أبحاث

الانتقام من المديانيين – العظة الخامسة والعشرون من عظات أوريجانوس على سفر العدد

الانتقام من المديانيين - العظة الخامسة والعشرون من عظات أوريجانوس على سفر العدد

الانتقام من المديانيين – العظة الخامسة والعشرون من عظات أوريجانوس على سفر العدد

الانتقام من المديانيين - العظة الخامسة والعشرون من عظات أوريجانوس على سفر العدد
الانتقام من المديانيين – العظة الخامسة والعشرون من عظات أوريجانوس على سفر العدد

الانتقام من المديانيين

معنى لفظي

1ـ في مقطع سابق رأينا بني إسرائيل يمارسون الفسق مع النساء المديانيات، وأصبحوا ضحايا لعثرة جعلتهم يهينون الرب ويثيرون غضب إله إسرائيل. والآن بعدما عانت إسرائيل عقابها قد كتب ” وكلم الرب موسى قائلاً انتقم نقمة لبني إسرائيل من المديانيين ثم آخر الأمر تُضم إلى قومك ” (عد31: 1-2س).

 

معنى أخلاقي: العثرة

العثرات التي وقع فيها بنو إسرائيل كانت قد حدثت بخداع المديانيين الذين رشوا النساء لكي يغروهم ويجعلوهم يخطئون أمام الرب. لقد نالوا لأجل خطيتهم عقابًا في الحقيقة غير مفرط ومحدود. ولكن المديانيين الذين كانوا سببًا في خطيتهم نالوا عقابًا أكثر شدة.

ومن هنا نتعلم أنه أكثر خطورة أن نكون سبب خطيئة للآخرين من أن نفعلها نحن أنفسنا. هذا ما يعلمنا إياه الرب عندما قال ” خير له لو طوق عنقه بحجر رحى وطرح في البحر من أن يعثر أحد هؤلاء الصغار” (لو17: 2). أحيانًا نستخدم كلمة عثرة بطريقة غير مناسبة. لابد أن نفهمها جيدًا: نقول إن هناك فضيحة عندما يسير إنسان سيرًا مستقيمًا وبالخداع نقوده إلى الخطيئة، عندما نقدم له فرصة للخطيئة.

وهكذا بينما كان الإسرائيليون ” سالكين في شريعة الرب” (مز1:19)، مصدر العفة، حرك المديانيون نساءهم لكي يغروهم بالخطية. إذًا كلمة عثرة تعني تقديم الفرصة للخطيئة. بقى الذين يعثرون الآخرين الذين يقدمون الفرصة للخطيئة، هؤلاء ينالون عقوبة أشد من عقوبة الخطاة أنفسهم.

 

كان لموسى الرجاء بالقيامة

تأمل في نفس الوقت ما يُتلى على الفور بعد ذلك: “وفي آخر الأمر تُضم إلى قومك” (عد2:31س). إذا ما تكلمنا أمام السامريين الذين ينكرون قيامة الأموات ولا يؤمنون بالدهر الآتي سنلاحقهم بأقوال الرب لموسى “أنه سيُضم إلى قومه”. وفي الحقيقة نحن لا نضم بجانب أشخاص لا يوجدون. ومن هنا يتضح أنه يوجد شعب لابد أن ينضم إليه موسى بعد موته. كما أن السامريين لا يؤمنون بالأنبياء الذين من خلالهم نستطيع أن نستخلص كثير من البراهين لصالح الإيمان بقيامة الأموات.

لابد أن نستخلص ما يلزم لأقناعهم وشفائهم من كتب موسى التي استلموها والتي منها يعرفون الحقيقة. ومع ذلك ” داوينا بابل فلم تشفَ ” (أر51: 9). هذا المشهد هو في الذين يثبتون قيامة الأموات بطريقة بديهية لأنه يثبت أن هناك شعب لابد أن يضم إليه موسى بعد موته. ولابد أن يدخل إليه بحسب استحقاقه.

 

قوة التقوى

2ـ بعد ذلك ” وكلم موسى الشعب قائلاً: جردوا منكم رجالاً للحرب فيكونوا على مديان ليجعلوا نقمة الرب على مديان ألفًا واحدًا من كل سبط وجميع أسباط إسرائيل ترسلون للحرب” (عد1:31-4). استمعوا جيدًا هذه القراءة ليست فقط الكلمات التي يجب أن نسمعها، المعنى هو الذي يجب أن نطبقه.

