة صار جسداً” فإننا لا نفهم من ذلك أن الكلمة كله جسد، بل أنه لبس جسداً صائراً إنساناً. وعندما نسمع “صار المسيح لعنة لأجلنا”(22).
وأيضاً “جعل الذي لم يعرف خطيئة، خطيئة لأجلنا”(23). فإننا لا نفهم من كل هذا أنه هو نفسه قد صار لعنة وخطية، بل تحمل اللعنة الموجهة ضدنا كما قال الرسول “افتدانا من اللعنة”(24). ومثلما قال أشعياء “حمل خطايانا”(25)، ومثلما كتب بطرس “حمل خطايانا في جسده على الصليب”(26). لهذا فإذا سمعنا في الأمثال لفظ “خلق” فلا يجب أن نفهم أن الكلمة مخلوق بحسب الطبيعة، بل إنه لبس الجسد المخلوق. وأن الله خلقه من أجلنا و “هيأ له جسداً مخلوقاً من أجلنا” كما هو مكتوب(27)، لكى ما نستطيع أن نتجدد ونُؤله.
أيها الاغبياء ما الذي خدعكم إذن لكى تقولوا أن الخالق مخلوق؟ أو من أين اشتريتم لأنفسكم هذا الاعتقاد الجديد الذي تتفاخرون به؟ فالأمثال تقول “خلق” ولكنه لا تقول أن “الابن مخلوق” بل “مولود” ووفقاً لما سبق أن أتضح من تمييز الأسفار المقدسة بين “خلق” و “مخلوق”. فهى تعتبر ان الابن بطبيعته الذاتية هو الحكمة الوحيدة الخالصة وأنه خالق المخلوقات. وحينما تقول الأمثال “خلق” فإنها لا تشير إلى جوهره، بل تؤكد أنه صار أول كل طرقه. وهكذا يكون لفظ “خلق” متارضاً مع لفظ “مولود”، وما تقوله عنه الأمثال أنه “أول طرقه” يتعارض مع كونه الكلمة الوحيد الجنس.
48- لأنه لو كان مولوداً فكيف تسمونمه مخلوقاً؟ لأنه لا أحد يقول أنه يلد ما يخلقه. ولا أحد يسمى المولود الذاتى مخلوقاً. ومرة أخرى فإن كان هو وحيد الجنس فكيف يصير هو نفسه “اول الطرق”؟ لأنه من الضرورى أنه إن كان هو نفسه قد خُلِقَ أول كل طرقه فهو لا يكون بعد موجوداً وحده، بل يكون معه أولئك الذين خُلِقوا بعده. فرأوبين الذي كان أول الأبناء لم يكن الوحيد، بل الأول زمنياً، ولكنه بحسب الطبيعة والقرابة كان واحداً بين أولئك الذين ولدوا بعده. إذن فإن كان الكلمة هو “أول الطرق” فإنه سيكون مثلما تكون الطرق أيضاً، وتكون هذه الطرق مثلما يكون الكلمة أيضاً، حتى إن كان من جهة الزمن، يُخلق هو الأول بينها.
ولأن بداية المدينة هي مثل أجزاء المدينة الأخرى، فإن الأجزاء نفسها تكون مرتبطة ببداية المدينة تماماً، وتكون كلها مدينة واحدة مثل الأعضاء الكثيرة التي تكوّن جسداً واحداً. ولا يكون جزء من المدينة صانعاً وجزء آخر مصنوعاً – أى يكون خاضعاً للأول، بل كل المدينة تخضع لحكم ورعاية ذلك الذي قام بصنعها وصياغتها وتشكيلها أيضاً.
إذن فإن كان الرب أيضاً يُخلق هكذا أول جميع الأشياء، فمن الضرورى أن يكوَّن هو مع كل الأشياء الأخرى خليقة واحدة. ولا يختلف عن الأشياء الأخرى حتى إن كان هو أول جميع الأشياء. ولا يكون هو رب أجزاء الخليقة الأخرى حتى إن كان هو أقدم منها زمنياً. بل يكون له هو أيضاً كلمة خالق واحد ورب واحد كما لكل الأشياء الأخرى. وعلى وجه العموم فإن كان هو مخلوقاً فكيف يمكن أن يُخلق هو وحده بإعتباره الأول ليكون بداية الجميع؟ بينما يبدو مما سبق أن قيل أنه لا يوجد بين المخلوقات ما له طبيعة راسخة وثابتة وله الأولوية في الوجود.
بل كل منها يأخذ وجوده مع بقية المخلوقات حتى لو إختلف عن الأشياء الأخرى في المجد. لأن أى نجم من النجوم ولا أى كوكب من الكواكب العظمى يظهر الواحد منها كالأول والآخر كالثانى، بل إنها دعيت جميعها إلى الوجود في يوم واحد وبنفس الأمر(28). وهكذا تشكَّلت خلقة ذوات الأربع والطيور والأسماك والحيوانات والنباتات. وهكذا أيضاً قد خُلِق جنس البشر على صورة الله. لأنه وإن كان آدم وحده قد خِلق من التراب، إلا أنه توجد فيه كل ذرية الجنس البشرى.
49- ومن خليقة العالم الظاهرة نعرف بوضوح أن “أموره غير المنظورة المدركة بواسطة المصنوعات”(29)، لا نرى كل واحد منها منفصلاً عن الآخر إذ لا يوجد بينها أول وآخر، بل إنها خُلِقت كلها سوياً بحسب نوعها. لأن الرسول لم يحصِ كل واحد منها منفصلاً فيقول مثلاً: سواء كان ملاكاً أم عرشاً أم سيادة أم سلطاناً، بل إنه أشار إليها كلها معاً بحسب الدرجة بقوله “سواء ملائكة أو رؤساء ملائكة أو رئاسات”(30). فإنه هكذا تكون خلقة المخلوقات. فكما سبق أن قلت أنه إن كان الكلمة مخلوقاً فلم يكن من اللازم أن يكون هو أولها بل يكون مع سائر القوات الأخرى، حتى وإن تفوق في المجد عن الآخرين بدرجة أكبر. وهذا ما يمكن أن نجده في القوات الأخرى لأنها وإن كانت قد خُلِقت كلها في نفس الوقت ولا يوجد أول أو ثانٍ، إلا أنها تختلف بعضها عن بعض في المجد، فيقف البعض عن اليمين والبعض حول العرش والبعض الآخر عن اليسار، والجميع يسبحون معاً ويقفون في خدمة الرب.
إذن فإن كان الكلمة مخلوقاً لما كان هو أول الآخرين ولا بدايتهم، أما إن كان قبل الجميع كما هو الواقع فعلاً، وهو نفسه وحده أول وابن، فلا يترتب على ذلك أن يكون هو بداية الجميع بحسب الجوهر، لأن أول الجميع يُحسب في عداد الجميع. وإن كان هو ليس بداية ولا خليقة، فإنه يكون واضحاً تماماً أنه ختلف عن المخلوقات في الجوهر وأنه مغاير لها. وهو مثال وصورة الله الفريد الحق إذ هو نفسه أيضاً فريد. لذلك فالكتب لم تضعه بين المخلوقات، بل إن داود يوبخ أولئك الذين يتجاسرون أن يفكروا أنه واحد من مثل هؤلاء عندما قال: “من مثلك يا رب بين الآلهة”(31)، وأيضاً “من يشبه الرب بين أبناء الله”(32) أما باروخ فيقول “هذا هو إلهنا ولن يُقارَن به آخر”(33). لأن الكلمة يَخلِق بينما المخلوقات تُخلَق، وهو ذاته كلمة جوهر آب وحكمته. بينما المخلوقات التي لم تكن موجودة قبلاً قد صُنِعت بواسطة الكلمة نفسه.
50- أما تلك الثرثرة التي تدأبون على ترديدها بقولكم أن الابن مخلوق، فهذا أمر غير صحيح بل ه من نسج خيالكم وحده، وقد أدانه سليمان إذ أنه كثيراً ما كذبه، لأنه لم يذكر أن الابن مخلوق، بل هو مولود وهو حكمة الله بقوله “أسس الله الأرض بالحكمة”(34). و”الحكمة بنت لها بيتاً”(35). ومثل هذا القول عندما يُفحص فإنه يثبت مدى كفركم، لأنه مكتوب “الرب خلقنى أول طرقه من أجل أعماله”. فإن كان هو موجوداً قبل الجميع فإنه يقول “خلقنى” ليس لكى أصنع الأعمال بل “من أجل الأعمال”، وإن لم تكن عبارة “خلقنى” تشير إلى شئ لاحق له فسيبدو هو كلاحق للأعمال حيث أنه عندما خُلِقَ وجد الأعمال التي قد صار من أجلها، قائمة قبله. فلو كان الأمر هكذا فكيف يظل هو موجوداً قبل جميع الأشياء؟ وكيف أن “كل شئ به كان؟” وكيف تتحد فيه كل الأشياء وتتماسك؟ وها أنتم تقولون أن الأعمال التي من أجلها خُلِقَ وأُرسل، اتحدث وتماسكت قبله.
ولكن حقيقة الأمر ليست هكذا – حاشا! إن فكر الهراطقة كاذب، لأن كلمة الله ليس مخلوقاً بل خالقاً. وعندئذ فهو يتكلم بواسطة الأمثال فيقول “خلقنى” عندما ليس الجسد المخلوق، وهناك شئ آخر يمكن استنتاجه من نفس اللفظ. لأنه بالرغم من كونه ابناً وله أب هو الله إذ أنه هو مولوده الذاتى، إلا أنه هنا يدعو الآب رباً ليس لأنه كان عبداً، بل لأنه اتخذ شكل عبد. لأنه من ناحية كان يلزم – لكونه الكلمة من الآب – أن يدعو الله أباً. فهذه هي خاصية الابن تجاه الآب، ومن الناحية الأخرى عندما يأتى لينجز العمل آخذاً صورة عبد فهو يدعو الآب رباً. وقد علَّم هو نفسه هذا الاختلاف بتمييز حسن عندما قال في الأناجيل: “أحمدك أيها الآب” وبعد ذلك “رب السماء والأرض”(36).
لأنه يقول أن الله هو أبوه ولكنه يدعوه رب المخلوقات مثلما يتضح من هذا بجلاء أنه عندما لبس الجسد المخلوق كان عندئذ يدعو الآب رباً. وكذلك في صلاة داود أوضح الروح القدس نفس الاختلاف عندما قال في المزامير “إعطِ قوتك لعبدك وخلَّص ابن أمتك”(37). لأن ابن الله الحقيقى بالطبيعة هو شئ وأبناء الأمة الذين هم طبيعة المخلوقات شئ آخر. لذلك فالواحد كابن تكون له قوة الآب. أما أبناء الأمة فهم في حاجة إلى الخلاص.
51- فإن كان يهذون بسبب أنه سُمى ولداً، فليعرفوا أن اسحق دُعى ولداً لإبراهيم(38)، وابن الشونمية سُمى ولداً(39). وحيث أننا عبيد فمن الصواب إذن أنه عندما صار هو مثلنا، يدعو هو نفسه الآب رباً كما ندعوه نحن. وقد صنع هذا لمحبته للبشر، لكى نتشجع نحن الذين بحسب الطبيعة عبيد – نتشجع بقبولنا روح الابن – أن ندعو الآب أباً لا ننكر عبوديتنا له بحسب الطبيعة لأننا نحن عمله “وهو صنعنا لا نحن”(40)، هكذا أيضاً عندما اتخذ الابن شكل عبد وقال “الرب خلقنى أول طرقه”. فدعهم إذا لا ينكرون إزلية ألوهيته وأنه “فى البدء كان الكلمة”، و”كل شئ به كان”، و “به خلقت كل الأشياء”.
(1) أم 22:8.
(2) انظر يو 25:16.
(3) أم 1:9.
(4) يو 14:1.
(5) مز 24:103 سبعينية.
(6) رو 22:8.
(7) رؤ 9:8.
(8) 1 تيمو 4:4.
(9) حكمة سليمان 2:9.
(10) مر 6:10.
(11) تث 32:4.
(13) كو 15:1-17.
(13) مز 18:102.
(14) مز 10:51.
(15) اف 15:2.
(16) اف 24:4.
(17) أر 22:38 سبعينية.
(18) باليونانية (إكتيسى)
(19) ام 1:9.
(20) أى حرفياً وليس مجازياً.
(21) انظر عب 5:10.
(22) غل 13:3.
(23) 2كو 21:5.
(24) غل 13:3.
(25) انظر اش 4:53.
(26) انظر 1 بط 24:2.
(27) انظر عب 5:10.
(28) أى الأمر الذي خلقت به جميعها.
(29) أنظر رو 20:1.
(30) أنظر كو 16:1.
(31) أنظر مز 8:86.
(32) مز 6:89.
(33) باروخ 36:3.
(34) أم 19:3.
(35) أم 1:9.
(36) مت 25:11.
(37) مز 16:86.
(38) تك 8:21.
(39) 2مل 18:4.
(40) انظر مز 3:100.