أبحاث

أمي وإخوتي – إنجيل لوقا 8 ج2 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

أمي وإخوتي – إنجيل لوقا 8 ج2 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

أمي وإخوتي – إنجيل لوقا 8 ج2 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

أمي وإخوتي – إنجيل لوقا 8 ج2 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
أمي وإخوتي – إنجيل لوقا 8 ج2 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

(لو 8: 119ـ 21) ” وَجَاءَ إِلَيْهِ أُمُّهُ وَإِخْوَتُهُ، وَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَصِلُوا إِلَيْهِ لِسَبَبِ الْجَمْعِ. فَأَخْبَرُوهُ قَائِلِينَ: أُمُّكَ وَإِخْوَتُكَ وَاقِفُونَ خَارِجًا، يُرِيدُونَ أَنْ يَرَوْكَ. فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ:«أُمِّي وَإِخْوَتِي هُمُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ كَلِمَةَ اللهِ وَيَعْمَلُونَ بِهَا“.

 

دعونا مرة أخرى نقتبس كلمات التسبيح من كتاب المزامير: ” ماذا أرد للرب من أجل كل حسناته لي ” (مز12:116). فما هو الذي نستطيع أن نقدمه له معادلاً لحبه لنا؟ هل سوف نختار لإرشادنا أوامر الناموس ونكرمه بذبائح دموية؟ هل هو يشعر بالسرور في ذبح الثيران والغنم؟ بالتأكيد لا، لأنها ممقوتة عنده، لأنه يعلن بوضوح بواسطة أحد الأنبياء القديسين لأولئك الذين كانوا يقدمون له الخدمة الناموسية ” بغضت كرهت أعيادكم ولست ألتذ باعتكافاتكم. إني إذا قدمتم لي محرقاتكم وتقدماتكم لا أقبلها، وذبائح السلامة من مسمناتكم لا التفت إليها” (عا5: 21، 22). لذلك ما هي الذبيحة الروحية التي ينبغي أن نقدمها له؟إ  أنَّ المرنم الحكيم يعلمنا هنا أيضًا قائلاً ” قلتُ للرب، أنت ربي ولا تحتاج إلى صلاحي” (مز15: 2س). لذلك فحينما نقترب منه فسوف يقبلنا،إ إن كانت هذه هي التقدمة التي نقدمها إليه فسوف تكون غالية ومناسبة، هذه هي الذبيحة الروحية كما هو مكتوب ” هل مسرة الرب بالمحرقات والذبائح كما باستماع صوت الرب؟ هوذا الاستماع أفضل من الذبائح والإصغاء أفضل من شحم الكباش” (1صم15: 22). لأن الطاعة والاستماع لله هما السبب في كل بركة، هذا ما يعلِّمنا إياه هذا الفصل. لأن البعض دخلوا وأخبروا المسيح بخصوص أمه القديسة وإخوته، ويقول الإنجيل إنه أجاب بهذه الكلمات “أمي وإخوتي هم الذين يسمعون كلمة الله ويعملون بها.

 

والآن فلا يتخيل أحد أنَّ المسيح يزدري بالكرامة الواجبة نحو أمه، أو أنه يتجاهل باحتقار المحبة اللازمة أو المحبة اللائقة لإخوته. فإإنه هو الذي نطق بالناموس بواسطة موسى وقال بوضوح ” أكرم أباك وأمك لكي يكون لك خير على الأرض” (تث5: 16). وكيف يستطيع أن يرفض المحبة الواجبة لإخوته وهو الذي أوصانا أن نحب ليس مجرد إخوتنا، بل أولئك الذين يقفون منا موقف الأعداء؟ لأنه يقول “ أحبوا أعداءكم” (مت5: 444)، لذلك فما الذي يرغب المسيح أن يعلِّمه؟ إنه يقصد أن يرفع محبته جدًّا من نحو أولئك الذين هم على استعداد أن يحنوا أعناقهم لوصاياه, وسأشرح كيف ذلك.إ  أنَّ أعظم الكرامات وأكمل العواطف هي تلك التي ندين بها جميعًا لأمهاتنا وإخوتنا, لذلك فإإن كان يقول إ  أنَّ الذين يسمعون كلمته ويعملون بها هم أمه وإخوته, أفلا يكون واضحًا لكل واحد أنه يمنح لأولئك الذين يتبعونه حبًّا شاملاً وجديرًا بدعوتهم؟ لأنه بهذا سوف يجعلهم يعتنقون باستعداد الرغبة في تسليم أنفسهم لكلماته، والرغبة في إخضاع عقلهم لنيره، بواسطة طاعة كاملة. ولكن الله يؤكد بواسطة أحد أنبيائه القديسين أنه يفرح فرحًا عظيمًا جدًّا بأولئك الذين تخضع عقولهم له بالطاعة الكاملة. إذ يقول “وإلى هذا أنظر, إلى المسكين والمنسحق الروح والمرتعد من كلامي” (إش66: 2), لأنه كما  أنَّ آباءنا حسب الجسد يُسرون بأولئك الأبناء الذين يختارون أن يعملوا الأشياء التي هي جيدة ومناسبة بالنسبة لهم (للآباء)، والذين يرغبون أن يتفقوا معهم في الفكر، هكذا أيضًا إله الكل فإإنه يحب المطيعين ويتعطف برحمته على ذلك الذي يسمع إليه بإنصات،, والعكس أيضًا صحيح، إنه يرفض الذي هو غير مطيع وغير خاضع. لأنه وبخ اليهود الذين سقطوا في الشر قائلاً ” الابن يكرم أباه والعبد يكرم سيده، فإن كنت أنا أبًا فأين كرامتي وإن كنت سيدًا فأين هيبتي قال رب الجنود” (ملا1: 6), لأنه إإمَّا أنه يجب أن نخاف رب الكل كسيد، أو على الأقل نكرمه كأب، وهذا الأمر الأخير هو أعظم بكثير وأفضل من الأمر الأول لأن المحبة تطرد الخوف.

