أبحاث

طاعة الوصية – إنجيل لوقا 6 ج4 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

طاعة الوصية - إنجيل لوقا 6 ج4 - ق. كيرلس الإسكندري - د. نصحى عبد الشهيد

طاعة الوصية – إنجيل لوقا 6 ج4 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

طاعة الوصية - إنجيل لوقا 6 ج4 - ق. كيرلس الإسكندري - د. نصحى عبد الشهيد
طاعة الوصية – إنجيل لوقا 6 ج4 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

(لو 6: 46ـ 49) ” وَلِمَاذَا تَدْعُونَنِي: يَارَبُّ، يَارَبُّ، وَأَنْتُمْ لاَ تَفْعَلُونَ مَا أَقُولُهُ؟ كُلُّ مَنْ يَأْتِي إِلَيَّ وَيَسْمَعُ كَلاَمِي وَيَعْمَلُ بِهِ أُرِيكُمْ مَنْ يُشْبِهُ. يُشْبِهُ إِنْسَانًا بَنَى بَيْتًا، وَحَفَرَ وَعَمَّقَ وَوَضَعَ الأَسَاسَ عَلَى الصَّخْرِ. فَلَمَّا حَدَثَ سَيْلٌ صَدَمَ النَّهْرُ ذلِكَ الْبَيْتَ، فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُزَعْزِعَهُ، لأَنَّهُ كَانَ مُؤَسَّسًا عَلَى الصَّخْرِ. وَأَمَّا الَّذِي يَسْمَعُ وَلاَ يَعْمَلُ، فَيُشْبِهُ إِنْسَانًا بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الأَرْضِ مِنْ دُونِ أَسَاسٍ، فَصَدَمَهُ النَّهْرُ فَسَقَطَ حَالاً، وَكَانَ خَرَابُ ذلِكَ الْبَيْتِ عَظِيمًا ” .

          يوجد ” رب واحد، إيمان واحد، معمودية واحدة” فهكذا يكتب بولس الحكيم (أف4: 5)، لأن اسم الربوبية وحقيقتها كلاهما خاصين فقط بتلك الطبيعة التي تفوق الكل، وهي العالية جدًّا، وتحكم كل الأشياء. فهكذا يقول عنه بولس أيضًا في موضع آخر:    ” لأنه وإن وُجد آلهة كثيرون في السماء أو على الأرض، لكن لنا إله واحد الآب الذي منه جميع الأشياء ونحن له. ورب واحد يسوع المسيح الذي به جميع الأشياء ونحن به” (1كو8: 5، 6). ولذلك حيث إننا نعترف بالله والكلمة وحده الذي يملك مع الله الآب، أى نعترف به بالطبيعة وبالحقيقة أنه الرب. فتبعًا لذلك نحن نُعطي هذا الاسم له. ولكنه هو يسأل ” لماذا تدعونني يا رب ولكنكم لا تفعلون ما أقوله؟” لأنه إن كان لا يملك سلطانًا حقيقيًّا، ولا مجد الربوبية، بل على العكس إن كانت الربوبية ممنوحة له من الخارج ومعطاة له كنعمة، فعندئذ لا تقدم له خضوعك. وعندئذ ترفض خدمته، ولا تقبل أن تكون تحت سلطانه كرب لك. ولكن إن كان حقًّا بالمعنى الدقيق هو الرب، وكل طبيعة المخلوقات تنحني تحت صولجانه وهي مثل شيء موضوع تحت قدمي سيده، فحينئذ قدِّم له ما هو حق له. اِقبل النير وقدِّم له طاعتك كحق له، لكي لا تسمعه يوجِّه لومًا لك بالكلمات التي نطقها أحد الأنبياء القديسين للقدماء “ الابن يكرم أباه والعبد يكرم سيده. فإن كنت أبًا فأين كرامتي، وإن كنت سيدًا فأين هيبتي قال رب الجنود؟” (ملا1: 6).

          بل تعالوا ودعونا نرى، بواسطة ما يحدث بيننا، اللوم الذي نصير معرَّضين له بسبب عدم الطاعة. فنحن أنفسنا متعودون أن نطلب من خدمنا طاعة ممزوجة بالخوف، وحينما يتمردون ويطرحون عنهم نير العبودية فنحن نخضعهم بالقيود والتعذيبات والجلد. لذلك، فإن كنا نحن الذين على الأرض ونحن بالطبيعة إخوة لأولئك الذين ينحنون تحت النير، لا نستطيع أن نحتملهم حينما يتمردون، فكيف سيحتمل الله تمردنا، وهو الذي تعبده الرئاسات، والعروش والربوبيات، والذي في حضرته يقف السرافيم الممجدون جدًّا يقدمون له خدمتهم باستعداد؟ لأن داود الإلهي يقول عنهم في المزامير ” باركوا الرب يا جميع ملائكته، السامعين صوت كلامه. باركوا الرب، يا جميع جنوده، خدامه العاملين مرضاته” (مز103: 20، 21).