تذكّر الماضي، انتبه للحاضر ولاحظ الذي سيأتي وقُرب الأحداث هكذا وتأمل القوات السمائية. من زمن قريب تقدم بنو إسرائيل بعدد 600 ألف رجل محارب ضد المديانيين ولأن الخطيئة كانت بداخلهم فإن المديانيين المنتصرين الذين حاربوا 600 ألف رجل هُزموا من 12 ألف، لكي نعلم أنه ليس بالكثرة ولا بأعداد الجنود، ينال إسرائيل النصر، ولكن برحمة الرب ينال الظفر، لذلك قيل عن النعمة المسكوبة على الإسرائيليين إنهم لو لاحظوا شريعة الله، واحدًا فإن منهم فقط بتسعة آلاف واثنان يضيفان ألفان في الحرب.

 

عبور إلى المعنى الروحي

هكذا ترى أن صلاة قديس واحد أقوى من جيش لا يحصى من الخطاة ” صلاة البار تنفذ إلى السماء” (سيراخ31:32)، فكيف لا تنتصر على الأرض؟ لذلك يجب أن نبحث أولاً بكل قوتنا لكي نحافظ على ” بر الله ” (مت33:6).

فلو وجدناه وحافظنا عليه لأخضع كل الأعداد بشرط أن نكون كما يقول الرسول ” فاثبتوا ممنطقين أحقاءكم بالحق ولابسين درع البر وحاذين أرجلكم باستعداد إنجيل السلام حاملين فوق الكل ترس الإيمان الذي به تقدرون أن تطفئوا جميع سهام الشرير الملتهبة ” (أف6: 14-17). وبهذا السلاح سيهزم كل معسكر الشيطان وكل أسلحته وسنرتل بثقة ” إن نزل عليَّ جيش لا يخاف قلبي وأن قامت علىَّ حرب ففي بذلك أنا مطمئن” (مر27: 3).

 

موت بلعام

هكذا تجمع 12 ألف ضد المديانيين ” فتجندوا على مديان كما أمر الرب وقتلوا كل ذكر وملوك مديان قتلوهم فوق قتلاهم وبلعام بن بعور قتلوه بالسيف ” (عد31: 7- 8).

بحثنا سابقًا في الكتاب المقدس بخصوص الدليل على أن النساء المديانيات قد أخذن رشوة لقيادة بني إسرائيل للزنا فذلك كان بمشورة بلعام. وها هو قد قتل بالسيف كما أوضح الكتاب المقدس في هذا المشهد، مثل محرض على العثرات التي حدثت لبني إسرائيل. ولكن الباقي سيظهر أكثر وضوحًا: ” وقال لهم موسى هل أبقيتم كل أنثى حية؟ أن هؤلاء كن لبني إسرائيل حسب كلام بلعام بسبب خيانة للرب في أمر فغور فكان الوباء في جماعة الرب ” (عد31: 15-16).

 

فاعلية التوبة

كذلك قتل ملوك مديان: الذين انهزموا أولاً من النساء، الآن بعد أن قدموا التوبة انتصروا على الملوك. فلندرك إذًا كل قوة التحول إلى الله وكل ما نكتسبه من تطهير لخطايانا، كل ذكور وملوك مديان انهزموا وقتلوا من الإسرائيليين الذين أدبهم الرب وأصلحهم بالتوبة. هكذا إذًا هزم خمس ملوك مديانيين أمام الجنود الإسرائيليين بحسب الكتاب المقدس والذي حرص على ذكر أسمائهم ” أوي وراقم وصور وحور ورابع ” (عد31: 8).

 

أوي أو الوحشية

تترجم إلى حيواني، وحشي “ كيف تستطيع أن ترضى من جندك؟” (2تي4:2)، إن لم تنزع منك ولم تقتل العادات الوحشية والحيوانية؟ كيف تستطيع الوصول إلى سعادة الودعاء إذا لم تقتل في البداية أوي، (الوحشية) ولم تقتل الغضب الوحشي حتى الموت؟ وفي رأيي لم يذكر الكتاب المقدس هذه الأشياء لكي يروي حكاية ولكن ينسبها إلى الأشياء الحقيقية.

هل تعتقد حقًا أنه يوجد شخص غبي لكي يعطي لابنه اسم الوحش، لكن أعتقد جيدًا أن النص الإلهي يقصد تعليم النفس ويريد أن يظهر أنه يجب علينا أن نحارب ضد هذه النوعية من الرذائل ونخرجها من المسكن الذي نصبته في لحمنا ونصطاد هؤلاء الملوك من مملكة جسدنا، هذا ما أوضحه مبدأ الرسول حينما قال: “ إذا لا تملكن الخطية في جسدكم المائت” (رو6: 12).

 

الأسماء لها معنى

هل نريد الدليل على أن الأسماء تدل على أشياء حقيقية، ليس فقط عند القديسين، ولكن عند الوثنيين والبرابرة؟ نبدأ بالقديسين: نعلم جيدًا لماذا سمى أبرام إبراهيم ، وساراي سارة، ويعقوب إسرائيل، ولكننا نعلم أن هذه العادة تستخدم أيضًا عند البربر. واحد من أبناء إسرائيل ألم يدعوه والداه يوسف إلا أن عندما ذهب إلى مصر وحضر أمام فرعون غير هذا اسمه، وبدلاً من يوسف دعاه صفنات فعنيح، بما يعني في لغته أنه يحمل الأسرار والأحلام.

ولكن ليس يوسف الوحيد الذي سُمى باسم يدل على شئ. دانيال سُمى في بابل بلطشاصر، وحننيا وميشائيل وعزرا سُموا شدرخ وميشخ وعبدنغو. نرى إذًا أن أسماء الإسرائيليين والبربر لم تُعطَ بالصدفة ولكنها تفسر شيئًا معينًا. وهكذا أيضًا سمى موسى المديانيين بالاسم الذي حكم بأنه يناسبهم، وبحسبه أن ما يسود عند المديانيين هو الوحشية الحيوانية.

 

راقم أو الفراغ

ليس هذا فقط، بل كان لديهم ملك يدعى راقم وفي لغتنا تعني الفراغ. إذا كان الفراغ يسود عند المديانيين وفي الحقيقة يوجد في هذا العالم غرور وفراغ يجب على جنود الرب أن يتجاوزوه ويهزموه وذلك الذي يفوز على الفراغ هو الذي لا يفعل باطلاً ولا شيئًا زائدًا، ولا شئ غير ضروري.

ولنتذكر قول الرب ” إن كل كلمة باطلة يتكلم بها الناس سوف يعطون عنها حسابًا يوم الدين” (مت12: 36). وتقريبًا إن كل ما يقول ويفعله الناس في هذه الحياة هو باطل ولا شئ ويسمى “لا شئ” كل فعل وكل قول لا يوجد فيه شئ للرب ولا لشريعة الرب.

 

حور أو الإثارة

يوجد أيضًا ملك أخر لمديان، وهو حور الذي يترجم إثارة، نرى من هم ملوك مديان، الأعداء الذي يجب أن نحاربهم أو بالأولى فإن الباحثين عن الله يجب عليهم هدم وقتل هؤلاء الأعداء لأن أسماء الملوك الذين تحملهم الشريعة أقل من أسماء الرذائل التي تسود على البشر، ووصف الحروب ضد الأمم أقل من شهوات الجسد التي تتمرد على النفس.

 

الرذائل تأتي من خمس حواس: المعنى الروحي

موجز ما يقال عن الرذائل في الكتاب المقدس هو “خمس ملوك”، لكي نتعلم جيدًا أن كل الرذائل التي تسود على الجسد تعتمد على واحدة من الحواس الخمس. لابد إذًا من قتل الحواس الخمس من مملكة المديانيين لكي يسود البر مكان الرذائل، ونحصل على البر بدلاً من العثرات. لأن عند المديانيين كانت هذه الحواس تسود لكي تعثر وتغري، ولذلك أمر الرب ” فإن كانت عينك اليُمنى تعثرك فأقلعها ” (مت29:5)، ” وأن أعثرتك يدك فأقطعها ” (مر43:9).

ونرى أنه أيضًا يأمر بقطع وقتل الملوك المحرضين على العثرات ” لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يلقى جسدك كله في جهنم” (مت29:5). وهو هنا لا يأمرنا بأن نقلع عين في جسدنا ولا بأن نقطع اليد أو الرجل لكنه يشير إلى إعثار الشهوات الجسدانية، لكي “ترى أعيننا الأشياء الجيدة، وتسمعها أذاننا، لكي يتلذذ مذاقنا بكلام الله ولكي تجس أيدينا وتلمس كلمة الله”.