 

لأنه لا توجد طاعة بدون مكافأة، ومن الجهة الأخرى لا يوجد عصيان بدون عقاب، وهذا يتضح مما قاله الله بواسطة نبيه المقدس لأولئك الذين يتجاهلونه: ” هوذا الذين يخدمونني يأكلون وأنتم تجوعون. هوذا الذين يخدمونني يشربون وأنتم تعطشون. هوذا الذين يطيعونني يترنمون من طِيبة القلب وأنتم تصرخون وتولولون من كآبة القلب ” (إش65: 13، 14). فدعونا أن نرى حتى من كتابات موسى، الحزن الذي أتى لنا به العصيان, لقد طُُرِدنا من فردوس الأفراح وسقطنا أيضًا تحت حكم الموت، وبينما كان الهدف من خلقتنا هو عدم الفساد ـ فإإنه هكذا خلق الله العالم ـ فإننا قد صرنا ملعونين ومستعبدين لنير الخطية. وكيف نجونا من ذلك الذي حل بنا؟ أو مَن هو ذاك الذي أعاننا عندما حينما غرقنا في هذا البؤس العظيم؟ إنه كلمة الله الوحيد، بإإخضاع نفسه لحالتنا وبوجوده في الهيئة كإنسان، وبطاعته للآب حتى الموت (انظر في8:2). هكذا قد محا ذنب العصيان الذي بواسطة آدم،, هكذا أُُبطِِلََت قوة اللعنة وأُُبيدَت سيادة الموت. وهذا ما يعلِّمه بولس أيضًا قائلاً ” لأنه كما بمعصية الإنسان الواحد جُعِل الكثيرون خطاة، هكذا أيضًا بإطاعة الواحد سيُجعل الكثيرين أبرارًا” (رو5: 19). لأن طبيعة الإنسان كلها صارت خاطئة في شخص الذي خُلق أولاً، ولكنها الآن قد تبررت كلية من جديد في المسيح., لأنه صار لنا بداية ثانية لجِنسنا بعد تلك البداية الأولى، ولذلك فكل الأشياء قد صارت جديدة فيه. وبولس يؤكد هذا قائلاً، ” لذلك إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة، الأشياء العتيقة قد مضت، هوذا الكل قد صار جديدًا” (2كو5: 17).

إذًا فلكي يربحنا المسيح جميعًا إلى الطاعة فهو يعدنا بكرامات فائقة، ويمنحنا أعظم حب قائلاً ” أمي وإخوتي هم أولئك الذين يسمعون كلمة الله ويعملون بها“. لأن مََن من الناس يكون هكذا فظًًّا وغير لطيف حتى أنه يرفض أن يكرّم، ويعطي أكمل محبة لأمه وإخوته؟ لأن ناموس الطبيعة أقوى ،جدًّا فهو يضطرنا ـ حتى بدون إرادتنا ـ إلى هذا. لذلك فحينما نحني رقابنا لوصايا المخلِّص، فنحن نصير تابعيه وهكذا نكون في علاقة أم وإخوة بالنسبة له. فكيف إذًا يعتبِرنا أمام كرسي دينونة الله؟ أليس بلطف ومحبة، أيّ شك يمكن أن يوجد في هذا، وأي شيء يمكن ن يقارن بهذه الكرامة وهذا الصلاح. وما هو الذي يكون جديرًا أن يقارَن بمثل هذه الموهبة الرائعة والمشتهاة؟ لأنه يأخذنا إليه، حتى حيث يكون هو نكون نحن أيضًا معه. لأنه منحنا هذا الوعد قائلاً ” أنا أمضى لأعد لكم مكانًا، وآتي أيضًا وآخذكم إليَّيّ حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضًا معي” (يو14: 3).