          لذلك فإنه خطر وأمر يستحق دينونة نهائية أن يكون الإنسان غير راغب في الخضوع للمسيح القدير. أما أولئك الذين يُجِلُّون خدمته فسينالون بركات ممتازة جدًّا. لأنه قد قال بواسطة أحد الأنبياء القديسين لأولئك الذين يهربون من نيره ولا يخضعون ليكونوا تحت سلطانه ” هوذا عبيدي يأكلون وأنتم تجوعون، هوذا الذين يطيعونني يترنمون من طيبة القلب وأنتم تصرخون من كآبة القلب ومن انكسار الروح تولولون” (إش65: 13، 14). فها أنت ترى أن تاج أولئك الذين يحملون النير، نير الخدمة هو جميل جدًّا، ويستحق أن يُقتنَى، وهو ثمين جدًّا بينما الباقون يُحكَم عليهم بدينونة شديدة ومتنوعة.

          وفي مكان آخر أيضًا يمكنك أن ترى الخادم الحقيقي يُزيَّن بكرامة فائقة، بينما غير المطيع والمهمل فإنه يُرفض بخزي، أو بالحرى يُطرَح إلى الظلمة الخارجية. لأن الذين أخذوا الوزنات وضاعفوا ما أُعطى لهم فإن صاحب الوزنات كرَّمهم ومدحهم، لأنه قال لكل واحد منهم “ أيها العبد الصالح والأمين كنت أمينًا في القليل فأقيمك على الكثير، أدخل إلى فرح سيدك” (مت 25: 23). أما الذي أخفى الوزنة في الأرض كغير محب للخدمة وكسلان فإنه حكم عليه بعقوبة شديدة لا مفر منها.

          وفي موضع آخر قال أيضًا ” فمن هو العبد الأمين الحكيم الذي أقامه سيده على خدمه ليعطيهم الطعام في حينه. طوبى لذلك العبد الذي إذا جاء سيده يجده يفعل هكذا. الحق أقول لكم إنه يقيمه على جميع أمواله” (مت24: 45، 46).

          لذلك فأولئك الذين يحفظون إرادة مخلصنا، يصيرون ممجدين، ويستحقون أن يحاكيهم الآخرون، وأن يُزيَّنوا بالمديح بسبب أمانتهم، بل وأكثر من ذلك فإنهم يحصلون على اسم يُعطَى لهم لأنه قد قال عنهم في موضع مُعيَّن: “والذين يخدمونني سيُدعى عليهم اسم جديد، الذي هو مبارك على الأرض” (إش65: 15س).

          وتوجد أيضًا نقطة أخرى أظن أنها ينبغي أن تضاف لما سبق أن قلناه، وهي أنه بالرغبة في الخضوع لكلمات مخلصنا وخدمته، فإننا سنربح في المقابل كرامة الحرية بقرار منه. لأنه قال لأولئك الذين يؤمنون به ” إن ثبتم في كلامي فبالحقيقة تكونون تلاميذي وتعرفون الحق والحق يحرركم” (يو8: 31، 32). لذلك فنحن نربح مجد الحرية بواسطة الخضوع، أي بعبوديتنا له. فهذا يجعلنا أبناء وورثة الله، وشركاء مع المسيح في الميراث الذي يشهد عنه المسيح نفسه قائلاً ” كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية، والعبد لا يبقى في البيت إلى الأبد، أما الابن فيبقى إلى الأبد، فإن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارًا” (يو8: 34).

          لذلك فالرغبة في الخضوع للرب هي التي تأتي بنا إلى الحرية، وإلى الكرامة التي هي امتياز الأبناء الخاص. أما عدم الطاعة فيضعنا وينزل بنا إلى عبودية وضيعة ومخزية حسب القول الحق الأكيد ” إن كل من يفعل الخطية هو عبد للخطية” (يو34:8).

          ولكن قد يقول واحد، نعم إن الطاعة للمسيح هي أمر ممتاز جدًّا وتستحق أعلى تقدير لكنها ليست على أي حال أمر سهل، لأن هناك الكثير الذي يقف في طريقنا ويمكن أن يطفئ غيرتنا. وأنا أقول أيضًا نعم لأنه أول كل شيء فإن الشيطان يقاوم كل ما هو جليل، والجسد في ميله إلى اللذة يحارب ضد الروح ” وهذان يقاوم أحدهما الآخر” حسب تعبير بولس الحكيم (غلا5: 17). وناموس الخطية الذي في الأعضاء يقاوِم بضراوة ومرارة. لأني أعرف أن بولس الذي كان متعلمًا في الناموس يناقش هذه الأمور بروعة، لأنه قال ” فإني أُسر بناموس الله حسب الإنسان الباطن، ولكني أرى ناموسًا آخر في أعضائي يحارب ناموس ذهني ويسبيني إلى ناموس الخطية الكائن في أعضائي” (رو7: 22، 23). ويقول أيضًا ” إذًا أنا نفسي بذهني أخدم ناموس الله ولكن بالجسد ناموس الخطية” (رو7: 25). وإلى جانب ذلك يوجد ميل قوي في عقل الإنسان يجعل الإرادة تضل وراء اللذات ويولد سرورًا بالشهوات العالمية، ويبعد الإرادة عن حُب التعب في سبيل الفضيلة، فهل بسبب هذا نرفض خدمتنا للمسيح؟ هل هو يأمر بأي شيء مستحيل ولا يمكن عمله؟ وهل يطلب منا شيئًا يفوق حدود طبيعتنا؟ ومَن الذي يتجاسر أن يقول هذا.

          لأنه بالتأكيد يجعل كل ما يوصينا به، يتكيَّف مع عقولنا، لذلك حينما تخبرني عن صعوبة الطاعة، فإني أقول لك أيضًا هل الأمور العظيمة والممتازة تأتي بسهولة؟ وهل أولئك الذين يسعون أن يقتنوها ينجحون بدون جهد؟ أم بالعكس فإن هذه الأمور يتم الوصول إليها بالجد والأتعاب؟ فمن هم الرجال الذين يربحون الإكليل عادة في جهاد المباريات؟ هل هم الذين كرسوا أنفسهم كلية للمهارة في فن الكفاح وقد اجتازوا في أتعاب مريرة، لأنهم يحتملون كل شيء حسب تعبير القديس بولس (1كو9: 25)، أم على العكس هم الكسالى والمُتنعِّمون الذين لا يعرفون بالمرَّة ما هو مناسب للرياضيين؟

          ومَنْ من أولئك الذين يفلحون الأرض تكون آلة الدراسة عندهم مملوءة بالحِزَم؟ هل هم أولئك الذين يهملون الحرث ولا يقومون بالتعب الشديد الذي للمعول، أم على العكس هم المجتهدون والكادحون الذين يلازمون الأتعاب الضرورية للحصول على محصول وفير؟ الجواب معروف، حتى لو لم ينطق به أحد، إنهم أولئك الذين لهم إرادة العمل وليس أولئك الذين يحبون الراحة، هم الذين تكون لهم حياة سعيدة ولا ينقصهم شيء لازم للحياة الهادئة. والمُرنِّم أيضًا يشهد لهذا في أحد الفقرات التي يذكر فيها الذين يفلحون الأرض كمثال لشيء آخر فيقول: “ كانوا يسيرون بالدموع حاملين بذارهم ويعودون بالفرح حاملين حزمهم” (مز125: 6س). لذلك فالفرح هو ثمرة التعب.

          وبالإضافة إلى ذلك، فإن الرب نفسه يحثنا على محبة الجهد في كل سعي يستحق المدح، إذ يقول ” ادخلوا من الباب الضيق لأنه واسع الباب ورحب الطريق الذي يؤدي إلى الهلاك. ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذي يؤدي إلى الحياة ” (مت7: 13، 14). لذلك لاحظوا أن الطريق الضيق يؤدي إلى الحياة، بينما النزول السهل في الطريق الواسع يؤدي بالناس إلى اللهيب والعذابات التي لا تنتهي.

          لذلك فإن كنا ندعو المسيح مخلصنا جميعًا، يا رب، فلنعمل الأشياء التي يقولها لنا. لأنه هو نفسه يُعلِّمنا ما هي المنفعة من رغبتنا في أن نعمل ما أُوصينا به، وما هي الخسارة الناتجة من رفضنا أن نطيع، لأنه يقول ” كل من يسمع كلامي ويعمل به يشبه إنسانًا يبني بيتًا ويحفر ويعمِّق ويضع الأساس على الصخر“، أما الذي لا يطيع فهو مثل إنسان يبني بيتًا ولكنه لم يعتنِ بثباته. لأن الذي يطيع ويخضع يكون له وضع ثابت في كل شيء كريم وصالح، لأنه لا يكون سامعًا للناموس فقط، بل عاملاً به، لذلك فهو يشبه بيت مبني بثبات وله أساس لا يمكن أن يتزعزع حتى إن ضغطت عليه التجارب وحتى إن هاجمته الشهوات الساكنة فينا مثل سيل شتوي، أو مِثل طوفان فإنه سوف لا يخسر. أما الذي يميل بسمعه فقط إلى ما يقوله المسيح ولكن لا يحتفظ بشيء في عقله ولا يعمل شيئًا مما أوصى به، فإنه يكون مثل بيت مستعد للسقوط، لأنه سينحرف في الحال إلى أمور غير لائقة حينما تغريه اللذة وتقوده إلى مهاوي الخطية.

          لذلك فإن طاعة المسيح كما نؤكد، تأتي بنا إلى كل بركة. وإن كنا نتممها بلا لوم فإن المسيح سوف يتوِّجنا بنعمته، الذي به وله مع الله الآب التسبيح والسلطان مع الروح القدس إلى دهر الدهور آمين.

 

طاعة الوصية – إنجيل لوقا 6 ج4 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد