أبحاث

النبوءة الأولى – العظة الخامسة عشر من عظات أوريجانوس على سفر العدد

النبوءة الأولى - العظة الخامسة عشر من عظات أوريجانوس على سفر العدد

النبوءة الأولى – العظة الخامسة عشر من عظات أوريجانوس على سفر العدد

النبوءة الأولى - العظة الخامسة عشر من عظات أوريجانوس على سفر العدد
النبوءة الأولى – العظة الخامسة عشر من عظات أوريجانوس على سفر العدد

بلعـــام « تابع »

النبوءة الأولى

1ـ إن نظام القراءات سيقودنا لكي نتحدث عن الدرس التالي لكن بعض الأخوة يطلبون بأن نتكلم بالأولى عن نبوءة بلعام. وأعتقد أنه من المستحسن أن أرضيهم بدلاً من إتباع ترتيب الدروس.

 

صورة مزدوجة لبلعام

قبل أي شئ فلنبحث عن السبب في أننا نتكلم عن شخصية بلعام في الكتب المقدسة تارة باللوم وتارة بالمدح. إنه يستحق اللوم لأنه بعدما نهاه الله عن أن يذهب للملك يصر على أن يتوجه إليه وقد أغواه الأجر الذي سيتحصل عليه، فهو يستشير الله مرة أخرى ـ ومرة أخرى يوجه له السؤال حتى بعد ذلك أنه « يُترك لرغباته ويسلك بحسب إرادته » (انظر مز81: 13). أنه مذنب عندما يبني هياكل ويقدم عليها ذبائح للشياطين، ويطلب بواسطة جهازه السحري الاستشارات الإلهية. أنه مذنب عندما أعطى المشورة (أنظر عد31: 16) الشنيعة بأن يغوي الشعب بالنساء المديانيات وبعبادة الأصنام. ولكنه بالعكس مستحق المدح عندما « وضع الرب كلامًا في فمه » (عد23: 5) عندما « كان عليه روح الله » (انظر عد24: 2)، عندما يتنبأ عن المسيح، عندما يعلن لليهود وللأمم أسرار المستقبل عن مجيء المسيح (عد24: 2). وبدلاً من اللعنة هو ينشر البركات على الشعب ويمجد باصطلاحات سرية اسم إسرائيل فوق كل مجد مرئي. ففيما الكتاب المقدس يعطي عنه هذه البيانات المختلفة والمتناقضة يبدو لي من الصعب كليةً أن أكون أنا قاطعًا عن شخص يجمع هذه الصفات المتناقضة والذي يمكن أيضًا أن نطبق عليه النبوة التي يلفظها على نفسه « لتمت نفسي موت الأبرار ولتكن آخرتي كآخرتهم» (عد23: 10)، وبفم ميخا يضع الرب عليه شهادة مماثلة: « يا شعبي ماذا صنعت بك؟ وبماذا أضجرتك؟ اشهد علىَّ؟ إني أصعدتك من أرض مصر وفككتك من بيت العبودية، وأرسلت أمامك موسى، وهارون ومريم. يا شعبي أذكر بماذا تآمر عليك، ملك موآب، وبماذا أجابه بلعام، بن بعور من شطيم إلى الجلجال ـ لكي تعرف الرب » (ميخا6: 3ـ 5). ويعلمنا النبي هنا بماذا أجاب بلعام، بن بعور، ملك بالاق، كما جاء في الكتب المقدسة والهدف منها معرفة “بر الرب”.

 

بلعام حامل كلام الله

أين سنجد بحسب رأيك مُفسر ليبين “بر الرب” الذي يظهر نفسه في الإجابات لبلعام؟ إذًا حقًا « وضع الرب كلامًا في فمه » (عد23: 5). إذا كان “روح الله عليه”. إذا ظهر “بر الرب” في إجاباته. يجب أن نؤمن بكل أقوال النبوات والأقوال الإلهية. في الحقيقة أنه من النادر أن نجد في موضع آخر نبيًا نقرأ عنه بأن ” روح الرب كان عليه “. إن ما نقرأه هو أن نبيًا ما ” قد رأى رؤيا ” أنه ” اغتصب كلام الله ” أو أن ” كلمه الله ” (1صم 23: 5)، قد حلَّ عليه أو عبارات أخرى. إني لا أتذكر الآن بأنني قد قرأت بأن “روح الرب” كان على نبي. وفعلاً وكما أتذكر أنه قد كتب عن داود أن « روح الرب قد ظهر ـ أو لقد أضاء ـ على داود من ذلك اليوم فصاعدًا » (1صم 16: 13) لكن روح الرب لم يكن عليه. أتذكر بأنه كتب عن شاول:   « روح الرب سينزل عليك فتتنبأ معهم وتتحول إلى رجل آخر » (1صم 10: 6). أنه قد قيل أيضًا: « وذهب روح الرب من عند شاول وبغته روح ردئ من قبل الرب وقع عليه » (1صم16: 14)، وأيضًا: كان عندما جاء روح ردئ من قبل الله على شاول أخذ داود العود وضرب بيده فكان يستريح شاول ويطيب له ذلك ويذهب عنه الروح الردئ: أقول هذا كله لأنه يمكن أن يظن البعض أن عبارة « فكان عليه روح الرب » (عد24: 2) هي عبارة عادية وغير ذات موضوع.

 

II ـ النبوة : لكي نتابع أفكار العظة الأخيرة فلنحاول أن نتحدث عن شخص بلعام بأنه يمثل للكتبة والفريسيين وتقلديهم. لكن فلنراجع عبارات النبوة التي لفظ بها، قد كتب « لا أقدر أن أتجاوز قول الرب» (عد22: 18).

 

(بلاد ما بين النهرين) بلاد التنعم

من بلاد ما بين النهرين يقول: « بالاق، ملك موآب، جعلني آتي من جبال الشرق قد أفادني » (عد23: 7)، وبلاد ما بين النهرين هي بالنسبة له البلاد التي تقع بين هذين النهرين في بابل التي كُتب عنها: « على أنهار بابل هناك جلسنا، بكينا عندما تذكرنا صهيون » (مز137: 1)، إذًا ما أقمنا في وسط هذه الأنهار لبابل إذا ما قد أفيضت مجاري اللذة استحممنا بواسطة أمواج عدم العفة. إنه لم يقل بأنه سيظل قائمًا، ولكن يقول “قد جلس لهذا السبب الذين سُبوا في هذا المكان وقالوا: « على أنهار بابل هناك جلسنا، بكينا عندما تذكرنا صهيون »، لكن لم يستطيعوا أن يبكوا إلا بعد أن تذكروا  صهيون، إنه تذكار الخير الذي يجعل الإنسان يشعر بأسباب البؤس: إذا لم نتذكر صهيون، إذا لم ندفع أعيننا نحو شريعة الله وجبال الكتاب المقدس فلن نبدأ بالبكاء على بؤسنا.

 

جبـــال شيطانيـــة

إذًا آتي ببلعام من جبال الشرق. إنها ليست الجبال المقدسة التي كُتب عنها « أساسه في الجبال المقدسة » (مز87: 1)، وفي موضع آخر ” أورشليم المبنية كمدينة متصلة كلها “، « أورشليم الجبال حولها والرب حول شعبه » (مز 122: 3؛ 125: 2).

هذه ليست جبال بلاد ما بين النهرين، إنها الجبال التي سُميت “جبال الظلمات” (انظر إر16:13) وعنها قد قيل ” ها آتي إليك، جبل الفساد “. إنها الجبال التي تخص ” كل علو يرتفع ضد معرفة الله “، من هذا النوع من الجبال قد احضروا بلعام.

 

 

الشرق: معنى مزدوج

هذه الجبال وهذا الشرق. يشرق نوره، « الذي يغير شكله إلى شبه ملاك نور » (2كو11: 14)، له هذا النور الذي كُتب عنه: « نور الأشرار لا ينطفئ » (أي 18: 5)، “نور الأشرار” وهو “النور الذي يغير شكله إلى شبه ملاك نور” (2كو 11: 14)، هذا النور مضاد للنور الذي يقول « أنا هو نور العالم » (يو8: 12)، أيضًا هذا الشرق هو غير الشرق الذي كُتب عنه في سفر زكريا « هوذا الرجل، الغصن (الشرق) اسمه » (زك6: 12). إن بلعام آتي من الشرق الشيطاني، ذلك الشيطان الذي قيل عنه ” كيف سقط من السماء كوكب الفجر، الذي يظهر في الصباح ” وليس من الشرق الذي منه المسيح.

 

لعنات ولعنات مضاعفة ـ يعقوب وإسرائيل ـ المعرفة والأعمال:

2ـ لكن الذي قاله بالاق ملك موآب الذي استدعى بلعام « من بين النهرين ومن جبال المشرق » (عد23: 27)، ” تعال وألعن لي يعقوب، وألعن لي إسرائيل ” [ في النص اللاتيني وهذا يبدو تكرارًا لا لزوم له تقريبًا، لكن في النص اليوناني بالنسبة لإسرائيل الفعل يلعن له مشتق أهمله مترجمينا، سواء اعتقدوا بأنه يوجد غلطة أو فكروا بأنه لا يضيف شيئًا ولكن نحن سنضع كلمة جديدة لكي لا نضِّيع المعنى فنستطيع أن نقول “تعال ألعن لي إسرائيل، وتعال ضاعف اللعنات لإسرائيل ]. هذا يبين أنه من تكرار الفعل، يطلب بالاق اللعنة لإسرائيل بأكثر قوة عن اللعنة ليعقوب مادامت اللعنة لإسرائيل وليس يعقوب، بمعنى أنه مادام يظل في مستوى الأعمال والأفعال، فإنه سيقابل لعنات أقل ولكن عندما يتقدم ويبدأ في أن يحث ويشجع ” الإنسان الباطن ” (رو7: 22)، في طريق رؤية الله وذلك بانفتاح عيون الذهن فإنه لا يكون فقط معرضًا للعنات العدو ولكن أيضًا للعنات المضاعفة أي لسهام أكثر هجومًا من اللعنات.

ففم بلعام كان مليئًا من اللعنة والحسرة « تحت لسانه مشقة وإثم أنه وجد في الدسائس على الأغنياء حيث كان ينتظر أجرًا من هذا الملك » (مز10: 7)، ألقى لأجل قتل الأبرياء بوسائل سحرية لكن “الله” الصانع العجائب العظام وحده أنه وضع كلامًا في فم بلعام مع أن قلبه لا يستطيع بعد أن يستقبل كلام الله. حيث أنه مازال لديه شهوة الربح، وأيضًا بعد أن أخذ « في الفم كلام الله » (عد 23: 5)، قال لبالاق « تعال أنبئك بما يفعله هذا الشعب بشعبك في آخر الأيام» (انظر عد24: 14). ويعرفه الطريقة وهي أن يجعلهم يأكلون اللحوم المذبوحة للأصنام، ويسقطهم في خطية الزنى، ولذلك سقط الشعب في الخطية وحلَّت عليهم عقوبة كبيرة، حتى أن فينحاس يقتل رجلاً إسرائيلي يزنى مع مديانية فرد حمو غضب الرب (انظر عد25: 2ـ 8)، وبعد هذا يقول الكتاب المقدس إن فينحاس قاد الجيش ضد المديانيين، وقتلوا اثنتي عشرة ألفًا رجلاً، منهم « بلعام بن بعور قتلوه بالسيف » (انظر عد3: 2ـ 8).

إننا تحدثنا مسبقًا عن هذه الحوادث لكي نظهر بأن بلعام لم يحمل كلام الله في القلب لكن في الفم فقط، ورغم ذلك فأنه قد خلط كلامه وأحاديثه بكلام الله ولهذا بدا كلامه كأنه كلام الله.

 

 

 

 

 

 

