أبحاث

قبل بداية مجمع خلقيدونية

قبل بداية مجمع خلقيدونية

قبل بداية مجمع خلقيدونية

قبل بداية مجمع خلقيدونية
قبل بداية مجمع خلقيدونية

بدأت الكنيسة المسيحية على أساس إيمان متمركز في شخص الرب يسوع المسيح، وقد حاولت الكنيسة أن تحافظ على هذا الإيمان في حياة المجتمعات المسيحية بطرق متنوعة تضمَّنت تبني عبارات (إقرارات) مختصرة تعبِّر عن الإيمان، وهي التي سُميت فيما بعد بقوانين الإيمان.[1]

وكان لدى الكنيسة في كل مكان نوع أو آخر من هذه الإقرارات المختصرة ـ التي كانت تعتبرها تشكِّل دستوراً للإيمان ـ حيث تقوم بتعليمها للمتقدمين للعماد كما تتلوها في عبادتها المنتظمة.

ومنذ العصور الأولى للمسيحية، كان المبشِّرون والمدافعون يقومون بشرح دستور الإيمان هذا لمن حولهم، وكانوا يركِّزون في شرحهم على أن يسوع المسيح هو ابن الله، الذي من خلاله يستطيع الرجال والنساء أن يكون لهم وصول مباشر لله (الآب)، ومنذ وقت انتشار كتابات العهد الجديد بدأوا يشيرون إليها لتأييد تفاسيرهم باعتبارها تقاليد رسولية متواترة.

وكانت هناك محاولات أخرى عديدة لشرح الإيمان قامت الكنيسة برفضها أثناء القرنين الثاني والثالث، حيث قام البعض بالإشارة إلى ’الابن‘ بكونه يتصل بالله الأزلي بعلاقة إعتمادية؛ والبعض الآخر أشار إليه بأنه الله ذاته في علاقته مع عالم الطبيعة؛ ورآه آخرون أنه إنسان مثلنا حل عليه روح الله وعمل فيه بصورة فائقة؛ وهناك من قالوا أنه مخلوق كامل أحضره الله للوجود قبل (أن يخلق) أي شيء آخر.

وبينما كان كل واحد من هؤلاء المبتدعين يحاول الترويج لأفكاره، كانت هناك سلسلة متواصلة على الدوام من قادة الكنيسة الذين فندوا تلك الأفكار الغريبة وشرحوا الإيمان بطرق أكثر قبولاً. وقام هؤلاء الرجال بتسليم الأجيال التالية أنماط معينة للتفكير، اعتبرتها الكنيسة قاعدة للوصول إلى المقياس العقائدي الصحيح.

وعلى الرغم من ذلك لم تكن تلك الأنماط موحدة، فمنذ القرن الثاني تقريباً بدأت تظهر على الأقل ثلاثة تقاليد عريضة (في الكنيسة): واحد في الإسكندرية، وآخر في أنطاكيا، والثالث في الغرب.

ومنذ البداية كانت هناك أيضاً محاولات لتوحيد أنماط التفكير المسيحي، وأولى هذه المحاولات الناجحة هي التي تحققت في القرن الرابع في مواجهة تعليم أريوس وأتباعه الذي زعم بأن الابن كان في الأساس مخلوقاً.

واستطاعت الكنيسة من خلال مجمع نيقية عام 325م ـ وبمساندة سلسلة من الرجال المقتدرين أمثال ق. أثناسيوس السكندري والآباء الكبادوك ـ أن تؤكد رسمياً أن الابن المتجسد يسوع المسيح ، هو الله بالكمال منذ الأزل على نفس النحو الذي به الآب أو الروح القدس، وذلك بدون أي تعارض مع الوحدة الإلهية.

وقد ضمَّن المجمع هذا الاعتراف داخل قانون إيمان، أكد فيه أن الابن “له ذات الجوهر الواحد (هوموأووسيوس)” مع الآب. وابتدأ هذا القانون ـ في صورته المطولة تلك ـ يحل بالتدريج محل كل قوانين الإيمان الأخرى في الشرق، مؤكداً على أن الابن له بالكامل ومنذ الأزل ذات الجوهر الواحد مع الآب.

وهكذا استطاعت الكنيسة في القرن الرابع أن تتفق رسمياً على عقيدة الثالوث القدوس، التي تضمَّنت علاقة الوحدانية في ذات الجوهر للآب والابن والروح القدس. ولكن إذا نظرنا إلى تفسير قانون الإيمان، فسنجد أنه بالرغم من أن التقليد السكندري والأنطاكي كانا بصورة أو بأخرى متفقين معاً، إلاّ أنهما لم يتفقا مع الغرب في نفس نمط التفكير الذي اتبعه، فبينما التزم الشرق بالتراث اللاهوتي للآباء الكبادوك (في تفسيرهم لعقيدة الثالوث)، تمسك الغرب بالتعليم الذي قدَّمه ق. أغسطينوس.

ولكن هذا الاختلاف مع ذلك لم يسبب أي انقسام بين الشرق والغرب مثلما حدث في الخلاف حول شخص المسيح في القرن الخامس.

[1] كان أغلب تلك الإقرارات يبدأ بكلمة ’أؤمن‘ لذلك سٌميت بإقرارات الإيمان (التي توحدت فيما بعد في قانون الإيمان النيقاوي-القسطنطيني).

قبل بداية مجمع خلقيدونية