وهكذا بعد موت الملوك المديانيين وبتر الشهوات المعثرة يسود البر في شخص إلهنا يسوع ” ومنه أنتم بالمسيح يسوع الذي صار لنا حكمة من الله وبر وقداسة وفداء ” (1كو1: 3).

 

تقسيم الغنيمة: المعنى اللفظي

هكذا أيضًا بأمر الرب أقام بنو إسرائيل الحرب ضد المديانيين وجلبوا غنيمة هامة. وزن ضخم من الذهب والفضة، وأشياء أخرى وعدد كبير من البهائم والأسرى.

ولكن بما أن كل ذلك كان غير نقي عند الإسرائيليين وطُبق على كل نوع من الأشياء تطهير مناسب: كل ما هو نجس طُهِر بالنار،( والسريع الانصهار الذي لا يتحمل النار كان يجب أن يطهر بالماء) وجعلوا من كل الغنيمة قسمين متساويين. واحد للذين ذهبوا للحرب والآخر للذين بقوا في المعسكر. وأيضًا أعطى أمرًا باستخراج القرابين للرب: للذين ذهبوا للحرب رأس غنم على خمسمائة، والذين جلسوا في المعسكر واحد على خمسين، هذا هو مضمون القصة.

 

المعنى الروحي: جنود الرب والحرب الروحية

ولكن لنرَ مضمون المعنى الروحي كما قال الرسول، يوجد في شعب الله أشخاص هم جنود الرب (انظر1تي2: 3-4)، الذين لا يرتبكون بأمور الحياة. هؤلاء هم الذين يمشون في الحرب ويقاومون الأمم المعادية والأرواح الشريرة لباقي الشعب وكذلك العاجزين الذين يمنعهم السن أو الجنس أو الضعف.

هم يدافعون بالصلاة والصوم والبر والرحمة واللطف والعفة. كل فضائل التعفف أفادتهم كأسلحة للحرب. ولما رجعوا منتصرين في المعسكر افادوا بأعمالهم حتى غير المحاربين وغير المدعوين للحرب أو الذين لا يستطيعون أن يحاربوا.

ولكن لابد أن نعرف أن كل الغنائم التي أُخذِت من هذه الأمم، غير طاهرة. كذلك كل ما نقبله من العالم أو الذي نحصل عليه فهو غير طاهر. ويلزمه تطهير، وبعض الأشياء بتمريرها بالنار وبعضا في تطهيرها بالمياه. ونأخذ أيضًا للحرب أشخاصًا وبهائمًا عندما ” نستأثر كل فكر إلى طاعة المسيح” (2كو1: 5)، لأن كل ما أخذناه نقدمه قرابين للرب. وفي الحقيقة لابد أن نحارب مع كلمة الرب لكي نستطيع أن نستأثر فكر الذين تبعدهم آرائهم عن المسيح ونقودهم ” لطاعة المسيح “.

ولكن قليلون جدًا الذين يستطيعون أن يحاربوا ويقودون جيدًا في كل هذه المعارك. 600 ألف وأكثر محاربون للرب اختير منهم 12 ألف فقط والآخرون تُركِوا في المعسكر.

والآن نتأمل شعب الله بداخل الكنيسة كم فيهم يستطيعون الدفاع عن الحق، والذين يستطيعون الثبات أمام المناقضين الذين يعرفون أن يحاربوا بالكلام؛ سعداء هم الذين يستطيعون أن يحاربوا عن كل الشعب ويدافعوا عن أسرة الرب، ويجلبوا غنيمة وافرة من الأعداء.

أما بالنسبة للآخرين غير المحاربين، فإذا جلسوا هادئين في المعسكر وحافظوا على الهدوء والصمت ولم يبعدوا عن موسى ولكن بقوا ثابتين في شريعة الله، سينالون هم أيضًا جزاءً من الغنيمة، لأن التقسيم سيكون بالعدل وليس بالعدد. والمتبقي من الشعب نعطيه للـ 12 ألف الذين سمح انتصارهم بأخذ الغنائم.

من إذًا عندما يسمع ذلك، لا يشعر أنه دُعى في جيش الله، ومن لا يشعر أنه مليئ بالحماس للدفاع عن الكنيسة ولمقاومة أعداء الحق والذين يهاجمون عقائد الكنيسة أو الذين يقدمون للناس نصائح للهوى وللشهوة؟ أن من يزيحهم من أماكنهم ويقتل الرذائل في داخله، سيحصل على قدر كبير من الغنيمة: خمسون مرة أكثر من الآخرين. في الحقيقة 12ألف ×50 مرة = 600 ألف.

 

التقدمات للرب: عدد مقدس

في كل الأحوال لابد أن يُعطىَ قسمًا للشعب تقدمات للرب ” الذين ربحوا خمسمائة والذين بقوا بمنازلهم خمسون” (عد28:31). خمسمائة وخمسون هي أعداد مقدسة بشهادة الكتاب المقدس. فمثلاً قال المخلص في الإنجيل ” كان لمداين مديونان على الواحد خمسمائة وعلى الآخر خمسون وإذا لم يكن لهما ما يوفيان سامحهما جميعًا ” (لو7: 41-42)، 7 أسابيع + 1 = [يوم الخمسين الذي هو عيد] العنصرة [حلول الروح القدس]، سبعين × 7 يكملن بعشرة يعطوا الرقم 500 ولكن بقدر ما يتعدى الـ 70 الـ 7 في القدر بقدر ما يتعدى 500 في القدر والبر العدد 50.

 

رجال الفضيلة

في الدرس السابق لم يتكلم الكاهن العازار لكل الشعب ولكن للذين رجعوا من الحرب فقط ونقرأ هكذا ” قال العازار لرجال الجند الذين ذهبوا للحرب” (عد21:31)، تراه إذًا يتوجه “لرجال الفضيلة” بكلمة الرب، لأن رجال الفضيلة هم الذين يذهبون للحرب الذين إذًا لا يريدون الدفاع ولا أقامة الحرب، لو لم نرد الدفاع عن الدروس الإلهية وضبط النفس.

نرفض تكملة قاعدة الرسول ” كل من يجاهد يضبط نفسه في كل شئ ” (1كو25:9)، الذي لا يحارب ولا يضبط نفسه في كل شئ لا يريد أن يتدرب على قول الرب ” وفي ناموسه يلهج نهارًا وليلاً ” (مز2:1) هذا يسمى إنسانًا، وليس “إنسان الفضيلة”.

وفي الحقيقة هذه العلاقة الجليلة للتميز التي أمر بها الكتاب المقدس عندما قال “ذهب الكاهن العازار لرجال الحرب العائدين من القتال”، من منا على استعداد للذهاب للحرب والدفاع ضد الأعداء لكي يدعى رجل الجند، ولأن الحياة القاسية في أعمال ضبط النفس في القتال البدني تمنح الحق في لقب رجل الجند.

وعلى عكس فإن الحياة الكسولة المهملة والمتراخية تستحق تسمية رجل الرخاوة. وإذا أردت حقًا أن تدعى رجل الحرب ” ألبسوا الرب يسوع ” (رو13: 14)، الذي هو ” قوة الله وحكمة الله ” (1كو1: 24)، وفي كل شئ اتحد بالرب حتى يُقال: “ روح واحد معه ” (أف4:4)، إذن ستصبح ” رجل الجند “، أي رجل الفضيلة.

 

الملائكة تراعي استحقاقنا

الوقت الذي نمضيه في هذا العالم هو وقت حرب وصراع ضد المديانيين. أي ضد رذائل جسدنا، أي ضد القوات المعادية. إن خوارس الملائكة ينظرون إلينا، القوات السمائية ينظرون إلينا متوقعين منا التقوى. هم يراقبون عودة النزاع. يلاحظون كيف نعود، وما هي كمية الغنيمة التي يجلبها كل شخص، وينظرون باهتمام وبغاية الدقة يختبرون من منا يجلب الذهب أو الفضة أو الأحجار الكريمة. ويبحثون أيضًا إذا لم يكن أحد قد جلب البرونز والحديد أو الرصاص.

وينظرون آنية من الخشب أو التراب أو الطين أو أي شئ آخر لازم لتدبير بيت كبير ” لأن في بيت كبير ليس آنية من ذهب أو فضة فقط بل من خشب وخزف أيضًا ” (2تي20:2). عندما نذهب هناك سيوجد تحقيق شديد على ما يجلبه كل واحد وبحسب ما يجلبه وبحسب المجهود الذي يتضح من الغنائم التي يظهرها. وفي ذلك الحين، فإن ما يثبت أمام النار يُمتحن بالنار، ويتطهر بالماء الذي يذهب للماء ” لأنه بنار يستعلن وتمتحن النار عمل كل واحد ما هو” (1كو3: 13).

 

(تطهير) تنقية الغنيمة

لذلك قيل ” هذه فريضة الشريعة التي أمر بها الرب موسى الذهب والفضة والنحاس والحديد والقصدير والرصاص كل ما يدخل النار فتجيزونه في النار فيكون طاهرًا غير أنه يتطهر بماء النجاسة، وأما كل ما لا يدخل النار فتجيزونه في الماء وتغسلون ثيابكم في اليوم السابع فتكونون طاهرين وبعد ذلك تدخلون المحلة ” (عد31: 21- 24).

ونرى أن كل ما يخرج من صراع هذه الحياة يلزمه تطهير. لو كان الأمر هكذا واتجرأ واستند على سلطة الكتاب المقدس، عند الخروج من هذه الحياة لا أحد يستطيع أن يكون نقيًا تماما. حقًا نراعي باهتمام الذي تعنيه هذه القصة. لقد خرجوا يدافعون عن بني إسرائيل وقتلوا المديانيين وإذا بلغنا بقية القصة، عندما فعلوا ذلك كانوا قد أرضوا الرب، لأنهم عملوا إرادته.

ولكن الفعل نفسه الذي فيه قتلوا الأعداء كانوا غير أنقياء وبسبب ذلك قيل لهم “تغسلون ثيابكم في اليوم السابع فتكونون طاهرين وبعد ذلك تدخلون المحلة” هكذا تنجس المحاربون بهذا الذي لمسوه من الأعداء الغير طاهرين الذين قابلوهم وحاربوهم.

 

المعنى الروحي: التطهير بعد الانتصار على إبليس

أنا أيضًا حتى لو استطعت أن أغلب الشيطان وأصّد الأفكار غير الطاهرة والسيئة التي يلقيها في ذهني، أو إذا توغلت بداخلي أقتلها لكي أتحاشى الضرر، حتى لو استطعت أن أدوس الحيات في ذلك الحين فأنا حتمًا أتنجس، لأني اتصلت بالدنس وما هو غير طاهر، وسأكون سعيدًا لأنني استطعت غلبته، وأن أكون غير طاهر ونجس بملامسة الكائن غير الطاهر، لذلك يلزمني تطهير.

لذلك قال الكتاب المقدس ” من يخرج الطاهر من النجس. لا أحد ” (أي14:4)، يلزمنا جميعًا تطهير. ماذا أقول؟ عدة تطهيرات لأنه ينتظرنا تطهير مختلف الأنواع ولكن توجد هنا أشياء خفية لا توصف.

في الحقيقة من يستطيع أن يذكر التطهيرات التي تنتظر بطرس وبولس والمتمثلين بهما، هؤلاء حاربوا كثيرًا والذين هزموا كثيرًا من أمم البرابرة. وصارعوا أعداء كثيرين وأخذوا غنائم كثيرة وجلبوا انتصارات كثيرة. وهم الذين رجعوا وأيديهم محمرة من مذبحة الأعداء الذين صبغت أرجلهم بالدم ويداهم غسِلتْ بدماء الخطاة، لأنهم “باكرًا أبادوا جميع أشرار الأرض” (انظر مز101: 8).

وقطعوا كل فاعلي الإثم من مدينة الرب” (مز72: 2س). لقد انتصروا واستأصلوا كل أجناس الشرير. فلو لم يكونوا قد غلبوهم لما كانوا قد استطاعوا أن يأسروا كل هذا الجمهور الكبير من المؤمنين “ ويستأثروهم إلى طاعة المسيح” (2كو10: 5) ويضعوا عليهم ” حمله الخفيف ” (مت11: 30).

فمن هو السعيد ليتتبعهم في جهادهم، ويقتل المديانيين ويتبرر بدمهم؟ لأننا نقول إنهم يسيلون دم الشرير (الشيطان) هذا الذي يزعج أسراهم. فهذا يغتسل بذلك الدم ويتطهر في ملكوت الله. فعندما يكون طاهرًا ونقيًا من الدنس، يستطيع أن يدخل في مدينة القديسين التي فيها يفتح لنا يسوع المسيح ربنا، الباب. ماذا أقول؟ أنه هو نفسه ” باب مدينة الله، وله المجد إلى دهر الدهور آمين” (رو1: 26).

 

الانتقام من المديانيين – العظة الخامسة والعشرون من عظات أوريجانوس على سفر العدد