يستطيع الله أن يلعن

3ـ إنه يقول « كيف ألعن من لم يلعنه الله وكيف أشتم من لم يشتمه الرب » (عد23: 8)، سنقول إذًا؟ الرب لم يلعن يعقوب ولا إسرائيل لكن أعتقد بأن الله يلعن (تك3: 17)، نعم، حيث نقرأ بأن الرب يقول للحية: « ملعونة أنت من جميع البهائم ومن جميع وحوش البرية » ولآدم: « ملعونة الأرض بسببك » (تك4: 11)، ولقايين:     « ملعون أنت من الأرض التي فتحت فاها لتقبل دم أخيك من يدك »  (تث27: 1)، أنه يقول في موضع آخر ملعون الإنسان الذي يصنع تمثالاً منحوتًا أو مسبوكًا. فلا تعتقد بأن هذه التعبيرات لا نجدها إلا في العهد القديم، سنجد مثلها تمامًا في الأناجيل: إنه مكتوب فيها بأن الرب سيقول للذين عن اليسار: « اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية» (مت41:2) وعندما يقول « ويل لكم أيها الكتبة والفريسيين» (مت23: 29)، و« ويل لكم أيها الأغنياء » (لو6: 24)، ماذا يقصد إلا أنه يثقل عليهم باللعنات. إذًا ما مصير الوصية المعطاة من الرسول     « باركوا ولا تلعنوا » (رو12: 14). هل الله يعطي الوصية ولا يحترمها؟ الجواب لا. فعندما يلعن الله الإنسان فإنه يلعنه حسب استحقاقه والذين يلعنهم فإنه ينطق بالحكم عليهم لأنه لا يخطئ في الحكم على طبيعة الخطية، كما لا يخطئ في فهم نية الخطاة، والإنسان لا يستطيع ذلك، إننا لا نستطيع أن نرى أو نعلم إرادة أو إدراك شخص آخر، حتى إذا لفظنا اللعنة بنظرة القاضي الذي يلفظ الحكم، ليس من حقنا أن نفعل هذا مادمنا نجهل شعور الخاطئ ولهذا السبب على الأخص. ففي الإنسان توجد الرذيلة وهي التي تدفعه ليقول اللعنات في صورة الشتائم أو الإهانات. والرسول يريد أن يقطع هذه الرذيلة من الجذر، أنه يريد أن يمنعنا من أن نسبب اللعنات بلعناتنا والشتائم بشتائمنا، ولهذا قال هذه الوصية الضرورية “بأن نبارك ولا نلعن”. إنه يريد أن يمنع الرذيلة التي تلفظ الشتائم البشرية. ولكنه لا ينزع عن الحق الإلهي المخفي عن عيون البشر، دوره في الدينونة. ولا تنظرن إلى ذهن الرسول أنه يسلب السلطان الإلهي حقه في إصدار أحكامه على الناس حسب أعمالهم.

 

ارتفاع إسرائيل

ما هي الأسباب التي جعلت الرب لا يلعن لا يعقوب ولا إسرائيل: فلنتعلمها أيضًا من بلعام أو بالأحرى من ” الكلام الذي وضعه الله في فمه ” عندما يقول « إني من رأس الصخور سأراه ومن الآكام الله سيفهم » (عدد23: 9)، ويقول هذا لأن إسرائيل قائم على جبال مرتفعة وعلى تلال عالية، بمعنى أن إسرائيل يعيش حياة سامية وصعبة وهي التي بدونها لا نستطيع بسهولة أن نكون جديرين بأن نوَّجه نظرنا، ولا إدراكنا أن لم نتسلق الارتفاعات وقمم المعرفة، لهذا السبب لم يلعنه الله. هذه الحياة مرتفعة وليست منخفضة أو منحطة. ولكن يبدو لي أن الله لا يقول هذا عن إسرائيل بحسب الجسد[1] إنه يقول هذا عن الذي   « يسير في الأرض وسيرته في السموات » (أنظر في3: 20)، إذًا يجب أن لا نطبق هذا الكلام على الشعب القديم الآن، ولهذا السبب يستعمل الله صيغة المستقبل “سأراه” “وسأفهم” لكي يشير إلى الوقت الآتي الذي فيه ” يؤمن كل يهودي بالمسيح فيخلص ” وسينظر من الجبال والتلال المرتفعة. الذين يولدون مرة أخرى في المسيح، وعاشوا على الأرض حياة جليلة وسماوية.

عن يعقوب يقول “سأرى”، وعن إسرائيل يقول “سأفهم”، يجب أن نلاحظ أيضًا دقة هذا التمييز: واحدة من هاتين العبارتين تنطبق على الأفعال المرئية، والأخرى على الإيمان غير المرئي، وعلى المعرفة غير المدركة. وإذا نقلنا كل هذا إلى الدهر الآتي إلى وقت القيامة من الأموات، “سأرى يعقوب” ممكن أن تشير إلى الأجساد، “وسأفهم إسرائيل” تشير إلى أرواح ونفوس المُقامين من الأموات.

 

إنعزال إسرائيل

يقول الكتاب المقدس « هوذا شعب يسكن وحده ولم يحصَ مع الأمم » (عد23: 9). هذا ممكن الاحتفاظ به بالمعنى الحرفي. شعب يعقوب وحده لم يُخلَّط مع بقية الناس، ولم يحصَ ضمن الأمم الأخرى، أعطى نواميس ومراعاة قوانين خاصة هي التي حفظته وحده بالانفصال عن الأمم الأخرى. أيضًا سبط اللاويين لم يختلط بالأسباط الأخرى ولم يحصَ معهم، وبنفس الطريقة إسرائيل كله لم يختلط مع الأمم الأخرى، ولم يحصَ من ضمنهم. في الحقيقة هذه الخصائص التي للشعب الأرضي لم تكن إلا رمزًا « للخيرات العتيدة» (عب1:10)، يعقوب وإسرائيل الحقيقيان الروحانيان سيسكنان بمفردهما حقًا في وسط الأمم « حقًا قد أتيتم إلى جبل صهيون وإلى مدينة الله الحيَّ أورشليم السماوية » (عب12: 1). إذًا نحن قد وصلنا إلى مدينة يهوذا الروحية التي هي « نصيب الله » (تث3: 9)، هم « يفتكرون في الأرضيات أما نحن “فإن سيرتنا نحن هي في السموات » (في3: 20)، إذًا حقًا نحن لم نُحصَ أبدًا من ضمن الأمم الأخرى. وحدودنا لا تكون مشتركة مع حدودهم حتى لو كانت سدوم قد أعيدت إلى حالتها القديمة، ومصر أعيدت أيضًا إلى مجدها وحققت كل النبوات المتشابهة. وعندما يصعد يعقوب وإسرائيل الروحي إلى كنيسة الأبكار سوف لا يكون لهما شئ مختلط أو مشترك مع أحد وحتى لو أعيدت هذه الأمم إلى مجدها حسب النبوات، لأنه إن لم تكن هذه الأمم مطعمة بجذر الزيتونة المثمرة كيف يمكن للزيتونة البرية أن تشترك وتمتد بيعقوب وإسرائيل. لأنه لا أحد يمكن أن يُسمَى يعقوب أو إسرائيل إن لم يكن متحدًا بهذه الجذور. في هذه الحالة لو ارتكب أحد أولاد إسرائيل أو يعقوب الخطية لا يمكن بعد أن يسمى يعقوب أو إسرائيل، وإذا دخل إنسان من الأمم كنيسة الرب سوف لا يعد ضمن الأمم.

 

تعداد

« من أحصى تراب يعقوب وعدد إسرائيل؟ » (عد23: 10). هذا يذكرنا بالنص “الله اخرج إبراهيم وقال له: « انظر إلى السماء وعد النجوم إن استطعت أن تعدها» وقال له « هكذا يكون نسلك » « فآمن إبراهيم بالرب فحسب له برًا » (تك15: 5ـ 6). لا إبراهيم، ولا أي شخص آخر، ولا أي ملاك أيضًا ولا أية رئاسة عليًا له القدرة أن يحصى عدد النجوم ولا نسل إبراهيم الذي كتب عنه ” هكذا يكون نسلك “. لكن الله الذي كُتِبَ عنه إنه « يحصى عدد الكواكب. يدعو كلها بأسماء » (مز 147: 4). والذي قيل عنه إنه يحصى عدد الكواكب، يستطيع أن يحصى تراب يعقوب وعدد إسرائيل. هو وحده يعرف حقًا من هو يعقوب الحقيقي، ومَنْ هو إسرائيل الحقيقي حيث إنه لا يعطي اعتبارًا « لليهودي في الظاهر » (إش42: 12)، ولا للختان الذي في الظاهر في اللحم بل هو يرى « اليهودي الذي في الخفاء » (رو2: 28)، وختان القلب وليس ختان اللحم. وهو وحده الذي يستطيع أن يعد ويسجل، وهو وحده الذي بموجب حكمته الفائقة الوصف التي لا يمكن إدراكها قد أسَّس السموات بحسب نظام سماوي، الذي هو وحده يعرف “أعدادها”، التي هي بين أيدينا. والتي فيها يأمر بأن « يحصوا كل جماعة بني إسرائيل بعشائرهم وبيوت آبائهم بعدد الأسماء كل ذكر برأسه من ابن عشرين سنة فصاعدًا كل خارج للحرب في إسرائيل » (عد1: 2ـ 3). العدد الكلي هو عدد مقدس وقد سبق التحدث عنه، وبموجب الأنوار المعطاة من الله[2]. لكن هذا العدد لا يكون مقدسًا ومرضيًا لله إلا إذا عُمِل هذا التعداد تبعًا لأمره. بالعكس إذا أراد أحد أن يعمل التعداد بخلاف ما أمر به الرب حتى ولو كان داود النبي العظيم فأنه يتصرف ضد الشريعة ويتهم من أحد الأنبياء، ويحمل العقاب المكتوب في كتاب صموئيل الثاني. وهذا وحده « الذي يحصى عدد الكواكب » (2صم10:24)، والذي « أنشأ كل شئ بحسب المقياس » (مز147: 4)، ” حسب العدد والوزن “، « من أحصى تراب يعقوب وعدد إسرائيل » (عد23: 10).

 

اهتداء اليهود في النهاية

يبدو أن بلعام هو نفسه موضوع نبوته عندما قال « لتمت نفسي موت الأبرار،ولتكن آخرتي كآخرتهم » (عد23: 10). وبما أن هذه النبوة تختص بشخص بلعام التاريخي وإسرائيل التاريخي، لذلك لم تتحقق النبوة ولا يمكن أن تتحقق، أنه ليس معهم لقد قتلوه. النبوة تنطبق بالأكثر، على الذين تشير إليهم، على الذين كما ذكرنا ـ يعتبرون في الدهر الحاضر بأنهم “شعب باطل” ـ لأنهم ليس عندهم نعمة الروح القدس، بل الذين يمكننا أن نقول عنهم في آخر الدهر   « عندما يدخل ملء الأمم » (رو11: 25)، وعندما يحقق إسرائيل الروحي هذه النبوات وتموت نفسه موت الأبرار: حينئذ يقبل الإيمان بالمسيح ووقتها سيقول الإسرائيليون « نحن الذين اعتمدنا في المسيح قد اعتمدنا في موته لأننا دفنا معه بالمعمودية للموت » (رو6: 3ـ 4)، ومن ناحية أخرى سيقولون “إذا كنا قد متنا معه فسنملك معه”. وحينئذ فقط تتحقق لبلعام العقلي النبوة بأنه “نفسه سوف تموت موت الأبرار” وذلك لأنه سيموت روحيًا ويولد من جديد.

 

 

المجوس

أما بالنسبة لقوله ” لتكن آخرتي كآخرتهم ” نستطيع أن نفهمها من تاريخ بلعام، حيث إن “المجوس” الذين « جاءوا من المشرق ليسجدوا ليسوع » (مت2: 1ـ 11)، الذين  يبدو أنهم من نسله سواء كان عن طريق جيل أب إلى ابن، أو كان بالنقل الوراثي للمذهب. وفي الواقع إنهم قد عرفوا “النجم” الذي قد تنبأ عنه بلعام. « ظهور النجم في إسرائيل » (عد24: 17)، وإنهم أتوا لهذا السبب ليسجدوا للملك المولود في إسرائيل. لكن هذا أيضًا ينطبق على الشعب اليهودي، بمقتضى ما قد قلنا أنه ليس اليهود أو نسلهم الذين سيكونون مثل نسل الأبرار، بل الوثنيين الذين آمنوا وتبَّرروا في المسيح. إنه واضح بحسب كلمات الرسول أن « لا الختان ينفع شيئًا ولا الغرلة بل الإيمان العامل بالمحبة » (غلا5: 6). ولا أحد إذًا يفتخر بالختان القديم أو يفتخر بالغرلة الجديدة، بل بحسب كلمة الرسول ليمتحن كل واحد عمله وحينئذ يكون له الفخر من جهة نفسه فقط (غلا6: 4). يقول النبي أيضًا “ها الرجل وأعماله” ، وقيل أيضًا « بأن أجرته معه وجزاؤه أمامه » (إش62: 11)، « ليعطي كل واحد حسب أعماله » (رو6:2)، في المسيح يسوع ربنا « الذي له المجد والسلطان إلى الأبد آمين » (1بط 4: 11).         

 

[1] هذه الملاحظة عن إسرائيل حسب الجسد تؤكد ما سبق وقلناه عن معنى إسرائيل عند أوريجينوس (انظر المقدمة).

[2] انظر العظة الأولى وانظر أيضًا عظة 4.

النبوءة الأولى – العظة الخامسة عشر من عظات أوريجانوس على سفر العدد