 

لذلك فالطاعة والخضوع هما أمران جديران بأن نقتنيهما، وهما عربون كرامة عظيمة. ونقول إ إنَّ هذا يتحقق ليس بمجرد سماعنا لكلمات الله، بل بسعينا أن نمارس ما يوصى به، وهذا أنت تتعلّمه مما يعلنه أحد الرسل القديسين بقوله ” ولكن كونوا عاملين بالكلمة لا سامعين فقط لأنه إن كان أحد سامعًا للكلمة وليس عاملاً، فذاك يشبه رجلاً ناظرًا وجه خلقته في مرآة فإنه نظر ذاته ومضى، وللوقت نسيَ ما هو، ولكن من اإطَّّلَع على الناموس الكامل، ناموس الحرية وثبت, وصار ليس سامعًا ناسيًا بل عاملاً بالكلمة فهذا يكون مغبوطًا في عمله” (يع1: 20ـ22).

والآن رغم أن المناقشة التي قُدَِّمَتُْ كافية لإقناع الناس الذين يفكرون باستقامة، مع ذلك سأضيف من أجل فائدتهم ما قيل بصواب بكلمات بولس المبارك: ” لأن أرضًا قد شربت المطر الآتي عليها مرارًا كثيرة وأنتجت عشبًا صالحًا للذين فُلحت من أجلهم، تنال بركة من الله، ولكن إن إن أخرجت شوكًا وحسكًا، فهي مرفوضة وقريبة من اللعنة التي نهايتها للحريق” (عب6: 7، 8). لأن المخلِّّص يسكب مثل مطر كلمات التعزية الروحية على قلوب الذين يسمعون، أعني تعليم الخلاص المقدس.. فالإنسان الذي يملك الفهم سوف ينتج ثمار حصاد روحي وفير، ولكن إن كان مهملاً وغير مكترث فهو طبعًا ليس له أن ينتظر تمجيد الفضيلة، وبدلاً من العنب سوف ينتج أشواكًا. وماذا تكون نهايته؟ هذا نعلمه من كلمات إشعياء الذي يقول: “  أنَّ كَرْم رب الجنود هو رجال يهوذا، زرع جديد ومحبوب، وانتظرت أن يصنع عنبًا ولكنه أنتج شرًّا وليس برَّا، بل صراخ” (انظر إش5: 7). ونحن نعلم من كلمات إشعياء  أنَّ إسرائيل عُوقِبَ بسبب إهماله للإثمار الذي كان مناسبًا لنفسه ومرضيًا لله وهو لم يطع وصاياه ولا رضي أن يعملها. فيقول إشعياء: ” فالآن أُعرِّفكم ماذا أصنع بكرمي. أنزع سياجه فيصير للرعي. أهدم جدرانه فيصير للدوس وأجعله خرابًا لا يُقضب ولا يُنقب فيطلع شوك وحسك. وأوصى الغيم أن لا يمطر عليه مطرًا ” (إش5:5، 6). لذلك فهو واضح لكل إنسان أنَّ الله لا يعتبر النفس الشريرة التي تنتج أشواكًا لأنه تُترك بدون حماية وبدون جدران, ومعرضة لسلب كل من يريد،, وتكون مكانًا للصوص والحيوانات, ولا تنال أي تعزية روحية, وهذا ما أعتبره هو معنى قوله إنه لا يمطر عليها مطرًا. حينما حدثت هذه الأشياء من إسرائيل فإن المرنم كما لو كان يولول عليه وقال لإله الكل ” الكرمة التي نقلتها من مصر طردت أممًا وغرستها“, وأيضًا يكمل قائلاً: ” غطى الجبال ظلهّها وأغصانها أرز الله، مدَّت قضبانها إلى البحر وإلى النهر فروعها” (مز80: 8، 10). ويتضرع لأجل ما عانوا منه قائلاً ” فلماذا هدمتَ جدرانها فيقطفها كل عابري الطريق؟ يفسدها الخنزير من الوعر ويرعاها وحش البرية” (مز80: 12، 13), لأن النفس التي هي غير محروسة وتُحسب غير مستحقة للحماية من فوق تصير أرض مرعى للوحوش الشريرة لأن الشيطان وملائكته ينهبونها.

 

لذلك فلكي لا نسقط في مثل هذه البلايا الصعبة دعونا نحني أعناق قلوبنا للمسيح مخلِّص الكل. دعونا نقبل كلمة الله ونعمل بها، لأننا إن اخترنا أن نفعل هذا، فهو سوف يكللنا بكرامات سامية، لأنهه مُوزِّع الأكاليل؛ الذي به ومعه لله الآب التسبيح والسلطان مع الروح القدس إلى دهر الدهور آمين.

أمي وإخوتي – إنجيل لوقا 8 ج2 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد