أبحاث

الاعتراضات على مجمع خلقيدونية ج1

الاعتراضات على مجمع خلقيدونية ج1

الاعتراضات على مجمع خلقيدونية ج1

الاعتراضات على مجمع خلقيدونية ج1
الاعتراضات على مجمع خلقيدونية ج1

الجزء الثاني: الاعتراضات على مجمع خلقيدونية ج2

1. بعض الملاحظات التمهيدية:

إن الحقيقة التي لا تقبل الشك هي أن مجمع خلقيدونية كان قد فُرض على المجتمعات المسيحية الرافضة في الشرق بشكل جعل لمعارضي المجمع ما يكفي من الأسباب لكي يشعروا بعدم الرضا التام تجاهه، ولكن الاعتراض الفعلي على المجمع ـ كما ذكر المعارضون له ـ لم يكن نتيجة ذلك فحسب، ولكنه كان في الحقيقة بسبب عوائق لاهوتية.

ومن الضروري في فحصنا لوجهة نظر المعارضين للمجمع، أن نبحث بالفعل إذا كانوا قد قاموا في أي وقت بانتقاد المجمع من منطلق هرطقة المونوفيزايت أي ’هرطقة الطبيعة الوحيدة‘. ولهذا الأمر أهمية قصوى في ضوء حقيقة أنه حتى العلماء الذين أقروا بأرثوذكسية الفكر اللاهوتي للمعارضين للمجمع، قد أُقنعوا (رغم ما أقروا به) باعتبار المعارضين للمجمع مونوفيزايت (Monophysite).[1]

ومن هنا يتعين علينا أن نطرح السؤال التالي: هل في أي وقت ما، قام أي واحد من المعارضين لمجمع خلقيدونية ـ من الذين اعترف بهم التقليد الكنسي غير الخلقيدوني كلاهوتيين وآباء للكنيسة[2] ـ بإظهار أدني ميل نحو الموقف الذي يتجاهل حقيقة أو كمال بشرية المسيح أو سمتها الديناميكية، أو أي مَلَكَة أو خاصية لناسوته؟.

وعلى نفس القدر من الأهمية يأتي السؤال التالي: ما هو بالضبط الخلل أو النقص اللاهوتي الذي رآه المعارضون، في الموقف العقائدي الذي تبناه مجمع خلقيدونية؟ وهل كان اعتراضهم هذا بغير أساسٍ تماماً؟

ومن الجدير بالذكر أن القادة غير الخلقيدونيين كانوا قد أثاروا بالإجمال خمسة اعتراضات على مجمع خلقيدونية، وكان الاعتراض المركزي فيها هو تقنين المجمع لعبارة ’طبيعتين بعد الإتحاد‘ من خلال استخدامه لتعبير “يُعتَرف به في طبيعتين” داخل الصيغة العقائدية للمجمع.

 

2. تعبير ’طبيعتين بعد الإتحاد‘:

لقد كان هناك اعتراض دائم من جميع قادة الحركة غير الخلقيدونية على القول بأن المسيح هو ’طبيعتين بعد الإتحاد‘، وأصروا كلهم على أن نسطوريوس نفسه أُدين في مجمع أفسس عام 431م  بسبب هذا الادعاء ذاته. وستتضح لنا هذه النقطة عندما نستعرض باختصار بعضاً من كتابات أولئك القادة:

 

(أ) البابا تيموثاؤس إيلوروس:

قام البابا تيموثاؤس إيلوروس، خليفة البابا ديسقوروس، بإرسال خطاب إلى الإمبراطور ليو يذكر فيه اعتراضاته على مجمع خلقيدونية وطومس ليو.[3] وبالنسبة للطومس، دفع البابا تيموثاؤس بأن الأفكار التي تضمَّنها الطومس تشبه إلى حد بعيد التعاليم المدانة لنسطوريوس، لأنه مزَّق وقسَّم التجسد “إلى طبيعتين، وشخصين، وخواصين، واسمين، وفعلين، ونسب كلمات الأسفار المقدسة إلى اثنين”.

ولم يكن هذا هو التقليد الذي حفظه الآباء الثلاثمائة والثمانية عشر في قانون الإيمان، ولكن آباء نيقية أكدوا ـ على العكس من ذلك ـ أن ابن الله الوحيد ” الذي له ذات الطبيعة الواحدة مع أبيه، نزل (من السماء) وتجسد وتأنس؛ وأنه تألم وقام ثانية وصعد إلى السموات؛ وأنه سيأتي ليدين الأحياء والأموات”.

وأكد البابا تيموثاؤس أن آباء نيقية لم يذكروا في صيغة الإيمان “طبيعتين أو شخصين أو فعلين؛ ولا قاموا بأي تقسيم. بل اعترفوا أنه في التجسد كانت كلا الأشياء الإلهية والبشرية هي لـ (المسيح) الواحد”. وبالنسبة لمجمع خلقيدونية أيضاً، أخبر البابا تيموثاؤس الإمبراطور في خطابه بأنه لن يقبل هذا المجمع لأنه يجد أن قراراته تنطوي على وجود تقسيم وفصل في تدبير تجسد ربنا.

وفي تقييمنا للنقد الذي قدَّمه البابا تيموثاؤس، يمكننا أن نتفق مع العلماء الخلقيدونيين على أن الجانب الخلقيدوني لم يأخذ لا طومس ليو ولا تعريف الإيمان الخاص بالمجمع بنفس المعنى الذي كان يراه فيهما البابا تيموثاؤس.

ولكن بعيداً عن هذا الأمر، كل ما يعنينا هنا هو ملاحظة أن البابا تيموثاؤس لم يكن يعترض على مجمع عام 451م بسبب تأكيد المجمع على كمال بشرية المسيح، ولكن كانت وجهة نظره أن عبارة ’في طبيعتين‘ التي أخذها المجمع من طومس ليو لا تستطيع أن تعبِّر عن وحدة المسيح بأي شكل حقيقي.

وكان هذا هو نفس المفهوم الذي شدَّد عليه البابا تيموثاؤس في تفنيده لمجمع خلقيدونية، حيث أكَّد ـ كما ذكر سيلرز[4] ـ  أن عبارة ’طبيعتين بعد الإتحاد‘ التي تبناها المجمع، كانت هي ذات تعليم نسطوريوس، الذي بسبب تمسكه بذلك التعليم أُدين في مجمع أفسس عام 431م. وعلى الرغم من أن سيلرز تغاضى عن هذه الحجة كما لو كانت بلا سند، إلا أننا ينبغي أن نوليها عناية أكبر ونرى إذا كانت غير مقنعة (كما يرى سيلرز) أم أن لها بالفعل ما يؤيدها.

ومن أجل ذلك يتعين علينا أن نسترجع الحجج التي جاءت في رسالة البابا كيرلس الثانية إلى نسطوريوس، ومن أهم النقاط التي جاءت في تلك الوثيقة أن ’الاتحاد البروسوبي‘ الأنطاكي ليس كافياً ولا مرضياً، وهذه النقطة بلا شك تتضمَّن رفضاً لمفهوم ’طبيعتين بعد الإتحاد‘. ومن الجدير بالذكر أن رسالة ق. كيرلس الثانية إلى نسطوريوس كان قد أُعلن عن قبولها رسمياً (في الكنيسة) حتى من قبل الجانب الأنطاكي نفسه. ومن هنا يتضح أنه في السياق التاريخي لمجمع خلقيدونية، لا يقدر أحد أن يعترف رسمياً بـ ’طبيعتين بعد الإتحاد‘ ويظل يزعم تواصله مع تقليد الكنيسة الراسخ.

 

(ب) مار فيلوكسينوس أسقف منبج:

كان مار فيلوكسينوس أسقف منبج (Mabbogh) الذي رقد في عام 523م، قد أخذ نفس الفكرة التي شدد عليها البابا تيموثاؤس إيلوروس وطورها، فقد نظر إلى ’الطبيعة‘ على أنها كيان ذاتي مستقل،[5] وبالتالي فإذا اعترفنا أن المسيح هو ’طبيعتين‘، من الممكن أن يعني أنه كيانان واقعيان اتحدا في نطاق (أو على مستوى) ’البروسوبون‘، وهذا هو فكر نسطوري بحت.

وكانت المدرسة النسطورية تؤمن أن الله الابن صار متحداً مع طبيعة أخرى،[6] ووفقاً لذلك يرفض رجال التقليد الأنطاكي إطلاق لقب والدة الإله ’ثيؤطوكس‘ على العذراء مريم، ويتكلمون عن ’طبيعتين بعد الاتحاد‘. وقد عارض مار فيلوكسينوس وجهة النظر هذه مؤكداً أن الكنيسة تعترف أن ابن الله ـ الذي هو إله كامل له ذات الجوهر الواحد مع الله الآب ـ صار إنساناً من الأم العذراء حسب التدبير الذي اتخذه من أجل خلاص الجنس البشري.

وحيث إن الناسوت لم يتكون في الرحم مستقلاً (بعيداً) عن الاتحاد مع الله الابن، فهو ليس طبيعة موازية للطبيعة الإلهية، ولهذا فإن مريم هي والدة الإله ’ثيؤطوكس‘. وعندما صار الله الابن إنساناً بهذه الطريقة، فقد ظل كما هو قبل وبعد التجسد.[7] وقد صار إنساناً حقيقياً وكاملاً من رحم العذراء بدون أن يتحول أي من اللاهوت أو الناسوت أحدهما إلى الآخر.[8]

كما أكد مار فيلوكسينوس أنه لو كان المسيح طبيعتين، لما كان هو الله الابن المتجسد، ولكن فقط الله الابن الساكن في إنسان.[9] وكان التجسد يعني بالنسبة لمار فيلوكسينوس أن نفس الشخص هو إله وإنسان في آنٍ واحد.[10] وهذا الذي هو إله وإنسان في آنٍ واحد ليس هو شخصين أو طبيعتين، لأن العلاقة بين اللاهوت والناسوت في المسيح لا تشبه علاقة الصداقة التي تربط بين رجلين معاً. والتجسد في الحقيقة فريد للغاية حتى أنه لا يوجد أي مثال يمكننا أن نقدِّمه لكي يشرح التجسد إلاّ مثال علاقة الجسد بالروح في الإنسان.

وبتحديد أكثر، كان مار فيلوكسينوس ـ مثل البطريرك ساويروس الأنطاكي ـ يرى أن تعبير ’في طبيعتين‘ يحمل ضمنياً فكرة أن كائن بشري واقعي (مستقل) قد تكوَّن بذاته أولاً في رحم العذراء، ثم اتخذه الله الابن لنفسه فيما بعد، وحيث إن هذا المفهوم لا يؤكد حقيقة التجسد،فقد رفضه مار فيلوكسينوس تماماً باعتباره ضد تعليم الآباء.

وفي إنكاره لهذا الفكر أوضح أسقف منبج أنه لا يعترض على تأكيد كمال وحقيقة ناسوت المسيح، بل أكد في الحقيقة بتعبيرات جلية ـ كما سنرى ـ على الطابع الحقيقي للناسوت، وعلى الخزي والألم والموت الذي تحمله المسيح. وهكذا لم يكن اعتراض مار فيلوكسينوس على عبارة ’في طبيعتين‘ هو بسبب عدم رغبته في تأكيد حقيقة الناسوت، كما لم يكن رفضه لقبول مجمع خلقيدونية ناتج عن تمسكه بهرطقة ’الطبيعة الوحيدة (مونوفيزيتيزم)‘.[11]

وحينما أكد مار فيلوكسينوس أن الكلمة صار جسداً بدون أي تغيير وأنه ظل كما هو قبل وبعد التجسد، ميَّز أسقف منبج ـ كما فعل البطريرك ساويروس الأنطاكي أيضاً ـ بين الكلمة قبل والكلمة في التجسد، فقد أقر مار فيلوكسينوس أن الكلمة قبل التجسد كان بغير جسد، بسيط، غير مرئي، وفوق كل إدراك حسي؛ ولكنه في التجسد صار ملموساً ومركباً ومتحداً بجسد،[12] وكان الجسد عند مار فيلوكسينوس يعني ’إنساناً كاملاً‘.[13]

ويأسف أندريه[14] (Andre de Halleux) لأن مار فيلوكسينوس رفض الإقرار بوجود بعض الأمور المشتركة بين موقفه اللاهوتي وبين مجمع خلقيدونية. ورغم أننا نتفق مع هذا الرأي إلاّ أنه ينبغي علينا أن نشير إلى أن رفض محاولة فهم موقف الجانب الآخر كان أمراً متبادلاً من كلا الطرفين.

ونستطيع في الواقع أن نجد اتفاق حقيقي بين مار فيلوكسينوس وحتى البابا ليو بالنسبة لشرح علاقة التجسد بالأسرار، لأن كل منهما يقر بأن حقيقة ناسوت المسيح هي أمر أساسي ولا غنى عنه لأجل خلاصنا، ولكن الأمر الذي يفترقان فيه يتصل فقط بوحدة المسيح، فأسقف منبج لم يكن مقتنعاً أن الصورة التي عبَّر بها البابا ليو عن وحدة المسيح كانت كافية أو مرضية، أو أنها تتطابق مع التقليد الذي قدَّمه الآباء في مواجهة النسطورية.

وبالتالي لم تكن مشكلة خلقيدونية تكمن في أن معارضي المجمع رفضوا الاعتراف بوجود اتفاق أساسي بين موقفهم اللاهوتي وبين موقف المجمع، ولكن المشكلة تمثلت في أن كل جانب من الجانبين لم يكن يرغب في الاستماع للآخر بصبر، ويقر بوجود اتفاق فيما بينهما في بعض الأمور. وينبغي علينا في هذا الصدد أن نوضح أن الجانب الخلقيدوني، باعتباره الجانب الأقوى والمسانَد حكومياً، كان هو الذي يتحتم عليه أن يُظهر قدراً أكبر من رحابة الصدر تجاه معارضيه الذين لديهم صعوبات حقيقية مع وجهة نظر المجمع.

 

(ج) قادة الحركة غير الخلقيدونية في عام 531م:

كان الإمبراطور جوستينيان ـ كما ذكرنا فيما قبل[15] ـ قد عقد سلسلة من المشاورات مع رجال من الجانب غير الخلقيدوني بين عامي 531م و 532م. وعند وصول هؤلاء الرجال إلى القسطنطينية قدَّموا إلى الإمبراطور اعترافاً للإيمان[16] احتوى بالفعل على نفس النقاط التي ذكرها البابا تيموثاؤس إيلوروس ومار فيلوكسينوس في كتاباتهما.

وقد جاء في ذلك الاعتراف أن إصرار مجمع خلقيدونية ـ معتمداً على مرجعية طومس ليو ـ بأن المسيح يُعترف به ’في طبيعتين‘ إنما يُشكِّل انتهاكاً للإيمان النيقاوي في كونه لم يحافظ على تأكيد وحدة المسيح،  فآباء مجمع نيقية اعترفوا أن الله الابن صار متجسداً، مما يعني أن ذاك الذي كان منذ الأزل ’بسيطاً‘ قد أصبح ’مركباً‘ حيث وحَّد بذاته جسداً ممنوحاً روحاً عاقلة.

ولا تعتبر عبارة مجمع خلقيدونية ’في طبيعتين‘ أنها كافية للإقرار بهذا الفهم عن يسوع المسيح، ومن هنا يكون مجمع خلقيدونية قد تعدى على إيمان الكنيسة.

ومن الجدير بالذكر أن السبب الذي عبَّر عنه هؤلاء الرجال بوضوح في انتقادهم لمجمع خلقيدونية، لم يكن هو أن لديهم شكوك حول ما أكده المجمع عن حقيقة وكمال ناسوت المسيح، ولكن السبب هو أن هؤلاء القادة لم يكونوا مقتنعين أن المجمع قد أكد على وحدة ربنا بصورة مرضية وكافية. وبعبارة أخرى لم تكن هرطقة ’الطبيعة الوحيدة (المونوفيزيتيزم)‘ هي أساسهم في معارضتهم لمجمع خلقيدونية.

 

[1]   ويذكر أندريه (Andre de Halleux) في دراسته عن مار فيلوكسنوس الأسباب التي جعلته يقول عن مار فيلوكسينوس أنه مونوفيزايت (أي من أصحاب الطبيعة الوحيدة). للرجوع إلى تعليقاتنا على هذه النظرة، انظر صفحة 559 وما يليها.

[2]   ينبغي التأكيد على هذه النقطة في مواجهة ميل الكتاب الموالين لخلقيدونية ـ على الأقل منذ عهد يوحنا الدمشقي ـ لأن يضموا معاً كل الذين رفضوا مجمع خلقيدونية بإعتبارهم متمسكين بهرطقة ’الطبيعة الوحيدة‘ بدرجات متفاوتة.

[3] للإطلاع على الخطاب انظر (Zacharia, op. cit., I, pp. 175-178)

[4] The Council of Chalcedon, op. cit., p. 262.

[5]   على خلاف البطريرك ساويروس لم يقدِّم مار فيلوكسينوس تعريفاً للمصطلحات التي استخدمها. وقد أكد مع ذلك على أن الله الابن صار إنساناً حقيقياً وكاملاً، ولكنه لم يتخذ طبيعة أخرى أو شخصاً آخر. انظر:

(Philoxeni Mabbugensis, Tractatus Tres De Trinitate Et Incarnatione, C. S. C. O. vol. 9, ed. A. Vaschalde, 1961, pp. 181 – 182)

وقد أخذ أندريه هذه العبارة كدليل على تمسك مار فيلوكسينوس بهرطقة الطبيعة الوحيدة، ولكن الحقيقة كما رأينا هي أن مصطلح ’طبيعة‘ عند مار فيلوكسينوس كان يعني كائن محدد.

[6]   كان واحد من إعتراضات مار فيلوكسينوس المتكررة على الهرطقة النسطورية هو أنها تتمسك بأن الناسوت قد تكون بذاته (مستقلاً) في رحم العذراء، ثم اتخذه الله الابن بعد ذلك. وهنا يرى مار فيلوكسينوس أن هذا التعليم يتضمن وجود طبيعتين وشخصين هما الله الابن والإنسان يسوع.

[7]   يقول مار فيلوكسينوس: “إن الكلمة ظل هو نفسه سواء قبل أو بعد التجسد”. انظر (مرجع سابق، صفحة 44-45).

[8]   يؤكد مار فيلوكسينوس: “نحن نؤمن أن الكلمة صار جسداً، وأن الكلمة لم يتحول إلى جسد، ولا تحول الجسد إلى الكلمة”. انظر (المرجع السابق، صفحة 46).

[9]   يقول مار فيلوكسينوس: “ولم يكن الأمر أن الكلمة سكن في إنسان ـ كما يثرثرون ـ ولكنه يسكن فينا نحن البشر بمعنى (أنه أخذ) طبيعتنا (البشرية) المشتركة وليس إنساناً واحداً محدداً. وسكنى الله في الأفراد كانت تحدث على الدوام كما في حالة في الأنبياء والقديسين”. (المرجع السابق، صفحة 168). ويبدو أنه إعتماداً على هذه الفقرة وما يشابهها، رأى أندريه أن مار فيلوكسينوس لم يكن يفهم أن ناسوت المسيح هو (كيان) محدد. (انظر مرجع سابق صفحة 375 وصفحة 420).

ولكن هذه النظرة لم تكن في الحقيقة نظرة سليمة، لأن مار فيلوكسينوس لم يكن يرفض الوجود المتفرد (المحدد) لناسوت المسيح، ولكنه كان فقط يرفض فكرة أن الناسوت قد تكوَّن كشخص محدد بعيداً (أو مستقلاً) عن التجسد. وكان هذا الموقف يؤكده كلا الجانبان الخلقيدوني وغير الخلقيدوني في الشرق.

[10] يؤكد مار فيلوكسينوس أن: “الذي هو واحد مع الآب في الجوهر، قد صار هو نفسه واحداً معنا في الجوهر من خلال التجسد”. (Tractatus….,op. cit., p. 131). وهكذا فإن يسوع المسيح هو الله وإنسان في آن واحد.

[11] يقول مار فيلوكسينوس: “فإن لم يكن قد صار إنساناً قبل أي شيء، فما كانت هناك إمكانية له لأن يموت، لأن الله روح ولا يجتاز الموت”. (Tractatus…. Ibid., p. 98). وعلينا أن نتذكر هنا أن القضاء على الموت بالنسبة لمار فيلوكسينوس كان هو الهدف المحوري للتجسد. ولهذا فإذا لم يكن الناسوت حقيقياً وديناميكياً فما كان من الممكن ليسوع المسيح أن يكمل رسالة حياته الأرضية. والواقع أن هذا المفهوم لا يمكن أن يصدر من شخص يؤمن بهرطقة ’الطبيعة الوحيدة‘.

[12] Philoxenos, Tractatus…. Op. cit., p. 52.

[13] يقول مار فيلوكسينوس: “لأنه مكتوب، أن الكلمة صار جسداً، والذي يعني إنساناً كاملاً” (المرجع السابق صفحة 39). فإذا كان تعبير جريلماير عن ’خريستولوجي (الكلمة – جسد)‘ يهدف إلى تجاهل هذا المفهوم (الذي ذكره مار فيلوكسينوس)، فإن نظريته ستكون بالتأكيد موضع شك.

[14] Andre de Halleux, op. cit., p. 514.

[15] انظر صفحة 257 وما يليها.

[16] للإطلاع على ملخص للاعتراف الذي قدَّمه هؤلاء الرجال إلى الإمبراطور انظر:

(Zacharia, op. cit., II, pp. 115-123)

الاعتراضات على مجمع خلقيدونية ج1