أبحاث

إقامة ابن أرملة نايين – إنجيل لوقا 7 ج2 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

إقامة ابن أرملة نايين – إنجيل لوقا 7 ج2 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

إقامة ابن أرملة نايين – إنجيل لوقا 7 ج2 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

إقامة ابن أرملة نايين – إنجيل لوقا 7 ج2 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
إقامة ابن أرملة نايين – إنجيل لوقا 7 ج2 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

(لو7: 11ـ17) “ وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي ذَهَبَ إِلَى مَدِينَةٍ تُدْعَى نَايِينَ، وَذَهَبَ مَعَهُ كَثِيرُونَ مِنْ تَلاَمِيذِهِ وَجَمْعٌ كَثِيرٌ. فَلَمَّا اقْتَرَبَ إِلَى بَابِ الْمَدِينَةِ، إِذَا مَيْتٌ مَحْمُولٌ، ابْنٌ وَحِيدٌ لأُمِّهِ، وَهِيَ أَرْمَلَةٌ وَمَعَهَا جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنَ الْمَدِينَةِ. فَلَمَّا رَآهَا الرَّبُّ تَحَنَّنَ عَلَيْهَا، وَقَالَ لَهَا:لاَ تَبْكِي. ثُمَّ تَقَدَّمَ وَلَمَسَ النَّعْشَ، فَوَقَفَ الْحَامِلُونَ. فَقَالَ: أَيُّهَا الشَّابُّ، لَكَ أَقُولُ: قُمْ!. فَجَلَسَ الْمَيْتُ وَابْتَدَأَ يَتَكَلَّمُ، فَدَفَعَهُ إِلَى أُمِّهِ. فَأَخَذَ الْجَمِيعَ خَوْفٌ، وَمَجَّدُوا اللهَ قَائِلِينَ:قَدْ قَامَ فِينَا نَبِيٌّ عَظِيمٌ، وَافْتَقَدَ اللهُ شَعْبَهُ. وَخَرَجَ هذَا الْخَبَرُ عَنْهُ فِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَفِي جَمِيعِ الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ “.

لاحظوا كيف يضيف معجزة إلى معجزة، ففي المعجزة السابقة، وهي شفاء عبد قائد المئة حضر هناك بناء على دعوة، أما في هذه المعجزة فإنه يقترب بدون أن يُدعى، إذ لم يدعوه أحد أن يعيد الإنسان الميت إلى الحياة، بل هو يأتي ليفعل هذا من تلقاء نفسه. ويبدو لي أنه قصد أن يصنع هذه المعجزة بعد المعجزة السابقة، لأنه ليس أمرًا بعيد الاحتمال أن نفترض أنه في وقت أو آخر يمكن أن يقول أحد معارضًا مجد المخلص هكذا: “أية أعجوبة حدثت في حالة عبد قائد المئة؟ فرغم أنه كان مريضًا فهو لم يكن في خطر الموت رغم أن الإنجيلي كتب ذلك مُشكِّلاً على أساس ما يرضي وليس على أساس ما هو حقيقي”. لذلك فلكي يوقف اللسان الرديء لمثل هؤلاء المهاجمين يقول الإنجيل إن المسيح قابل الشاب الميت الابن الوحيد للأرملة. إنها كارثة مثيرة للشفقة، وتستطيع أن تثير الرثاء وتجعل دموع الإنسان تفيض. فكانت المرأة ومعها كثيرون، تتبع الميت مذهولة بمحنتها وخائرة.

 

كان الإنسان الميت في طريقه للدفن وكان أصدقاء كثيرون يُشيِّعونه إلى قبره، ولكن هناك يقابله الحياة والقيامة وأعنى المسيح نفسه، لأنه هو محطِّم الموت والفساد، هو الذي ” به نحيا ونتحرك ونوجد” (أع17: 28). هو الذي أعاد طبيعة الإنسان إلى ما كانت عليه أصلاً. فهو الذي حرَّر جسدنا المشحون بالموت من رباطات الموت. لقد تحنن على المرأة، ولكي يوقف دموعها أمر قائلاً “لا تبكي”، وفي الحال أبطل سبب بكائها. كيف وبأية وسيلة؟ إنه لمس النعش وبواسطة نُطق كلمته الإلهية جعل الذي يرقد ميتًا في النعش يعود إلى الحياة، لأنه قال: ” أيها الشاب لك أقول قم“، وفي الحال حدث ما أمر به. فان تحقيق ما حدث كان ينتظر كلماته. ويقول الإنجيل “ فجلس الميت وبدأ يتكلم فدفعه إلى أمه“.

 

أرجو أن تلاحظوا هنا أيضًا دقة التعبير لأن الإنجيل الإلهي لا يقول فقط إن الإنسان الميت جلس لئلا يهاجم أحد المعجزة بمناقشات زائفة بقوله: ” أي أعجوبة هنا إن كان بواسطة حيلة بارعة أو أخرى يجعل الجسد يجلس لأنه لم يتبرهن بعد أنه حي أو تحرر من رباطات الموت “. لهذا السبب فالإنجيل يُسجِّل بمهارة برهانَين واحدًا بعد الآخر كافيَين للإقناع أن الشاب قام بالحقيقة وعاد للحياة فيقول: “فبدأ يتكلم”، والجسد الغير حي لا يستطيع الكلام، وأيضًا، “دفعه إلى أمه”. وبالتأكيد فإن المرأة لم تكن لتأخذ ابنها إلى بيتها لو كان ميتًا.

 

لذلك فأولئك الأشخاص الذين أعيدوا إلى الحياة بقوة المسيح نتخذهم كعربون للرجاء المعد لنا بقيامة الأموات، وهؤلاء كانوا هم: هذا الشاب ابن الأرملة، ولعازر الذي من بيت عنيا، وابنة رئيس المجمع. وهذه الحقيقة سبق أن بشَّر بها جماعة الأنبياء القديسين، لأن إشعياء المبارك يقول” الموتى سيقومون، وأولئك الذين في القبور سيعودون إلى الحياة، لأن الطل الذي منك يشفيهم” (إش26: 19س)، لأنه يقصد بالطل فاعليَّة المسيح المعطيَة للحياة، التي هي بواسطة الروح القدس. والمرنم يشهد متكلمًا بخصوصهم بكلمات موجَّهة إلى الله مخلِّصنا جميعًا قائلاً: ” تحجب وجهك فترتاع…. وإلى ترابها تعود، تُرسل روحك فتخلق، وتُجدد وجه الأرض” (مز104: 29، 30). لأنه بمعصية آدم صارت وجوهنا محجوبة عن الله وصرنا نعود إلى التراب. لأن قصاص الله على الطبيعة البشرية هو “ لأنك تراب وإلى التراب تعود” (تك3: 19)، ولكن في نهاية هذا العالم فإن وجه الأرض سيتجدد لأن الله الآب بالابن في الروح سوف يعطي حياة لكل أولئك الراقدين في داخلها.

 

إن الموت هو الذي أتى بالناس إلى الشيخوخة والاضمحلال، لذلك فالموت كما لو كان قد صيَّرنا شيوخًا وجعلنا نضمحل، لأن “ما عتق وشاخ فهو قريب من الاضمحلال” كما يقول الكتاب (عب8: 13). ولكن المسيح يُجدد لأنه هو الحياة. فإن ذاك الذي خلق في البداية يستطيع أيضًا أن يُجدد إلى عدم الفساد والحياة، لأنه يمكن أن نؤكد أن هذا هو عمل نفس الطاقة والقوة أن يفعل الأمرين الواحد والآخر (أي الخلق والتجديد)، لذلك فكما يقول إشعياء النبي ” ابتلع الموت إذ هو مقتدر“، وأيضًا ” الرب يمسح كل الدموع عن كل الوجوه. هو ينزع عار الشعب عن كل الأرض” (إش25: 8س). ويقصد بعار الشعب الخطية التي تلحق الخزي بالناس وتفسدهم، والتي ستُباد هي والهلاك، وسيتلاشى الحزن والموت وتكف الدموع التي تُذرف بسببه.

 

لذلك لا تكونوا غير مصدقين لإقامة الموتى، لأنه منذ زمن بعيد تمَّم المسيح هذا في وسطنا بجلال إلهي، ولا تدعوا أحدًا يقول إن من أقام اثنين مثلاً أو ثلاثة لا يكون كافيًا أيضًا لحياتنا جميعًا. مثل هذه الكلمات التي تفوح منها رائحة الجهل المطلق هي كلمات سخيفة مضحكة، بل هو صواب بالحري أن نفهم أن المسيح هو الحياة ومعطي الحياة بالطبيعة، وكيف يمكن أن تكون الحياة بالطبيعة غير كافية لجعل الجميع أحياء. إنه يكون نفس الشيء أن يقال بغباوة شديدة، إن النور أيضًا يكفي فقط لإضاءة أشياء صغيرة وليس لإضاءة الكون كله.

 

لذلك  فهو أقام ذاك الذي كان ذاهبًا إلى قبره، وطريقة إقامته كانت واضحة لأن الإنجيلي يقول ” لمس النعش وقال: أيها الشاب لك أقول قم“. ومع ذلك فكيف لم تكن كلمة منه كافية لإقامة الشاب الذي كان راقدًا في النعش، لأن أي شيء يكون صعبًا أو يعسر تحقيقه أمام كلمته؟ فهل يوجد أعظم من كلمة الله؟ فلماذا إذًا لم يُتمم المعجزة بكلمة فقط؟ يا أحبائي الله فعل هذا لكي تعرفوا أن جسد المسيح المقدس فيه فاعلية وقوة لخلاص الإنسان، لأنَّ جسد الكلمة القدير هو جسد الحياة، وقد اكتسى بقدرته. بل لاحظوا كيف أن الحديد حينما يدخل في النار ينتج تأثيرات النار ويحقق وظائفها. هكذا أيضًا لأن الجسد صار جسد الكلمة الذي يعطي الحياة للكل، لذلك صار له أيضًا قوة إعطاء الحياة، وهو يلاشى تأثير الموت والاضمحلال.

 

ليت ربنا يسوع المسيح يلمسنا أيضًا، وهو إذ يخلِّصنا من الأعمال الشريرة ومن الشهوات الجسدية فإنه يُوَحِّدنا مع جماعات القديسين، لأنه هو معطي كل صلاح، الذي به وله مع الله الآب التسبيح والسلطان مع الروح القدس إلى دهر الدهور آمين.

إقامة ابن أرملة نايين – إنجيل لوقا 7 ج2 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد